في الساعات الأخيرة ازداد الحديث بشكل جاد وهجومي حول لعبة Helldivers 2، عكس ما كان الحال عليه منذ إطلاقها يوم 8 فبراير الماضي، حيث حازت اللعبة على إعجاب اللاعبين والنقاد على حد سواء، وحققت المعادلة الصعبة بكونها لعبة طرف ثالث من سوني تمتلك الجودة التي تجعلها مدعاة فخر للشركة، وهو أمر لا يحدث كثيرًا، فلماذا إذًا كل هذا الهجوم على اللعبة؟ في مقالتنا اليوم نلخص لك كل شيء حدث في الـ48 ساعة الأخيرة مع Helldivers 2 وسوني، ونعطيك نظرة تحليلية سريعة على الوضع وتدعاياته.
أولًا: كيف بدأت المعركة بين ستيم وسوني؟
أعلن مطور Helldivers 2 منذ أيام (السبت) عن بدء احتياج اللعبة لتسجيل الدخول على حساب PSN (شبكة بلايستيشن) بدءً من يوم 30 مايو الجاري، وهو الأمر الذي أثار غضب مجتمع لاعبي ستيم، لعدة أسباب سنذكرها في الفقرات القادمة، وعلى إثر هذا الغضب الكبير اتجه اللاعبين إلى خوادم ديسكورد الخاصة باللعبة وناقشوا الأمر مع رئيس المجتمع، الذي وجههم بأن يحاولوا إيصال أصواتهم إلى سوني من خلال مراجعات ستيم.
كان ردة فعل رئيس مجتمع اللعبة على ديسكورد أمرًا غير مألوفًا، ولكن كذلك كانت ردة فعل رئيس الاستوديو (Johan Pilestedt) عبر حسابه على تويتر، حيث وجه اعتذارًا مباشرًا للاعبين، ووعدهم بأن يتم حل الخلاف بشكل سريع وطلب منهم الصبر حتى يعيد الاستوديو اكتساب ثقتهم مرة أخرى.
في الحقيقة، بالرغم من كون الرد الذي قام به جون ردًا دبلوماسيًا جدًا إلا أنه ساعد في تحسين موقف الاستوديو بشكل كبير، وأضفى شعورًا بأن الأمر بيد سوني، ولهذا فإن “معركة اللاعبين” التي يجب عليهم خوضها هي ضد سوني وليس الاستوديو. الرغم من ذلك، تلقى موظفو الاستوديو تهديدات بالقتل في ظاهرة غير أخلاقية بالمرة، ندينها بأشد العبارات.
ما كان من اللاعبين سوى أن أنهالوا على اللعبة بالتقييمات السلبية للعبة على ستيم، حيث حصلت في خلال أقل من 24 ساعة على 200 ألف تقييم سلبي، ومن ثم قامت سوني في قرار أهوج آخر بسحبها من المتاجر التي لا تدعم اللعبة، وبالتالي أصبح اللاعبون من 117 دولة غير قادرين على شراء اللعبة، وهو ما زاد الغضب بينهم، لأن حتى أؤلائك الذي اشتروا اللعبة بالفعل من الدول المحظورة لم يستطيعوا الدخول إليها!
