قديمًا كنا -كلاعبين- نعتبر أن الحصول على فيلمًا أو مسلسلًا متقبسًا من لعبة شيئًا جلل لأن الأفلام والمسلسلات ستعديان الحاجز التقني الذي وضع سقفًا محدودًا بعض الشيء للألعاب، وهكذا كان من الصعب تصديق قصص الألعاب التي صدرت في بدايات عمر هذه الصناعة العملاقة أكثر من تصديق فيلم أو مسلسل يلعب فيه الأدوار ممثلون حقيقيون، أو على الأقل كان هذا تفسيري أو السبب الذي جعلني أتحمس لمثل هذه التجارب، لكن لسبب لا أعلمه يستمر هذا الشعور مع اللاعبين، ويتحمس معظمهم عند الإعلان عن مسلسلات مثل Assassin’s Creed و The Last of us و Horizon وغيرهم من المشاريع التي ترى النور على الشاشات على الرغم من رفع السقف التقني عاليًا في الألعاب. أنا هنا لأخبرك بأن هوس تحويل الألعاب لمسلسلات وأفلام قد يؤثر على الصناعة سلبًا، وفي جرعتنا الجديدة من “كبسولة الجيمينج نستعرض التفاصيل.
مع إزالة الحاجز التقني، لماذا نحتاج إلى المسلسلات؟ إليك الأسباب الحقيقية
أعتقد أن الاحتياج لتحويل الألعاب إلى أعمال فنية حية (Live action) كان مبررًا في السابق بسبب حاجة الألعاب إلى ميزانيات مهولة لتقديم مستويات مقبولة رسوميًا، وسرد قصصها بشكل قابل للتصديق، وهناك أيضًا من يريد استغلال أسماء تلك المشاريع الكبيرة في جذب جماهير اللاعبين إلى صالات السينما وجميع أفلام Tomb Raider وفيلم Assassin’s Creed الصادر في 2016 تعتبر أمثلةً على هذا الشيء.
هناك اعتقاد بأن إنتاج فيلم في غضون سنة من جاهزية السيناريو هي عملية ربحية أكثر سهولة من إنتاج لعبة كاملة لربما لا تحقق نجاحًا كبيرًا. هي حلقة متصلة من البحث عن الربح من خلف اسم أو عنوان ضخم في المقام الأول، ولكن بعض الألعاب لا تحتاج لهذا حتى، لأنها متواجدة بشكل سنوي أو شبه سنوي مثل سلسلة Assassin’s Creed. فلماذا تنتشر هذه الظاهرة مؤخرًا؟
دعني أجيبك إجابةً مختصرة. مسلسل Cyberpunk Edgerunners الأخير مثلًا هو بمثابة إعادة إحياء للعبة Cyberpunk 2077 لأنه نجح في الترويج لعالمها الذي يحتوي على تفاصيل هائلة من حيث الكم كونه مبني في الأساس على لعبة منضدية (Table top game) من تأليف Mick Bondsmith الذي ساعد في كتابة قصة لعبة الفيديو مع CDPR.
في كل مرة نقرأ أخبارًا تفيد بأن أعداد اللاعبين تتزايد تزامنًا مع عرض The Witcher الذي دخل موسمه الثالث مرحلة الإنتاج، ومع Cyberpunk 2077 عقب عرض مسلسلها، علينا أن نعي تمامًا بأن هذه الطريقة هي أحد أساليب الترويج للعنوان بشكل مختلف، وكوصفة فعالة لجلب مستخدمين جدد حتى من غير اللاعبين لتجربة منتجك.
المثال الأكبر على هذا الشيء، هو مسلسلي The Last of Us و Fallout القادمين، وأخص بالذكر الأول لأنه أقرب من حيث ميعاد الإصدار. لقد افترشت Sony الأرض ورودًا وأنهمكت في تحضير الجماهير لاستقبال مسلسلها الذي يصدر في العام المقبل ووصل ذلك التحضير إلى إصدار نسخة محسنة (ريميك) من الجزء الأول ليكون شبه مطابق رسوميًا وتقنيًا للجزء الثاني وجعلهما متاحين للعب على منصة PS5 بشكل منمق، متوقعين بأن يزيد الإقبال عليها حين يصدر المسلسل أخيرًا، وكانت هذه طريقة Sony في توسيع علامتها التجارية وجذب المزيد من المستخدمين لها، ففي النهاية إذا أردت أن تلعب اللعبة التي شاهدت مسلسل حولها للتو، عليك شراء منصتنا التي ستكلفك مبلغًا وقدره، ومن ثم تكون بذلك قد دخلت إلى “الـEco System” بنجاح، وتصبح مستخدمًا للـPlayStation حتى وإن لم يبدأ معك الأمر كلاعب محترف يقضي ساعات وساعات في اللعب.
