مقالات

تحف منسية (الجزء السابع): GTA III…من هنا بدأ كل شيء

إذا أخبرت أحد اللاعبين في 2001 أنه في العام 2013 لن يكون هناك سيارات طائرة، ولا آلات سفر عبر الزمن، وإنما ستحقق صناعة ألعاب الفيديو تقدمًا هائلًا وستقدم روكستار للصناعة جوهرتها المكنونة، GTA V حيث حياة محاكاة الجريمة في أعلى درجات دقتها، والسرد القصصي في أوج تألقه وستتمكن من اللعب بثلاثة شخصيات في مهمة واحدة، بل وستتمكن من التخطيط والتنفيذ في عمليات سرقة بنوك كاملة، حتمًا لقال عليك ذلك الشخص أنك مجنون، ولكن قبل أن يتحقق حلم كل لاعب بمشروع لعبة الإجرام الأفضل في 2013، كانت البداية مع GTA III في 2001 بمشروع لا حدود لطموحه، أعاد تعريف صناعة الألعاب وأثار جدلًا موسعًا نعيش تبعاته حتى اليوم، وهو ما دفعنا لتخصيص مقالة كاملة لتسليط الضوء على أهمية gta 3 ليس فقط لسلسلة الألعاب الجريمة الأشهر في التاريخ، وإنما أهميتها لصناعة الألعاب برمتها…إليكم تحف منسية:GTA III

تحف منسية (الجزء السابع): GTA III

لعل الإشارة إلى كلمة GTA أو Grand Theft Auto تقتضي بالضرورة تذكر الجماهير للإصدارات اللاحقة من السلسلة مثل San Andreas و Vice City ولكن قلما تجد من يستحضر ذكرياته مع الجزء الثالث على الرغم من كونه أول أجزاء السلسلة التي قدمت الركائز الأساسية لما تعرف به GTA في الوقت الحالي. ربما لأن أول محاولة دائمًا ما تكون هي الأجرأ والأكثر احتواءًا على الأخطاء، ولأن الأجزاء اللاحقة تتدارك تلك الأخطاء وتصلح معظمها، ولكن لـ”حلاوة البدايات” طعمًا مختلفًا خصوصًا بعد أن تدرك أن المشروع الذي أمامك يسبق زمن إصداره بعشرات السنوات..بالعودة لما قدمته GTA III فإن السؤال الحقيقي الذي سيطر على عقول كل من جربها قرب موعد إصدارها الأصلي هو: هل الألعاب فعلًا للأطفال؟

أن تطرح سؤالًا شائكًا خيرًا من ألا تطرح أي سؤال

الوقت هو العام 2001، الكثير من الأحداث السياسية العنيفة في العالم، انتشار كبير لألعاب الفيديو بين أوساط الأطفال والمراهقين وحتى الشباب وبعض من تجاوز عمرهم ال25 عامًا، مضى عامًا على إصدار منصة PS2 الثورية، ذات الذاكرة العشوائية التي لا تتعدى الـ32 ميجا بيت، والتي تسمح للمطورين بدفع حدود صناعة الألعاب إلى أماكن لم يكونوا يتخيلوها، قرر أحد المطورين إطلاق جزء ثالث من لعبة مشهورة نسبيًا تسمى Grand Theft Auto والتي قدمت عالمًا مفتوحًا وقصة سينمائية حول مجرم يصعد سلم الإجرام في مدينة تشبه مدينة نيويورك، ويصبح واحد من أهم مجرمي المدينة، تارة يعمل مع المافيا الإيطالية ، وتارة أخرى يعمل مع الياكوزا اليابانية. لقد بعثت تلك اللعبة آنذاك برسالة قوية مفادها أن الجماهير أصبحت أمام نسخة عالم الألعاب من الهوس بالمافيا والجريمة والذي اجتاح السينما في التسعينات مع أفلام عملاقة مثل Goodfellas و Casino والتلفاز من خلال مسلسل The Sopranos الذي بدأت إذاعته في عام 1999 وحقق نجاحًا خياليًا. لقد حان الوقت آنذاك لصناعة الألعاب لأن تقول كلمتها، وتدلو روكستار بدلوها بتقديم لعبة يمكنك فيها سرقة السيارات وقتل المواطنين بشكل عشوائي وامتلاك جميع أنواع الأسلحة -تقريبًا- مع تمحور قصتها حول مفاهيم موجهة للبالغين بشكل مكثف، جعلها اللعبة الأكثر إثارةً للجدل في وقتها، فقد طرجت سؤالًا حقيقيًا مفادة، هل ألعاب الفيديو هواية مقتصرة على الأطفال فقط؟ إذا كان الوضع كذلك فلماذا سُمح للعبة تحتوي على كل هذه الأفكار الموجهة للبالغين بالصدور في المقام الأول؟

