كانت فترة التسعينيات فترة مذهلة لألعاب الفيديو – عقد كامل حيث بدا الأمر وكأن رؤية ثورية للمستقبل تصل كل ستة أشهر. جعلت لعبة Super Mario 64 البعد الثالث إضافة أساسية لجميع ألعاب البلاتفورمر، وأضفت لعبة Baldur’s Gate نطاقًا مذهلاً لألعاب تقمص الأدوار، وحولت لعبة Resident Evil منزلًا بسيطًا إلى كابوس تفاعلي مرعب. تظل هذه الأمثلة كلاسيكيات خالدة، لكنها مهدت أيضًا الطريق لمستقبل أفضل لسلاسلها وأنواعها. ولكن هناك لعبة كلاسيكية من التسعينيات لها علاقة غير عادية بالمستقبل. لعبة Half-Life، لعبة التصويب الثورية من منظور الشخص الأول التي ابتكرها 30 شخصًا فقط في شركة Valve Software -المؤسسة حديثاً آنذاك-، لا تزال تبدو وكأنها متقدمة بجيل كامل.
ربما تكون سطحها قد تقدم في العمر بسبب الرسومات المكعبة والإضاءة البدائية والأنميشن البدائي، لكن Half-Life هي لعبة رائعة في تصميم المستويات والأجواء ورواية القصص الغامرة. وعلى الرغم من مرور أكثر من 25 عاماً إلا أن تأثيرها الكبير على صناعة ألعاب الفيديو لا يزال موجوداُ.
عبقرية مراحل Half Life
من المناسب أن تبدأ قصة Half-Life، والتي تتأرجح بين إطلاق النار النشط والاستكشاف المتوتر، على شكل رحلة في قطار. نوعًا ما. القطار الذي يحمل بطلك -الدكتور جوردون فريمان، إلى وظيفته اليومية كعالم في منشأة أبحاث Black Mesa تحت الأرض- هو بمثابة جولة للمراحل التي تنتظرك. المراحل التي ستكون أبداع في التصميم الذكي وخاتماً خارج كوكب الأرض حرفيًا.
تتبع ألعاب إطلاق النار الكلاسيكية في القرن الحادي والعشرين، مثل Modern Warfare الأصلية وTitanfall 2، هذه الخطوات. فتنوع مراحل Half-Life هو أساس مهام مثل “Into the Abyss” و”All Ghillied Up“. ولكن حتى تلك المراحل المتنوعة بشكل رائع تكافح لمواكبة التطور السريع لممرات Black Mesa. كل مرحلة لديها مفهوم محدد وفريد، من الهجوم على Tentacles في “Blast Pit“، إلى إطلاق الصواريخ الموجهة بالليزر من حافة الجرف في “Surface Tension“، إلى حل ألغاز البوابة في “Lambda Core“.
قصة مليئة بالتويستات
تساعد هذه المراحلة المتنوعة إيقاع القصة بشكل مثالي لـ Half-Life. بعد بداية تتأرجح عمدًا بين المدهش والعادي، يحدث كارثة علمية تمزق نسيج الفضاء، ويغزو الكائنات الفضائية العدوانية Black Mesa. ويصبح لديك هدف واحد فقط – الوصول إلى السطح والبحث عن مساعدة – تصعد عبر طوابق المنشأة في قتال يائس نحو النهاية. لكن تمامًا كما يبدو أن الأمان في متناول اليد بفضل وصول مشاة البحرية الأمريكية. تجد أنت وزملاؤك أنفسكم فجأة في مرمى النيران الجيش، وذلك لأنه يريد قتل أي شهود.
هذه التويست الرائعة والمفاجئة تثير شعور Half-Life المتصاعد بالمخاطر. إنها تجبرك على العودة تحت الأرض والدخول في سلسلة من الفصول التي ستقربك بشكل مؤلم في مواجهات مع قناصين محترفين، ومغتالين سرعاء، وأشكال أكثر قسوة من الكائنات الفضائية القادمة من وراء النجوم.
قتال مليء بالتحديات
إضافة الجنود إلى مجموعة الأعداء يعيد أيضًا التفكير بشكل جذري في تصميم المواجهات. اللغة الأساسية في Half-Life هي لغة السلاح، لكن مفرداتها تتسع باستمرار. يبدأ هذا مع الكائنات الفضائية، التي تقلد Doom، لكل منها هجمات فريدة وتعمل معًا للقضاء عليك – حيث تقفز عليك الـHeadcrabs بينما تقوم Houndeyes بضربك بموجات تصادمية ويطلق عليك الـ Vortigaunts خيوط البرق بعيدة المدى، يمثل هذا كله تحدٍ قتالي حقيقي.
الطريقة التي يتم بها مواجهة هذه الأعداء الفضائيين، مع كل واحد منهم يتطلب تكتيكًا محددًا لهزيمته، هي بعيدة تمامًا عن جيوش البشر المتماثلة التي تشكل العديد من ألعاب إطلاق النار الكبرى اليوم. لكن حتى عندما تختار Half-Life أعداء بشر، فهم بنفس قدر نظرائهم الفضائيين فيما يخص التحدي. جيش من المهاجمين العدوانيين والمجازفين الذين يحبون إخراجك من مواقعك بالقنابل اليدوية. إذا دخلت في قتال مع كلا المجموعتين في نفس الوقت، فإنه يصبح مواجهة مثيرة للبقاء على قيد الحياة، وهي نوع من معارك إطلاق النار التي لا تستطيع العديد من الألعاب الأخرى تكرارها منذ ذلك الحين.
