يجلس العالم حاليًا على صفيح ساخن بسبب غزو روسيا لأوكرانيا على مرأى ومسمع من جميع الدول “العظمى” التي تعجز عن حماية أوكرانيا خوفًا من بطش روسيا عسكريًا واقتصاديًا، ولمن لا يعلم فإن روسيا تمتلك الحصة الأكبر للغاز الذي تستخدمه أوروبا في توليد الطاقة، أي أنه بقرار واحد من (فلاديمير بوتن)، يمكن لأوروبا أن تعود لعصور الظلام. على الجانب الآخر من كوكب الأرض، وتحديدًا في الولايات المتحدة، يعيش العالم أجواءً من الصراع بين Elon Musk وتويتر متمثلًا في ملاك الحصص الكبيرة من أسهمه حيث عرض (Musk) شراء تويتر بمبلغ 43 مليار دولار. رقم قد يبدو لك كبيرًا لأنه يوازي ميزانيات دُول ليست بصغيرة ولكنه في سوق الأموال والأعمال أقل من قيمة الموقع العالمي. النظم الدولية لا تستطيع إيقاف بوتن، ولا تستطيع أيضًا النظم الاقتصادية الحالية إيقاف Musk عن اللعب بقواعدها، خطوةٌ قد تغير وجه العالم إلى الأبد ويمتد أثرها لما هو أبعد حتى من حرب روسيا وأوكرانيا. إليكم التفاصيل في السطور القادمة.
ماذا يحدث بشكل مختصر؟
منذ يناير 2022 يتخذ رجل الأعمال Elon Musk خطوات ذكية وحريصة للتسلل إلى مقاعد اتخاذ القرار الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي تويتر، إذ بدأ بشراء حصص من أسهم الموقع، حتى وصل في مارس الماضي لامتلاك 5% من أسهم الشركة، دون البدء في إجراءات “الإفصاح” وهو إجراء يجبر المستمثر أن يعلن عن حصته فور وصولها لنسبة 5% حسب القانون الأمريكي للتداول.
في 4 إبريل 2022 تفاجأ الجميع بتقديم إيلون ماسك ملف لهيئة البورصات والأوراق المالية الأمريكية (SEC) بأنه يمتلك 9.2% من أسهم شركة Twitter inc. ليكون بذلك ثاني أعلى المساهمين الفرديين في الشركة بعد مجموعة Vanguard.
دُعي ماسك إلى مقعده المستحق في مجلس إدارة الشركة، ولكنه رفض ذلك المقعد وعرض شراء الشركة بأكملها بسعر 43 مليار دولار، وهو ما اعتبره الكثيرون أقل من قيمة الشركة الحقيقة. رفض العرض بشكل مبدأي فتح نقاشات عن نية Musk في الاستحواذ العدائي على الشركة، واستخدام سلاح بيع أسهم الشركة التي بحوذته كلها مرة واحدة، أو شراء المزيد من الحصص من السوق ليكتسب نسبة أكبر من النسبة الحالية. تمتلك الشركة ورقة دفاع أخيرة تسمى استراتيجية” حبة السم” وهو تعبير أطلقته الصحف العالمية على الإجراء الذي قد تستخدمه الشركة للتصدي لهذا الاستحواذ شبه العدائي من إيلون ماسك، عن طريق طرح المزيد من الأسهم في السوق بأعداد كبيرة لتفتيت حصته، ولكنه يعني بالضرورة هبوطًا حادًا في قيمة الشركة. هذا ملخص ما حدث، ولكن قراءة ما بين السطور في مثل هذه المواقف مهمة، وقد تعطينا دليلًا عما يمكن أن يجري خلال الأيام القادمة.
لماذا يريد Elon Musk شراء تويتر؟
في مارس الماضي تناقش (Musk) مع متابعيه على تويتر بمجموعة من أسئلة نعم ولا (Polls) حول مدى دعم الموقع لحرية الرأي والتعبير، وما إذا كان مستخدمو الموقع يحتاجون إلى منصة تواصل اجتماعي جديدة تمامًا لتحقيق حرية تعبير اكبر.
