منذ اللحظة الأولى التي وعينا فيها على عالم ألعاب الفيديو ونحن نشاهد ونتعلق بشخصيات كثيرة لم نعرف اسمها حتى نضجنا. كنا نلعب من أجل التسلية فقط ولا ندير بالًا إلى تلك الشخصيات المحورية التي شكلت جزءًا من طفولتنا وعشنا معها أفضل المغامرات. بداية من شخصية Mario، ومرورًا بشخصية Tommy Vercetti، وMaster Chief، وليس انتهاءً بالشخصية التي قررنا أن نبدأ بها هذه السلسلة، وهي شخصية شبح سبارتا Ghost of Sparta، ومحارب الآلهة “الميثيولوجية” الأول، وبطل سلسلة God of War، كريتوس Kratos.
بالنسبة للكثيرين، لا يعد كريتوس سوى شخصية هوجاء، هجين بين الآلهة والبشر، لا يستخدم عقله ولا يعيش سوى للقتالات والمعارك، أما بالنسبةِ إلينا فالأمر ليس كذلك البتة، وهذا ما سنحاول توضيحه بالتفصيل من خلال هذا المقال، والذي يهدف إلى إشباع فضولكم -أعزاءي القراء-، بل ويريكم جوانب أخرى من شخصية البطل كريتوس لم تفكروا بها من قبل، حينئذ، سنكون قد نجحنا في إصابة الهدف.
نشأة كريتوس القاسية
في بيئة مليئة بالمقاتلين الباسلين، وُلد وترعرع كريتوس بأحد مُدن اليونان، وهي مدينة “أسبرطة” الشهيرة. نشأ المقاتل الشاب على القتالات وتدرب مع المحاربين ليصبح واحدًا منهم بعد ذلك، وفي يوم من الأيام حدث ما سيغير حياته إلى الأبد!
عندما تُذكر الميثولوجيا الإغريقية، يُذكر إله الرعد والسماء، زيوس، والذي جاءت إليه نبوءة شؤم بأنه سيموت على يد واحد من أبنائه، وبالتحديد ابن مُوَّشم، أي على جسده وشم ما. كعادته، ومثل باقي الطواغيت في مختلف القصص والخرافات، يرسل زيوس أحد ابناءه، وهو إله الحرب “آريز”، للبحث عن ذلك الابن “المُوَّشم” والذي من المتوقع له أن يقتله.
وبالفعل يذهب إله الحرب “آريز” للبحث عن ذلك الولد ليكتشف أن أحد أبناء زيوس الصغار، ويدعى “ديموس” يحمل وشمًا متفشي في جسده منذ الولادة. يدمر “آريز” المدينة بالكامل ويختطف “ديموس” من أمام أعين أخيه كريتوس والذي يظهر معنا لأول مرة في القصة وهو يحاول إنقاذ أخيه من إله الحرب.
أثناء محاولة كريتوس البائسة لإنقاذ أخيه، يضربه “آريز” برمحه ليسبب له وحمةً فوق عينه اليمنى، وبعد ذلك يرفع رمحه محاولًا قتله، ولكن زوجته “أثينا” تمنعه من فعل ذلك، في فرصة سانحة لن تتكرر وسيتمنون لو عاد بهم الزمان للقضاء على الوحش الكاسر القادم.
تلك الحادثة هي ما شكلت ملامح كريتوس القتالية وثقلت مهاراته، وبفضلها قام المقاتل برسم وشم مشابه لوشم أخيه “ديموس” ليتذكره دائمًا وليعطيه القوة الكافية لهزيمة أعداءه ويصبح قائد جيش “أسبرطة”، وهو ما كان.
بعد تقلده منصب قائد الجيش “الأسبرطي”، أصبح كريتوس أحد أشهر وأقوى المحاربين في ذلك الوقت، لدرجة أنه في حرب أسبرطة (بقيادة كريتوس) ضد البربريين بقيادة “أولريك”، راهن إله الحرب “أريز” على كريتوس بأنه سيفوز، وبالفعل استطاع بطلنا الفوز في هذه المعركة وحصل على ما يُسمى “بطعام الآلهة” والتي لها قدرة كبيرة على شفاء الأمراض.
