إذا كنت من عشاق الأفلام الأمريكية، أو المحتوى المرئي الأمريكي عمومًا (مثل ألعاب الفيديو)، فعلى الأغلب أنك لاحظت كيف يتم تطويع تلك الأعمال في سبيل خدمة المصلحة العامة الأمريكية لأسباب عديدة مثل نشر الأيدولوجيات أو تمرير أفكار ما بطرق مباشرة أو غير مباشرة.
لم يعد الأمر سرًا، سنوات من الهيمنة الأمريكية والغربية بشكل عام على العرب. معظم الوسائل الغربية تقريبًا ساهمت في تلك المهزلة عن طريق تشويه صورة العرب ورسم صورة نمطية لا تمت لنا بصلة. لا نتحدث هنا من باب المؤامرة أو ما شابه، ولذلك سنذكر أمثلة من ألعاب الفيديو لندلل على كلامنا.
كيف يبدو العرب في ألعاب الفيديو؟
نجد في عشرات الألعاب الحربية ضالتنا؛ جنود أمريكيون ذوو بشرة بيضاء يحتلون أماكن صحراوية كدلالة على بيئة العرب، ومن ثم يتوجون أنفسهم كأبطال السلام والحريات الديمقراطية. يدخلون أراضينا بحجة المساعدة عن طريق إعطاءنا الحرية وتخليصنا من مساوئنا، ونكتشف أنهم ينهبون ثرواتنا. نفس الأسطوانة المشروخة ونفس الكليشي. ألعاب مثل Battlefield 3، وArmy of Two، وMedal of Honor، وConflict: Desert Storm خير مثال على إهانة العرب والمسلمين بحجة الديمقراطية.
إذا انتقلنا للعبة أخرى، وهي Call of Duty 4: Modern Warfare، والتي حققت أعلى المبيعات وأصبحت واحدة من أكثر الألعاب شهرة في العشرين سنة الماضية، سنجد أن الشخصية الشريرة فيها هي شخصية خالد الأسد. قائد عسكري عربي يحمل نفس الصورة النمطية التي يصورها الغرب لشعبه على أنها حقيقة العرب. شخصية شريرة وتحمل كل الحقد الذي يمكن أن يكنه جسد بشري، شخصية يجب التخلص منها وقتلها على الفور لإنهاء الصراع وحل معضلة اللعبة والعيش بسلام.
ستشعر بشر تلك الشخصية عندما تسمع جملة الملازم Vasquez الشهير في اللعبة قبل أن يبدأ حملة البحث عن خالد الأسد، عندما قال لجنوده: “We get Al-Asad, We end this war right here” والتي تعني أن الحرب ستنتهي بمجرد إيجاد الأسد.
قد تكون تلك الحملات الموجهة على العرب والمسلمين أمرًا مبررًا عند البعض، وخصوصًا بعد أحداث 11 سبتمبر الشهيرة، ولكن هل من العدل أن يُعمم الأمر على جميع العرب؟ الأمر ليس مقتصرًا على تلك الأحداث فحسب، بل حتى من قبل أن تبدأ تلك الأحداث، ونحن مستهدفون.
6 أيام في الفلوجة
لعبة أخرى مثل سابقاتها من الألعاب المذكورة بالأعلى. كان من المفترض أن نراها في 2009، وكان من المخطط لها أن تنشر تحت مظلة شركة Konami، ولكن الجدل الحائم حولها أدى تأجيل نشرها. بعد ذلك عادت اللعبة إلى الساحة مرة أخرى عام 2016، ولكن لم يتركها الجدل وشأنها وتم تأجيلها مرة أخرى، وكما هو متوقع، بمجرد الإعلان عن النسخة الـ Reboot في فبراير 2021، دار حولها جدل وتم تأجيلها للمرة الثالثة إلى الربع الأول من 2022.
