الثاني من فبراير عام 2024 – كان ذلك يومًا من الأيام الفاصلة في تاريخ البشرية المعاصر، فهو اليوم الذي أعطتنا فيه Apple نظرة خاطفة من المستقبل، بشكل أوضح وأكثر واقعية أكثر من وقت مضى، حيث يتجول الناس مرتدين نظارات تضعهم في عالم آخر، ويلوحون بأيديهم في الهواء كالمجانين. الـ Apple Vision Pro أحدثت ضجة ثورية في العالم بأكمله وأذهلت الجميع، ليس فقط لسعرها الذي يصل إلى 4000 دولار أمريكي، ولكن أيضًا بسبب ما يمكن فعله بهذه النظارات، والآفاق الجديدة التي تفتحها أمامنا للمستقبل.
بالرغم من كل ذلك، الـ Vision Pro ليست الأولى من نوعها، نعم قدمت مزايا ثورية في هذا المجال بجودة غير مسبوقة، ولكن الفكرة نفسها موجودة بالفعل، منذ عام 2022 حين أعلن Mark Zuckerburg عن نظارات Meta Quest Pro، التي كانت أغلى نظارات VR حينها، قبل أن تأتي Apple وتستولي على اللقب مع الـ Vision Pro.
إصدار الـ Vision Pro والضجة التي أحدثتها Apple سلطت الأضواء على سوق نظارات الـ VR -والـ AR- أكثر، بالأخص تلك الخاصة بشركة Meta، مثل الـ Quest 3 الصادرة حديثًا، والـ Quest Pro الأقرب في الإمكانيات لنظارات Apple. تلك المقارنة تصبح مثيرة للاهتمام أكثر حين ندرك أن الـ Quest Pro تلك سعرها 1000 دولار أمريكي فقط، وليس 4000، بالرغم من كونها في نفس الفئة مع الـ Vision Pro وتقارب وظائف كل منهما.
في حال كان لديك بعضة آلاف الدولارات الإضافية، فمن الأفضل أن تلقي نظرة على المقارنة التي لدينا اليوم بين الـ Vision Pro والـ Quest Pro قبل أن تقرر الشراء، فبرغم فارق السعر الهائل، المقارنة ليست بعيدة كما تتصور.
بين “الحاسوب المكاني” والـ “ميتافيرس”.. لكل نظارات طموح مختلف
منذ الكشف الأول عن الـ Vision Pro، أوضحت Apple موقفها من البداية بأنها لا تحب تسمية VR لنظاراتها الجديدة، وتدعوها بمصطلح جديد في عالم التقنية، ألا وهو “الحاسوب المكاني” أو “Spatial Computing” ما يعني ببساطة أن الـ Vision Pro تُعد حاسوبًا كاملًا، ولكن ليس في شاشة تقليدية، بل في شاشات ثلاثية الأبعاد تطفو في المكان من حولك، بأي حجم تريده، وبأعلى دقة ممكنة، فالأمر أكثر من مجرد “واقع افتراضي”، بل هو مزيج بينه وبين الواقع المعزز، وذلك بفضل العتاد الخارق المزودة به النظارات، والذي سنتطرق إليه لاحقًا.
على الجانب الآخر تطمح Meta لتطبيق رؤية الـ “ميتافيرس”، وهي خلق عالم افتراضي عوضًا عن توظيف العالم الحقيقي الموجود بالفعل، وذلك عن طريق خلق بيئات كارتونية مناظرة للمكان الذي تريد أن تكون فيه، مثل مسح الغرفة الخاصة بك وإنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد لها. الـ Vision Pro لا تفتقر لجانب الواقع الافتراضي أيضًا، ولكنها تستخدم بيئات واقعية، مع توظيف تقنيات الصوت المحيطي لسماعاتها لتجربة أكثر غمرًا واندماجًا مقارنةً بالبيئات الكارتونية قليلة الجودة الخاصة بالـ Quest Pro.
يمكن القول باختصار أن الـ Vision Pro تريد جعلك تتفاعل مع الناس من حولك والتفاعل مع الأغراض الحقيقية في بيئتك بشكل طبيعي، ولكن مع وجود أغراض ثلاثية الأبعاد تطفو من حولك تساعدك على الإنتاج والإنجاز، لا يراها أحد سواك. في حين أن الـ Quest Pro تسعى لخلق بيئة افتراضية موازية، ذلك العالم الافتراضي المعروف بالـ “ميتافيرس” حيث يمكن إنشاء مساحة عمل كاملة افتراضية وعزلك تمامًا عما حولك في البيئة الحقيقية، بالرغم من دعمها لميزة الواقع المعزز، إلا أنها لا تركز عليها، وبالطبع ليست بجودة الـ Vision Pro.
