شخصيًا أتعجب ممن لم يسمعوا عن إيلون ماسك سوى في بدايات هذا العقد عندما انفجرت شهرته ليصبح أحد مشاهير الكرة الأرضية، إن لم يكن الأشهر. رجلٌ تجاوزت ثروته الثلاثمائة مليار دولار، وغزت مشاريعه الأرض والفضاء. صمم لعبة فضاء في العاشرة من عمره وبدأ رحلته الحقيقية بتأسيس شركة X.com التي أصبحت باي بال.
باع الشركة وحصل على 165 مليون دولار، استثمر منهم حوالي 100 مليون دولار لاستكشاف الكون ولإشباع شغفه بالفضاء؛ وذلك عندما أسس سبيس إكس عام 2002، ومن وقتها -وحتى قبل ذلك الوقت- والرجل لا يكل ولا يمل.
يحلم الجميع بحياة إيلون ماسك ويتمنون لو يفيدهم بخبرته الواسعة في مجال ريادة الأعمال. ماسك يغامر كثيرًا؛ يفعل أشياء لا تخطر على البال، يكفي أنه استحوذ على تويتر بقيمة 44 مليار دولار. ولكي تفهم كيف يفكر هذا الرجل والمجالات التي يرى لها مستقبلًا واسعًا، قررنا أن نستعرض لحضراتكم ثلاثة مجالات ريادية واعدة من اقتراح الملياردير الأكثر إثارة للجدل.
في السادس والعشرين من يناير عام 2016، تحدث إيلون ماسك في مؤتمر StartmeupHK -الذي عُقد في الصين- عن ريادة الأعمال، والابتكار، وحتى عن الفضاء. وعندما سألته المذيعة عن الأفكار والمجالات التي يرى لها مستقبلًا، وينصح بها رواد الأعمال، أجابها بثلاثة مجالات نقدرها الآن بكثير مقارنة بتاريخ المقابلة.
كهرباء وسائل النقل TRANSPORTATION ELECTRIFICATION
هو التحول الكامل والعزوف عن استخدام الوقود المعتاد (الوقود الحفري) في مختلف وسائل النقل، مثل السيارات والحافلات والشاحنات، والاتجاه إلى استخدام الطاقة الكهربائية. هذا التحول سيعيد تشكيل أساسيات أنظمة الطاقة عن طريق تقليل الطلب على الوقود وزيادة الطلب على الكهرباء.
الاعتماد على “وسائل النقل الكهربائية” سيفيدنا كثيرًا على مختلف الأصعدة، سواء على الصعيد الاقتصادي أو البيئي أو الصحي، وكلما اتجهنا إليه أسرع، زادت فرصنا في تحسين جودة المجتمعات.
مع التوجه العالمي نحو مواضيع التغير المناخي Climate Change، ولأن وسائل النقل وحدها تتسبب في حوالي 66% من انبعاثات الكربون، كان حريًا بإيلون ماسك أن يتحدث عن هذا المجال، ولتدرك إلى أي مدى يهتم الملياردير الشهير به، عليك أن تبحث عن أكبر شركة للسيارات الكهربائية في العالم وستجد أنها خاصته، تسلا Tesla.
إذا اطلعت على سوق المركبات التي تعمل بالكهرباء Electric Vehicles (EV) في 2016 (وقت المقابلة)، وقارنتها بالعام المنصرم، سترى أنها قفزت من مليون و18 ألف إلى 6 مليون و500 ألف، وأعتقد أن هذا يكفي لإقناعك بقوة صعود كهرباء وسائل النقل.
علم الجينات Genetics
وهنا تحدث ماسك عن التعديل في جينات الأطفال قبل ولادتهم لتجنب فرص إصابتهم بالتشوهات الخلقية الموروثة أو حتى غير الموروثة، وهذا ما يُسمى Germline genetic modification.
