مقالات

لعبة Atomic Heart وجهاز الاستخبارات الروسية يتآمران على أوكرانيا.. ما صحة هذا الادعاء؟

نعلم جميعًا أن ألعاب الفيديو ليست مجرد منتج ترفيهي تستلذ الشركات بُصنعه لإمتاعنا أو حتى من أجل أموالنا. أصبحنا ناضجين كفاية لنعلم أن الشركات تريد ما هو أكثر فائدة من الأموال وأن أي منتهج ترفيهي، ويا حبذا لو كان تفاعليًا مثل ألعاب الفيديو، يُستخدم لأغراض متعددة Multipurpose، ولسان حال الشركات يقول جملة الجوكر الشهيرة في فيلم The Dark Knight: “الفكرة ليست في الأموال.. الفكرة في توصيل رسالة ما”.

في عالم الألعاب، نجد كثيرًا من العناوين التي تركت صداها ضروبًا مختلفة من الجدالات؛ جدالات حول الدين والسياسة والاقتصاد والعلوم. إسقاطات Call of Duty ودورية الإساءة للعرب والمسلمين، سياسة سلسلة Wolfenstein وإقحام النازيين والـ KKK في ظل المناخ السياسي الأمريكي المشحون، عُنف وتسيّب أشهر سلاسل الألعاب في التاريخ Grand Theft Auto، وأخيرًا وليس آخرًا ما نحن بصدد الحديث عنه اليوم: لعبة Atomic Heart وعلاقتها بالحرب الروسية على أوكرانيا وما سببته من جدالات حتى قبل صدورها.

الإعلان الأول عن لعبة Atomic Heart

إعلان استديو Mundfish الأول للعبة Atomic Heart معنونًا الصورة “روبوت روسي- رد الاتحاد السوفيتي على العالم الغربي”

في 23 مارس 2017، أعلن استديو يتمركز في العاصمة الروسية موسكو ولا يعرفه أحد، استديو Mundfish، عن لعبة شبيهة بعناوين مثل BioShock، Fallout، وحتى Half-Life. جاء الإعلان في صورة منشور على الفيسبوك وتحتها عبارة “روبوتٌ روسي- رد الاتحاد السوفيتي على العالم الغربي”، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على “جرِّ الشكل” منذ اللحظة الأولى.

تمر الشهور وفي مايو 2018 يصدر الإعلان الأول للعبة Atomic Heart، والذي بمجرد الانتهاء من مشاهدته ينتابنا الحماس لتجربة اللعبة والفضول للتعرف أكثر على الاستديو المطور، والذي بالمناسبة لم يطور سوى Atomic Heart ولعبة VR أخرى تُسمى Soviet Lunapark. المهم أن إعلان اللعبة سحر الجميع بفضل عالمه وأسلوب اللعب الشبيه جدًا بأسلوب لعب BioShock، ولكن بشكل مُعدل يمزج بين الأسلحة الثقيلة والـ Melee Weapons.

في قشرة جوز.. ما تحتاج لمعرفته حول لعبة Atomic Heart

Atomic Heart

بادئ ذي بدء، تم تطوير لعبة Atomic Heart على محرك Unreal Engine 4، وهي لعبة مغامرات من المنظور الأول تقع معظم أحداثها في عالم سوفيتي يُسمّى “المُنشأة رقم 3826”. وقصة اللعبة باختصار تقع في خمسينيات القرن الماضي، وفي عالم موازي استطاع الاتحاد السوفيتي فيه أن يفوز بالحرب العالمية الثانية، بل ويحرز من التقدم العلمي ما لم نستطع أن نصل إلى سفاسفه ونحن في عام 2023. هذا التقدم العلمي -وما تبعه من ثورة تقنية- جعل البشر يعيشون حياةً مرفهة تخدمهم فيها الآلات.

إن أردنا أن نُعزي فضل هذا التطور إلى جهة بعينها، فسيكون للمُنشأة 3826 والتي استطاعت أن تكتشف مادة بخصائص تكنولوجية ليس لها مثيل، واسم هذه المادة “بوليمر”، وطوعتها لتصنع هذه الآلات وتجعل البشر مُرفّهين.

وفي يوم من الأيام، تختفي هذه المُنشأة وتنقطع أخبارها عن العالم ولا يكون هناك أي وسيلة تواصل بينها وبين أي أحد، ونتيجةً لذلك، يحدث أخشى ما يخشاه الجميع وعلى رأسهم إيلون ماسك وستيفن هوكينج.. يحدث انقلاب الآلات ضدنا نحن البشر.

يُسارع الاتحاد السوفيتي USSR في إرسال أحد جنود جهاز الاستخبارات السوفيتي KGB إلى تلك المُنشأة ليتحرى عن سبب ثورة الآلات ضد البشر وليعرف السبب الذي أدى إلى انقطاع التواصل بين المُنشأة والعالم الخارجي، ومن هنا تبدأ الأحداث.

ستصدر اللعبة على أجهزة الجيل الجديد والماضي من البلايستيشن والإكس بوكس، وكذلك على منصة الحاسب الشخصي في 21 فبراير الجاري.

لا تشتري لعبة Atomic Heart!