مقارنة العتاد التقني بين Apple Vision Pro و Meta Quest Pro
Apple Vision Pro | Meta Quest Pro | |
الشريحة | شريحة Apple M2 شريحة Apple R1 | شريحة Qualcomm Snapdragon XR2 Plus |
دقة العرض | 4k (لكل عين) | 1920×1800 (لكل عين) |
تردد العرض | 90 – 96 – 100 هرتز | 90 هرتز |
نوع شاشتي العرض | OLED | LCD |
التخزين | 256 – 500 – 1000 جيجابايت | 256 جيجابايت |
الرام | 16 جيجابايت | 12 جيجابايت |
البطارية | 2 – 2.5 ساعة (منفصلة) | 2 – 3 ساعات (مدمجة) |
الوزن | 600 – 650 جرام (بدون البطارية) | 720 جرام (مع البطارية) |
وداعًا لأيدي التحكم، ومرحبًا للتحكم بالأيدي (والأعين)
حين تفتح صندوق الـ Meta Quest Pro أول ما ستجده هو زوج من أيدي التحكم اللاسلكية، التي تأتي كل منهما بثلاث كاميرات للتبع، وشريحة Snapdragon 662 في كل يد تحكم لضمان أفضل جودة تتبع وسرعة استجابة. مع روعة هذه الأيدي، إلا أنها لا تزال “أيدي تحكم”. بالطبع يمكنك التحكم بأيديك، وهناك تتبع للأعين، ولكنه بدائي ومليئ بالأخطاء، ناهيك عن النموذج ثلاثي الأبعاد الغريب ليديك.
على الجانب الآخر، لا تأتي الـ Apple Vision Pro بأيدي تحكم على الإطلاق، فالتحكم يتم باستخدام يديك على الشاشات الافتراضية الطافية من حولك، وليس ذلك فقط، بل أيضًا باستخدام الأعين. تقدم الـ Vision Pro تتبعًا للأعين بشكل غير مسبوق، وتوظفه في عمق التحكم المتاح للمستخدم، فإذا أردت الضغط على الأيقونة يسار الشاشة، لا عليك سوى النظر إليها ثم النقر بإصبعيك في الهواء. تريد تحريك النافذة؟ انظر لشريط التحريك بالأسفل ثم انقر وحرك يديك للاتجاه المرغوب. كل ذلك يبرز أكثر ويصبح “خياليًا” بفضل قوة العتاد الخاص بالـ Vision Pro، والذي لم يأت له مثيل حتى الآن.
الفكرة ذكية للغاية وتفتح آفاقًا جديدة للتحكم الخالي من الأجهزة، ولكن في الوقت ذاته ستجد أن ضرورة النظر إلى ما تريد التحكم به أو النقر عليه عادة جديدة وغير مألوفة، ستتفاجأ حين تدرك كم من المرات تنقر في اتجاه وأنت تنظر في اتجاه آخر.
تجربة اللعب: فارق كبير بين النظارتين
حين نتحدث عن الألعاب وتجربة اللعب بشكل عام، هنا تظهر فروقات واضحة. يمكن القول أن الـ Meta Quest Pro مصممة للاعبين بشكل أكبر من الـ Apple Vision Pro، التي، وبالرغم من إمكانيتها، تستهدف شريحة رجال الأعمال ومحبي الإنتاجية أكثر، مع بعض من الترفيه.
الـ Meta Quest Pro تعمل بنظام أندرويد، وتدعم التوصيل بالحاسب الشخصي عن طريق Steam والاستمتاع بألعاب الـ VR المختلفة بكل سهولة، ذلك بالإضافة إلى ألعاب الـ VR التي تأتي مثبتة في النظارات ولا تحتاج إلى جهاز خارجي لاستخدامها. أيدي التحكم المطورة الخاصة بالـ Quest Pro تحسن من تجربة اللعب، عن طريق دعم تتبع مثالي -تقريبًا- لليدين، والأزرار عالية الجودة.
على الجانب الآخر فإن الـ Apple Vision Pro في أغلب الأحوال يمكن القول أنها تعمل كشاشة عرض متحركة فحسب، حيث يمكن توصيلها بـ Steam ولعب ألعاب الحاسب المختلفة من خلال Steam Link وباستخدام يد تحكم لاسلكية بشكل طبيعي. لكن للأسف لا توجد ألعاب VR بالمعنى المعروف مدعومة على الـ Vision Pro، على عكس الـ Quest Pro. ببساطة يمكن اعتبار أن الـ Vision Pro ليست نظارات لعب VR، بل هي كما ذكرنا شاشة عرض هائلة متحركة مع مزايا الواقع المعزز AR.
