على مدار أكثر من عقدين، أثارت سلسلة Grand Theft Auto جدالات طالت جميع القائمين عليها، منذ ظهور أولُ إصدار لها أواخر القرن الماضي وحتى يومنا هذا مع GTA 5 والنسخة الأونلاين. فكرة التجول بحرية في المدن الافتراضية وافتعال ما تشاء من الجرائم يمكن أن يولد بداخلك شرارة إجرامية لا تلبث أن تتحول إلى سرطان من العنف يتفشى في جميع أنحاء جسدك.
إذا أردت أن تُلخص سلسلة GTA كُلها في كلمة واحدة، فتلك الكلمة ستكون “الفوضى” بلا شك. في عالم اللعبة لا يوجد أكثر من الأسلحة، والعنف، والكحوليات، والفساد. هذه الأمور جعلت السلسلة مثيرة للجدل بشكل لم نره من قبل، وعلى الرغم من ملائمة العناصر الإجرامية للقصة وحبكها بطريقة لا تُنسى، إلا أن تلك العناصر نفسها هي من أدخلت شركة Rockstar، والشركة الأم Take-Two في دواماتٍ من القضايا الأخلاقية، والتشهير الإعلامي، والكثير من احتياطات الأهالي.
أما بالنسبة لمحبي السلسلة -وهُم كُثُر-، فهم يريدون المزيد من الفوضى، وينتظرون رؤيتها تتجسد في GTA 6، والتي ننتظرها منذ أكثر من خمسة سنوات. لا شك أن اللعبة القادمة ستسري بنفس النسق التي سارت عليه أجزاء السلسلة السابقة منذ الجزء الأول في 1997، وحتى آخر الأجزاء في 2013. ها قد حان الوقت لنستعرض القضايا الجدلية التي أقحمت اللعبة نفسها فيها منذ أول إصدار وحتى آخر إصدار.
رحلة الإجرام على وشك أن تبدأ
قبل أن تبدأ رحلة سلسلة GTA مع لعبتها الأولى عام 1997، كانت أحد فروع شركة روكستار، وهي Rockstar North عبارة عن مطور بريطاني مُستقل تحت اسم DMA Design، وهو الاسم القديم للشركة. استعدت Rockstar North لإطلاق لُعبتها التي ستحاكي الواقع الإجرامي وقتها عن طريق الترويج والإعلان عنها بنشر بعض المقالات الصحفية التي تُفصل أجواء GTA الإجرامية تفصيلًا. هذه المقالات جعلت من اللعبة “لقمةً سائغة” على ألسنة المحامين والآباء كما أنها سلطت الضوء على العُنف في الألعاب حتى قبل إصدارها.
ماكسويل كليفورد: الصحفي البريطاني الكبيرة وأول من لعب دورًا ملحوظًا في إكساب اللعبة سُمعة سيئة لدى المناضلين ضد العنف، وذلك عن طريق لفت انتباه عقول المهتمين إلى حقائق وتوابع العنف الذي سيرونه في عنوان شركة DMA Design الجديد. هذا الأمر أدى إلى التأكيد على أن الألعاب قد تكون “محاكاة للعنف” وقد تحرض عليه بشكل غير مباشر، وهذه الفكرة هي ما لعب عليها المحامي الأمريكي و”الكاره” لألعاب الفيديو، جاك تومسون Jack Thompsom.
كلُ تلك الحركات المضادة لم تكن حاجزًا بين GTA والنجاح المُنتظر خلف الأسوار؛ حيث استُقبلت اللعبة بتقييمات مرتفعة، وأشاد بها النقد بسبب ابتكاراتها، كما باعت أكثر من مليون نسخة وهو رقم كبير وقتها.
GTA 3: البداية الحقيقية للإجرام
بعد النجاح منقطع النظير الذي حققه الجزء الأول، صدر الجزء الثاني من اللعبة تحت اسم GTA 2 عام 1999، ولكنه لم يلفت الانتباه مثلما فعل الجزء الأول.
لنتخطى الجزء الثاني ونبدأ بالجزء الثالث الذي تخطى إصدارة 1997 نفسها، وكان بمثابة العاصفة التي تلت مرحلة الهدوء. أثارت GTA 3 وسائل الإعلام الرئيسية لما مثله من وقائع مشابهة لما يحدث في العالم الحقيقي من سرقة السيارات، وعمليات القتل، بل وحتى الدعارة. الجدير بالذكر أن ذلك الجزء صدر بعد حوالي شهر من أحداث تفجير برجي التجارة العالميين في 11 سبتمبر. ربما قصد المطورون هذا الأمر، ولكنها كانت حركة ذكية جدًا لجلب الانتباه والترويج للعبة، وإن كان هذا الأمر مقصودًا، فلقد نجح بالطبع؛ اللعبة باعت حوالي 5.5 مليون نسخة بعد إطلاقها بفترة قصيرة وفقًا لشبكة CNN.
حظرت أستراليا اللعبة لأن شركة Rockstar لم تُخضعها لمجلس التصنيف الأسترالي OFLC، ربما بسبب ما تحتويه من عنف، وعندما طلبت Rockstar من مجلس التصنيف الأسترالي أن يسمحوا باللعبة، كان رد الأخير أن GTA 3 تتخطى تصنيفها (MA 15+) بكثير، وهو ما دفع Rockstar إلى التعديل في محتوى اللعبة وتقليل مستوى العنف ليناسب التصنيف ويتم السماح باللعبة في أستراليا.
