مراجعة وتقييم لعبة The Alters

أعرف استوديو 11 bit جيداً، وأعتقد أن ما يميزهم دوماً هو الجرأة على طرح أفكار تلامس الواقع الإنساني بطريقة لم تفعلها سوى قلة من ألعاب الفيديو من قبل؛ ولعبة The Alters ليست استثناءً، بل هي خطوة أبعد في هذا المسار، تأخذنا في مغامرة فلسفية معاصرة حول معنى أن نواجه أنفسنا بكل ما في داخلنا من قرارات معلقة، وطرق لم نسلكها، وفرص ضائعة أو ربما تجارب هربنا منها طويلاً. كانت فكرة اللعبة، التي طُرحت من خلال سؤال “ماذا لو؟”، هي السبب الرئيسي الذي شدني إليها، فقد بدت واعدةً منذ لحظة الإعلان الأولى، واستطاعت فعلاً إثارة فضولي ورغبتي في الاستكشاف.

هل نفذت اللعبة هذه الفكرة الكبيرة بشكل ممتع فعلاً؟ وهل يمكن للعبة أن تمزج بين الفكرة الفلسفية واللعب الاستراتيجي دون أن تفقد روحها؟

القصة

القصة في The Alters هي العنصر الأقوى والأكثر جاذبية بلا شك. تبدأ الأحداث مع البطل “جان دولسكي”، عامل تعدين يجد نفسه وحيداً على كوكب قاحل غامض، بعد تحطم سفينته الفضائية. ما بدا في البداية مجرد مهمة روتينية لجمع عنصر نادر سرعان ما تحول إلى كابوس بقاء حقيقي. لكنّ الأكثر إثارةً هو الأسلوب الذي اختاره الاستوديو لتصوير صراع البقاء؛ فالتهديد الأكبر لم يكن مجرد الشمس القاتلة أو نقص الموارد، بل كان شيئاً أكثر عمقاً وذاتية وهي مواجهة نسخ مختلفة من جان نفسه، يطلق عليها اسم “Alters”.

كل نسخة من هذه النسخ تمثل خياراً حياتياً لم يتخذه جان من قبل مثل طبيب أو مهندس أو مزارع، أو حتى شخصية اختارت الحب والراحة بدلاً من المغامرة. جميعهم يمتلكون ذكرياتهم وأفكارهم وصراعاتهم النفسية الخاصة، وهذا ما منحني شعوراً حقيقياً بأهمية كل قرار نتخذه، أو لم نتخذه، في حياتنا. هذه المواجهات كانت مليئة بالمشاعر المختلطة بين الندم، والغضب، والقبول في بعض الأحيان.

لم تكن اللعبة فقط تحكي عن البقاء الجسدي، بل عن البقاء النفسي، وتطرح بذكاء أسئلة عميقة حول الهُوية والندم والتصالح مع النفس.

أسلوب اللعب

• تقدّم The Alters أسلوب لعب فريدًا يجمع بين عناصر الاستكشاف، وإدارة الموارد، والبقاء، إلى جانب لمسة استراتيجية مميزة.

• تتحكم كلاعب في قاعدة فضائية متنقلة، تقوم بتطويرها وتحسينها بشكل مستمر، مع توزيع المهام اليومية بين نسخ “جان” المختلفة، كلٌّ حسب تخصصه وخبراته.

• الجزء المفضل لدي في هذه الآلية كان الإحساس بالمسؤولية، لأنني كنت مجبرًا على اتخاذ قرارات متوازنة من سيقوم بزراعة المحاصيل؟ من سيتولى الإصلاحات؟ ومن سيخاطر بالخروج لاستكشاف السطح القاسي للكوكب؟ كل مهمة تبدو صغيرة، لكنها تحمل نتائج بعيدة المدى.

• كان الاستكشاف ممتعًا ويوفر قدرًا كبيرًا من الحرية، لكنه يصاحَب بشعور دائم بالتوتر، خصوصًا مع القاعدة الصارمة بعدم الخروج ليلًا بسبب إشعاعات الشمس المميتة.

• ويُضاف إلى ذلك وجود ما يُعرف بـ”التشوهات” أو الـAnomalies كيانات غامضة تتسبب بإشعاعات حادة أو تشويش بصري، وتعيق تقدمك على سطح الكوكب.

• لا توجد معارك تقليدية هنا، لكن مواجهتها تتطلب تخطيطًا وتدخلًا استراتيجيًا باستخدام جهاز خاص يمكّنك من تحييد خطرها مؤقتًا. لا تطلق النار على عدو، بل تفكك خطورته بالذكاء وفي الوقت المناسب.

• إن إدارة الوقت في اللعبة تشكل تحديًا ممتعًا؛ فقد كنت دومًا في سباق مع الزمن للعودة قبل الغروب. لم أشعر في أي لحظة أن المهام رتيبة، بل كانت متجددة ومتغيرة حسب اختياراتي والظروف المتاحة، خصوصًا مع تغيّر حالة الكوكب يومًا بعد يوم، وتبدّل المخاطر المناخية أو التقنية.

