بدأت سلسلة GTA عام 1997 مع جزئها الأول على منصات البلايستيشن الأول، ولقت نجاحًا كافيًا ليبرر العمل على جزء جديد، تتوسع فيه الآفاق الخاصة بالشركة، ويدخل بها رسميًا إلي صفوف كُبري شركات تطوير الألعاب، لتصبح ما هي عليه اليوم، الشركة الأكثر تربحًا من وراء أعمالها الرائعة، ولكن دعنا نتوقف قليلًا عند الإصدارة الثانية تحديدًا، لأنها تُعتبر هي البداية الفعلية لسلسلة GTA التي نعرفها اليوم.
الجزء الأول وضع حجر الأساس للتجربة
مع الجزء الأول كان المطور روكستار (كان الاستوديو تحت اسم DMA وقتها) يطمح إلي تقديم لعبة من منظور علوي، تشبه ألعاب السباقات وقتها، لكن مع إمكانية التنقل بين السيارات بحرية، والدخول في مطاردات مع الشرطة،وهو فكر تصميمي عٌرف وقتها باسم (Race and Chase Concept). أضافت اللعبة أيضًا بعض أربعة أسلحة، مسدس عادي، ومسدس رشاش، وقنابل موقوتة للسيارات، ورامي النيران (Flamethrower) وهو ما جعل اللعبة تلقي رواجًا أكثر كلعبة جريمة لأن ملل اللاعبين من القيادة جعلهم يفكرون في فعل أشياء أخري مثل استخدام الأسلحة.لم تكن اللعبة لتتحول إلي لعبة جريمة بشكل أساسي لولا الجزء الثاني، وأحد الدلائل علي ذلك هي مطاردات الشرطة في الجزء الأول إذ أنهم لا يطاردونك للقبض عليك، وإنما لتدمير سيارتك وكأنك في لعبة سباق.
GTA 2 كان الإصدار الذي وضع المعايير الأساسية للسلسلة كلها!
ركز الجزء الثاني علي الحرية التامة، في التنقل والتجول في عالم مفتوح كبير، وحرية إتمام المهمات لدرجة قصوي، جعلت من إتمام المهمات شيئًا غير ضروريًا لإنهاء اللعبة! والتي تنتهي فقط عند جمع 3 ملايين! هناك طرق عديدة لجمع الأموال، تتلخص في الجرائم بشكل عام، سواء كانت قتل، أو سرقة للسيارات، أو إحداث فوضي مرورية، وأخيرًا، إتمام حركات خطيرة (Stunts) بالسيارات، وهو ما يعزز فكرة اهتمام المطور بأفكار الجزء الأول في الجزء الثاني. التنوعية التي شهدتها السيارات أيضًا تعزز من هذا الجانب لأن لكل حي من الأحياء الثلاثة هوية، مبني عليها نوعيات وقيمة السيارات التي ستراها، فالأحياء الغنية تحتوي على سيارات أغلي، وأسرع، والأحياء الفقيرة تحتوي على سيارات عادية، وسيارات أجرة. أتاحت اللعبة أنواعًا وفيرة من السيارات للقيادة، واهتمت بتوسيع ترسانة الأسلحة بشكل جبار، وهو ما سارت عليه السلسلة في كل أجزاءها اللاحقة.