التعديل الجيني له مستقبل واعد في علاج الأمراض والتشوهات الخلقية، لدرجة أننا استخدمناه في سابقةٍ طبية لعلاج فتاة صغيرة أُصيبت بالسرطان. قديمًا كانت مخاطر التعديل الجيني تصل إلى حد الوفاة، ولكن بفضل التكنولوجيا التي نعايشها اليوم، قل مستوى الخطورة بدرجات لا يصدقها عقل؛ لدرجة جعلتنا نعدل جينات البشر وهم أجنة أو حتى بويضات وحيوانات منوية.
لك أن تتخيل أن أكبر مشاكل قد تواجه العلماء الآن ستتعلق بالجانب الأخلاقي؛ فالأبحاث العلمية تهتم بأخلاقية الأمور مثلما تهتم بالتفاصيل العلمية.
تخيل أن تتحكم في هيئة وصفات الإنسان قبل مولده؛ تحدد درجة ذكائه وتعرف طوله التقريبي قبل أن تراه. أمور جذابة كفيلة بإرضاء جنون العلماء وجعلهم يبذلون جُل مجهوداتهم من أجل الوصول بنا إلى ما كان مستحيلًا في السابق.
حوسبة الدماغ (Neuralace كما يسميها إيلون ماسك)
لا شك أننا رأينا قدرات الذكاء الاصطناعي في الأفلام والمسلسلات، وكيف أنه يسبق الدماغ البشري بسنين ضوئية من التفكير والحسابات. لا أعتقد أن هناك مجالًا تنافسيًا يعتمد على الحسابات يستطيع البشر فيه أن يطرح الذكاء الاصطناعي أرضًا. إذا اتخذنا من الشطرنج مثالًا، فسنرى أننا كنا نهزم الآلة في السابق، ولكن مع مرور الوقت اتضح أننا لسنا ندًا لها. حتى بطل العالم في الشطرنج لا يمكنه أن يصمد أمام أضعف أنظمة الذكاء الاصطناعي حاليًا.
هذا التفاوت الفكري هو ما يسعى ماسك إلى تحقيقه؛ يريد الملياردير العبقري أن يحقق الخيال العلمي على أرض الواقع عن طريق تغيير ميكانيكية وسرعة التفكير لدى أدمغة البشر، وذلك عن طريق شركة نيورالينك Neuralink خاصته.
أنشأ ماسك الشركة في يوليو 2016؛ أي بعد 7 أشهر من المؤتمر الذي أعطى فيه نصائحه الذهبية. موّل شركته بنفسه وقال إنه يسعى إلى تصميم “قطعة أو شريحة” أصغر بعشر مرات من سمك الشعرة، وأضاف أن تلك الشريحة تهدف إلى علاج الأمراض الدماغية والصدمات بالإضافة إلى جعل البشر يجارون الذكاء الاصطناعي.
في 2019، أجرى ماسك عرضًا توضيحيًا جربّ فيه اختراعه هذا على 19 حيوانًا مختلفًا، وبلغت نسبة النجاح حوالي 87%. وفي بدايات هذا العام، نشرت صحيفة The Guardian تقريرًا يقول بأن الشركة تستعد لإجراء تجاربها السريرية على البشر، وذلك بعدما نجحت التجارب على أحد قرود المكاك، وتدعى “باجر”، وعلى خنزير يُدعى “جيرترود”.
تخيل أن تنجح هذه التجارب السريرية على البشر ونتمكن من مجاراة الذكاء الاصطناعي. كيف ستصبح الحياة؟ وإلى أين ستصل بنا القدرات العقلية المُفرطة؟ نعرف الكثير من الأشياء مثل أننا سنعالج أمراضًا كثيرة مثل الشلل الرعاش، وسنتجنب الزهايمر، وسنفكر بطريقة مخيفة، ولكن ما لا نعرفه يتجاوز ذلك بكثير.
كانت تلك المجالات الرئيسية الثلاث التي حثّ عليها إيلون ماسك رواد الأعمال بناءً على خبرته الواسعة وانخراطه في اثنتين من ثلاثتهم. وبنظرة سريعة، ولكن ثاقبة على الماضي القريب والحاضر المعيش، سنرى أن ماسك أصاب الهدف بدقة.