تأتي هذه الأسئلة بعد سلسلة من المناقشات في الصحف العالمية وعلى موقع تويتر نفسه تتهمه بحذف محتوى وأراء بعض كوادر اليمين المعارض في أمريكا، وقد بدأ ذلك الزعم منذ أزمة حجب حساب الرئيس الأمريكي السابق ترامب نهائيًا في عام 2021، بدعوى تحريضه على العنف والكراهية وزيادة الفرقة بين الشعب الأمريكي، على الرغم من كونه واحدًا من أكثر الرجال تأثيرًا على الموقع. يقوم تويتر أيضًا بحذف بعض المنشورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية مع إفساح المجال للإسرائيلين ليكتبوا ما يشاؤون. هذه تجربة بالطبع لن يتطرق لها ماسك ولكننا نعرف تمامًا أنها صحيحة ونشهدها يوميًا.
هناك أيضًا اتهامات لتويتر بتعديله لخوارزميات الموقع بشكل مستمر لدعم الكيانات الاقتصادية الكبيرة في دعم معدل وصولهم بشكل مستمر على حساب الكيانات الاقتصادية الجديدة والمشاريع الصغيرة، وهو ما يقتل المنافسة ويصفه ماسك بأنه “غير عادل”. تسببت هجمات ماسك الكلامية فقط على تويتر بهبوط أسهمه بنسب ليست بقليلة، ومن ثم جاء رفضه للانضمام لمجلس الإدارة ليزيد من ذلك الهبوط.
على كل حال، يزعم بعض المحللون أن هجوم Elon Musk على تويتر كان أمرًا محسوبًا ضمن حملة ممنهجة للخفض من قيمة تويتر السوقية بالمفعول الذي يشتهر به إيلون ماسك فيما يخص رفع وخفض أسهم البورصة، من خلال تصريحات تبدو تلقائية. وفي سياق متصل فقد هاجم ماسك أيضًا أسلوب نتفليكس في التعامل مع المحتوى في السنوات الأخيرة.
نتفليكس تخسر 200 ألف مشترك لأول مرة في العقد الأخير
خسرت شبكة Netflix، حوالي 200 ألف مشترك في الربع الأول من 2022 فقط.وقد أعاد Musk السبب إلى تركيز محتواها على عرض بعض الأخبار التي تروج للصوابية السياسية، وهو الشيء التي يجعلها “غير قابلة للمشاهدة” حسب تصريح ماسك.
ماذا لو كانت تصريحات ماسك هذه تهيئةً لشراء حصة كبيرة من أسهم الشركة؟ الغرض من هذه الافتراضية ليس بحث ما التأثير الذي قد يحدثه ماسك على نتفليكس بالذات، وإنما السياسة التي يتبعها رجال أعمال آخرون إذا ما نجح ماسك في خطته.
والسؤال الذي يجب علينا طرحه هو ما الذي يمنع أي رجل أعمال أن يسعى لاكتساب التأثير ذاته و”يعيث في الأرض فسادًا” بلا روادع؟ لقد أثبت النظام الاقتصادي هشاشته في التعامل مع مخططات شخصية عامة مثل Elon Musk، والسبب هو ثروته الطائلة وامتلاكه لإمكانية التأثير في قرارات ووجهات نظر أعداد كبيرة من الناس.
لا يستطيع المجتمع الدولي التصدي لفلاديمير بوتن بفعالية كبيرة لأن روسيا تمتلك أسلحة اقتصادية قوية، وها هو يعجز عن إيجاد صيغة رادعة لحيل إيلون ماسك التي قد تجعله يستولي على واحدة من أكبر منصات التواصل إجتماعي، وتوجيهها حسب رغبته.
يقول البعض أن ماسك صاحب توجهات تدعم المساواة بين أصحاب النفوذ والمواطن العادي، وأن استحواذه على تويتر قد يغير من شكل الدعاية والإعلان على منصات التواصل الاجتماعي بشكل ثوري، ويجعل الجميع سواسية في فرص وصولهم للمتلقي، ويجعل الكلمة الأولى والأخيرة لشهرة الصفحات نفسها وليس لخوارزميات الموقع التي تقف دائمًا في صف من لديه المال والسطوة. هذه كلها أمورٌ سنعرفها مع مرور الزمن، ولا نملك الآن سوى مشاهدة ما ستؤول إليه الأمور.