الجميع يعرف كيف يبدو عالم الجريمة في الولايات المتحدة الأمريكية بفضل سلسلة GTA، ولكن هل خطر ببالك كيف يبدو عالم الجريمة في شوارع مدن الصين الكبيرة؟ أقصى شرق الكرة الأرضية، تقع دولة الصين الشعبية والتي يبلغ تعداد سكانها المليار ونصف المليار إنسان، يتحدثون لغة فريدة من نوعها، غير مشتقة من لغة أخرى، ويجيد الكثير منهم فنون القتال المختلفة. هكذا لعبت Sleeping Dogs بكروتها بشكل صحيح ليكون لديها عنصر جذب على سلسلة العالم المفتوح الأفضل في تلك الفترة، GTA. فما قصة هذه اللعبة ولماذا لم نرى جزءًا جديدًا لها حتى الآن؟ هذا هو موضوعنا لليوم.
تقول الأسطورة: إذا لم تستطع المنافسة، إصنع لنفسك مجال جديد تكون أنت الأفضل فيه
هذه ليست مقولة شهيرة، بل اخترعتها أنا لتوي…فمنذ دخول GTA III بالسلسلة إلى مجال ألعاب العالم المفتوح ثلاثية الأبعاد، أخذت السلسلة في تحقيق النجاح تلو الآخر، بلا منافسة تذكر. يطول شرح تلك الأسباب ولكنها بشكل مختصر تتلخص في الإتقان والإبداع الذي تتمكن Rockstar من الوصول له مع كل إصدارة. في كل جزء جديد من GTA كانت تقوم روكستار بتقديم ما يجعلها اللعبة الأفضل والأكثر تطورًا على الصعيدين القصصي والتقني وقت إصدارها.
ظهرت سلاسل منافسة واختفت، منها سلسلة Driver التي بدأت في الأصل كسلسلة ألعاب قيادة سيارات ومطاردات مع الشرطة، وسلسلة أخرى حاولت الاقتراب لما تقدمه GTA وهي True Crime المملوكة لشركة Activision. لقد أغرى النجاح غير المسبوق لـGTA IV الشركة لتعيد فتح الملفات القديمة، وتقرر إعادة تصور (Reboot) سلسلة True Crime ولكن هذه المرة مع الإبتعاد عن موطن تميز GTA، وبالتالي جاء القرار لتقديم لعبة جريمة وعالم مفتوح تحدث قصتها في الصين، بيئة جديدة لم يرها اللاعبون في لعبة بهذا الحجم والفكرة من قبل. على ذلك الأساس المتين، قام مشروع ضخم وطموح تحت مسمى مبدأي (Black Lotus).
كان من المفترض أن تكون البطلة أنثى:
تم إسناد المشروع لاستوديو Treyarch في البداية، وكان الاستوديو يعمل باستمرار على ألعاب Call Of Duty و Spiderman وكان يبحث عن مشروع جديد يثبت فيه قدراته الكبيرة. كانت الفكرة التي عرضها الاستوديو على صناع القرار في Activision كانت اللعب بشخصية نسائية من القتلة المأجورين، على غرار أفلام أكشن اشتهرت في تلك الفترة وتكون الشخصية الرئيسية مصممة في هيئة الممثلة Lucy Liu.
كان الجميع متحمسًا للفكرة، المطورون والجماهير، ولكن أكتيفيجن شعرت بأن اللعب بشخصية نسائية ليس جذابًا بما فيه الكفاية، وأن الألعاب الأنجح في تلك الفترة كانت ببطولة ذكورية، ولذلك اتجهت لتحويل البطل إلى رجل، ونفت قيامها بفرض إرادتها على المطور لاحقًا عندما ذاع سيط الخبر من خلف الأبواب المغلقة.
لقد تم تحويل المشروع من استوديو Treyarch إلى United Front، استوديو جديد في وقتها، ضم في صفوفه مواهب كبيرة من استوديوهات عملاقة مثل Radical Games و EA Black Box. لقد عرفوا مهمتم وبدأوا في العمل عليها، وتم الإعلان أخيرًا بشكل رسمي عن اللعبة تحت اسم True Crime Hong Kong، بسبب نجاح GTA IV كما ذكرت بالأعلى.
