أتذكر مشاهدتي لفيلم Bladerunner(من إنتاج عام 1986)منذ سنوات ،والذي أشعل فتيل اهتمامي بأي
شيء ينتمي لتصنيف” Cyberpunk “وهو تصنيف فرعي لتصنيف رئيسي وهو الخيال العلمي.
تلك الكلمة- لمن لا يعرف معناها- ظهرت في الثمانينيات مع روايات ويليام جيبسون، وفيليب ديك. وفيلم
runner Blade من بطولة هاريسون فورد الذي اشتهر بسلسلة ستار وورز في ذلك الوقت. لك أن تتخيل أن
فيلم من إنتاج عام 1986 يمكنه أن يثير اهتمام شخص يعيش في عام 2015 مع كل هذا التقدم التكنولوجي على أرض الواقع، وفي مجال صناعة الألعاب والأفلام على حد سواء! هناك شيء مميز عن هذا الفيلم، وهو فكرته،وكيف تناول شكل ومفاهيم هذا العالم وكأنه يعرفك عليها من خلال بوابة زمنية واقعية، وليس من خيال المخرج أو المؤلف. يمكننا الحديث عن الفيلم في مقالات عديدة، لكننا هنا لنتحدث عن ذلك التصنيف
-cyberpunk -في عالم ألعاب الفيديو، وكيف تم تناوله.
Ex Deus الأولي: الكثير من الأطراف الصناعية ونظريات المؤامرة
بعد مشاهدتي للفيلم، بحثت عن ألعاب تتناول مثل هذه المواضيع بشكل مشابه، وكان وقتها أولي خطواتي نحو التعرف علي سلسلة Deus Ex ،بجزئها القديم، والذي صدر في سنة 2000 .لم يكن أسلوب اللعب وقتها
يتضمن الكثير من الأفكار، التجول في الخرائط، وبعض مراحل التصويب بأسلحة تبدو وكأنها من المستقبل،
والكثير من الشخصيات الذين يحظون بتعديلات إلكترونية على أجسادهم ليبدوا أنصاف آلين.
في الحقيقة اللعبة كانت “جيدة” -لا أستطيع نعتها بأكثر من ذلك- بقصة تدور حول أفكار بسيطة أصبحنا نراها كثيرًا مع مرور الوقت، وهي نظريات المؤامرة، وفكرة وجود مجموعة من البشر تتحكم في مصير البقية لتحقيق مصالحهم الشخصية (الIlluminati). يكفي أن أحد تلك المؤامرات في اللعبة كانت إطلاق وباء عالمي بشكل مقصود، والإبقاء علي اللقاح إلي حد انتشار الوباء بشكل كبير، لضمان تهافت الناس الكبير عليه وتحقيق الربح. بالمناسبة هل يبدو ذلك مألوفًا لك في 2021؟ ما علينا من ذلك الآن..
لقد كانت تجربتي مع Deus Ex الأولي ممتعة، ولكن ربما كان عالم الألعاب نفسه كان لا يزال بدائًيا، أو أن طموح اللعبة فاق إمكانياتها التقنية والمادية. ولكنها في النهاية لم ترضي المحب الشغوف لفيلم Blade runner الذي يقبع بداخلي.
Borderlands: عالم مثير للاهتمام
في كوكب باندورا، خارج مجموعتنا الشمسية، تسيطر الشركات على كل شيء، وتملك قوات عسكرية تجعل من الهيمنة على دول بأكملها احتمال وارد، بل وقائم في بعض مناطق هذا العالم الذي يعاني من التفتت، مع اختفاء مفاهيم الحياة كما نعرفها الآن، وظهور قوة تلك الشركات كقوة مهيمنة على كل شيء حتى البشر وإرادتهم الحرة. هكذا هو عالم لعبة Borderlands، عالم قريب في بنائه لفكرة الديستوبيا الخاصة بالسايبرانك، ولكنه أقرب من عالم مثل عالم The Outer Worlds أو Mass Effect أكثر من كونه سايبربانك.
بعيًدا عن المسميات إلا أن عالم Borderlands بالفعل يقدم رؤية قوية وجذابة لعالم ما بعد الحكومات والأنظمة. عالم يحكمه رأس المال، ويكون ذلك جلًيا أمام أعين الجميع من خلال مظاهر عديدة في عالم اللعبة، أهمها هو فكرة الخزائن والصيادين الذين يأخذون من البحث عن تلك المخابئ مهنة، وهو تصور مصممي اللعبة عن المرتزقة في تلك الحقبة الزمنية المستقبلية. تتميز سلسلة Borderlands بأكملها بحس فكاهي رائع لا يوجد الكثير من الألعاب التي تطرحه بذلك الشكل بحيث يجمع بين الكوميديا السوداء والأفكار العميقة بعض الشيء.
للتعرف على عالم Borderlands وعلي الجانب القصصي أكثر أولًا أنصحك بتجربة لعبة Tales From Borderlands الألعاب الأساسية تركيزها الأكبر على المعارك وأسلوب اللعب. Tales From borderlands هي لعبة قصة تفاعلية من تطوير استوديو telltale يضعك في مغامرة صغيرة تأخذك إلى داخل أروقة تلك الشركات، لتتعرف على ذلك العالم وكبار شخصياته عن قرب، وتصل بك إلي بعض أهم مناطق ذلك العالم.