الفلسفة التي بُني عليها الجزء الثاني هي توسيع من المفاهيم التي قدمها الجزء الأول، وأعتبر دائمًا هذه السياسة في التطوير سياسة شديدة الذكاء لأنها تضع المزيد من الاحتمالات أمام من أحبوا الجزء الأول، وتجعل من الجزء الجديد دائمًا المحطة الأنسب للمبتدئين، لأنه يحوي المزيد من المزايا والإمكانات. لقد وطأت أقدام المطور Rockstar وقتها أرض جديدة واسعة نجحوا في السيطرة عليها فيما بعد، وهي التحول بشكل كامل إلي لعبة جريمة، بعد أن كانت اللعبة تطمح فقط لتقديم لعبة مهتمة بالسيارات مع بعض الحرية في كيفية الحصول عليها!، وهي الفكرة التي استند عليها اسم السلسلة “Grand Theft Auto”
لقد قدمت اللعبة أحد أكثر العوالم الافتراضية تفاعلًا مع اللاعبين في وقتها. إذا قمت بجريمة ما سيتم ملاحقتك، وإذا قاومت الملاحقة، سيتم ملاحقتك بشكل أكبر بنظام Wanted Level جديد يصل إلي حد استدعاء الجيش نفسه لقتلك. وإذا قمت بقتل أفراد عصابة محددة بشكل مُكثف، ستلاحقك هذه العصابة، ويطلق أعضاءها عليك السلاح عند دخولك إلي الأحياء التي يسيطرون عليها. هذه الانظمة كانت جديدة وقتها علي اللاعبين، ناهيك عن تفاعلها مع بعضها البعض بذلك الشكل السلس؟ لقد كان إنجازًا رائعًا، ومحاكاة واقعية لحياة الجريمة!
بالطبع هوجمت اللعبة لعدم وضعها قيود على إمكانية إطلاق النار على العامة، ولكن رد روكستار دائمًا كان أن هذه الألعاب موجهة للكبار الواعين، ولذلك فإن اللعبة تحمل تصنيف عمري على الجميع اتباعه، كما أن اللعبة لا تحتوي على أطفال بالرغم من زعمها محاولة أن تكون واقعية، لتجنب إطلاق النار عليهم ونفي تهمة التشجيع على حوادث إطلاق النار العشوائية على الأطفال في المدارس التي تحدث من حين لآخر في الولايات المتحدة، ولكن هذه الردود لم تمنع الشركة الأم من الوقوع في مشاكل بسبب لعبتها الشهيرة، ولاحقًا سلسلتها التي تدر لها الأموال GTA، وقد تحدثنا عن احد تلك المشاكل التي وقعت بها اللعبة في مقال سابق.
ترسانة أسلحة غير مسبوقة، ونظام حرب عصابات ثوري
احتوت GTA على 19 سلاح بين مسدسات وبنادق، ورشاشات، وقنابل، بعض تلك الأسلحة لم يكن واقعيًا مثل الElectro Gun ولكنه يعد أحد أبرز أسلحة اللعبة، امتلكت اللعبة أيضًا مجموعة من القنابل مثل القنابل اليدوية، والمولوتوف والقناب الموقوتة، وكل الأسلحة كانت تدفعنا في اتجاه واحد، وهو استخدامها بشتي الطرق الممكنة، والإبداع في ذلك. هناك بعض اللحظات في اللعبة والتي تسمي Kill frenzy، تطلب من اللاعب قتل أكبر عدد من المدنين في وقت محدد، مقابل على مبلغ مالي كبير. مع تنوع آلية القتل هذه، تارة باستخدام دبابة، وتارة أخري باستخدام سلاح جديد بذخيرة غير محدودة! هذه اللحظات وعلى الرغم من تغذيتها لروح العنف داخل الإنسان إلا أنها شكلت لحظات تعلق الناس بها في ألعاب GTA بشكل عام في جميع أجزاءها التالية، حتى بعد أن اضطرت روكستار لإزالة نظان الKill Frenzy نهائيًا بعد انتقادات الجزء الثاني.