تحف منسية (الجزء السابع): GTA III

في الحقيقة، هناك الكثير من العلامات التي توضح أن GTA III ليست موجهة للأطفال، وأن روكستار سعت من خلال اللعبة لتغيير مفاهيم العامة عن الألعاب بشكل عام، وتحويلها من منتج يُنظر إليه كونه موجه للأطفال وصغار السن، إلى شيء أكبر من ذلك، ربما فيلمًا تفاعليًا حيث يمكنك التحكم في البطل والقيام بكل ما يقوم به، ولك مساحة كبيرة من الحرية كاختيار الأسلحة التي يقوم باستخدامها في الاغتيالات، أو القيام بسرقة مجموعة كبيرة من السيارات المتاحة..تلك الحرية ذاتها، الغير مرهونة بشيء هي التي كانت تخيف الآباء والأمهات حول العالم لأن أولادهم كانوا يتعلمون اتخاذ قرارات عنيفة، وهو ما تسبب في إلقاء اللوم على اللعبة في الكثير من الحوادث المرتبطة بالعنف، والتي تلت إصدار اللعبة.

تحف منسية (الجزء السابع): GTA III

ممثلين من الصف الأول في هوليوود، وإسقاطات على أفلام كلاسيكية، وأسلوب سرد يعتمد على السينيمائية والحوارات المكتوبة بعناية! كيف تكون هذه لعبة أطفال بحقكم! هكذا كانت ردود أفعال من فهموا اتجاه روكستار الجديد بتقديم مستوى جديد من الألعاب السينيمائية عوضًا عن الألعاب ذات المنظور العلوي والذي تبنته الأجزاء الأولى من السلسلة، ومع الوقت اعترف العالم بأنه أمام مشروع ثوري غير من منظور اللاعبين -وغير اللاعبين- لصناعة الألعاب، هنا تحولت “الألعاب” إلى صناعة وبدأ المستثمرون يلتفتون إليها، فبحلول عام 2008 كانت اللعبة قد باعت 14 مليون نسخة (مع تقديرات بأن مبيعاتها بلغت 2 مليون نسخة في أول عام فقط) وكانت أحد أسباب زيادة مبيعات جهاز PS2، حتى أن هناك الكثيرين ممن هم عادةً لا يلعبون ألعاب الفيديو قاموا بشراء المنصة فقط لتجربة اللعبة بسبب الضجة التي أحدثتها، وكونها أول لعبة موجهة بشكل كامل للبالغين. مع البحث في تاريخ صناعة الألعاب سنجد أنها ليست اللعبة الأولى بالطبع فهناك ألعاب ضخمة مثل Deus Ex و Half Life لكنها ألعاب حظت بشعبية أقل من GTA. يمكننا القول بأن النجاح الذي حظيت به GTA كان بسبب إيجادتها التحدث بلغة الشارع، كل ما يحلو لك، ويصعب القيام به يمكنك القيام به -ولو رقميًا- في لعبتنا…هذه كانت الرسالة التي بعثتها اللعبة واستقبلها بسعادة غامرة مجموعة كبيرة من البشر وهكذا ولدت لنا واحدة من أنجح سلاسل الألعاب على الإطلاق. هكذا، وكما ترى عزيزي القارئ، احتجنا 5 فقرات من الحديث عن اللعبة قبل أن ندخل في صميم الموضوع لتوضيح مكانة GTA III في تاريخ صناعة الألعاب، ولأننا اليوم بصدد الحديث عن سبب كونها تحفة منسية، فقد حان الوقت الآن لنتحدث عنها كلعبة، وننظر عن كثب لما قدمته من آليات لعب وكيفية تطبيق نظرية الحرية من خلال أسلوب اللعب المفتوح والذي يتبع نظام المهمات أيضًا.