أحد تلك الشخصيات التي یتسنى لك التعرف عليها عن كثب هي الشخصية الرائعة Handsome Jack وهو رئيس أحد أكبر شركات اللعبة -Hyperion- يلعب دور العدو الرئيسي في الأجزاء الأولى، ولكنه أكثر من مجرد شرير. فهو أقرب لكونه Anti-hero، یذكرني قلیلًا بشخصية الجوكر. علي الرغم من كل ذلك كنت لازلت لم أجد ضالتي، اللعبة التي تمثل فئة السایبربانك بشكل یقترب حتى من فيلم blade runner.
إعادة تصور Deus Ex : كل ما كنت أحلم به
تجربتي مع Deus Ex: Human Revolution لم تكن متوقعة، فلم أكن أعرف الكثير عن اللعبة قبل البدء فيها. كل ما كنت أعرفه أنها لعبة تخفي جيدة، لكني لم أكن أعرف أني سأقع بحبها.
Deus Ex ھي أكثر الألعاب التي رأيتها-حتي تلك اللحظة- تأثرًا بفيلمBlade runner من حيث القصة وبناء العالم. القصة تضعك في دور شخصیة Adam jensen ضابط قوات خاصة سابق، ورئيس لقطاع الأمن في شركة Sarif Industries. تلك الشركة تلعب دورًا محوريًا في الأحداث إذ أنها البوابة الذي يدخل منها البطل آدم إلى ذلك العالم الخفي، عالم الIlluminati ويتعرف -وأنت معه- على خفاياه،وهو ما يثير أسئلةً منطقية، منها، هل إذا ساهمت التكنولوجيا في تحسين أداء الإنسان، أصبح ذلك تدخلًا في طبيعة البشر؟ أو إذا أنقذ الأطباء حياتك وأصبحت تمتلك أطرافًا صناعيةً، وباتت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من تكوينك فهل يجردك ذلك من صفة الإنسانية؟ هذه الأسئلة التي طرحها فيلم Bladerunner بشكل جذاب، تتعمد اللعبة طرحها بأساليب مختلفة. في الحقيقة فأن الفيلم لم يكن يمتلك رفاهية الوقت التي امتلكها مطوري اللعبة في أيديهم سلاحًا، وهو الوقت.
الفيلم يمتد إلى ثلاثة ساعات، وهو بذلك يعتبر فيلمًا طويلًا. أما اللعبة فقد تمتد إلى 25 ساعة، وتعتبر بذلك لعبة متوسطة العمر. كذلك كان الوقت يعمل في صالح Deus Ex في نسختها الجديدة من تطوير Eidos Montreal ونشر Square Enix.
تضعك Human Revolution في الكثير من المواقف التي يكون عليك الاختيار فيها بين أمرين، لا يوجد إجابة صحيحة وأخرى خاطئة، ولكن هناك دائمًا عواقب لما تختاره. تجاهل أمر ما كان يستدعي الاهتمام به، قد يعود ككرة الثلج وقد فات الأوان لتفاديه او حله، ويشكل خطر عليك، أو ببساطة تفوتك مغامرة تستحق الاستكشاف. المثير للاهتمام في اللعبة ليس فقط أن الشخصيات جذابة، وتخفي الكثير، بل أن العالم أيضًا ليس كما يبدو في ساعات اللعب الأولي،فاللعبة تمتلك أكثر من خريطة تأخذك إلى أكثر من مكان في العالم. وهي ليست عالم مفتوح ولكنها تحتوي علي مناطق شبه مفتوحة أو Hub Area أحدهم في الصين، وأخري في أمريكا وتحديًدا مدينة ديترويت وهذان الخريطتان أسسا لعالم اللعبة بشكل رائع. كل خريطة تحتوي على مهمات جانبية وأساسية تأخذك إلي جزء منها الستكشافه، ومعرفة خفاياه. فمثاًل في الصين ستتعرف على المدينة العلوية والمدينة السفلية، وهم مختلفين تمامًا عن بعضهما من حيث الطبيعة، ويظهر هذا ظاهرًيا وموضوعًيا من خلال الأحداث.
أتذكر عند رؤيتي لمشهد المدينتين أني انبهرت بشكل ذكرني بفيلم Bladerunner .في المدينة السفلية يعيش عامة الشعب من الفقراء، بنسب جرائم مرتفعة، وبشر يبحثون عن كسب العيش بأي طريقة، عصابات تستغل هذا من أصحاب النفوذ في المدينة العليا.