أحد الانظمة التي قدمتها تلك الإصدارة، والعجيب أنها لم تعود مع أي الإصدارات التالية، هي نظام المهمات، أو العصابات. تحتوي اللعبة على ثلاثة مناطق، لكل منهم عصابة إجرامية تتحكم فيهم، وعصابة تعد هي المنافس للعصابة المسيطرة في المنطقة، وأعظم ما قدمته GTA 2 كان إعطاءك الإمكانية بالتلاعب بسيطرة هذه العصابات على المناطق، فاللعبة ككل تحتوي علي 7 عصابات منها الياكوزا والمافيا الروسية وغيرهم، وأداء المهمات لصالحهم يعزز من سيطرتهم على المناطق، كما يرفع من سمعتك بينهم، وهو ما يترتب عليه عواقب أو مميزات، الميزة هي دفاع تلك العصابة عنك ضد الشرطة أو العصابات الاخري، وتتمثل العواقب في إطلاق النار عليك كما أشرت سابقًا، إذا ما ساندت منافسيهم، أو أضررت بمصالحهم في المنطقة، وهو ما يساعد على خسارة سمعتك بينهم. أداء المهمات لصالح تلك العصابات يكون عن طرق التليفونات العمومية في عالم اللعبة، لكل حي أكثر من تليفون يمكنك استقبال المهام منه، ويفرقهم عن بضعهم الألوان. ولك الحرية في اختيار الجوانب التي تساندها، وتلك التي تواجهها، وتصميم المهمات نفسها لم يكن شيئًا مميزًا بالقدر الكافي، ولكنه نجح في تقديم المتعة. تصميم المهمات يتنوع بين سرقة السيارات، أو تصفية مجموعة من الأهداف بشكل رئيسي.هذا النوع من الحرية، وتفاعل الأنظمة مع بعضها كان بمثابة قفزة ثورية في اتجاه جعل عالم الألعاب أكثر عمقًا وتفاعلية.
اتجاه فني مميز
تميزت GTA 2 بالإخلاص الشديد والاتساق مع ما تقدمه من رؤية، هي اللعبة التي تقدم لك على طبق من ذهب تذكرتك لعالم الجريمة، يمكنك فيها أن تقوم بما يحلو لك، هي “جنة المجرمين” بكل ما تحمله الكلمة من معني، ويظهر ذلك في كل جوانب اللعبة بداية من تسمية الخريطة باسم Anywhere، وتقديمها للكثير من الظواهر المجتمعية الأمريكية الشهيرة، والتي حتى مع كوننا عرب يمكننا رؤيتها وتميزها من خلال الأفلام أو المسلسلات، وأحد تلك الظواهر المجتمعية هي مجموعات الشباب الذين يقلدون النجم الراحل “إلفيس بريسلي”
تصميم قوائم اللعبة، والصور التي تظهر في شاشات التجميل، وحتى العالم والأسلحة والصوتيات في اللعبة يحاول من التخفيف من النبرة العنيفة والجادة التي تقدمها أفكار اللعبة نفسها، وهو ما اتخذته اللعبة اتجاهًا في بعد في أجزاءها التالية، فدائمًا ما ستجد عنصر ساخر في ألعاب Gta، والحصيلة هي لعبة ممتعة وعالم افتراضي فريد من نوعه ستحب أن تبقي بداخله وتستكشفه، على الرغم من كونه مُصمم للعبة صادرة في 1999، إلا أنه لا يزال عالمًا جميلًا إلي الآن.
في النهاية، لعبت GTA 2 في 2021 ووجدت المتعة التي كنت أجدها فيها عندما كنت صغيرًا، وربما أكثر. هناك شيء مميز حول Gta 2 وهو أنها قدمت أفكارًا تسبق عصرها بعشرات السنوات، ومنها نظام السمعة الذي لم تقدمه ألعاب حديثة كثيرة، كما أنها تعتبر واحدة من أكثر الألعاب التي تقدم تفاعلًا للعالم مع اللاعب وأفعاله حتى في وقتنا هذا. انطلقت تلك العقول التي وقفت خلف مشروع Gta II لتقدم لنا الجزء الثالث، ومن ثم الأجزاء التي تلته، لتصبح بين أيدينا أحد أعظم السلاسل في الصناعة ككل، سلسلة لطالما قدمت أفكارًا جديدة، ودفعت صناعة الألعاب إلي حدود جديدة.