في سلسلة “بداية الأسطورة” نتطرق للحديث عن بدايات سلاسل الألعاب الفعلية، قد تكون عبر جزئها الأول، أو جزء محدد جاء فكانت له الإسهامة الأكبر في بناء تركيبة، وأسلوب السلسلة الذي أحبه الجميع، أو كان بمثابة الإنطلاقة الحقيقية لسلسلة ما. تحدثنا مسبقًا عن سلسلتي Uncharted و GTA، واليوم نتحدث عن سلسلة Assassin’s Creed، والجزء الذي جعلني أقع في حبها، Assassin’s Creed II.
كيف وضعت Assassin’s Creed II معاييرًا جديدة لألعاب التخفي، دون حتى أن تتضمن زرًا للإنحناء؟
قد لا يعرف الكثيرون هذه المعلومة، لقد تم تقديم زر الإنحناء (Crouching) ونظام الاحتماء (Cover) في إصدارة Assassin’s Creed Unity، قبل ذلك لم تكن تحتوى اللعبة على حركات تساعد على التخفي، وعلى الرغم من ذلك كانت الأجزاء الأولى حتى Assassin’s Creed Black Flag تعتمد كثيرًا على التخفي في الاغتيالات، ولكن مع الجزء الأول والثاني بالذات كانت الجماهير تعتبر سلسلة Assassin’s Creed سلسلة ألعاب تخفي تمامًا مثل Metal Gear Solid، و Splinter Cell مثلًا!
يعود ذلك إلى نظام التخفي المثير للاهتمام الذي أتت به اللعبة، والذي كان بالمناسبة شديد الاتساق مع ما تُقدمه اللعبة قصصيًا، فمع الجزء الأول كانت تدور احداث القصة عن تطور جماعة “الحشاشون/الحشاشين” -ومن هنا جاءت كلمة “أساسينز” -لتكون جماعة سرية هدفها التصدي لمنظمة “فرسان المعبد” أو Templars، وحماية الإرادة الحرة للبشرية. وكانت تمتلك تلك الجماعة ميثاق تعمل بيه، وهو ألا تطول نصالهم الأبرياء، وأن يتخفوا على مرأى من الجميع. كان هذا حجر الأساس الذي بُني عليه نظام التخفي الخاص باللعبة، ومقارنة بألعاب ذلك الوقت، يمكنني وصفها بأنها كانت فكرة عبقرية.
ظهر مصطلح “التسلل الاجتماعي” (Social Stealth) بسبب الإصدارات الأولى من سلسلة Assassin’s Creed. وأهمها الجزء الثاني. تمكنك اللعبة من التخفي عن طريق الجلوس وسط الناس في الشارع، أو المشي برداءك الذي يشبه رداء القساوسة وسط قساوسة حقيقين، مما يصعب على الأعداء التفرقة بينكم. تقدم اللعبة أيضًا آلية مميزة اختفت في الإصدارات الجديدة تمكنك من دفع الأموال لمجموعات من الناس للسير وسطهم.
التخفي في Assassin’s Creed 2 كان معتمدًا على فكرة وهدف واحد، وهو ألا تدخل في مواجهات مباشرة مع الأعداء. دائمًا هناك طريق أخرى، هكذا علمتنا تصميمات البيئات في اللعبة. لقد كنت أحب دائمًا أن اغتال هدفي من الأعلى، وكنت دائمًا أجد -مع بعض البحث- طريقة لفعل ذلك بشكل ناجح. لكي تنجح في اغتيال اهدافك بإتقان تام، سيكون عليك دائمًا تفقد الأسقف، وكيفية التسلق إليها. يمكنك دائمًا دراسة نمط حركة الهدف ومن معه من حراس، واختيار الوقت المناسب حتى لا تتحول محاولة الاغتيال إلى معركة دامية كبيرة.
عظمة السرد القصصي في Assassin’s Creed II، خطيين زمنين يتم الانتقال بينهما بسلاسة مثيرة للإعجاب!
