بعدما علقّنا آمالًا كبيرة على إقامة مؤتمر E3 هذا العام، صُدمنا بإلغائه كليًا مساء الأمس. أُلغي الحدث على أرض الواقع وحتى رقميًا. الأمر يعود إلى عام 2020، عندما بدأ العالم في الانغلاق على نفسه وأصبحت وسائل الترفيه الواقعية في خبر كان. تم إلغاء المؤتمرات، والحفلات، والندوات، ولم يكن حدث الألعاب الأشهر استثناءً.
عاد لنا الحفل مرةً أخرى في 2021، ولكنه كان رقميًا ولم يرتق للمستوى المطلوب. مؤتمر كان أبرز ما به الكشف عن أسلوب لعب جديد للعبة Elden Ring.
لا يمكن لأحد أن ينكر مكانة مؤتمر E3 في عالم الألعاب؛ فأكبر الشركات كانت -ولا زالت- تأتي لتكشف عن أكبر مفاجآتها في هذا الحدث. قيمة هذا المحفل كبيرة لدرجةٍ جعلت جيف كيلي، مؤسس حفل جوائز الألعاب (The Game Awards) وحفل(Summer Game Fest)، يشمت بإلغاء الحفل الأكبر في تاريخ الصناعة عن طريق تغريدة على تويتر، وهذا لأن الأضواء ستُسَلط الآن على حفله الخاص. فهل فعلًا تراجعت هيبة E3؟ وما حكاية هذا المؤتمر؟
صناعة الألعاب وبداية الصخب
في بداية تسعينيات القرن الماضي، لم تؤخذ صناعة الألعاب على محمل الجد، وكانت تعتبر مجرد وسيلة ترفيه “طفولية”. وأعتقد أن السبب في ذلك يُعزى إلى الحملات التسويقية التي قادتها شركة نينتندو في ذلك الوقت عن طريق استهداف الفئات العمرية الصغيرة، وبالمناسبة، هذا ما دفع المنافسين للبحث عن قاعدة جماهيرية بفئات عمرية مختلفة وجدت في الألعاب العنيفة “والناضجة” متعة لا توصف.
ظهرت على الساحة ألعاب عنيفة مثل Mortal Kombat والتي رأيناها لأول مرة عام 1992، وبعدها حُولت إلى فيلم سينمائي في 1995. جذبت اللعبة -وباقي الألعاب العنيفة- اهتمام اللاعبين لما تميزت به من الشراسة والدماء المتطايرة في كل مكان، والتي كانت بمثابة الدماءً منعشة لساحة الألعاب.
وبسبب ذلك التوجه العنيف، وخوفًا من الإجراءات الحكومية والرقابية، قرر ناشرو الألعاب أن يؤسسوا جمعية لمراقبة تلك العناوين وسميت ISDA، والتي تحولت فيما بعد إلى جمعية برامج الترفيه أو ESA. سعت هذه الجمعية إلى تصنيف الألعاب عمريًا وفقًا لتصنيفات الأفلام. نجح الأمر وحصل على موافقة الكونجرس الأمريكي.
بدأت صناعة الألعاب بالازدهار وزاد حجم سوق الحواسيب الشخصية، والرسوميات ثلاثية الأبعاد والتي أتاحت الفرصة والمساحة الكافيين للمطورين لإظهار مواهبهم المدفونة والتي قيدتها الرسوميات ثنائية الأبعاد 2D. وفي 1993، بدأت سوني بتطوير البلايستيشن وآمن به اللاعبون لما لسوني من سمعة طيبة في عالم الإلكترونيات. وصدر الجهاز واحتدمت حروب أجهزة الكونسول.
كل ذلك “الأكشن” احتاج لما يحتويه، وهنا ظهر مؤتمر الترفيه الإلكتروني Electronic Entertainment Expo (E3) لأول مرة في 1995 وحقق نجاحًا باهرًا بحضور ما يزيد عن الـ 40 ألف شخص. اكتنف ذلك المؤتمر كلَ من أراد أن يستعرض عضلاته من المطورين أو الناشرين، فمنذ ذلك الوقت، والمطورون يهتمون بعروض تقديم الألعاب خاصتهم.
تغيرت الألعاب منذ ذلك العام فصاعدًا. عناوين مثل Tomb Raider وResident Evil وSilent Hill تخطوا حدود الإبداع وجعلونا نستكشف جوانب جديدة من الترفيه سواء على المستوى البصري أو في سرد القصة.
نجاح ذو حدين
بدأت صناعة الألعاب الآن في الانحسار بين ثلاث شركات فقط؛ مايكروسوفت، وسوني، وبالطبع نينتندو. هذا الثلاثي هو ما شكل الجيل السادس للألعاب في 2002.
في 2005، نجح المؤتمر نجاحًا صارخًا وكانت تلك سنته الأولى التي حظيّ فيها بتغطية شبكات G4 الأمريكية الشهيرة، ووصل عدد الحاضرين إلى 70 ألفاً. نجاح مستحق لمؤتمر تم الإعلان فيه عن أفضل الأجهزة وقتها، وهما البلايستيشن 3 والإكس بوكس 360.