في الفترة الأخيرة -وها نحن ذا أمام أسبوع واحد فقط على إطلاق اللعبة- انفجرت حملة مدوية تحث اللاعبين من كل أنحاء العالم على مقاطعة لعبة Atomic Heart وتجنب شرائها نهائيًا. في الواقع هذه الحملات موجودة مُذ تم الإعلان عن اللعبة للمرة الأولى وظل مستواها يتصاعد بمرور الأيام إلى أن احتد مع مشارف الحرب الروسية على أوكرانيا ووصل إلى ذروته منذ عدة أيام بسبب اقتراب الإصدار.

إن كنت مُنتبهًا فستستطيع أن تُخمّن سبب هذه الحملة، بالطبع، كون الاستديو روسي وموجود في العاصمة الروسية موسكو كما ذكرنا في البداية. ليس هذا فحسب، بل إن من يريدون منا مقاطعة اللعبة يدّعون أن استديو Mundfish متورط مع الحكومة الروسية وممول منها، ويجب علينا أن نخجل من أنفسنا إن كنّا نفكر في تجربة لعبة يطوروها الروسيون الغاصبون محتلّي الأراضي الأوكرانية، هكذا يقولون.

أقوى دليل يستشهد به هؤلاء الذين يطالبوننا بعدم لعب Atomic Heart هو أن أحد ناشري اللعبة، وهي شركة Focus Home Interactive، تمتلك حصة كبيرة في المتجر الإلكتروني الروسي VK Play، وهذا المتجر الإلكتروني على صلة مباشرة بالحكومة الروسية ويُغدق عليها من بيانات المستخدمين ما تشاء، كما أن لعبة Atomic Heart نفسها تجمع بيانات المستخدمين وتسلمها لروسيا، ولكن ما صحة هذه الادعاءات؟

ادعاءات غير صحيحة وليست مبنية سوى على نظريات المؤامرة، وإليك رد استديو Mundfish الرسمي

من حق الجميع أن يعتقد بتمويل الحكومة الروسية للعبة Atomic Heart واتخاذها وسيلة لنشر أيدولوجيات معينة، خصوصًا وأن اللعبة تتمحور حول جهاز الاستخبارات السوفيتي KGB وتدور في عالم موازي فارت فيه روسيا بالحرب العالمية الثانية كما ذكرنا. من الواضح تمامًا أن روسيا تفرض الواقع الذي تريده، وبناءً عليه فكل نظريات المؤامرة هذه مبررة، ولكن لا ننسى أن الحجة والدليل غائبان.

ولحسم الجدل، كان لا بد من استديو Mundfish أن يرد بشكل رسمي على كل الاتهامات الموجهة للعبته المُهّيجة للرأي العام، وهذا ما قد كان.

فبتاريخ 16 يناير 2023، كان الرد الأول والقاطع من استديو Mundfish على كل الاتهامات المزعومة بأن الحكومة الروسية هي التي مولت اللعبة وأنه كيف لاستديو لم نسمع به من قبل أن يطور مثل هذا العنوان الذي أتحفنا جميعًا فور الكشف عنه، وإلخ من الاتهامات.

“يا رفاق، لقد لاحظنا عددًا من الأسئلة التي تبحث عن أصل استديو Mundfish وتوجهاته. نود أن نؤكد لكم أن هذا الاستديو هو مطور ألعاب عالمي داعمٌ للسلام ورافضٌ للعنف ضد البشر بكل أشكاله”

هكذا رد استديو Mundfish في تغريدة رسمية على تويتر

ومن ثمَّ أردف قائلًا: “نحن لا نُدلي بتصريحات حول السياسة أو الدين. تأكدوا أننا فريق عالمي لا يهدف سوى لإتاحة لعبة Atomic Heart لكل اللاعبين حول العالم، ونحن لم ولن نسامح هؤلاء الذين يسيئون لغيرهم بأي شكل من الأشكال.”

انطباعاتي الشخصية

“ليست سوى مؤامرة”.. هكذا أراها شخصيًا؛ فعلى الرغم من أن الاستديو لم يرد بشكل مباشر على ما إذا كانت لروسيا علاقة بشكل أو بآخر مع لعبة Atomic Heart، وهذا التغاضي كان بمثابة الوقود الذي أشعل المزيد من النيران، إلا أن إدانة العنف والجرائم لهو ردٌ أكثر من مُقنع، كما أن الاستديو يحاول تجنب الخوض في السياسة -كما قال في التغريدة- وهذا ما يجعل الرد الدبلوماسي أفضل خيار.

ولكن للإنصاف، أرى أن الاستديو ليس صادقًا بشكل مطلق، وعبارة “روبوت روسي- رد الاتحاد السوفيتي على الغرب” لا تقف في صف الاستديو الذي قال إنه لا يتدخل في السياسة أو الدين، ولكن بشكل عام، ما زلت مصرًا أن الأمر سوى نظرية مؤامرة، إلى أن يثبت العكس.

لك حق الاختلاف، ولكن لا تنسى أن اختلافك سيتطلب دليلًا؛ فالبينة على المُدعي وليس على من أنكر.

Ahmed Safwat

أتساءل إلى أين ستصل بنا التقنية في المستقبل، وأنطلق من هذا التساؤل إلى محاولات بائسة، ولكن شغوفة، للبحث عن الجواب من خلال مشاركاتي عن الألعاب والتقنية.
زر الذهاب إلى الأعلى