إذا سألتك عزيزي القارئ وقلت لك ما “ما هي الطريقة المتعارف عليها لمعرفة التاريخ ؟” بالطبع سيكون جوابك هو القراءة، أقرأ الكثير من الكتب التاريخية وستكون على معرفة كافية بالتاريخ وربما ستتخيل في عقلك أثناء القراءة كيف كانت تلك الحقبة من التاريخ، وإذا أردت أن تتحدث عن زمن أو تاريخ معين في عمل ترفيهي مثل ألعاب الفيديو أو عمل سينمائي مثل الأفلام والمسلسلات فيجب عليك أن تتعرف على هذا التاريخ جيدًا، والسؤال الأهم هنا هل يقتبس صانعي الأعمال الترفيهية والسينمائية التاريخ كما هو أم يتعمدون تزييف التاريخ والتغيير فيه ؟
بالطبع الغالبية العظمى من صانعي تلك الأعمال الترفيهية -من بينهم مطوري ألعاب الفيديو- يلجأون لفعل شيء سيء ألا وهو تجاهل دقة تقديم الأماكن والأحداث التاريخية أو تزييف الأحداث التاريخية الحقيقية التي يدور حولها العمل الترفيهي، وذلك من أجل سياق أحداث العمل أو اللعبة، لكن للأسف فمن لم يقرأ عن التاريخ بشكل كافي سيظن أن هذا بالفعل ما حدث في هذه الحقبة من التاريخ. لذا وفي هذا المقال سنتعرف سويًا على ألعاب فيديو قامت بتجاهل دقة تقديم الأماكن أو الأحداث التاريخية الحقيقية!
1- سلسلة Assassin’s Creed وتزييف التاريخ!
منذ بداية سلسلة ألعاب التخفي Assassin’s Creed في 2007 وهي تعتمد على الرجوع بالزمن واستكشاف الحضارات والمدن القديمة مثل الحضارة الفرعونية واليونانية والذهاب إلى بلدان مثل إيطاليا وفرنسا، وهو ما جعل اللعبة ممتعة بالفعل للعديد من اللاعبين من بينهم أنا شخصيًا، وبالرغم من أن السلسلة أقتبست تاريخ وشكل تلك الحضارات والبلاد بشكل مميز إلا أن شركة Ubisoft تعمدت تزييف التاريخ في السلسلة حتى لو كان بشكل طفيف لكنه ما زال يعتبر تزييفًا للتاريخ أو للحقائق.
فمثلاً في لعبة Assassin’s Creed Black Flag أحد أفضل ألعاب السلسلة بالنسبة لي وللعديد من اللاعبين، كانت تدور أحداث اللعبة في منطقة البحر الكاريبي وهي منطقة كانت تحت استعمار العديد من الدول مثل إنجلترا وفرنسا واسبانيا وهولندا والدنمارك، إلا أنك ستلاحظ في اللعبة استعمار المنطقة من جانب إنجلترا وإسبانيا فقط، ولن تلاحظ تواجد فرنسا وذلك بالرغم من أن شركة Ubisoft هي شركة فرنسية في الأصل.
لم يقتصر الأمر على جزء Black Flag فقط بل حتى أن باقي الأجزاء شهدت تغيير في الحقائق التاريخية، ففي جزء Syndicate شهدنا وجود عمالة الأطفال بكثرة وذلك بالرغم من أنه في عام 1868 -الزمن الذي يدور فيه أحداث اللعبة- كان قد تم القضاء على عمالة الأطفال بالكامل، بينما في جزء Unity ستلاحظ وجود مقابض الأبواب بشكلها الحديث، وذلك بالرغم من أنه لم يكن قد تم اختراعها بعد، .
بالرغم من تزييف أو تغيير الحقائق التاريخية في السلسلة إلا أن سلسلة Assassin’s Creed تعد من أكثر سلاسل الألعاب دقة من الناحية التاريخية، حيث قدمت السلسلة الحضارات القديمة والمدن بالشكل الحقيقي، ولإثبات ذلك أكثر ففي عام 2019 اندلع حريق في كاتدرائية نوتردام دو باري بباريس ولكي يتم إصلاح ما تم إفساده في الكاتدرائية استعان المهندسون بجزء Unity حيث تم تقديم المبني في اللعبة بشكل مثالي. لذلك فإن السلسلة هي أفضل سلسلة ألعاب دقة من الناحية التاريخية.
2- سلسلة Call of Duty:
نعلم جميعًا بالطبع أن سلسلة مثل Call of Duty تعتمد بشكل أساسي في معظم الأجزاء على اقتباس أحداث تاريخية مثل الحرب العالمية الأولى، والثانية في جزء Call of Duty World War 2، والحرب الباردة في جزء Call of Duty Black Ops Cold War والعديد من الحروب الأخرى، لكن وكأي لعبة فيديو تعتمد على هذا الأمر فإنه وبالطبع سيكون هناك بعض الفروقات في السلسلة عن الحقيقة.