أكثر ما ميز Assassin’s Creed II عن بقية أجزاء السلسلة هو ما يحدث في قصة الوقت الحاضر، بين خط أحداث ثانيهما هو عصر النهضة في إيطاليا، وأولهما هو الوقت الحاضر، لا يخطف أحدهما الأضواء من الآخر، بل يتم تقديمهما بشكل متوازن، ومتوازٍ، والعجيب في الأمر أن هذه هي الإصدارة التي ستشعر فيها بأن المطور لديه ما يقوله بالفعل حول القصة، هناك خط بداية وخط نهاية واضحين، ستشعر بإنه تم إثراءك بالمعلومات عن عالم اللعبة (Lore) بعد النهاية، وستتحرق شوقًا للمزيد.
لقد عرفت كم كنت أفتقد هذا الشعور في ألعاب Assassin’s Creed خصوصًا مع قصص الوقت الحاضر الهزيلة التي ظهرت من بعد الجزء الثالث. وحتى في Origins و Odyssey عندما قرروا إعادة تقديم شخصية بطلة لقصة العصر الحديث، وقدموا بالفعل “ليلى حسن” كنت لا أشعر بأن أجزاءها مهمة، أو أنها تضيف لي معلومات عن ما يحدث في عالمها، بشكل يجعلني متحمسًا للمزيد.
في Assassin’s Creed II، أنت تتحكم بديزموند مايلز، بعد معرفته لحقيقة أبسترجو، وهربه من منشئتهم التي كان محتجزًا فيها بدون علمه، ومع فريق مكون من ثلاث شخصيات هم لوسي، وريبيكا وشون، تحاول العودة لذكريات أجدادك من خلال جهاز الأنيموس أملًا في تحديد موقع قطع عدن التي كانت بحوذة “Ezio Auditore” وهنا فإن هذه هي القصة المبدأية فقط، فيما بعد يتم تقديم تعقيدات أكبر، تزيد من روعة القصة، فكما تعلم يا عزيزي جميعنا يحب القصص غير المتوقعة، ولكن دعني أشرح لك لماذا كنت أحب القصتين معًا؟
في قصة ديزموند مايلز، لم أكن أعرف ماذا يريد ديزموند بالتحديد (مع بداية اللعبة) وما الدوافع التي تُحركه، ومدى خطورة الموقف الذي هو بصدده. ودعني أسلط الضوء هنا على حقيقة أن في ذلك الوقت من عمر السلسلة لم يكن تصنيف اللعبة معروفًا، وأن الدعاية تعمدت إبقاء أفكار الخيال العلمي في اللعبة سرًا، أو كحد أدنى في العروض المروجة للإصدارة الثانية.
جانب الخيال العلمي متمثلًا في قصة الحضارة السابقة للبشر، وماهي قطع عدن في الأساس، كان مفاجئ بشكل إيجابي. إنها قطعًا صنعتها حضارة الISU للتحكم في البشر، بتكنولوجيا تفوق ما وصل إليه البشر حتى في 2021 بمراحل! كيف ولماذا،هذا ما تستغرق اللعبة وقتها في شرحه بإسلوب مقنع ومبدع، وبأداة أقل ما يقال عنها “ أحد أذكى الأدوات السردية في الألعاب حتى يومنا هذا” وهي ألغاز The Truth.
الحقيقة التي أخفتها كتب التاريخ دائمًا، العنصر الذي بنيت عليه Assassin’s Creed II قصتها:
يتم من خلال دلائل عديدة حول عالم اللعبة التلميح لشخصية Clay Kaczmarek، أحد زوار الأنيموس (Subject 16) الذي أدمن الدخول على جهاز الأنيموس مما تسبب له بحالة من الجنون ادت لانتحاره، ولكن حتى بعد وفاته يبقى حيًا في صورة ذكاء اصطناعي داخل جهاز الأنيموس، مقدمًا النصائح لمن يأتي من بعده.
يتم استخدام Clay كأداة سردية بديلة لفكرة الراوي مثلًا في الأفلام. الراوي هو صوت يخبرك ما يحدث ويشرح لك الأحداث وكأنه يشاهد معك الفيلم وقد تم استخدامه في أفلام عديدة منها Goodfellas و The Irishman. ولكن استخدامها في اللعبة كان سيقتل عنصر التشويق التي تريد اللعبة زرعه في كل ركن من عالمها.
تقوم شخصية Clay بزرع ألغاز (شفرات) متفرقة على هيئة رسومات على جدران المدن في اللعبة، وعند فك شفرات هذه الرسومات، يتم فتح مقطع فيديو صغير، جنبًا إلى جنب مع بقية المقاطع، يشكلون لك الصورة الأكبر، مقطع فيديو يحكي لك تاريخ البشرية (من وجهة نظر اللعبة)!