• ومن أبرز العناصر المبتكرة في اللعبة جهاز “الرحم”، الذي يتيح لك خلق نسخ جديدة من “جان”. وكانت عملية اختيار أي نسخة من الماضي من أكثر اللحظات حيوية في تجربتي، إذ كانت دائمًا مصحوبة بتردد حقيقي.

• هل أحتاج إلى النسخة التي تمتلك مهارات الطب؟ أم أختار نسخة تفيدني في تعزيز الإنتاج الغذائي؟ أم نسخة أقوى نفسيًّا يمكنها مساعدة الآخرين على التماسك؟ كل قرار هنا كان مؤثرًا، ليس فقط في أسلوب اللعب، بل في ديناميكية الحوارات بين الشخصيات وفي مسار القصة أيضًا.

• أما التفاعل الاجتماعي والنفسي بين “جان” ونسخه فكان من أبرز ما يميز التجربة. كانت العلاقات عميقة، والحوارات واقعية للغاية. رأيت نسخًا من “جان” تتصادم مع بعضها البعض، وأخرى تتعاطف، وبعضها يرفض الاعتراف بأخطائه السابقة. كانت هذه اللحظات من أجمل ما عشته، لأنها أضافت بُعدًا إنسانيًا حقيقيًا إلى التجربة ككل.

• كان الدمج بين عناصر البقاء والاستكشاف والسرد المتعمق من أكثر ما استمتعت به في The Alters. شعرت دائمًا أن كل مهمة، حتى الصغيرة منها، كانت مرتبطة عضويًا بالقصة الكبرى. لم يكن بناء القاعدة أو جمع الموارد مجرد أنشطة ميكانيكية، بل كانت تحمل طابعًا سرديًّا وعاطفيًّا واضحًا.

• كنت دائمًا منشغلًا بالتفكير في تأثير قراراتي على الأحداث المقبلة، خصوصًا بعدما لاحظت أن كل تجربة لعب تختلف بشكل كبير عن الأخرى، بحسب النسخ التي قررت استدعاءها والتفاعل معها.

إيجابيات لعبة The Alters

• أكثر ما جذبني في The Alters هو سردها العاطفي العميق. لم تكتفِ اللعبة بطرح سؤال “ماذا لو؟” كشكل فلسفي فقط، بل جعلتني أعيش تبعاته فعليًا. كل نسخة من “جان” تمثل خيارًا حياتيًا مختلفًا، وكل تفاعل معها هو انعكاس مباشر لجزء من شخصية البطل أو ربما من شخصيتي أنا. 

• ما يميز The Alters هو أن كل قرار تتخذه له تأثير فعلي. لا تقوم فقط بتوزيع المهام بين النسخ، بل تفكر من الأفضل للزراعة؟ من سيخرج للاستكشاف؟ من يمكنه إصلاح الأجهزة قبل حلول الليل؟ 

• رغم غياب القتال التقليدي، لم أشعر أبدًا أن اللعبة تفتقر إلى التوتر. هناك دائمًا خطر بيئي إشعاعات الشمس، وتشوّهات طاقية تُدعى “anomalies”، وأعطال مفاجئة في القاعدة. كنت في حالة استعداد دائم، لأن أي خطأ في إدارة الوقت أو في اتخاذ القرار قد يؤدي إلى خسائر حقيقية. اللعبة تنقلك من توتر التفكير التكتيكي إلى توتر البقاء، دون أن تطلق رصاصة واحدة.

• البيئة الكوكبية التي تقدمها اللعبة تبدو غريبة وساحرة في آنٍ واحد. يتميّز التصميم البصري بدقته وثرائه، مدعومًا بمحرك Unreal Engine 5، ما يمنح كل مشهد عمقًا بصريًا وتجسيدًا واقعيًا مدهشًا. 

سلبيات لعبة The Alters

• لم أواجه أيّ سلبيات خلال تجربتي.

دعم المنطقة العربية

• اللغة العربية: لا تدعم اللعبة اللغة العربية.
• المشاهد الإباحية: غير موجودة.
• المثلية: غير موجودة.
• المساس بالمقدسات الدينية: غير موجود.
• العنصرية: غير موجودة.
• الموسيقى: قابلة للكتم عبر الإعدادات.

هل أنصحك بشراء لعبة The Alters

نعم بكل تأكيد.

بعد كل ما عشته في هذه الرحلة، يمكنني القول بثقة إن The Alters ليست مجرد لعبة، بل تجربة فريدة تمزج بين الخيال العلمي والتأمل الإنساني بطريقة نادرة. صحيح أنها تخلو من القتال التقليدي، لكنها تعوّض ذلك بسرد عاطفي عميق، وشخصيات متعددة الأبعاد، وعالم بصري مذهل مدعوم بمحرك Unreal Engine 5. اللعبة دفعتني للتفكير في نفسي، في قراراتي، وفي نسخ مختلفة منّي كان يمكن أن أكونها؛ وإذا كنت من اللاعبين الذين يقدّرون القصة والتخطيط والمعنى أكثر من الحركة السريعة والانتصارات اللحظية، فإن The Alters تقدم تجربة صادقة وغنية تستحق الشراء دون تردد.