حجم الشغف الذي كان موجودًا في مراحل التطوير جعل Activision تنفق الكثير عليه
امتلك استوديو United Front الكثير من الشغف نحو المشروع، والإيمان بأنه قادر على تصميم عالم افتراضي يكسب حب كل من يغوص في أعماقه. أراد المطورون نقل هونج كونج، واحدة من أكبر مدن العالم الحديث للاعبين بشكل يجعلهم يشعرون وكأنهم قاموا بزيارته بالفعل. سافر المطورون للمدينة لبحث كيفية تقديم تلك التجربة التي حلموا بها، عن طريق تسجيل ملاحظات كثيرة حول شكل الحياة اليومية في هونج كونج، وشكل كل شيء من بنايات وأحياء إلى سيارات وأشخاص. لقد قاموا بعمل رائع لدرجة أبهرت الناشر جعلته يراهن على اللعبة، وينفق الكثير عليها.
رحلة السقوط
في فبراير 2011، تفاجأ الجميع في الاستوديو بقرار أكتيفجن بإلغاء المشروع بعد أقل من عام فقط على الكشف الرسمي عن اللعبة. تسبب ذلك القرار بإحباط غير مسبوق في صفوف الاستوديو، وموجة استقالات ورحلة سقوط للفريق بسبب عدم تحقيق الكثير من الأرباح، وبالتالي مشاكل في الرواتب، وهو بالطبع ما كان سببًا رئيسيًا في فقدان المواهب في صفوف الاستوديو. تقلص United Front من 180 عامل إلى 60 عاملًا بصفوفه فقط، وعملوا على مشاريع صغيرة كانت تحقق دخلًا معقولًا، ولكن كان الفريق دائمًا يطمح لإعادة إحياء لعبة True Crime Hong Kong التي كان من شأنها نقلهم لمستوى جديد.
سكوير إينكس تلتقط المشروع…نجاح نقدي ساحق
في 2011، تعلن Square Enix عن شرائها حقوق نشر العنوان، وتغيير اسمه إلى Sleeping Dogs بعد جلسة لم تدم طويلًا شرحت فيها قيادة استوديو United Front المشروع، نجحوا في بيعه بنجاح لسكوير إينكس بفضل الشغف الشديد الذي تحدثوا به عن المشورع.
يقضي الاستوديو عام كامل في صقل المشروع بعد أن كان وصل بالفعل لحالة قابلة للعب. تقنيًا، قررت سكوير إينكس تطوير نسخة الحاسب باهتمام داخل أسوار الشركة، عوضًا عن إسناد المهمة لمطور خارجي (Out sourcing).
تصدر اللعبة في 2012 أخيرًا، وتحوز على إعجاب كل من جربها. كل النقاد قالوا أنها المزيج المتوازن بين Yakuza و GTA، ومتنفس جديد للاعبين من محبي العوالم المفتوحة، والأكشن. لقد قدمت اللعبة نظم قتالية تشبه Batman Arkham و Yakuza، مع حرية التنقل بأي مركبة، والتركيز عل الأسلحة النارية بشكل يشبه GTA. مع قصة درامية قوية وشخصيات جانبية جذابة. كل ذلك في قالب هونج كونج التي لا تنسى.
تمتعت المدينة بكل مظاهر الحياة، والنشاطات الجانبية التي يمكنك القيام بها، وبذلك حازت اللعبة على إعجاب الجماهير المخضرمة، وترقب منهم لمستقبلها، لكن المبيعات جاءت بما لا تشتهي السفن، وكانت مخيبة للأمال بشكل كبير. لقد ألقى صناع القرار في سكوير إينكس اللوم على فريق المحللين الذي توقع تحقيق اللعبة لمبيعات كبيرة.
