بصفتي أكتب عن الألعاب منذ عام 2012، أعتقد أنني اكتسبت نوعًا من أنواع المناعة ضد محاولات المطورين اليائسة في الترويج بلا سقف لمنتجاتهم، فتجد بعضهم يحاول في بعض الأحيان إثارة الجدل وإضفاء صفة الغموض غير المبرر على لعبتهم بشكل زائد عن المعتاد، لأنه إذا صارح الناس بحقيقة منتجه، لن يلتف حوله أحد، بل وستلتهمه اتهامات الجماهير. لدينا الكثير من الأمثلة آخرها لعبة Abandoned التي يرى اللاعبون أنها إما لعبة غير موجودة من الأساس أو أداة لترويج لعبة Silent Hill من تطوير هيديو كوجيما، ولكن عندما تكون ثاني أعلى لعبة على قائمة Steam Wishlist وهي لعبة The Day Before لعبة نرى من خلال دعايتها الكثير من الدواعي للقلق…يبقى لازم نفوق. إليكم جميع الأسباب التي تجعلنا قلقين من لعبة The day before.
أولًا: لعبة قوية والناس مستنياها؟! أنت مالك ياعم أنت ماتخليك محضر خير
سأسير معك بالتدريج منذ بداية الإعلان عن اللعبة في يوليو 2021 بأسلوب لعب أقل ما يقال عنه أنه يحبس الأنفاس من فرط روعته وملحميته. أجواء عظيمة من الرعب في مدينة نيويورك المهجورة في فترة الأعياد (الكريسماس) يدخل البطل إلى مبنى ضخم ويصعد إلى طابق مرتفع فيه ليجد بأن مخلوقات زومبي بعدد كبير تنتظره، لذلك عليه التحرك بحذر كبير. أجواء ولا أروع أليس كذلك؟ لكن جميعنا اتفق على أنها على الأرجح أحداث مكتوبة (Scripted) وموضوعه بالمونتاج بحيث تكون مترابطة لأن ألعاب الأونلاين MMO عادةً لا تقدم مثل هذه اللحظات التي تميل أكثر لتشبه الألعابا القصصية.
ذكرتنا اللعبة كثيرًا بلعبة The Last of Us وقليلًا من The Division وكأن المطور Fntastic وجد الطريقة المثلى للمزج بين عالمين جميلين من ألعابنا المفضلة.كل هذا جميل ولكنه مقلق، ولكن دعنا لا نستعجل الأمور، فهذا هو عرض الإعلان عن اللعبة فقط، ومن المؤكد أننا سنرى ما يشبع فضولنا بعد ذلك حتى تصدر اللعبة ونحن نعلم تمامًا ما ستقدم.
تمر الأيام ونرى بعض عروضًا لأسلوب اللعب دون الشعور بشكل كافي أننا نعرف ما ستقدمه اللعبة بالتحديد. بعد مرور عام على الإعلان عنها يتم تاجيلها لعام لمارس 2023 بحجة نقل اللعبة من محرك Unreal Engine 4 لنسخته الجديدة Unreal Engine 5.
إذاً، ما هي السيناريوهات المحتملة أمامنا؟
ها نحن في شهر يناير 2023 ولم نحصل على أي فرصة لتجربة اللعبة، أو حتى تاريخ إصدار لبيتا مغلقة أو مفتوحة، ولا يمكنك حتى طلب اللعبة مسبقًا، وإذا كنت من ملاك المنصات المنزلية لن تجد اللعبة على أيًا من المتاجر الإلكترونية لمنصتك! فما هو وضع اللعبة ولماذا كل هذه السرية؟ هل ما يظهر لنا في الدعاية مختلف بشكل كبير عن التجربة النهائية لدرجة تجعل المطور لا يريد طرح اللعبة للتجربة سوى مع الإطلاق؟
أرى بأن السؤال الحقيقي هنا هو، هل سيتم إطلاق اللعبة من الأساس؟ هناك المزيد من الدلائل التي تدعم هذه الفرضية، ولنأخذ واحدًا تلو الآخر لنحلله.