حرب العصابات: Vice City
في مدينة ميامي في أجواء الثمانينيات، وبالتحديد 1986، تقع أحداث اللعبة ويبدأ اللاعبون بشخصية أحد رجال العصابات “تومي فيرسيتي” والذي أُطلق صراحه مؤخرًا من السجن. يتعرف تومي على أحد زعماء العصابات ويبدأ بالعمل تحت إمرته وينفذ أوامره، تسير الأمور على ما يرام ويعمل تومي على مهمة كبيرة تختص بتأمين صفقة مخدرات ومن هنا تبدأ الأحداث الإجرامية في التطور.
صدرت GTA Vice Cityعام 2002، أي بعد عام واحد من GTA 3، وقتها كانت Rockstar مُتحمسة وبدأت السلسلة في عصرها الذهبي، إلا أن المشاكل المُتعلقة بالإجرام والعنف لم تفارقها. ومرةً أخرى، أجبرت Rockstar على التعديل في اللعبة وتصنيفها ليتم الموافقة عليها في أستراليا، وفي الولايات المتحدة لم يختلف الأمر كثيرًا، بل ازداد عندما نادت المجتمعات الكوبية في ميامي بإيقاف GTA Vice City لأنها حرضت على العنف ضد الأعراق أثناء حروب العصابات في اللعبة وهذا أجبر الشركة على التعديل في اللعبة وإصدارها مرة أخرى في 2004.
GTA San Andreas: القهوة الساخنة
لم تكتف Rockstar بالنسخة المعدلة من Vice City في 2004 فحسب، بل أصدرت أحد أحب الإصدارات إلى اللاعبين وهي San Andreas في نفس العام، والتي لم تخل من المشاكلات العنيفة التي عانت منها الأجزاء السابقة.
تلك المرة كان الأمر مختلفًا؛ لم يتعلق بالعصابات والعنف فقط، بل بالجنس أيضًا. “القهوة الساخنة” أو “Hot Coffee” كان الاسم الذي اختاره المطورون للعبتهم المصغرة داخل San Andreas والتي مارس بها CJ الجنس بشكل فاضح مع صديقته وهذا المشهد أدى إلى تصنيف هيئة الرقابة (ESRB) للعبة بأنها للكبار فقط. وبمناسبة ذلك الطور أو اللعبة المصغرة، هناك تقارير تُشير بأن المطورين وضعوه كنوع من التحدي أو المزاح بينهم ظنًا منهم أن اللاعبين لن يصلوا إليه. رُفعت قضايا ضد الشركة ووضعت في ورطة بسبب هذا الأمر.
Grand Theft Auto 4
احتوت إصدارة 2008 على درجات مختلفة من العنف قد عهدناها في الأجزاء السابقة، ولكن المشكلة الكبرى كانت في إضافة The Lost and the Damned والتي ظهرت فيها إحدى الشخصيات عارية تمامًا، وكانت تلك شخصية رجل الكونجرس الأمريكي Tom Stubbs ذو الخمسين عام، وهو ما أزعج الكثيرين، وبالتأكيد جاك تومسون الذي قاضى Take-Two، ولكن الأخيرة فازت بالقضية ومُنع جاك من مقاضاتها مرة أخرى.
كذلك سارعت منظمة “أمهات ضد القيادة تحت تأثير الكحوليات” MADD إلى شركة Rockstar لتجعلها تُعيد تصنيف اللعبة إلى “الكبار فقط”.
أما عن الشركة الأم Take-Two، فلقد دافعت عن نفسها مبررة أن القيادة تحت تأثير الكحوليات ليست سوى جزء صغير للغاية من اللعبة والتي فيها بعض المشاهد والمميزات التي تشجع اللاعبين على عدم القيام بتلك الكوارث.
نهاية العنف، مؤقتًا: GTA 5
أما عن اللعبة الأخيرة في سلسلة GTA، والتي صدرت عام 2013 وحازت على نجاحات غير مسبوقة وكسرت أرقام لم نكن لنتوقعها، فلقد صدرت عام 2013 ونالت حظها من العنف.
في مشهد ما في اللعبة، نرى شخصية Trevor وهو يُجبر على تعذيب أحد الأشخاص ليستخرج منه بعض المعلومات عن الأذربيجانيين. ذلك المشهد امتلئ بأبشع درجات التعذيب. نزع Trevor أسنان الشخص، وضربه ضربًا مبرحًا، واستخدم قطعة عملاقة من الحديد وضرب بها أفخاذ الرجل بكل قوة.
معلومة جانبية لمن لم يتسن له رؤية سياسات السلسلة أو لمن لم يلعبها من الأساس: سلسلة GTA معروفة بإظهارها مساوئ كثيرة للمجتمع الأمريكي، وفي ذلك المشهد المذكور بالأعلى نرى Trevor يُطبق نفس أساليب التعذيب التي سمعنا أن مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI يستخدمها.
أما عن نسخة الأونلاين، فلقد سمعنا مؤخرًا أن عصابات المخدرات المكسيكية توظف أعضاءً جدد عن طريق التعرف عليهم في GTA Online ومن ثم مصاحبتهم وتوظيفهم، وهذا هو الشيء المضحك المُبكي.
في النهاية، نحن بانتظار الجزء السادس من السلسلة وبانتظار مفاجآته والتي ستحمل الكثير من العنف بالتأكيد، ولكننا متأكدون أنها ستجذب الكثير من الانتباه وربما تُعيد Rockstar إلى المكانة التي كانت عليها بعدما فقدتها بسبب الثلاثية المحسنة.