نفق مظلم ما بعد الإصدار…؟ Sleeping Dogs في مهب الريح
انتقل التركيز بعد الإصدار في سكوير إينكس على ألعاب أخرى ماديًا، وبقي فريقًا صغيرًا للعمل على المحتوى الإضافي الخاص بلعبة Sleeping Dogs. تم إصدار ثلاثة محتويات إضافية وهم Nightmare In Northpoint، وهي إضافة تركز على جانب خارق للطبيعة على غرار إضافة الزومبي الخاصة بلعبة Red dead Redemption الأولى مثلًا، وإضافتي Year of the Snake و Zodiac Tournament. نجحت الإضافات في إبقاء اللاعبين مترقبين للإعلان المنتظر عن جزء جديد، ولكنها لم تأت.
لقد قررت سكوير إينكس توجيه الاستوديو لاستغلال تصاميم البيئات وعالم اللعبة في العمل على عنوان تعاوني أونلاين، تحت مسمى Triad Wars، يكون دور اللاعب فيه بناء إمبراطورية إجرامية في هونج كونج وجمع الموارد والمال، بدلًا من محاربة تلك الجريمة والتسلل لصفوف الأعداء.
صدرت اللعبة في وضع البيتا المفتوحة في عام 2015، وكانت مجانية مع وعود لصقل المحتوى بالمزيد من النشاطات الجانبية في المستقبل. إلا أن القرار الذي لم يتوقعه أحد قد حان وقته. أعلن United Front عن غلق أبوابه نهائيًا في مطلع عام 2016، مع التصريح رسميًا على صفحة Reddit الخاصة به أنه استنتج من خلال ردود أفعال اللاعبين بأن لعبته الجديدة لم تكن على قدر التطلعات، واصفًا إياها بأنها ليست اللعبة “الصحيحة للاعبين”.
طموحات United Front للجزء الجديد
لاحقًا، نشر الصحفي Patrick Klepek من موقع Waypoint تحقيقًا صحفيًا أفاد بأنه سكوير إينكس رفضت اقتراحات الاستوديو للعمل على الجزء الثاني على الرغم من امتلاك الاستوديو نسخة قابلة للعب بالفعل للجزء الثاني تضمن الأفكار التالية:
1-تستكمل الأحداث قصة Wei Chen، وتقدم شخصية جديدة تدعى Henry Fog وهو ضابط يساعد Wei في عمله، يقومان بالانضمام لصفوف عصابات منطقة Pearl River Delta وتتضمن عالم مفتوح ديناميكي تؤثر قرارتك عليه.
2-كان من المقرر وضع بعض آليات اللعب بحيث تؤثر قرارات اللاعبين على بعضهم، في نظام أشبه بالـStranding System الذي جاء به كوجيما في Death Stranding.
3-كان من المقرر أيضًا تصميم تطبيق للهاتف يراقب به اللاعب تقدمه، ويساعد في الترقيات.
4-لعب تعاوني CO-OP خلال أحداث القصة.
هذه الأفكار لم تر النور لأن سكوير إينكس لم تكن مستعدةً للإنفاق عليها، وقررت عوضًا عن ذلك أن تمضي قدمًا في مشروع Triad Wars الذي وصفه المطور بأنه “ليس المشروع الصحيح للاعبين”.
في النهاية:
تركت Sleeping Dogs انطباعًا إيجابيًا عندي أنا شخصيًا، لأنني أحب أفلام الأكشن، وأحب الثقافات المختلفة وكيفية استعراضها في الألعاب. التجول في شوارع هونج كونج كان تغييرًا كبيرًا جعلني أعشق اللعبة، بجانب اهتمامها بالقتالات اليدوية بشكل غير مسبوق. أتمنى أن نرى في المستقبل القريب جزءًا جديدًا لهذه اللعبة، ولربما تتحول لسلسلة نذهب في جزء منها إلى عاصمة من عواصم العالم الكبيرة، مومباي مثلًا، وطوكيو وغيرها من المدن ذات العراقة والعمق. Sleeping Dogs هي قصة حزينة لكل من يضع طموحًا كبيرًا قد لا يصل إليه، ولا يلجأ للتخطيط الواقعي للمستقبل أو ربما هي الظروف غير السامحة، والحظ العثر.