الغريب في الأمر أن ذلك النجاح كان سلاحًا ذو حدين بالنسبة للمؤتمر؛ فضخامة العرض ونجاحه أديا إلى نجاح وسائل إعلام على حساب جهات أخرى مما صعب وصول منتجات تلك الجهات إلى عدد أكبر من الجمهور. ذلك الأمر أجبر جمعية برامج الترفيه ESA على تقليص عدد الحاضرين وإعادة تسويق المؤتمر وأصبح يسمى “مؤتمر E3 للإعلام وريادة الأعمال” ولم يسمح لسوى 10 آلاف شخص بالحضور فقط.
بالطبع فشلت الفكرة وأدركت جمعية برامج الترفيه خطأها الفادح وأن المؤتمر يعتمد على التنافسية بين الصحفيين، والناشرين، والمطورين، وباقي الجهات المشاركة.
جمعية برامج الترفيه تتعلم من خطأها
في 2009، عادت المياه لمجاريها وللمرة الثانية يتم إعادة تسويق المؤتمر، ولكن هذه المرة لشكله القديم الناجح، وفُتحت الأبواب أمام الحضور مجددًا ليحضر حوالي 41 ألف شخص. وفي 2010، شهدنا إضافة كبيرة للمؤتمر عندما انضم ثلاثة مطورين كبار للحفلة، وهم: Ubisoft، وKonami، وEA لتحتدم المنافسة أكثر وأكثر.
في 2017 حدث تغيير كبير في المؤتمر عندما قرر المسؤولون أن يفتحوا أبوابهم للجمهور العادي لأول مرة منذ إنشائه في 1995؛ أصبح للحضور ميزة التحدث مع ممثلي الشركات وتجربة بعض الألعاب الجديدة القادمة، وهذا بالإضافة إلى الاستمتاع بخدمات البث وخدمات الأونلاين.
ومرة أخرى، تستطيع الشركات الكبرى أن تخطف الأنظار، وتتوارى بعض الجهات خلف الستار. لم يعد بإمكان البعض أن يعرضوا محتواهم لأكبر عدد من الجماهير بسبب الحيتان المسيطرة على العرض مثل سوني ومايكروسوفت. هذا الأمر جعل أحد أعمدة المؤتمر القديمة تنسحب وتهتم بمؤتمرها الخاص، وهنا نتحدث عن نينتندو (قبل عودتها مرة أخرى) ومؤتمرها Nintendo Direct، وتبعتها شركة EA وقدمت حدثها الخاص هي الأخرى، حدث EA Play.
أما عن الألعاب المستقلة، فمؤتمر E3 كان داعمًا شديدًا لها ويغطيها بشكل مرتفع، فشهدنا شركات عملاقة مثل مايكروسوفت وبيثيسدا (قبل أن تستحوذ عليها الأولى) تعرض ألعابها المستقلة بجانب العناوين الرئيسية.
سقوط حر
آخر النسخ الناجحة من المؤتمر كانت تلك التي رأيناها في 2019، فعلى الرغم من مغادرة سوني لأول مرة منذ بداية E3، إلا أن ما يزيد عن الـ 66 ألف شخص قد حضروا المؤتمر في الفترة ما بين 11 و13 يونيو في قاعة مؤتمرات لوس أنجلوس.
بعد ذلك المؤتمر، بدأ ضوء E3 في الخفتان التدريجي وكانت البداية مع 2020 وجائحة كورونا، ولا نعلم متى ستكون النهاية. ربما لن تأتي بالنسبة للمؤتمر، وهذا ما نأمله، ولكن المؤشرات تنبئ بسقوط حر، وهذا ما رأيناه هذا العام عندما علمنا بإلغاء المؤتمر لتكون تلك هي المرة الثانية في نفس السنة بعدما ألغيّ في يناير الماضي.
صرحت جمعية برامج الترفيه أن سبب الإلغاء يعود إلى المخاطر العالية من فيروس كورونا المنتشر الآن، وأن هناك نية قوية للعودة في 2023. سبب لا أراه منطقيًا على الإطلاق؛ فأضعف الإيمان كان سيتحقق إذا أُقيم المؤتمر بنسخة رقمية افتراضية، ولكن الإلغاء الكامل!
إلغاء المؤتمر أكثر من مرة في نسخ متقاربة من شأنه أن يزعزع مكانة E3 خصوصًا في ظل المنافسة الشديدة بين المؤتمرات الموجودة حاليًا، فإذا نظرنا إلى حفل الألعاب الصيفي Summer Game Fest الخاص بجيف كيلي، سنجد أن النسخة الفائتة قد حققت ما يزيد عن الـ 3 ملايين مشاهدة وأكثر من 25 مليون بث للحدث.
سننتظر عودة E3 العام القادم، ونرى إذا ما كان سيستمر في سقوطه الحر، أم سينهض مرة أخرى عن طريق إعادة تسويقه أو أيًا كان.