واصلت شركة “ميتا” التعرض لنزيف القيمة السوقية بشكل قاسٍ في عام 2022 حيث انخفضت ثروة مارك زوكربيرج مؤسس الشركة بقيمة 11 مليار دولار حسب صحيفة بلومبرج كما أعلنت الشركة خسارتها 3.6 مليار دولار في الربع الثالث من العام الجاري، فماذا يحدث لشركة ميتا؟ وهل يخسر موقع فيسبوك، -أهم ما تملك الشركة -بريقه؟ في هذا المقال نناقش آخر المستجدات حول فيسبوك ومنافسيه والتي تشير بإن فيسبوك في طريقه للإنقراض، وأن يصبح موقع يستخدمه حفنة من “العواجيز” غير القادرين على مواكبة العصر بما فيه من حداثه وسرعة.
تراجع الاهتمام بفيسبوك فجأة
بين 8 مليار إنسان على كوكب الأرض، هناك 3 مليار إنسان يدخل على موقع فيسبوك على الأقل مرة كل شهر، و5 مليار شخص لا يدخلون للموقع بشكل منتظم، من بينهم 3 مليار تقريبًا (2.7 بالضبط) يعيشون في دول تحجب الموقع مثل روسيا والصين وإيران، وحسب مقالة نشرتها النيويورك تايمز، فإن هناك 3 مليار إنسان لا يستخدمون الإنترنت في الأساس. ضف إلى ذلك من هم كبار جدًا أو صغار جدًا على استخدام الإنترنت من الأساس، تجد بأن الأعداد التي تحصل عليها منصة فيسبوك أعدادًا كبيرة للغاية، ومن الصعب جدًا النمو من النقطة التي هي بها الآن، ولكن هل النمو كل شيء؟ إذا كنت تريد رئيس الشركة وتريد الحفاظ على معدل نموك ذلك، عليك أن تستثمر الكثير من المال لكي توصل الإنترنت لثلاثة مليار إنسان لا يملكونه، وهي قد تكون فكرة مجنونة بعض الشيء عند سماعها لأول مرة إلا أن مارك زوكربرج مهتم بها بالفعل وبشكل جاد
لكن هذا لم يحسن من أوضاع فيسبوك كونها منصة تواصل اجتماعي أصابها العجز والقدم، الإتيان بأعداد جديدة من المستخدمين ستؤول غالبًا إلى نفس النتيجة، والأجدى بك هو الاحتفاظ بالمستخدمين الحاليين وجعلهم يقضون وقتًا أطول في الاستخدام. نعم يا صديقي، فيسبوك يعاني من فقدان للمستخدمين الحاليين.
يمكنك من خلال أي إحصائيات منتشرة على الإنترنت رؤية مدى تراجع مستويات الزوار اليوميين لموقع فيسبوك في مقابل صعود صاروخي لتطبيقات Snapchat و Tiktok اللذان يشتركان في تقديم مفهوم جديد للمحتوى وقضاء وقت الفراغ.
من خلال الرسم البياني أعلاه والذي يعود لموقع Pew Research Center، يمكنك رؤية تراجع نسبة نمو فيسبوك من 71$% في 2014-2015 إلى 32% فقط في 2022، بينما ارتفعت نسب Tiktok و Snapchat من 52 إلى 67 و 59 تباعًا.
إنه صراع ايدولوجي بين الجيل z والأجيال التي سبقته، فحسب مقالة نشرتها صحيفة The Guardian مرفق بها إحصائيات تخص المملكة المتحدة في مقارنة بين عام 2017 و 2018 من حيث أعمار مستخدمي الموقع، هناك ارتفاع في أعداد من هم فوق سن الأربعين من المستخدمين، واستقرار لمن هم في منتصف العمر، وهبوط حاد في أعداد المراهقين!
هذه الإحصائية تمت منذ أربعة سنوات، في وقت كان التيك توك قد بلغ من العمر عامًا ونصف وكانت المقالة ترصد المشكلة التي تحدث الآن، فقدان فيسبوك لما جعله مميزًا في أعين مستخدميه لصالح تطبيقات جديدة يتم النظر إليها كونها هي الشيء الأجدد، والأكثر ملائمة للعصر.
بنظرة بسيطة على المنصات المنافسة لفيسبوك والتي تتسبب بشكل مباشر أو غير مباشر في نزيف المستخدمين المستمر له، يمكننا الإشارة إلى شيء واحد تبرع فيه كل منصة، فمثلًا تويتر هو منصة من يحب متابعة آخر الأخبار السياسية وأخبار المشاهير من مصادرها، وسناب شات هو منصة التواصل الإجتماعي والمراسلة بالصور، وإنستجرام (المملوك أيضًا لميتا) هو منصة مشاركة التحديثات بالصور، أما تيكتوك فهو منصة المقاطع القصيرة والسريعة، ويوتيوب هو للماقطع الطويلة التي تناقش مواضيعًا بعمق (Video Essays).
