مقالات

إدمان ألعاب الڤيديو: حقيقة أم خيال؟

لقد فكرت مليَّا قبل كتابة هذا المقال؛ لأنني بطبيعة الحال أعشق كل ما يتعلق بألعاب الڤيديو ، وأجد مزاجي قد تعكَّر تلقائياً إن تحدث صديق ما بسوءٍ عنها سواء كان قاصداً ذلك أم لا ! هكذا هو الحال حتى بعد مرور ما يُقارب خمسة وعشرين عاماً مُنذ بداية دخولي إلي عالم ألعاب الڤيديو الإفتراضي الذي أجد فيه سعادتي المطلقه ، فاتخذت منها هوايتي المفضلة الأولي مُدركاً تماماً ما قد يعود علي من آثار إيجابية أو سلبية جراءَ تلك العادة ، و لكن دعونا نكون صريحين مع أنفُسنا حتى نستطيع التطرق إلي إحدي الموضوعات الهامة التي يتجنب أغلبية اللاعبين القراءة عنها؛ وأقصد تحديداً مُتلازمة إدمان ألعاب الفيديو والآثار السلبية الجسدية والنفسية معاً التي قد يجد أحد اللاعبين نفسه ضحيةً لها دون أدنى علم بها مُسبقاً ؛ بالتالي لن يلاحظ شيئاً غريباً ، ولن يبحثَ عن حلول جدية مما يمهد الطريق إلى تفاقم المشكلة الأساسية ، بل قد يصاب بمضاعفات من الصعب علاجها إن لم يتم كشفها مبكراً. سوف نتعرف اليومَ على مشكلة إدمان ألعاب الڤيديو وكل ما يخصها من خلال هذا المقال الواحد المٌكثَّف .

ما هي متلازمة إدمان ألعاب الڤيديو؟

سوف نحاول وضع تعريف مناسب لها خلال الأسطُر القادمة ، لكن يجب أن تعلم أولاً بأن الأمر مٌعقد للغايه ، والدليل على ذلك أنه بعد ما يقارب الخمسين عاماً منذ ظهور وتطوير ألعاب الڤيديو إلا أن الأبحاث الجارية حالياً للوصول إلي تعريف دقيق لظاهرة إدمانها قليلة للغايه ، ولم يتم الإعتراف رسمياً بالمشكلة إلا في عام 2018 عندما قررت منظمة الصحة العالمية WHO وضع متلازمة ألعاب الفيديو وإدمانها Gaming Disorder في كتابها الدوري للتصنيف العالمي للأمراض ! لا شك أن ألعاب الڤيديو تشعرنا بالنشوة وتجعلنا نقضي أوقاتٍ سعيدة ، ولا يستطيع أحد أن ينكر الآثار الجيدة التي تعود علينا من ممارستنا لهوايتنا المفضله تلك ، لكن هذا الأمر ليس ما نتحدث عنه اليوم ، لذلك بالعودة لموضوعنا الأساسي مجدداً دعونا نضع تعريفاً مبسَّطاً لمتلازمة إدمان ألعاب الڤيديو كالآتى ؛ هي مرض نفسي يُصاب به اللاعب عندما لا يستطيع التوقف عن لعب ألعاب الڤيديو بالرغم من معاناته من خمسة أعراض أو أكثر لمدة تزيد عن العام الواحد كالآتي :

  • الشعور بالإكتئاب إن لم يستطع اللعب.
  • التفكير الزائد والدائم بالألعاب طوال الوقت.
  • الحاجة للعب لمدد أطول من المعتادة بمرور الوقت كي يشعرَ بنفس المقدار من الرضا و السعادة.
  • عدم القدرة على التخلي عن اللعب أو اللعب لمدد أقل.
  • التخلي عن هوايات قديمة من أجل قضاء وقت أكثر على ألعاب الڤيديو.
  • حدوث مشاكل خاصة بالدراسة أو العمل بسبب ألعاب الڤيديو.
  • الاستمرار في اللعب بالرغم من تسببها في حدوث مشاكل إجتماعية للشخص سواء في البيت أو علاقاته بالآخرين.
  • الكذب والمراوغة عندما يسألك أحد كم ساعة تقضيها يومياً فى اللعب.
  • الهروب من مشاكل الحياة عن طريق ألعاب الڤيديو.

لحسن الحظ نسبة اللاعبين المٌصابين بتلك المتلازمةِ تتراوح فقط ما بين ١٪‏ إلى ١٠٪‏ أي أن ألعاب الفيديو بشكل عام لا تؤثر سلبياً على الغالبية العظمى من اللاعبين !

هذا يعني أن لاعباً واحداً أو عشرة لاعبين فقط يعانون من مشكلة إدمان ألعاب الڤيديو من بين كل 100 لاعب!