تحف منسية (الجزء السابع): GTA III

وأما بعد…من يتحكم بمن، اللاعب يتحكم بالآلة أم العكس؟

في بداية صناعة الألعاب لم يحاول الكثيرين المقارنة بينها وبين صناعة السينما، لقد ظهرت هذه المقارنات بشكل مكثف في عصر ما بعد GTA III ونتيجة للمفاهيم التي جاءت بها اللعبة وأولها أن سرد قصة إنسانية بشكل سينمائي وبمقاطع يتم تسجيل أصواتها وتمثيلها من ممثلين حقيقين وبأداءات ممتازة شيء ممكن ووراد، بل وأن بعض تلك القصص سيكون أفضل من بعض أفلام السينما، وكانت الدروس المستفادة هي أن ألعاب الفيديو يمكنها أن تكون فلمًا تفاعليًا، حيث يمكنك توجيه الأحداث وتحريكها -أو إيقافها -وقتما تشاء، ولكن من خلال الألعاب الخطية لن تجد نفسك أمام الكثير من الخيارات، ببساطة لأن الطريق ممهدةً لك لتقوم بفعل محدد في توقيت محدد حتى تستجب لك برمجيات اللعبة،وتستطيع استكمال التجربة. 

نجحت GTA III في التفكير في هذه المعضلة، ونسفها تمامًا قبل حتى أن يبدأ العامة في التفكير فيها حيث قمت عالمًا مفتوحًا وقيودًا قليلة تجعلك تشعر بقدر غير مسبوق من الحرية في اتخاذ القرارات. يمكنك سرقة أي سيارة، واستخدام أي سلاح، والقيام بأي فعل تريده خارج المهمات، أما بداخلها فأن مقيد لأسباب منطقية، فأنت تريد إتمام المهمة بنجاح وبالتالي الحيد عن الهدف الأساسي لكل مهمة لن يكون أمرًا عقلانيًا.هنا نشأت فكرة دمجت بين فكرة ألعاب الـImmersive sim وألعاب الجريمة، حيث تعطيك GTA III أدوات وأسلحة عديدة وتعرض عليك آليات لعب جديدة في كل مهمة تقريبًا، تستطيع استغلالها كما يحلو لك فيما بعد من خلال العالم المفتوح.

تحف منسية (الجزء السابع): GTA III

تحتوي اللعبة على 3 جزر مستوحاه من مدينة نيويورك، يربط بين تلك الجزر نظام جسور تبدأ اللعبة بإغلاقه ثم ينفتح واحدًا تلو الآخر، وتصبح الحزء الثلاثة متاحة أمامك، منذ البداية تطرح اللعبة أمامك مجموعة من الآليات في كل مهمة يمكنك لاحقًا استخدامها مثل طريقة التعامل مع مطاردة الشرطة من خلال تغيير لون السياراة في Pay n Spray والذي تم تقديمه في أحد مهمات اللعبة، أو إمكانية شراء الأسلحة من متاجر Ammu-nation، أو سرقة السيارات وتفخيخها، أو حتى التخلص منها تمامًا لإخفاء ما بداخلها. كل هذه الأشياء كانت جديدة بالنسبة للاعبين في 2001، وكلها تم تقديمها من خلال المهمات الأساسية ومن ثم باتت متاحة في العالم المفتوح في أي وقت، تستخدمها كما يحلو لك. فيما بعد عندما يطلب منك اغتيال أحدهم، يحق لك الدمج بين الأدوات التي زودتك بها اللعبة للحصول على النتيجة، وهو ما بنت عليه أجزاء السلسلة اللاحقة أكثر حتى أصبح معقدًا جدًا ووصل بنا إلى التخطيط للسرقات وعمليات السطو المسلح.

قصصيًا: دراما عصابات من الطراز الأول و قصة تستحق السرد

لم تمتلك GTA III أي شيء ثوري في أحداثها ولكن ما قدمته من خدمات جليلة لصناعة الألعاب هو وضعها على أول الطريق لتقديم قصصًا سينمائية واقعية تتمحور حول شخصيات إنسانية بدوافع ومشاعر، قصص حول الخيانة والصداقة والتحالفات، واستوحت تلك القصة من أفضل المصادر الممكنة. يمكنني تخصيص مقالة كاملة حول أوجه الشبه بين قصة GTA III و مسلسل The Sopranos ولكن يكفني أن أقول بأن بعض من طاقم العمل في اللعبة كانوا في المسلسل.