التاريخ يكتبه الفائزون، والخاسرون لا يملكون الفرصة للدفاع عن أنفسهم، لا تصدق كتب التاريخ، ولا تظن أن الأشرار عبر التاريخ كانوا لا يمتلكون حججًا مٌقنعة لما يفعلون، هم فقط لم يمتلكوا الفرصة لكي يشرحوا لنا.
هذه هي كلمات Clay التي ستسمعها من خلال التسجيلات الصوتية القابلة للجمع من خلال عالم اللعبة. لقد جعلت اللعبة النشاطات الجانبية بأهمية وإثارة النشاطات الأساسية. بعض المهمات الجانبية أيضًا تعطيك بعض المعلومات عن شخصيات تاريخية حقيقية استخدمت تفاحة عدن، مثل غاندي، ونابليون، وتُرجع سبب شعبيتهم واتباع الناس لهم لاستخدامهم تفاحة عدن التي تسيطر على العقول!
نظرية المؤامرة التي تطرحها اللعبة ليست جديدة بالمناسبة، ولكن طريقة طرحها وشرحها بشكل تدريجي هو ما يجعلها رائعة في هذه اللعبة بالذات دونًا عن غيرها. ليس من السهل الخروج من تحت تأثير أو سحر هذه النظرية التي تجعلك تفكر في كل أحداث التاريخ بشكل مُختلف، وكمحب للتاريخ مثلي، ستجد هذا العنصر هو الأكثر جاذبية في لعبة Assassin’s Creed II بلا منازع. وهو أيضًا ما يجعل قصتها أكثر إقناعًا، أن تكون جزءًا من الحدث الأكبر، هو كل شيء بالنسبة لمحبي السلسلة بسبب هذه الإصدارة، لذلك وقعت في حب قصة Valhalla لأنها تفهم ذلك جيدًا، وتقدم قصص صغيرة مُتقنة دون أن تنسى الصورة الكبيرة.
أسلوب اللعب والعالم: درس تاريخ حي، وأكشن مختلف عن أي لعبة أكشن في ذلك التوقيت
كان كل هذا الحديث عن البناء القصصي دون ذكر أسلوب اللعب بالشكل الذي يليق به، ولكن لا تقلق يا عزيزي لقد تركت هذا الجزء ليكون الأخير، حتى يكون مسك الختام،تمامًا كالقطعة الأخيرة من البيتزا المٌفضلة لك!
بما أننا نتحدث عن لعبة فيديو، لا يمكننا اتخاذ جودة القصة ذريعة لنعت تلك اللعبة بأنها “لعبة رائعة” لأن الغرض من الألعاب في المقام الأول هو الاستمتاع بوقتك، وليس تقديم قصة جيدة في قالب متواضع.
عند العودة الآن إلى Assassin’s Creed II قد تشعر بأن أسلوب اللعب قد عفى عليه الزمن، لا يمكنني أن أخبرك بانك مخطئ، لأن اللعبة صدرت في 2009، ولكن يمكنني أن أخبرك بأن وقتها كان أسلوب اللعب ذلك ثوريًا، مصقولًا أكثر من أغلبية الألعاب على الساحة.
لقد قدم العالم المفتوح محاكاةً شديدة الواقعية والجمال لتلك الحقبة التاريخية الجميلة. عصر النهضة، حيث ازدهرت الفنون والعلوم، وسيطر رجال الدين الفسدة على أوروبا، محاولين إبعاد بلادهم عن تلك النهضة التي تهدد وجودهم.يمكنك رؤية كل هذا حولك في كل مكان تذهب إليه في مدن إيطاليا وهي Florence, Venice, Monteriggioni, San Gimignano و Forlì. ويساعد تصميم هذه المدن والمواقع على التنقل باستخدام الParkour الذي كان متأثرًا بسلسلة Prince of persia كثيرًا في ذلك الوقت.
لقد استخدمت اللعبة ذلك النظام في تصميم مراحل كاملة سواء في المهمات الجانبية أو الأساسية تعتمد بشكل كبير على التنقل عن طريق القفز بين المنصات. اختفت هذه المراحل في الأجزاء الأخيرة من السلسلة ولكنها كانت توفر الكثير من المتعة. تصاميم البيوت المتقارب جعل من مدينة Florence بالذات جنة مُحبي الباركور.