الدلائل التي تدعم فرضية تأجيل اللعبة مجددًا
أولًا، هناك عروض اللعبة الدعائية والتي تظهر الجيم بلاي بوضوح، على الأقل عند أخذ نظرة سطحية عليه. لكن عند تدقيق النظر ستجد بأن تلك العروض الدعائية لا تقدم الكثير من دقائق اللعب المتتالية، وكأن اللعبة غير جاهزة للعب كاملةً لأن اللقطات تحتوي على الكثير من التنقل بين لحظات جيم بلاي مباشرة للحظات تنقل داخل بيئة من البيئات، للحظات الحديث مع شخصيات البائعين داخل اللعبة، أو لحظات تصميم شخصيتك من خلال الCharacter Creator.
حسنًا هذا ليس كل شيء، فعند تدقيق النظر على آخر عرض دعائي للعبة والتركيز تجديدًا على الصورة أدناه ستجد بأن المؤثرات البصرية لإطلاق النار هي عبارة عن صورة واحدة بصيغة PNG تظهر في إطار واحد على عكس أي لعبة تصويب أخرى بمؤثرات بصرية بجودة AAA حيث تظهر المؤثرات وتختفي فيما لا يقل عن ثلاثة إطارات بشكل تدريجي.
وضف إلى ذلك جودة الرسوم التي من الواضح أنها لا تقترب حتى من جودة العرض الدعائي الأول للعبة. لقد حدث ذلك كثيرًا مع العاب كبيرة مثل The Witcher 3 و Watch Dogs الأولى لكن علينا أن نتذكر بأن من المفترض أن تأجيل اللعبة الأخير كان سببه الرئيسي نقل اللعبة من محرك UE4 لUE5، أي أنه من المفترض أن نرى رسومًا أقوى تضاهي ديمو The Matrix Awakens على سبيل المثال لا الحصر. فأين هي؟
أسلوب اللعب الذي يبدو وكأنه خضع للمونتاج قد يدل على أن المطور أزال من المقاطع كم كبير من مشاكل الأداء التي ظهرت أثناء تجربة اللعبة، وهو ما يعني أن اللعبة وإن صدرت قد تكون موبوئة بالمشاكل التقنية، أو أنها لعبة غير موجودة من الأساس وهي مزاعم بدأت في الظهور مجددًا لأن المطور لا يمتلك أي تاريخ يدعم فرضية كونه قادرًا على إصدار لعبة بهذا الحجم.
على Reddit ستجد النقاشات تحتد بين اللاعبين بأن اللعبة غير موجودة من الأساس، وأن المطور يستخدمها في التسويق لمنتجاته الأخرى، أو التسويق لنفسه لينتشله ناشر كبير من الضياع، وهو ما قد يفسر استكمالهم لهذه الكذبة واستغراقهم الكثير من الوقت فيها. زاد الزاعمون لهذه الفرضية بأن اللعبة سيتم تأجيلها مجددًا نظرًا لأنها غير متاحة للطلب المسبق وغير متواجدة على المتجر الرسمي لبلايستيشن أو إكس بوكس قبل شهرين فقط من إصدارها.
حسب المطور، فإن اللعبة تم تطويرها خلال 4 سنوات، وهي مدة قصيرة نسبيًا بالنسبة لمطور مستقل لا يمتلك التمويل الكافي أو حتى عدد الأفراد. والشيء الأغرب هو أن الاستوديو كان قد أعلن سابقًا بأنه تركيبة العاملين فيه تتكون معظمها من المتطوعين، مع الاعتماد على قيادة الفرق من قِبل عمال بدوام كامل. أي أن معظم العاملين على اللعبة لا يتقاضوا أجرًا من الأساس!
الترويج لتطبيق هواتف من خلال اللعبة!
شخصيًا لم أقتنع بفرضية أن اللعبة غير موجودة من الأساس حتى شاهدت آخر عرض دعائي للعبة من المطور نفسه على قناته الرسمية تحت عنوان Life At Fntastic الذي امتد إلى 5 دقائق كان منهم 3 دقائق كاملة ترويج لتطبيق من صنع موظفي الاستوديو يدعى Continent App وحتى تلك اللحظات التي تطرق المطورين فيها للحديث عن اللعبة كان الحديث سطحيًا ولا يقدم جديد يذكر. هذا العرض الدعائي تم الترويج له أنه “كشف كبير حول اللعبة”!