ففي العديد من أجزاء السلسلة تعمدت شركة Activision تزييف العديد من الحقائق التاريخية وأكثر جزء تضمن هذا الأمر كان Black Ops Cold War الذي يدور حول الحرب الباردة. خلال أحد المهام باللعبة يجب عليك استعادة أحد الأسلحة النووية التي زرعتها الولايات المتحدة في فيتنام خلال الحرب، لكن وفي الحقيقة فإن الولايات المتحدة لم تضع أي أسلحة نووية في فيتنام. وفي نفس اللعبة كانت هناك مهمة لعملية تدعى عملية الضوء الأخضر وهي عملية لحالات الطوارئ في الأساس حيث زرعت الولايات المتحدة قنابل نووية تحت مدن أوروبية لتفجيرها في حالة غزو السوفييت لأوروبا، لكن في الحقيقة عملية الضوء الأخضر كانت عملية خيالية في اللعبة، وتم اقتباسها من استخدام الولايات المتحدة لفرق الضوء الأخضر الحاملة لقنابل نووية صغيرة –B-54 Special Atomic Demolition Munitions– يتم تفجيرها خلف خطوط العدو في حالة غزو السوفييت.
بالرغم من تزييف الحقائق إلا أن السلسلة تعد من الأفضل في اقتباس الأحداث والأماكن التاريخية الحقيقية، فمثلاً في جزء World War 2 المقتبس أحداثه من الحرب العالمية الثانية، تم تقديم معظم مواقع الجبهة الغربية بدقة كبيرة كما أن أسماء القرى والعمليات العسكرية صحيحة، بجانب أن الأسلحة مصممة بعناية فائقة، كما لو كانت حقيقية، لذلك تغيير السلسلة لبعض الأحداث لا يعني بالضرورة أن اللعبة سيئة في اقتباس الأحداث المهمة في التاريخ.
3- L.A Noire:
لعبة L.A Noire هي أفضل لعبة تحقيق تم تقديمها في صناعة ألعاب الفيديو، وحتى يومنا هذا لم يتم تقديم لعبة تحقيق تتفوق عليها أو في نفس مستواها على الأقل. أحداث اللعبة تدور في أربعينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة وبالتحديد بمدينة لوس أنجلوس الشهيرة حيث قدمت شركة Rockstar Games المدينة بدقة كبيرة من أول المباني وحتى حركة المرور لكن فقد فاتهم تقديم شيء واحد بدقة كبيرة وهي السماء، وهو لا يعد بالمناسبة تزييفًا للتاريخ بقدر كونه تجاهل لدقة المكان.
كانت السماء في اللعبة صافية خالية من الأتربة والشوائب وغير ملوثة، لكن في الحقيقة فإن مدينة لوس أنجلوس في أربعينيات القرن الماضي كانت ملوثة بشكل كبير، حيث كانت السماء مليئة بالدخان الذي جعل جودة الهواء في الحضيض، لكن تجاهل هذا الأمر لم يؤثر بشكل كبير على تجربة اللعبة بقدر تأثيره على واقعيتها.
أقرأ أيضًا: سلسلة مقالات تحف منسية (الجزء الرابع): LA Noire
4-Battlefield 1:
بما أن أحداث لعبة Battlefield 1 في فترة مهمة من التاريخ وهي فترة الحرب العالمية الأولى فإنه وبالطبع قد تعمدت الشركة تجاهل دقو بعض الأشياء، وتلك الأشياء التي تم تجاهلها كانت الأسلحة. الاستوديو المطور لم يقم بتقديم الأسلحة بدقة كافية، حيث يتواجد في اللعبة العديد من الأسلحة التي كانت مجرد نماذج أولية ولم تستخدم في الحرب العالمية الأولى أبدًا، مثل Hellriegel و Selbstlater و General Liu Rifle، وحتى أن الأسلحة بعيدة المدى المتواجدة في اللعبة لم تكن متواجدة في تلك الفترة، لكن بالطبع تقديم هذه الأسلحة في اللعبة ساعد في تقديم تنوع كبير في أنواع الأسلحة.
5- Dino D-Day: الديناصورات في الحرب العالمية الثانية!
ربما تكون لعبة Dino D-Day الوحيدة من بين كل الألعاب المذكورة في القائمة التي تعمدت تزييف التاريخ بطريقة ساخرة. كما نعلم جميعًا فإن الديناصورات قد تعرضت للانقراض منذ ملايين السنين، لكن وفي هذه اللعبة وعلى الرغم من تقديمها لأسلحة الحرب العالمية بدقة عالية، إلا أنه تم إضافة الديناصورات كجزء من اللعبة وتم استخدامها كبديل للدبابات والمركبات الحربية، حيث تقف دول التحالف في مواجهة الديناصورات والنازيين.
كانت هذه قائمتنا لألعاب الفيديو التي تعمدت تجاهل دقة الأحداث والأماكن التاريخية أو تزييف التاريخ، وكما ترون فإن صانعي الأعمال الترفيهية يمكنهم التغيير في التاريخ كما يشاؤون وذلك من أجل أن يناسب قصة العمل أو المتعة التي يقدمها، لذلك فإن الأعمال لن تكون أبدّا المرجع الأول لمعرفة أي حقبة في التاريخ، وإذا ما أردت معرفة الأحداث التاريخية فعليك بالافلام الوثائقية أو الكتب التاريخية. في النهاية لا يمكننا أيضًا نسيان ما قدمته ألعاب الفيديو من دقة عالية في تقديم أشهر الأماكن والأحداث التاريخية مثل الأهرامات في لعبة Assassin’s Creed Origins، والحرب العالمية الثانية في Call of Duty فمن كان يتصور أن تصل ألعاب الفيديو لهذا التطور في يوم من الأيام.