وبالمناسبة، بعدما أصبح كريتوس قائدًا لأسبرطة، تزوج من أحد الشابات هناك، والتي كانت تُدعى “لاسندرا” وأنجب منها فتاةً تدعى “كولايبي”، ولكن لسوء الحظ ولدت ابنته ببعض التشوهات والأوبئة الجلدية جعلت السلطات تتحرك فورًا لعزلها، وهذا ما دفع كريتوس ليبذل قصارى جهده ويحارب باستماتةٍ في تلك الحرب ليحصل على طعام الآلهة وبالفعل أعطاه لابنته العزيزة ليتم شفاءها على خير.
عبودية ملك الحرب لكريتوس
كان لأولريك (قائد البربريين) دافعًا قويًا للحصول على طعام الآلهة هو الآخر بسبب مرض والده الشديد ووقوفه على حافة الموت، ولكنه لم يستطع أن يحصل عليه بسبب وجود داهية كبيرة تسمى كريتوس.
وبالفعل مات والد “أولريك” ووَّلد عند ابنه حقد شديد على كريتوس مما حثه على تشكيل الجيش البربري مرةً أخرى والذهاب للقضاء على المحارب العملاق. اتجه “أولريك” نحو كريتوس بجيشه المكون من أسراب عتيدة وأسقط كل الجيش الأسبرطي تقريبًا وترك كريتوس للنهاية. سقط كريتوس على الأرض وأصبح على مقربة من سيف “أولريك” المتجه نحو جسده، وفي تلك اللحظة طلب كريتوس المساعدة من إله الحرب مقابل أن يكون عبدًا لديه.
لبى إله الحرب النداء وقضى على الجيش البربري وحصل كريتوس على سلاحه الشهير Blades of Chaos والذي سرعان ما استخدمه ليطير به عنق “أولريك” ويصبح عبدًا لآريز إلى الأبد.
شبح سبارطة
تمسك كريتوس بالحياة وتوسله لإله الحرب لإنقاذ حياته يبين لنا جانبًا محوريًا من شخصية كريتوس وأنه محارب يكره الموت لدرجة تفضيله للعبودية على الفناء، أليس كذلك؟ ربما، ولكن ضع نفسك مكانه؛ إن كنت شخصًا على بُعد بضع سنتيمترات من الموت وبإمكانك أن تنفذ بجلدك وتحافظ على أغلى ما تملك، ألا وهي حياتك، فماذا ستفعل؟ يمكننا القول إنه بنسبة 99 في المئة ستقودك غريزة البقاء وستفضل أن تعيش حتى وإن كنت عبدًا (بالمعنى الذي اعتقده كريتوس!).
واستغلالًا لقدراته، أصبح كريتوس يخوض الكثير من الحروب باسم إله الموت، وفي كل مرة يكتسب خبرات أكثر ويشتد ساعده بدرجة كبيرة. أصبح أشرس ورأينا ما لم نكن نتوقعه؛ قتل كريتوس أبرياءَ كُثر ونشر الفوضى باسمه وباسم إله الموت، حتى جاءت اللحظة التي عاقبه القدر فيها، ومن وقتها تغير كل شيء.