شاهد بنفسك واحكم:
عدم جدية في مرحلة الدعاية تدعونا للتساءل، هل هناك لعبة أصلا؟ أم أن كل اللقطات التي شاهدناها هي مجرد لقطات مجمعة لإقناع المستثمرين أن هناك مشروع ضخم في مرحلة التطوير يستحق الدعم، وأن الاستوديو مليء بالمواهب ويجب خطفه قبل أن ينتبه إليه كبار الناشرين الآخرين؟
هناك على Reddit أيضًا مزاعم بأن اللعبة تستخدم الكثير من الأصول من ألعاب أخرى سواءًا كانت بشكل مباشر أو غير مباشر. مع الإشارة على التحذيرات التي تظهر في أعلى يسار الشاشة وتشبه تمامًا طريقة لعبة GTA V في التنويه، أو قائمة إنشاء الشخصيات التي تشبه تمامًا Destiny 2، وأخيرًا بعض البيئات التي تشبه بيئات في ألعاب أخرى.
أهم ما لفت نظري بشكل شخصي هو المركز التجاري الذي تشابه كثيرًا بالفعل مع المركز التجاري الذي رأيناه في لعبة Spiderman Miles Morales.
بالإضافة إلى محطة الوقود التي قارنها البعض بالتصميم العالم لمحطات الوقود في لعبة Days Gone و قارنها البعض الآخر بمحطة وقود موجودة في لعبة Life is strange 2 بتفاصيل مشابهة أكثر من المعتاد. بداية بالسور الذي يحيط بالمحطة من كل الاتجاهات، والعلامة الزرقاء بخط أصفر فوق المحطة، وحتى أماكن السيارات.
شخصيًا لا أظن بأن هذا الأمر هو كارثة بحد ذاته، لأن إذا قام المطورين المستقلين بالاستعانة بألعاب أخرى لتصميم بيئاتهم الخاصة نظرًا لكونهم مطورًا مستقلًا في حاجة إلى هذا النوع من المساعدة فهو أمر مقبول تمامًا ومنطقي في حالة لم يتم سرقة الكود المصدري للألعاب المذكورة وسرقة بعض أصولها بشكل رسمي. هذه ليست جريمة في حد ذاتها ولكنها قد تكن إشارة تدعم الفرضيات الأخرى، بأن اللعبة غير موجودة في الأساس أو أن المقاطع المعروضة منها هي لبيئات مصممة خصيصًا للعروض، أو أقل السيناريوهات سوءًا، أن اللعبة ليست ذات جودة فائقة كما جعلتنا العروض نظن.
ماذا عن المطورين، هل أنتجوا ألعابًا أخرى تجعلنا مطمئنين على مستوى The Day Before؟
آخر مسمار في نعش هذا المشروع المريب هو السجل الهزيل الذي يمتلكه الاستوديو المطور، والذي لم يشهد دعمًا لأي لعبة أصدرها لفترة تتجاوز ال6 أشهر!
أول لعبة أصدرها الاستوديو كانت لعبة The Wild Eight وهي لعبة من نوع Top Down Survival وصدرت من خلال Steam Early Access في فبراير 2017 وحصلت على مراجعات إيجابية لكن لاحقًا تم بيع حقوق اللعبة للناشر ليتمكنوا من التفرغ للعبتهم الجديدة Dead Dozen، لعبة رعب جماعية تعاونية من المنظور الأول.
كانت هذه ثاني لعبة تصدر للاستوديو من خلال Steam Early access أيضًا، بعد عام واحد من إصدار The Wild Eight وهي فترة غير كافية أبدًا لإصدار لعبة جيدة. هذه اللعبة أيضًا لم ترى إصدارًا نهائيًا حيث قرر الاستوديو إيقاف دعمها بعد ثلاثة أشهر فقط من الولوج المبكر! جاء ذلك بسبب المراجعات السلبية التي أشارت لمشاكل تقنية بالجملة وأعداد اللاعبين التي وصلت إلى 14 لاعب متزامن فقط بعد أول أسبوع.
بعد شهر واحد من إلغاء تطوير لعبة Dead Dozen يصدر الاستوديو لعبة جديدة تمامًا للهواتف تحت اسم Radiant One، لعبة هواتف قصصية قصيرة للغاية يصل عمرها إلى 30 دقيقة فقط!