الآثار السلبية المترتبة على إدمان ألعاب الڤيديو

لا يستطيع أحد أن يجزم بأن الألعاب قد تصيب اللاعب بالإكتئاب بشكل مباشر ، لكن نحن هنا نتحدث عن مرض إدمان الألعاب حيث أنه قد يقضي الشخص يومياً ما يتجاوز نصف يومه أو أكثر أمام شاشة الكومبيوتر ناسياً حياته الواقعية وغير آبه إلا بالمهمة التي يقوم بها في اللعبة حينها. لذلك الإنعزال والإنطوائية والبعد عن العالم الحقيقي قد يمهدون الطريق للإصابة بالإكتئاب المرضي والتقلبات المزاجية والأرق المزمن والقلق الإجتماعي بسبب قلة التعامل مع الأفراد حتى المقربين من الشخص ؛ لأننا كما ذكرنا سالفاً بأن اللاعب المصاب بتلك المتلازمة يقضي معظم وقته أمام شاشة الكومبيوتر فقط ، بل أنه قد يشعر بأعراض إنسحاب شديدة عندما يبتعد عنها تتمثل في الحزن والقلق والتوتر بسبب الفكرة المسيطرة على عقله و رغبته الملحة في قضاء مزيد من الوقت على ألعاب الڤيديو. الشخص يصبح غير إجتماعي تماماً وقد يصاب بالفوبيا الإجتماعية ، ولا شكَ أن تلك الآثار السلبية تنعكس بشكل قوي على دراسته أو عمله الذى قد يفقده ، و علاقاته بأصدقائه الذين لا يتعدى عددهم أصابع اليد الواحدة ، و أخيراً علاقاته بأقرب الأقربين إليه مثل زوجته و باقي أفراد عائلته بالرغم من كونهم أول من يلاحظون تلك السلبيات ويقومون بالتنبيه عليها منذ بداية ظهورها على الشخص.

أسئلة يجب أن تطرحها على نفسك قبل طلب المساعدة

بالطبع أنت بحاجة إلى مساعدة متخصص بمجرد تفكيرك في الأمر ، لكن هناك بعض الأسئلة التي قد تود طرحها على نفسك كى تتأكد إن كنت بحاجةٍ حقاً إلى مساعدة متخصص أم لا ، و هى بشكل عام أسئلة بسيطه وبديهية ، و لكن عادةً ما ننساها خاصة إن كنا قد وقعنا في فخ المرض النفسي و تبعاته ! هل أصبحت علاقاتي سيئة بأصدقائي مؤخراً؟ هل أصبحت انطوائياً ولم أعد أقضي وقتا كافياً مع عائلتي؟ هل فقدت وظيفتي مؤخراً؟ هل كثُرَت الشكاوى منى مؤخراً من قبل أفراد عائلتي والمقربين مني؟ هل أصبحت مهملاً في حق دراستي أو عملي أو مظهري العام مؤخراً؟ هل أشعر بأنني ألعب أكثر من اللازم؟ هل أعاني حقاً من مشكلة ما و بحاجة إلى المساعدة ؟ إن كانت إجابتك نعم على أكثر من سؤال، فأنت بكل تأكيد في أمس الحاجة إلى طلب المساعدة .

تذكَّرْ دائماً أن الإعترافَ بالمشكلةِ هو نصف الحل !

ماذا إذاً بعد أن علمت بمُشكلتي و عواقبِها؟

اطمئن تماماً لأنك بمجرد علمك بوجود مشكلة؛ فإنك قد قطعت نصف الطريق نحو التعافي ، فالإعتراف بالمشكلة هو نصف الحل كما أكدنا مُسبقاً ! النصف الآخر من الحل يتمثل في طلب المساعدة و نقصد هنا زيارة الطبيب والإخصائي النفسي. لا يوجد علاج دوائي لحل الأمر ، إنما يتمثل الحل في العلاج السلوكي المعرفي CBT الذي بدوره يهدف إلى تعديل سلوكيات الفرد القديمة وتغيير الكثير من المفاهيم المغلوطة لديه ومساعدته في الإقلاع عن عاداته السلبية وإحلالها بأخرى إيجابية. لا نقصد بأن الحل هو الإقلاع عن اللعب تماماً ، لكن يتعافى اللاعب إن استطاع الإلتزام بساعات معينة للعب وتغيير عاداته القديمة حتى يصبح فرداً منتجاً إجتماعياً كما كان الحال قبل الإصابة بمرض إدمان ألعاب الڤيديو.

تقليل ساعات اللعب تدريجياً على فترات طويلة حل فعَّال للمشكلة !

أخيراً ؛ بعد أن تعرَّفنا على أهم المعلومات الخاصة بمشكلة إدمان ألعاب الڤيديو ، فهل يعني ذلك أنها مُضرة ويجب الإبتعاد عنها للأبد؟ بالطبع لا! لقد أكدنا أن نسبة اللاعبين المصابين بتلك المتلازمة لا تتعدى 10% ، بل أن ألعاب الڤيديو تعود على اللاعبين بمنافع كثيرة سوف نتطرق لها في مقال آخر .

Ahmed Saadawi

هدفى صنع و نشر المحتوى العربي بشكل إحترافي، بينما حلمي الأكبر هو تأسيس أول ستديو حقيقي لتطوير ألعاب AAA فى الوطن العربي.
زر الذهاب إلى الأعلى