مقالات

اللمس الافتراضي: خطوة لجعل الميتافيرس حقيقة!

“إنه نوعٌ مثير من الواقع، ويشبه تمامًا عالمنا المادي الذي نعيش فيه. بالنسبة للكثيرين، عالمنا الحالي مُقيد؛ فلا يمكنك مثلًا أن تحول مبنى عملاق إلى زهرة التوليب، على عكس الواقع الافتراضي VR، لا يوجد به أي قيود؛ ستتمكن من أن تكون أنت بحرية وستطلق العنان لأفكارك الخيالية وتراها تتحول إلى حقيقة تشاركها مع الناس أمام عينيك.”

جارون لانييه، عالم الحاسوب الذي صك مصطلح “الواقع الافتراضي”، بتصرف.

تخيل أنك في إحدى ردهات الفنادق. أمامك عشرات الأبواب مجهولة الفحوى. عالق في مكان مغلق لا تدري أين السبيل إلى الخروج منه، فتقرر أن تدخل بابًا وراء الآخر لتستكشفهم علّك تستطيع العودة. كلٌ باب تدخله تفاجئ فيه بشعور مختلف يختبر حواسك كلها أو جُلها. دخلت من الباب الأول فشعرت أنك في جهنم، فأسرعت وخرجت إلى الثاني، فشعرت بأنك في القطب الجنوبي، فهرعت منه إلى الثالث، فجرّبت شعورًا مختلفًا جعلك تصاب بالدوار، وآخر شعرك تتقزز، وهكذا دواليك حتى آخر باب.

نزعت جهازًا إلكترونيًا من على رأسك، وانتهى ذلك الكابوس ذو المشاعر المختلطة. تهانينا، لم تكن تلك المشاعر حقيقية، ولم تتغير درجة حرارة جزيئات الهواء من حولك، لقد قررت فقط أن تخوض تجربةً جديدة مع سماعات الواقع الافتراضي خاصتك. كانت تجربة Immersive، أو “اندماجية” -دعنا نسميها هكذا-، لقد أجهدت كيمياء جسمك يا رجل!

استهلال

في تسعينيات القرن الماضي، أجرى العلماء دراساتهم على مركب الكابسيسين -مستخرج من الفلفل الحار- والكحول الميثيلي، وتمكنوا من تفسير الطريقة التي تتعامل بها أجسامنا مع التغيرات الحادثة في درجات الحرارة، سواء البرودة القارسة أو الحرارة الشديدة. والآن، نشهد دراسة مشابهة تتم في جامعة شيكاغو بواسطة الباحثة “جاسمين لو” وزملائها الباحثين على مركبات كيميائية يمكن استخدامها في الواقع الافتراضي لتجعلنا نشعر “بواقعيته” كما لو أننا في العالم الحقيقي.

تعمل جاسمين وفريقها الآن على تطوير أداة بمجرد ارتدائها، ستتمكن حواسك من اختبار مشاعر مختلفة مثل الحرارة، والبرودة، والألم، وغيرها، حسب الطلب. تلك الدراسة قد تقلب العالم رأسًا على عقب وتقرّب حلم الواقع الافتراضي “الاندماجي” أكثر من أي وقت مضى.

ما هو الواقع الافتراضي “الاندماجي”؟ وما الفرق بينه وبين الواقع الافتراضي؟

في البداية ما هو الواقع الافتراضي Virtual Reality (VR)؟

الواقع الافتراضي هو إنشاء عالم افتراضي ثلاثي الأبعاد، أو محاكاة العالم الحقيقي باستخدام برمجيات الحاسوب. يمكن للمستخدم أن يدخل إلى ذلك العالم عن طريق أداة تقنية مثل نظارات الواقع الافتراضي والتفاعل مع ما يراه من أشياء، ووفقًا لذلك التفاعل، يمكننا أن نقسم الواقع الافتراضي إلى 3 أنواع:

1-    الواقع الافتراضي العادي أو “غير الاندماجي”

وهو المُتعارف عليه؛ فعندما نقول “الواقع الافتراضي”، فنحن نعني هنا الواقع الافتراضي “غير الاندماجي”.