بصريًا لعبة Radiant One رائعة، ويمكنني القول بأنني معجب بمحاولة المطور تجربة الكثير من الأنواع لاكتشاف أي الأنواع هو الأفضل لهم. لم أجرب أيًا من هذه الألعاب ولكن كل ما تحتاجه هو الولوج إلى مراجعات ستيم لتجد بأنهم لم يقدموا أي لعبة بمستوى فوق الجيد من قبل.
آخر عناوينهم كانت لعبة Propnight، لعبة جماعية تشبه Dead by daylight تم الإعلان عنها أثناء حدث يدور حول لعبة The Day Before. بصريًا هي لعبة جذابة أيضًا ومن حيث المحتوى فهي لعبة من نوع Prop Hunt.
صدرت اللعبة في 1 ديسمبر 2021 وحصلت على مراجعات مختلطة بسبب قلة دعم اللعبة ما بعد الإصدار ومشاكل تقنية، وقلة أعداد اللاعبين.
في الحقيقة أعتقد أنه أمر رائع أن يجرب الاستوديو أكثر من نوع في الألعاب التي يعمل عليها، فالتنوع شيء عظيم ولكن هل هذه الألعاب تعتبر علامة مضيئة تجعلنا نطمئن على لعبة ضخمة مثل The Day Before؟ سأترك لكم الإجابة.
ما هي السيناريوهات المتوقعة لمشروع The Day Before؟
إما أن يتم تاجيلها لأنها لعبة غير موجودة من الأساس، أو أن يتم إصدارها في الموعد المحدد وهو الأول من مارس المقبل ليتضح أنها لعبة بمستوى مغاير تمامًا عما تم الترويج له، ووقتها سيكون هذا الاستوديو العدو الأوحد لمجتمع اللاعبين لشهور طويلة، إما أن تكون اللعبة بوضع جيد وتعود كل المشاكل التي أشرنها إليها إلى أن الاستوديو يفتقر بشدة لمهارات التسويق السليم، وهو احتمال مستبعد بكل صراحة.
إذًا ماذا نفعل لكي نوقف كارثة جديدة على وشك الوقوع؟!
إذا وصلت لهذه النقطة في المقال فأنت حقًا لاعب مهتم بشأن صناعة الألعاب والجوانب المظلمة منها. لنمنع هذه الكارثة من الحدوث علينا أن نطلب من المطورين بأن يجعلونا نجرب اللعبة على الأقل من خللا ديمو أو بيتا مفتوحة. لن تصل أصواتنا للمطورين إلا إذا اتجهنا جميعًا إلى حسابات ستيم الخاصة بنا وقمنا بإزالة اللعبة تمامًا من قائمة Wishlist حتى تخسر مراكزًا كثيرة في ترتيب الألعاب الأكثر انتظارًا.
كما يجب علينا خفض التوقعات تمامًا فيما يتعلق بهذه اللعبة، إن وجدت في الأساس لأنها لن تكون بمستوى لعبة The Last of us ولا Days gone ولا The Division. قد تشبههم قليلًا في بعض جوانبها ولكنها من الواضح أنها لعبة جديدة لمطور لم يقم بتطوير هذا النوع من قبل لذا علينا الحذر والانتظار حتى تصدر. لا داعي للاستعجال وطلب اللعبة مسبقًا عندما يتم طرحها للطلب المسبق.
في النهاية، كنت متحمس شخصيًا للعبة The Day Before لكني لا أريد أن أكون سببًا في جعل اللاعبين يتحمسون لمنتج ما لدرجة تجعلهم ينفقو أموالهم على مشروع لا يتم إدارة حملة دعايته بالشكل الصحيح، وقد كتبت مقالًا في الفترة الأخيرة عن الألعاب المستقلة التي أنتظرها بفارغ الصبر وكانت The Day Before من ضمنهم ولكن الآن ونحن على بعد شهرين فقط من إصدارها، فقدت حماسي للعنوان وسأنتظر لأرى ما سيحدث معه.
كم أتمنى أن تكون اللعبة بمستوى العرض الدعائي الأول، لن أكره أن أرى لعبة عظيمة من مطور يجرب لأول مرة ولكن من خلال ما رأيته في السنوات الأخيرة، يبدو هذا مستبعدًا بنسبة كبيرة.