أما عن الاغتيالات فقد قدمتهم اللعبة بشكل رائع مقارنة بألعاب وقتها، لقد أشرت إلى تصميم المهمات عند الحديث عن التخفي في اللعبة. يممكني ان أضيف الآن بأني شعرت بأهمية كل عملية اغتيال بسبب الحديث الذي يدور بين إتزيو وضحيته عقب إصابتها، وكيف أن تصميم البيئات في مراحل الاغتيال يساعدك في أن تقوم بالعملية بشكل احترافي، دون الدخول في معارك فوضاوية، ولكن على ذكر المعارك..
كانت المعارك في Assassin’s Creed تشكل تحديًا كبيرًا، ليس لأن اللعبة تلقي بالكثير من الأعداء أمامك مثل Odyssey، وليس لأن الحركات التي تم تصميمها للشخصية كانت سلسة كلعبة Assassin’s Creed III، ولكن ببساطة لأنها كانت معتمدة على المهارة في اختيار توقيت الضربة. هي أشبه بنظام Parry & Dodge من لعبة Unity الذي يجعل من توقيت الضربة أهم من قوتها. لقد كانت المعارك هي أقل ركن من أركان اللعبة تنوعًا، ولكنها كانت دومًا الملاذ الأخير، لذلك لن أشعر بمشكلة مع الجودة الخاصة بها على مدار أحداث اللعبة.
حصلت اللعبة أيضًا على جانبًا اقتصاديًا متمثلًا في الفيلا أو القصر الخاص بشخصية Mario (عم Ezio). في سياق القصة تُضطر الظروف Ezio (البطل) لمغادرة موطنه، مدينة فلورنس، والاتجاه للعيش مع عمه في مكان منعزل في مدينة Tuscan. تتيح لك اللعبة إعادة بناء وترميم المباني الحيوية في هذه المدينة الصغيرة، واستغلال أموال العوائد (في حال بنيت متاجر) في شراء وترميم المزيد من المبان التي تكون لاحقًا في عمر القصة مهمة لك ولسكان المدينة.نظام اقتصادي بقدر كونه إضافة صغيرة، إلا أنك ستجد نفسك تقضي وقتًا طويلًا معه (في حال كنت لم تلعب اللعبة بعد). توسعت اللعبة في تلك الإضافات الجانبية حين قدمت نظام تجنيد المُغتالين في Brotherhood ومن ثم نظام اقتصادي أكثر تعقيدًا، وأشد متعة في الجزء الثالث، ولكن لسبب لا يعلمه سوى الله،و صُناع القرار في Ubisoft قرروا التخلي عن كل ذلك في الإصدارات اللاحقة، ليعود لنا مع Valhalla بشكل هزيل، غير مُعزز بأي جهود إضافية لصقله.
إذًا أسلوب اللعب لم يقتصر على التخفي أو القتال فقط، وإنما هناك منظومة تخفي مناسبة لوقتها، ومنظومة تنقل (Parkour) رائعة وسلسة، ودواعي عدة للاستكشاف، والأهم من كل ذلك، عالم يدعوك لتطأ كل شبر فيه، في فُرصة لن تعوض لتشهد واحدة من أهم وأجمل حقب التاريخ على الإطلاق.
في النهاية، لقد رسخت إصدارة Assassin’s Creed II لمبادئ السلسلة الأساسية، حقبة تاريخية مثيرة، اغتيالات كثيرة، وشخصيات أساسية مثيرة للإعجاب والاهتمام، ونظام تنقل سلس. تعتبر هذه هي البداية الفعلية للسلسلة، وقد نختلف على بعض الأجزاء اللاحقة، ولكن لا يمكننا إنكار أن مُعظمها حاول على الأقل أن يحقق تلك الشروط.
تعتبر Assassin’s Creed II واحدة من أكثر الألعاب إبداعًا وابتكارًا في تقديم شخصياتها وعالمها، وتعتبر أيضًا من أفضل الألعاب من حيث السرد القصصي، ولذلك أنصحك بتجربتها إن لم تكن قد جربتها بالفعل، خصوصًا مع توفرها بنسخة مُحسنة على منصات الجيل السابق، والحاسب.