شركات الأمن تسيطر على الميدنة وليست الشرطة الحكومية، ولذلك فإن الحماية حق يحصل عليه بعض الناس، وليس كلهم. العالم يتطور وفي طريقه يسحق أولئك الذين لا يتطورون معه، فهل كانت اللعبة مجرد لعبة تخفي جيدة كما ظننتها في بداية تجربتي؟ في الحقيقة لقد وقعت في حب العالم اللعبة، وشخصية البطل التي ذكرتني ، هو شخص قوي وغامض ويستطيع مساعدة بشخصية باتمان قليلًا الناس ولكنه مستعد للذهاب بعيًدا لكي ينال مراده، وهو بذلك يكون مرعًبا في بعض الأحيان لأعداؤه لأنه يصبح بذلك غير متوقعًا. يمكننا الحديث باستفاضة أكثر عنه في مقالة منفصلة، ولكن بشكل عام كان انطباعي عن اللعبة وأسلوب اللعب الإيجابي مستمر مع السلسلة حتى مع جزئها الثاني Mankind Divided ،مع اعترافي بوجود بعض العيوب في ميكانيكيات اللعب. ولكن أكثر ما لفت نظري هو الذكاء الاصطناعي الممتاز للأعداء
2077 Cyberpunk :كان من المفترض أن تكون الخطوة التالية
لعبة عالم مفتوح من هذا النوع كانت هي الخطوة لم يقدم عليها أي مطور بعد، ولكن عندما تم الإعلان عنها كان من الرائع رؤية هذه النوع من الألعاب يخرج من ستوديو قادر علي تصميم عوالم افتراضية جميلة، وقصص رائعة، وقد ظهر ذلك في العنوان الذي زاد من شعبية الستوديو وجعلنا نصنفه كأحد أفضل الاستوديوهات حول العالم، وهي بالطبع ويتشر 3. لن أطيل عليكم بالحديث عن قصة الدعاية التي سبقت إصدار اللعبة، أو الدراما التي لحقت ذلك الإصدار، وإنما سأتناول جانب واحد من تلك اللعبة ككل، هل نجحت في تجسيد نوع السايبربانك بشكل ناجح؟
الإجابة على هذا السؤال هي نعم بكل تأكيد، على الرغم من كل الإخفاقات التي حدثت مع اللعبة إلا أنها نجحت في مهمتها الأساسية وهي تقديم عالم شبيه بعالم runner Blade ،أو بمعنى آخر، أن تخطو الخطوة التي خطتها صناعة السينما في 1986(سنة إنتاج الفيلم) لصالح عالم الألعاب. أن تقدم الفكرة بالشكل الذي تستحقه. وفي الحقيقة فإن مدينة نايت سيتي هي أفضل شيء صممه استوديو CDPR علي الإطلاق من وجهة نظري. مدينة جميلة وقبيحة في الوقت نفسه، تحتوي على عصابات مختصة بالجرائم الصغيرة مثل السرقات والابتزاز، وعصابات كبيرة تقوم بغسيل الأموال، والأعمال القذرة لصالح الشركات الكبيرة. هؤلاء العصابات يربطهم شبكة من الشخصيات الوسيطة تحت مسمى Fixer .وهم من يتعامل معهم بطل اللعبة للحصول على مهام جديدة. عالم الجريمة في اللعبة مثير للإهتمام لأنه يقوم علي فكرة البقاء للأقوى، أي من يستطيع توفير احتياجات الشركات الكبرى بأفضل طريقة. التنافسية عالية بشكل لا يصدق، وعلي الرغم من أن نايت سيتي مصممة علي فكرة كونها “مدينة المستقبل” إلا أنها لم تستطيع التخلص من أقدم عدو للبشر، وهو الجشع والعنف. لا وجود للقانون، فالقانون يضعه من لا يهمهم الأمر، من يريدون مصلحتهم الشخصية.
علي هذه الأسس كانت نايت سيتي قالًبا عظيمًا للعبة يمكن أن تكون عظيمة، ولكن جميعنا يعرف ما حدث. سايبر بانك لم تستخدم كامل إمكانيات الاستوديو ربما لحسابات أخري مالية لا عالقة لنا بها الآن، ولكن الأكيد هو أن استمرارية اللعبة وتحولها لسلسلة قد تفتح الباب للعبة تجسد أخيرًا هذا النوع من الخيال العلمي بالشكل الذي أتمناه. خصوصًا وأن المدينة -وهي أهم عنصر يضمن الاستمرارية- تم تصميمها بشكل رائع.
في النهاية:
أعتقد أننا رأينا تجسيدًا للحرب العالمية مثلًا بشكل متكرر ﻓﻲ عالم اﻷﻟﻌﺎب، ولكن علينا أن نعترف أن الطريق لايزال طويلًا أﻣﺎم صناعة اﻷﻟﻌﺎب، وهناك الكثير ﻣن اﻷنواع التي ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣن ندرة ربما لأنها غير محبوبة -وهو أمر مفهوم- وربما لأنها غير مستكشفة بعد. الشجاعة والإبداع هما العنصران اﻟﻠذان ﯾﺟب أن ﯾﺗوﻓرا ﻓﻲ المطور اﻟذي يريد الخروج عن المألوف، وتقديم ﺷﻲء ﻟم يقدمه الكثيرين ﻣن قبل. وهو ﻣﺎ قد يكون اﻵن “مسؤولية” استوديو CDPR لتعويضنا ﻋن اﻹﺧﻔﺎق اﻟذي حدث.