جوانب رعب بقاء مميزة
وصول مشاة البحرية يغير نغمة Half-Life الأولية من النجاة من كارثة إلى شيء أقرب إلى التعرض للصيد من قبل مفترسين. هذه الأجواء تجعل Half-Life واحدة من أكثر ألعاب الرعب فعالية على الإطلاق. يتم تعزيز ذلك من خلال الاهتمام المذهل بالتفاصيل، والإضاءة، وتوقيت ظهور الأعداء. وخصوصاً المخاوف التي يثيرها الـHeadcrabs المختبئة في فتحات التهوية المظلمة و* zombies* المخفية في الزوايا الضيقة. كل هذا يعتمد على العزلة؛ فالأشخاص في اللعبة نادرون، وبالتالي يُطلب منك البقاء على قيد الحياة أثناء الهجمات المستمرة من الـBullsquids التي تفرز الأحماض و* Barnacles* الجائعة للحوم، وكل ذلك وأنت وحيد. إنها غالبًا معركة يائسة ومخيفة من أجل البقاء ضد جميع الاحتمالات.
إن هذا القمع يتوازن مع الكوميديا السوداء التي تبعث على الضحك. حيث يبتلع أشياء مرعبة غير مرئية المختبئة في فتحات التهوية العاملين في المختبر. ثم تخرج أمعائهم بعد بضع ثوانٍ فقط بشكل فظيع. ويصرخ عالم يائس “خذني معك! أنا الرجل الوحيد الذي يعرف كل شيء” قبل أن ينفجر على الفور على الجدران. إن لعبة Half-Life هي لعبة مضحكة حقًا بطريقة لا تتمتع بها إلا القليل جدًا من الألعاب الجادة في الوقت الحاضر.
الكوميديا السوداء لشخصيات الـNPC
ولكن هذه الوفيات التي تثير الضحك بين العلماء ليست مجرد نكات، بل إنها تساهم في قصة Half-Life، التي تُروى ببراعة من خلال البيئة نفسها. كانت Valve تخطط في الأصل لاستخدام مشاهد سينمائية تقليدية، لكنها لم تعد تملك الوقت الكافي، لذا فإن Half-Life تدور أحداثها بالكامل من منظور الشخص الأول مع سيطرة اللاعب الكاملة من البداية إلى النهاية. وهذا يخلق شعورًا غير عادي بالانغماس. فأنت تعيش كل لحظة، وبصرف النظر عن اللحظة الوحيدة التي تتحول فيها اللعبة إلى اللون الأسود بعد فقدانك للوعي، فإن رحلتك مستمرة تمامًا دون أي إنقطاع. وهذا يجعل المختبرات والمكاتب المترامية الأطراف والمترابطة في Black Mesa تبدو حقيقية مما يعني أن المواقع ليست مجرد مسرح للقصة، بل هي القصة نفسها.
“كان لابد من دمج السرد في الممرات”، كما أوضح كاتب Half-Life مارك لايدلاو في مقابلة مع Rock, Paper, Shotgun. “الكثير من الفخاخ والطرق الالتفافية والعقبات ولحظات ظهور الفضائيين. إن تصميم المستويات الجيد حقًا يروي قصته الخاصة. لست بحاجة إلى ظهور شخصيات NPC لإخبارك بما يجب عليك فعله إذا كانت قواعد اللغة المرئية لديك واضحة بما فيه الكفاية. ثم عندما تظهر الشخصيات، يمكنهم قول سطور حوار تجعلهم كأنهم شخصيات حقيقية وليسو علامات إرشادية.”
أمثلة لتأثر الألعاب بـ Half Life
تقريبًا جميع انتصارات Half-Life تم تكرارها على مدار الربع قرن الماضي. Halo يتميز بنفس النهج المذهل في تصميم المواجهات القتالية، مدعومًا بذكاء اصطناعي تفاعلي بشكل رائع. ألعاب Metro تبنت نفس الأجواء الكثيفة التي جعلت كل ممر قصة بحد ذاته. Call of Duty بنت إرثها على المهام المتنوعة التي تدور في مغامرات مجنونة مع كل فصل جديد. ولكن رغم تأثير Half-Life، من الصعب التفكير في العديد من ألعاب إطلاق النار التي تمكنت من رفع مستوى الـ FPS بشكل شامل كما فعلت Half-Life. في الواقع، على الأقل من وجهة نظري، هناك لعبة واحدة فقط تمكنت من فعل ذلك وهي Halo Combat Evolve.
تأثير Half-Life العميق على ألعاب الأكشن من منظور الشخص الأول لا يمكن إنكاره، ورغم التطورات التقنية، لا تزال Half-Life تحتفظ بمكانة خاصة في قلوب اللاعبين، حيث يستمر تأثيرها في ألعاب اليوم، وكلما عدنا إليها، نجد أنها لا تزال تسبق عصرها.