تحف منسية (الجزء السابع): GTA III

تدور القصة حول Claude- مجرم- تعرض للخيانة من صديقته، ونجى ليتم سجنه ثم تتم تهربته خلال عملية نقله عن طريق الخطأ، يقضي Claude وقته فيما بعد الهروب في معرفة سبب الخيانة التي تعرض لها وملابسات حادث هروبه، ويحاول بالتوازي مع ذلك أن يستعيد اسمه ومركزه في عالم الإجرام. قصة عادية إلا أنها تأخذك في جولة داخل أروقه عالم الجريمة، فالأمور ليست بالبساطة التي قد تعتقدها، هناك عصابات مختلفة ولكل منهم طرقه للوصول لأهدافه، هناك عصابة الياكوزا اليابانية، والمافيا الإيطالية، والكولمبيون والثالوث الصيني. كلها عصابات متناحرة يتداخل معها البطل ويستكشف دوره بينهم، ولكنه لا يكن لهم الولاء حيث يتضح له في النهاية بأن كل هذه العصابات قد تتخلى عنه في أي لحظة. يبقى ولاء Claude لنفسه طوال أحداث القصة، وتأخذ الأحداث منحنيات درامية ساخرة في بعض الأحيان، وجادة في بعضها الآخر توضح لك مدى عبثية وهزلية عالم الجريمة في الولايات المتحدة.

تحف منسية (الجزء السابع): GTA III

على سبيل المثال لا الحصر، في أحد المهمات تقوم زوجة أحد زعماء المافيا بالكذب على زوجها وإخباره بأنها قامت بخيانته مع البطل فقط لأنها تشعر بالملل وأن حياتها قد أصابها الركود، وخلت من الدراما! يتسبب ذلك في طردك من المدينة و اضطرارك للهروب لمنطقة جديدة وبناء امبراطوريتك الإجرامية من جديد.

تظهر في GTA لأول مرة واحدة من أهم الأداوت السردية وهي محطات الراديو، والتي أصبحت فيما بعد عنصرًا لا غنى عنه في الألعاب الشبيهة بـGTA وحتى في ألعاب السلسلة نفسها، حيث تساعد في بناء وترسيخ فكرة أن العالم الذي أنت أمامه هو عالم حقيقي يمكن لأي أحد العيش فيه. يمكنك الاستماع لبرنامج Lazlo في الراديو أدناه وتخيل العالم الذي تخرج منه مثل هذه البرامج الإذاعية.

في أحد برنامج Chatterbox الإذاعي يتحدث Toni Cipriani للمذيع Lazlo ورفضه ذكر اسمه، وتناوله لمشكلة تواجهه مع والدته وهي عدم تقديرها لأي فعل يقوم به وتوجهيها لانتقادات لاذعة له في كل الأوقات (يمكنك الاستماع للمداخلة من هنا). 

بخلاف ذلك البرنامج الإذاعي، هناك العديد من المحطات الأخرى (9 محطات راديو) تحمل معها مجموعة هائلة من برامج الإذاعة ونشرات الأخبار، والأغاني التي تضفي أجواء الواقعية وحس الزمان والمكان على عالم اللعبة. كتبت مقالة كاملة عن استخدام برامج الراديو كأداة سرد قصصية يمكنك الاطلاع عليه من هنا.

تحف منسية (الجزء السابع): GTA III

في النهاية، GTA III ليست لعبة مثالية، ولكنها واحدة من أهم ألعاب التاريخ القصير لألعاب الفيديو، وتاريخ سلسلة Grand theft auto التي لم تترك بعدها رقمًا إلا حطمته، فقد أرست جميع القواعد التي اتبعتها وصقلتها الأجزاء اللاحقة، وحتى نجاح GTA 6 التي لم تصدر بعد، سيكون لـGTA III فضلًا فيه، ولحسن الحظ هي متوفرة حاليًا بنسخة محسنة على منصات الجيل الحالي والسابق والحاسب، لذا لا مانع من العودة إليها وتجربتها.

Mostafa Argoun

رئيس التحرير ومدير المحتوى بالموقع،أحب ألعاب الفيديو منذ زمن بعيد، وأول لعبة قمت بتجربتها كانت لعبة فيلم هرقل (Hercules) علي الحاسب الشخصي. أحب ألعاب الRPG وخصوصًأ التي تهتم بالقصة وتفرعاتها، ولا مانع من ألعاب اللعب الجماعي التي تقدم شيئًا جديدًا، وتحترم وقت اللاعبين. أعمل في صحافة الألعاب منذ عام 2012 وأحب الكتابة كهواية جانبية.
زر الذهاب إلى الأعلى