في هذا النوع، يمكن للشخص الذي يجربه أن يشعر بالأدوات المادية التي يستخدمها في العالم الحقيقي، أي أنه يكون متصلًا به وواعٍ تمامًا بكل شيء حوله في الحقيقة.

2-    الواقع الافتراضي “شبه الاندماجي”

إذا شاهدت أحد أفلام الخيال العلمي، مثل أفلام المنتقمين Avengers، فعلى الأرجح أن نوعًا شبيهًا قد صادفك.

هنا أنت متحكم بشكل جزئي في الواقع الافتراضي أو العالم غير الحقيقي ويمكنك فيه أن تستخدم ما تشاء من أدوات. نوعٌ مناسب تمامًا للأغراض التعليمية والتدريبية. الأمر شبيه بالهولوجرام، ولكن في عالم كامل من تلك الأدوات الافتراضية.

3-    الواقع الافتراضي “الاندماجي”

حتى الآن، لم نصل إلى هذا النوع، وربما لم نقترب منه حتى. ففي هذا النوع يصل الاندماج إلى أقصى درجاته ونصبح منخرطين كليًا في الواقع الافتراضي ومعزولين عن عالمنا الحقيقي. الأمر أشبه بالميتافيرس.

هذا النوع هو الأكثر واقعية (كعالم افتراضي) على الإطلاق. تخيل أن تشعر بكل شيء تقريبًا، وحتى قد يصل الأمر إلى حاسة الشم. شخصيًا أتساءل كيف تبدو رائحة القرنفل الافتراضية! تخيل أن تلعب Forza Horizon 5 وتشعر بميكانيكيات اصطدام السيارات مثلًا. هذا ما تحاول دراسة جامعة شيكاغو -المذكورة بالأعلى- الوصول إليه.

مجرد التفكير في هذا النوع قد يقودك إلى آلاف الأسئلة الفلسفية والوجودية، وفي النهاية إلى الجنون! هل سنحتاج إلى تعديل أدمغتنا؟ هل سنفتح بُعدًا زمنيًا جديدًا؟ هل يمكن أن نؤسر داخل تلك التكنولوجيا؟ كل تلك الأسئلة في غاية الأهمية، ولكننا لا نعلم إجاباتها حتى الآن. السؤال المهم: هل نحن مهيؤون كبشر لمثل تلك المرحلة؟

هل نحن مستعدون؟

الواقع الافتراضي

في رواية المسخ للكاتب التشيكي، فرانز كافكا، وفي صباح يوم من الأيام، استيقظ جريجور سامزا (بطل الرواية) مستلقيًا على السرير ليُفاجئ أنه تحول إلى مخلوق يشبه الحشرة. كان صاحبنا مدركًا وواعيًا بنفسه، ولكنه اضطر إلى تعلم أساليب مختلفة عن البشر لكي يتعايش مع حياته الجديدة، وهذا بالتبعية أثر على سلوكه، وتصرفاته، وعلى كل من رآه.

استخدام الواقع الافتراضي أثبت أننا قد نمر بتحولات جسدية تشبه المثال السابق، ولكن ليس على شكل حشرةٍ بالطبع.

الطريقة التي ترى بها عقولنا أجسادنا أمرٌ مهم للغاية في علم الأعصاب الإداركي. تمييز العقل لليد التي أكتب بها هذا المقال الآن على أنها يدي والتفريق بينها وبين لوحة المفاتيح التي أستخدمها أيضًا ليس بالأمر السهل على عقولنا.

قد يعتقد الأغلبية العظمى أن عقولنا تستطيع ببساطة أن تميز بين كل تلك الأشياء التي تحوطنا، ولكن هيهات؛ فعقولنا يمكن خداعها ببساطة، وفي تجربة “وهم اليد المطاطية” خيرُ مثال، فقط شاهد هذه التجربة.