فيسبوك يمكن من فعل كل هذا معًا، وربما هذه هي بالضبط المشكلة، لأن فيسبوك بدأ كمساحة افتراضية تمكنك من التواصل مع الأصدقاء والمعارف، ولكن هذا ليس ما يريده المستخدمون في الوقت الحالي، ربما جوهر الفكرة نفسه هو ما عفى عليه الزمن، ومحاولة فيسبوك لتقديم Reels و محتوى مثل Facebook gaming لن ييغير هذه الحقيقة.
المنصات الأخرى توفر بدائل أكثر سرعة وسهولة في الوصول لنوع المحتوى الذي يريده المستخدم، والفيديوهات القصيرة كان لها أثر السحر في جعل المستخدمين يشعرون بالسعادة وهم يضيعون وقتهم كله أمام تلك المقاطع، لأنهم يظنون أنهم يشاهدون “بضع مقاطع قصيرة” لن تضر في شيء. فكرة تيكتوك كانت جذابة لدرجة أن مارك زوكربرج أدرك بأن الحل ليس في منافستها وإنما “الإنضمام إليها” وإتاحة المقاطع القصيرة على منصة فيسبوك وإنستجرام. وهنا ظهرت مشكلة جديدة، وهي تعارض منصة إنستجرام مع فلسفته الأصلية، ومع فيسبوك نفسه!
علمته الرماية، ولما اشتد ساعده رماني… إنستجرام وفيسبوك يتشابهان حتى في سلبياتهما
يحظى إنستجرام صعودًا كبيرًا في أعداد المستخدمين اليومين في الفترة بين 2015 إلى 2022 بسبب تقديم Facebook Reels التي تعتبر قبلة الحياة لتلك المنصة، ولكن وجوده بهذه الهيئة الحالية يهدد فيسبوك نفسه لأنه يتحول إلى بديل له عوضًا عن تطبيق أو موقع مملوك للشركة نفسها يقدم شيئًا مختلفًا.
في البداية كان إنستجرام كما ذكرت بالأعلى، موقع للصور، ثم بدأت إمكانية إضافة التحديثات على هيئة Stories أو حالات، ثم تم تقديم الريلز والتي نجحت في زيادة أوقات المستخدمين في التطبيق وتفاعلهم معه، ولكنها أبعدت التطبيق عن معناه الأصلي، وهو أن يكون مكانًا تشاهد فيه صور أصدقاءك ومعارفك لا أن يكون تطبيقًا منافسًا لتيك توك.
إذا كنت تظن أن هذا رأيي أنا فقط، فأعلم أن هناك حملة كبيرة قادها فناون كبار في يونيو السابق تحت عنوان “أجعلوا إنستجرام هو إنستجرام مجددًا…أنا فقط أريد رؤية صور لطيفة لأصدقائي!”
شارك في الحملة ملايين المستخدمين والمؤثرين على المنصة منهم كيم كاردشيان وكايلي جنر. اللتان يمتلكان 600 مليون متابع فيما بينهما. الأسوأ هو اقتراب تطبيقي فيسبوك وإنستجرام من أن يكونا متطابقين، بعد تقديم Facebook shorts و إمكانية إضافة الحالات للفيسبوك، وربط الحسابين مع بعضهما حتى يرى أصدقاءك على فيسبوك ما تقوم أنت بنشره على إنستجرام. السؤال هنا هو لماذا قد يتجه مستخدمي فيسبوك إلى البقاء فيه وهو لا يقدم ما يجعله متفردًا؟ إنه التردد الإداري بين المضي قدمًا بفيسبوك إلى مراحل جديد، أو الاستسلام لفكرة موته الحتمي وإنجاح التطبيقات الأخرى التابعة للشركة على حسابه.
يعتقد مارك زوكربرج بشكل شخصي أن مشروع الميتافيرس هو فرصة لإنعاش الشركة وجذب المراهقين وقد لقى المشروع رواجًا كبيرًا في بدايته ولكن بدأ المستثمرون في النفور عنه بعد مدة التجربة التي لم تلقى الرواج المتوقع. الفكرة على الورق كانت مبهرة ولكن ربما تم صرف الكثير من الأموال على الفترة التجريبية بلا تحقيق الرواج المطلوب.