ذات يوم ذهب كريتوس -منزوع الإنسانية- إلى أحد قرى مدينة أثينا ليشن حربًا هوجاء عليها باسم إله الحرب، والذي كان يكره تلك المدينة ويحقد عليها بسبب تفضيل والده (الإله زيوس) لتلك المدينة عليه شخصيًا، وفي طريقه للقضاء على كل من بالمدينة، يقابل كاهنة عجوز تحذره مما هو مُقدم عليه، ولكنه يتجاهلها ويكمل في طريقه ويدخل أحد المعابد ويقتل من فيه، ولكن هنا الطامة الكبرى؛ بعد قتل الجميع، اكتشف كريتوس أن زوجته وابنته من بين القتلى! وفي تلك اللحظة نزل إله الحرب إلى كريتوس وكشف عن نواياه وأنه هو من نقل زوجته وابنته إلى داخل ذلك المعبد وجعل كريتوس يقتلهما لكي يتخلص من إنسانيته ولا يبقى له شيء يعيش من أجله سوى خدمة إله الحرب شخصيًا.
انهار كريتوس وفي طريقه للخروج من المعبد قابل تلك الكاهنة التي حذرته من قبل وألقت عليه لعنة في شكل رماد أبيض لكي تذكره بذنبه الذي اقترفه وتجعله يعيش معه إلى الأبد، ومن هُنا أطلق عليه لقب “شبح أسبرطة”.
ولكيلا نركز مع الأحداث أكثر من الشخصية نفسها، وحتى إن كانت تلك الأحداث هي ما تنكشف من خلالها الشخصيات، إلا أننا سنتخطى معركة كريتوس مع إله الحرب ومع زيوس نفسه، وسننتقل إلى حقبة جديدة.
تغيرات جذرية
أصبح البطل يرى كوابيسًا بسبب ما ارتكبه من فظائع، وبالتحديد بسبب قتله لابنته وزوجته، ومن تلك اللحظة، نقض العهد بينه وبين إله الحرب.
عاش المحارب مع ذلك الذنب ولم يعد يثق في نفسه شخصيًا، ولكنه مع ذلك يريد أن يصلح ما بدر منه من كوارث، وتتوالى الأيام ويدخل كريتوس في معركة ضارية مع إله الموت نفسه، يقتله ويصبح إله الحرب الجديد، ومع ذلك كان يحاول الانتحار. تغيرات جذرية حدثت لكريتوس وتأقلم معها، ولكن شخصيته تغيرت 180 درجة.
ولكيلا نتعمق في أحداث السلسلة نفسها، سنتخطى الكثير من الأحداث ونحاول التركيز أكثر مع شخصية كريتوس الجديدة في نسخة God of War 2018 التي ترك فيها بطلنا ماضيه وراء ظهره وبدأ حياة جديدة مع عائلة جديدة، وسنختتم هذا المقال بعد تلك النقطة.
على الرغم من تأثره بالماضي، إلا أن كريتوس أصبح أكثر برودةً مع الأجواء الاسكندنافية الجديدة، بدأ حياته مع تلك العائلة الجديدة والمكونة من زوجة وابن يُدعى أتريوس. ذلك المقاتل الصغير الذي يحاول والده (ذو الوقار واللحية) أن يحافظ عليه ويعلمه أساسيات البقاء. بعد وفاة زوجته الجديدة، أصبح بطلنا متأقلمًا وأكمل طريقه في الحياة ساعيًا وراء تكريث رفات زوجته ووضعها على أعالي الجبال.
نضوج كريتوس وعقلانيته ظهرتا في طريقة تربيته لابنه الجديد، ناهيك عن اللحية وهدوء الملامح الواضحان عليه بالطبع. تربية واقعية تتماشى مع البيئة الجديدة، واسترجاع لذكريات، ومحاولة شرحه ماضيه لابنه الجديد وجعله يتعرف على شخصية والده الحقيقية بالتدريج. كل تلك الأمور التي مر بها كريتوس أثبتت لنا كيف يمكن لذات الشخص أن يتغير عشرات المرات دون تعجب أو استنكار.
طفرات مستمرة حدثت لبطلنا، والذي خلاصةً، يعد أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في عالم الألعاب، ومع اقتراب God of War: Ragnarok، سنرى جوانبًا أكثر لتلك الشخصية المتمردة، والمسالمة، والمجنونة، والعاقلة، والقوية، والمُنهزمة، وكل شيء في نفس الوقت.