دخولنا عالم افتراضي وتحول أجسادنا إلى أشكال أخرى غير التي عهدناها قد يشكل خطرًا كبيرًا علينا؛ فمجرد استبدال إحدى يدانا بيد بلاستيكية خدع أدمغتنا وجعلها تصدر ردة فعل فورية دفاعًا عن اليد الجديدة رغم أنها منفصلة عنها، فما بالك بتغير هيئنا الكلية؟ ماذا سيحدث لدرجة حرارة أجسادنا في العالم الافتراضي؟ وهل ستتغير سلوكياتنا للأفضل أم إلى الأسوأ؟ لا ندري.

شرب الكحوليات يذهب العقل، وتناول العقاقير المهلوسة يجعلك تعيش في عالم آخر وتنفصل عن الواقع فتتلف دماغك. يا رجل نحن أحيانًا ننفصل عن الواقع عندما نقرأ رواية خيالية أو نشاهد أحد أفلام كريستوفر نولان، فما بالك بالدخول إلى عالم جديد كليًا تطأه بقدميك؟

الواقع الافتراضي

حتى الآن لا نعلم كيف سندخل إلى ذلك العالم الافتراضي “الاندماجي”، ولكننا بالتأكيد سنحتاج إلى تقنية لن نصل إليها الآن. دخولك إلى عالم افتراضي والتحكم الكامل به سيحتاج إلى نقل وعيك، ولهذا قد نحتاج إلى من يبقينا على اتصال بالواقع الحقيقي كي لا ننفصل عنه تمامًا. الأمر أشبه بخرافة الإسقاط النجمي، ولكن على نطاق تكنولوجي واسع.

ولمن لم يسمع عن الإسقاط النجمي؛ فيقال إنها حالة يكون فيها الجسد مسترخيًا والروح هائمة في أي مكان تريد أن تذهب إليه في العالم. ولو قرأت عنه من قبل، فلعلك صادفت هذا التحذير: إذا أيقظك شخصٌ وأنت في هذه الحالة، فستموت!

إلى الواقع الافتراضي وما بعده

الواقع الافتراضي

عندما اصطدم العالم بجائحة كورونا، أصبحنا بحاجة مُلحّة إلى تطبيقات الواقع الافتراضي وكان لزامًا علينا أن نجد طريقة أخرى للتواصل، فكان التواصل عن بعد. نجاح تطبيق زووم الهائل كان أمرًا منطقيًا ومع ذلك كان حلًا مملًا خرج على إثره مصطلح “إجهاد زووم” أو “Zoom Fatigue” -مثل الإجهاد العضلي- ونُشرت عنه دراسة أكاديمية في العام الماضي.

بدأت الشركات تبحث عن حل سريع وخرجت علينا شركة تُسمى Spatial، وهي متخصصة في صناعة الواقع الافتراضي، لتقدم إلينا حلًا بديلًا عن زووم. بدلًا من التحدث إلى صورة ثنائية الأبعاد على شاشاتك، صنعت الشركة مساحة افتراضية يمكن للأفراد فيها أن يتحدثوا إلى بعضهم البعض على هيئة “أفاتار” ثلاثي الأبعاد. وعلى الرغم من غرابة التصميم، إلا أننا ما زلنا في البداية.

الواقع الافتراضي

التوجه العام الآن أصبح منصبًا على تلك التكنولوجيا، ولكم في Meta ومارك زوكربيرغ خير دليل. تخطى سوق الواقع الافتراضي VR والواقع المعزز AR الـ 200 مليار دولار وما زال مستمرًا في الصعود. سنصل إلى مرحلة يجرب فيها الجميع ذلك الخيال العلمي، ولكن بالنسبة لمآل الأمور، فنحن لا نعلم أي شيء.

Ahmed Safwat

أتساءل إلى أين ستصل بنا التقنية في المستقبل، وأنطلق من هذا التساؤل إلى محاولات بائسة، ولكن شغوفة، للبحث عن الجواب من خلال مشاركاتي عن الألعاب والتقنية.
زر الذهاب إلى الأعلى