أمك جمهورك الوحيد… لأن لا أحد يؤمن بالميتافيرس
بدأ الزخم حول مشروع الميتافيرس ينطفئ بالتدريج بعد الفترات التجريبية التي لم تشيد بالتجربة بالشكل المتوقع، وبالطبع يعتقد دائمًا العقل الجمعي بأن الأشياء التي لا يتم نعتها بأنها “ستسبب في فقدانك لعقلك” هي أشياء سيئة بعد ان كان متحمسًا لها، الميتافيرس كتجربة ليس بالضرورة سيء ولكنه لا يزال في بدايته، وزوكربرج لم يهتم بتوضيح تلك النقطة للجموع المنبهرة مسبقًا، لذا عانى من ويلات هذا لاحقًا.
في الصيف يوليو الماضي رحلت الرئيسية التنفيذية لعمليات فيسبوك Sheryl Sandberg عن شركة ميتا، وهو ما أخرج للنور شائعات حول خلافات داخلية متزايدة على مدار العام السابق داخل الشركة.تشير أحد تقارير النيويورك تايمز بأن الشركة خسرت 10 مليار دولار في الإستثمار في عتاد الواقع الافتراضي، كما ذكر التقرير أن الموظفين في الشركة غير مؤمنين بأفكار وطموح زوكربرج وهو ما يؤدي إلى بعض المشاكل الداخلية كتلك المرة التي دعى فيها مارك لاجتماع في الشركة باستخدام نظارات الواقع الافتراضي واتضح أن هناك عدد كبير ممن أراد الاجتماع بهم لا يمكلون حتى تلك النظارات.
وحسب تقرير آخر على عهدة The Verge يقول بأن التطبيق الخاص بالميتافيرس به الكثير من المشاكل التقنية التي تجعل الموظفون لا يريدون استخدامه وهو ما يثير حالة من الإجباط والمناخ السيء في الشركة، وأضاف التقرير بأن المشروع يشار إليه الشركة بشكل غير رسمي بالأحرف M.M.H وهو ما يعني Make Mark Happy أو جعل مارك سعيدًا تعبيرًا منهم عن أن المشروع هو هدف مارك وحيدًا.
شخصيات عامة كثيرة أيضًا أنتقدت الميتافيرس وخصوصًا Horizon World (العالم الافتراضي للميتافيرس) وكونه يشبه ألعاب الفيديو المتواضعة أو ألعاب النينتدو سويتش السيئة، حتى أن فيل سبنسر رئيس إكس بوكس صرح بشكل مباشر بأن الميتافيرس يبدو كلعبة فيديو مصممة بشكل “فقير”
زاد الهجوم على المشروع عندما تم الإعلان عن خوذة الواقع الافتراضي المخصصة للدخول للميتافيرس بسعر 1500$ وهو سعر يزيد عن سعر أجهزة الألعاب المنزلية بضعفين كاملين! سعر ليس في متناول إلا فئة قليلة من مستخدمي فيسبوك في الأساس، ولكن هذا ليس كل شيء يا صديقي، لقد أنهارت أسهم الشركة وأنقلب “وول ستريت” عليها عندما خرج التقرير المالي الخاص بالشركة للربع المالي الثالث لعام 2022 للنور، واتضح أن مارك ينوي استثمار 100 مليار دولار في المشروع في 2023 فقط!!
يعني ذلك أن الشركة ستلقي بثقلها في هذا المشروع، 100 مليار دولار هي ميزانية عملاقة تفوق ميزانيات دول بأكملها وهو ما يجعل هذه الخطوة بمثابة لعبًا بالنار في خطوة أتوقع أن يتم مراجعتها قريبًا لأن رضاء المستثمرين هو كل شيء في حياة الشركات الكبيرة. كما أن المشروع يحتاج إلى خطوة نوعية بنتائج إيجابية فورية وليس المزيد من التجارب والإنفاق على رؤى لا يقتنع بها سوى صاحبها. أما عن فيسبوك نفسه، فأعتقد أن الوقت قد حان لنعترف بأنه انتهى.
“إحنا في عصر السرعة” قد تكون بالنسبة لك كلمات سمعتها كثيرًا من أشخاص مسنون في مرات متفرقة وأنت ترتاد الباص العام ذهابًا أو إيابًا إلى المدرسة أو الجامعة وتعتبرها وتعبيرًا عن الإنفصال الذي يعاني منه كل جيل نحو الآخر. الآن ولأن القدر لا يتركك تسخر وحدك من الآخرين، يتحول الأمر لنكون نحن الجيل الذي عرف الفيسبوك في أوج أمجاده على الجانب الآخر من هذه السخرية. المراهقون يفضلون المحتوى القصير والسريع، ولا يهتمون للمساحات الافتراضية التي تتيح لهم التفاعل مع بعضهم، ولذلك هم يشدون الرحال نحو تيكتوك بلا رجعة ومشروع ميتافيرس قد يخرج -إن خرج- بعد فوات الأوان. كانت هذه أسباب التدهور الذي يشهده سهم ميتا في الوقت الحالي والذي لا يبدو وأنه سيتوقف قريبًا.