أرى أن هذا قد يهدد صناعة الألعاب على المدى البعيد، ويجعلها أقل نضجًا وأكثر طيشًا في بعض الجوانب، وأؤمن بأن الألعاب باستطعاتها تقديم لك ما تقدمه الأعمال الفنية المرئية بل وأكثر، ودعني أشرح لك في السطور القادمة.
الألعاب تستطيع تقديم ما لا تستطيع السينما تقديمه! أتريد الدليل؟
هناك ألعاب لا تعد ولا تحصى يمكننا الاستشهاد بها في دعم نقطتنا بأن الألعاب يمكننها أن تكون أكثر فعالية في السرد القصصي أكثر حتى من السينما والمسلسلات، ودعني أشرح لك الأمر بمثال بسيط. السينما تجربة مرئية غير تفاعلية، على عكس الألعاب التي تتيح لك التفاعل والمشاركة في اتخاذ القرار وتحريك الأحداث كيفما شئت، والفارق بين السينما والألعاب أشبه برؤية نفس المشهد بشكل ثنائي الأبعاد ثم بشكل ثلاثي الأبعاد. يمكننا اعتبار الجانب التفاعلي في الألعاب هو البعد الثالث، والذي يغمرك أكثر فأكثر في عالم اللعبة وقصتها. يمكنك التجول كيفما تشاء والتركيز في أدق التفاصيل في الألعاب، أما في السينما فأنت ترى فقط ما يحاول المخرج إيصاله لك، أي أنك بشكل أو بآخر تشاهد القصة من منظوره الشخصي والذي قد يختلف عن منظورك أنت.
الألعاب أيضًا تقدم عدد ساعات أكبر بكثير من المسلسلات والأفلام وهو ما يمكنك من التعلق بشكل أكبر بالشخصيات واتخاذ وقتك في استكشافها، ففي لعبة مثل Red Read Redemption 2 مثلًا، لن يكن تعلقك بشخصية أرثر مورجان ليكون بنفس الوتيرة لو كانت مدة اللعب ثلاثة ساعات فقط، وهي أقصى مدة لأفلام السينما حاليًا.
صدقني، أنا أعشق السينما كما لم يعشقها أحد، ولكني أحب الألعاب أكثر وأعلم كيف تكون فعالية الألعاب في التأثير فينا حينما يتم العمل عليها بشكل جاد في ذلك الصدد، ولذلك أدافع عنها دفاعًا كبيرًا الآن تمهيدًا للنقطة التالية، والتي قد تكون لاحظتها من العنوان.
لعلك تتساءل الآن، كيف يهدد هذا ذاك؟ لماذا لا نستمتع بالنوعين “ياجدع أنت!!”
باختصار شديد، أنا متحمس لمسلسل The Last of Us وبقية المسلسلات المقتبسة عن ألعابي المفضلة ولكن بحذر لأن إهدار الوقت والموارد في إعادة سرد القصص التي رأيناها بشكل أقوى (بناءًا على الأسباب المذكورة أعلاه) خطوة غير مفيدة لنا كلاعبين، وهي كام ذكرت محاولة توسيع للعلامة التجارية والتربح من خلفها، وهو أمر مشروع بالمناسبة لكنه لا يدفع صناعة الألعاب نفسها للأمام وإنما يجعلها تواجه خطرًا محدقًا، ألا وهو الانشغال في جذب المزيد من الجماهير من غير اللاعبين، عوضًا عن الانشغال بتحسين الألعاب. قد نحصل على مسلسل عظيم لقصة The Last of Us المبهرة، ولكننا في المقابل حصلنا على ريميك مثير للجدل يرى الكثيرون بأنه لا يستحق لقب “ريميك” وأيضًا يمكننا أن نحصل على وجبة غير مشبعة من عالم Fallout في مسلسل متواضع، لأن ألعاب الـRPG تقوم على الحرية وهنا تكمن عظمة عالم Fallout، ولكن عندما نحظى بتجربة من منظور المخرج فقط، هل تتوقع بأن تكون بنفس القوة؟
في النهاية، هناك الكثير من الألعاب التي حظيت بأعمال فنية مخيبة مؤخرًا ومنها Uncharted من بطولة Tom Holland الذي اعتبرته إفسادًا لصورة السلسلة في ذهني، على الرغم من حبي الشديد للمثل الشاب الرائع، إلا أن Nathan Drake الذي عاصرته في أربعة ألعاب لمدة 20 ساعة لكل لعبة كان هو الأكثر هيمنةً في ذهني، وأتمنى أن تبقى الأمور في هذا النسق وأن تبقى صناعة السينما والألعاب منفصلتين بالشكل الكافي الذي لا يضر بأيهما.
لقراءة بقية أجزاء سلسلة كبسولة الجيمينج اضغط هنا