6 أيام في الفلوجة هي لعبة تصويب من المنظور الأول تتحدث عن حرب العراق، وبالتحديد عن معركة الفلوجة الثانية. سنتابع الجنود الأمريكيين خلال المرحلة الأكثر ذروة في حرب العراق، وسنشاهد كيف يتم تتويجهم كأبطال من خلال اللقطات السينمائية والمؤثرات السمعية والبصرية (هذا ما يبرعون فيه) وستجعلنا اللعبة نتعاطف معهم بالتأكيد. وعلى الرغم من مقتل حوالي 800 مدني عراقي، إلا أن اللعبة لن تظهر وجوههم حتى لا تُشعرك بالتعاطف أو الشفقة على العرب وهم يُقتلون على أيدي القوات الأمريكية والبريطانية.
عندما أعادت شركة Victura -الناشر الجديد- اللعبة على الساحة من جديد في فبراير الماضي، لم يتركها اللاعبون وشأنها. أصبح الكثير منا واعيًا واتهموا اللعبة بأنها تريد إحياء تلك البطولات المزعومة والتقليل من شأن العرب.
قال الموقع الرسمي للعبة بأن المطورين استعانوا بمئة جندي من البحرية والجيش الأمريكي وأن الجنود العراقيين تم وضعهم في اللعبة لإضفاء جو من الواقعية والعمق على تلك المرحلة من خلال القصص المأساوية والمعاناة التي لاقاها كلا الطرفين: قوات الجيش والمدنيين. هل نصدق هذا الهراء؟ بالطبع لا.
ولكل لا نتمادى في الأمر، فقد يكون السبب المذكور حقيقيًا فعلًا، ولكن لماذا ندعى عكس ذلك؟ ببساطة لأن لقطات المعاينة نادرًا ما تعرض صورة المواطن العراقي، وبالطبع بسبب عدم التركيز على الوجوه العراقية لانتزاع أي فرصة تعاطف كما ذكرنا بالأعلى.
محالاوت باءت بالفشل
كل تلك النقاط السلبية والمآخذ لم تكن لتوجد من الأساس لو قام المطورون بتمثيلنا بصورة مشرفة. ولكي نكون منصفين، هناك بعض المواقف التي حاولوا فيها أن يحسنوا من صورتنا بشكل أو بآخر، ولكن امتعاض الغرب الشديد انعكس على تلك الشخصيات، ونعني بالامتعاض الشديد أنهم لم يجرؤوا حتى على تحسين صورتنا بشكل كامل، وستفهم ما أعنيه في الفقرتين القادمتين.
هناك مثلًا شخصية الطائر Altaïr Ibn-La’Ahad في الجزء الأول من سلسلة Assassin’s Creed، شخصية قوية ومحورية. واثق من نفسه وذو كاريزما حاضرة، لكن طابع الغرور يسيطر عليه في كثير من الأحيان، وجانب القسوة يسيطر عليه في أحيان أكثر عندما نراه يقتل كل من يقف في طريقه، وهذا هو الجانب الذي ركز عليه مؤلفو الشخصية، جانب القتل والغرور.
هناك مثال آخر يتجلى في شخصية فريدة مالك Faridah Malik في لعبة Deus Ex: Human Revolution. فريدة تعمل كقائد طيار ونراها تنقل بطل اللعبة والشخصية الرئيسية، أدم جنسن Adam Jensen بين منطقتين مختلفتين. تصور اللعبة فريدة على أنها مخلصة ومحل ثقة، ولكن المشكلة أن أحد مخرجي اللعبة قال بأن تنشئتها تعود إلى ولاية ميتشغان الأمريكية! أرأيت؟ لن يدعوا الأمر يمر مرور الكرام، وبلغتنا العامية، “لن يدعوا الحُلو يكتمل”.
عزاءنا الوحيد أن القسوة على العرب لم تعد مثلما كانت في البداية. الشعوب أصبحت أكثر نضجًا ووعيًا، واللاعبون ليسوا استثناءً بالتأكيد.