أما حين ننظر إلى التطبيقات على الـ Vision Pro نفسها وليس الاتصال بجهاز الحاسب الخاص بك، تظهر آثار التوافق البرمجي المحدود لنظام تشغيل Vision حديث الولادة، فمع وجود ألعاب مصممة خصيصًا للـ Vision Pro وتعطيك تجربة مستقبلية لا تصدق، ألعاب مثل Super Fruit Ninja، What the Golf و Synth Riders، إلا أن ألعاب هامة أخرى مثل Call of Duty Mobile و PUBG Mobile ليست مدعومة ببساطة على النظارات ولا يمكن تشغيلها عليها في الوقت الراهن.
بسعرها الخرافي تتفوق الـ Vision Pro على جميع المنافسين، لكنها بعيدة كل البعد عن المثالية
عند النظر إلى الـ Vision Pro بعين الحيادية، ومقارنتها مع منافسيها، مثل الـ Quest Pro، ستجد عيوبًا واضحة ومنافسة موجودة، بالرغم من فارق السعر الهائل. نعم، الـ Vision Pro أحدثت ثورة فيما يخلص الجودة، وأخذت الواقع المعزز خطوة كبيرة إلى الأمام بتحقيق أمور لم نكن ندري أنها ممكنة بهذا الشكل، ولكنها، كأي جهاز في جيله الأول، لا تزال بعيدة كل البعد عن المثالية.
الواقع أنه حتى جهاز سعره بين 3500 و 4000 دولار يأتي ببعض التضحيات، فالـ Apple Vision Pro لا يمكن إغفال بعض من العيوب الواضحة بها، خاصة عندما نقارنها بالـ Meta Quest Pro، أهمها:
- الوزن والراحة: على الورق نجد أن الـ Vision Pro أخف وزنًا (600 – 650 جرامًا) من الـ Vision Pro (ذات 720 جرامًا)، ولكن على الرغم من ذلك، وبشهادة كل من جربهما، فتوزيع الوزن في الـ Vision Pro أسوأ وأقل راحة من نظيرتها، وذلك نتيجة تركز الوزن عند الوجه في الأمام وزيادة إرهاق الرقبة، على عكس الـ Quest Pro التي تركز الوزن عند الوراء أكثر. بالطبع يمكن استبدال شريط الرأس الافتراضي الخاص بالـ Vision Pro واستخدام الشريط الثلاثي المعتاد المرفق مع النظارة، ولكن عملية الاستبدال مرارًا وتكرارًا مرهقة. ولا ننسى البطارية المنفصلة التي يجب حملها في الأرجاء أثناء توصيلها بسلك، في حين أن بطارية الـ Quest Pro تأتي مدمجة.
- البطارية: ناهيك عن حجم البطارية الصغير وقدرتها المنخفضة بالنسبة لنظارات موجهة للاستخدام اليومي المتواصل، فكون البطارية منفصلة وضرورة توصيلها بسلك طوال مدة الاستخدام، سلبية لا يمكن التغاضي عنها. نعم، Apple جعلت البطارية منفصلة لتقلل الوزن بشكل كبير وهو أمر مفهوم، ولكن التجول بينما يتدلى من رأسك سلك يدخل جيبك تعد خطوة للوراء وليس للأمام، مقارنة بالـ Quest Pro الصادرة منذ عام ونصف، والتي، بالرغم من قصر مدة بطاريتها، تأتي مدمجة في النظارات بشكل طبيعي.
- التوافق البرمجي ودعم التطبيقات المختلفة: حاليًا، وحسب المعلن من Apple، هناك 600 تطبيق فقط مصمم خصيصًا للـ Vision Pro. بالطبع هناك آلاف وآلاف التطبيقات الأخرى التي يمكن تحميلها من الـ App Store واستخدامها بشكل طبيعي، ولكنها لن تستغل إمكانيات النظارات بأفضل شكل، وستكون كأنك تستخدمها على هاتف أيفون وليس نظارات من المستقبل. على سبيل المثال، تطبيقات أساسية كيوتيوب ونتفلكس، لا يمكن استخدامها في الوضع ثلاثي الأبعاد وغمر نفسك أثناء المشاهدة، وهي غير مدعومة في النظام، على عكس تطبيقات أخرى مثل Apple TV و Disney Plus.
- السعر: يمكننا الحديث لأيام وأيام عن كم روعة هذه النظارات وما تعنيه لمستقبل التقنية في عصرنا الحالي، ولكن يبقى السعر (3500 – 4000 دولار) مبالغًا فيه، حتى وإن كانت النظارات تنفث ألهاب النيران كالتنانين المجنحة.
أما بخصوص كل شيء آخر، من دقة العرض، قوة الشرائح، جودة الكاميرات والمستشعرات، سلاسة واستجابة التحكم بالأيدي والأعين، جودة التصنيع وحتى المظهر الخارجي، تتفوق الـ Vision Pro بكل أريحية ووضوح، وكما ذكرنا فإن العيوب أمر وارد في مستهل أجيال كل جهاز حديث الولادة. لا شك أن Apple تدرك هذه العيوب جيدًا وتعمل على تلافيها في الأجيال القادمة.