لماذا أقدمت سوني على هذه الخطوة؟
منذ إصدار لعبة Helldivers 2، حازت أخبار عدد لاعبيها المتزامنين على عناوين الأخبار في شتى وكالات الأنباء العالمية المهتمة بالألعاب، ولا شك أن هناك مسؤولًا في سوني رأى هذه العناوين وأخذ يحلم لو كانت كل هذه الأرقام من 100 إلى 200 إلى 300 ألف العب متزامن على بلايستيشن، وآثار هذا الإيجابية على أسهم الشركة وثقة المستثمرين بها، فهم باقتراح الفكرة التي سرعان ما لقت قبولًا واسعًا في الإدارة، ولكن ما مدى جدوى الفكرة حقًا؟
ما يجب عليك أن تعرفه هو أن خطوة تسجيل الدخول على جساب بلايستيشن من شأنه أن يفيد بلايستيشن نفسها ماديًا بشكل أكبر من مجرد بيع المزيد من نسخ اللعبة، فزيادة عدد اللاعبين على شبكة سوني يجعلها في مرتبة تجارية أفضل ويحسن من سمعتها، وهو شيء تستطيع أن تتباهى به أمام مستثمريها ولاعبيها على حد سواء. هذا الأمر لا تريد القيام به سوني وحدها، بل مايكروسوفت أيضًا تريده، بل ويريده الجميع! مايكروسوفت لديها Launcher خاص بها على ويندوز وهو لانشر (مُشغل) مخصص لخدمة Xbox Gamepass، وفي كل مرة تخرج فيها مايكروسوفت بتصريح أن مشتركي الخدمة وصلوا إلى 30 مليون (رقم مجازي) تكون الإشارة إلى كل من يمتلك الخدمة سواء من ويندوز أو من مُلاك إكس بوكس (المنصة المنزلية) وبالتالي هو أمر ضروري يزيد من قوة الشركة اقتصاديًا.
الحقيقة أن تسجيل الدخول من حساب PSN للعب Helldivers 2 عبر ستيم هو قرار مشابه لفكرة لعب Diablo IV أو Fallout 76 وهي ألعاب تتطلب منك تسجيل الدخول في حسابات بليزرد و بيثيسدا تباعًا، لذا الأمر ليس جديد ولكن الجديد هو أنه أمرًا لم يكن معلنًا عنه منذ البداية، وجاء نتيجة لنجاح اللعبة (المزيد حول أسباب غضب اللاعبين في الفقرة التالية). لكن بجانب هذا الأمر، قد يكون القرار أيضًا هو مقدمة لجمع المزيد المعلومات حول سلوكيات اللاعبين وتفضيلاتهم من خلال جمعهم كلهم تحت راية شبكة بلايستيشن لدراستهم وبالتالي امتلاك معلومات أكبر عن جماهير الألعاب الخدمية الخاصة بسوني، إما لتحسينها وإنتاج المزيد منها بذات الجودة الرائعة، أو -للأسف- لاستغلالها وإيجاد طريقة لتضمين سياسيات مالية أكثر ربحية مثلًا.
السبب المُعلن أيضًا يعتبر ضلع مهم من مثلث الفوائد التي ستطال سوني، حيث صرح رئيس مجتمع اللعبة على ديسكورد بأن الهدف من سياسة شركة سوني الجديدة هو امتلاك القدرة على إدارة اللعبة من خلال حظر المتجاوزين بشكل مباشر، لأن في وضع اللعبة الحالي تقوم سوني بتزويد فالف (الشركة المالكة لستيم) بقائمة بأسماء اللاعبين الذين تريد حظرهم وتنتظر ليتم ذلك وهو أمر يستغرق وقتًا طويلًا، على عكس السيناريو الذي تقترحه سوني. بالطبع هذا سبب منطقي وهو حتمًا من ضمن الأسباب الحقيقية للقرار، ولكنه ليس السبب الوحيد.
ما هو سبب غضب اللاعبين…في النهاية إنشاء حساب سوني ليس بالأمر الصعب
سبب غضب اللاعبين ببساطة هو كون هذا القرار غير معلن من قبل صدور اللعبة. مخرج اللعبة حاول التخفيف من حدة الأمر وكتب في حسابه على تويتر أن القرار موجود قبل إطلاق اللعبة ولكنه قرر التراجع عنه و”تأجيله” لبعض الوقت حتى لا يعيق الأمر انطلاقة اللعبة تجاريًا، وخصوصًا مع كونها لعبة جديدة نسبيًا وغير مضمونة النجاح. هذه الحجة لم تنطلي على الجماهير ولم تهدئ منهم شيئًا، لأنه حتى وإن كانت حقيقية، فإن هناك ثمنًا سيدفعه اللاعبون لهذا القرار وخصوصًا في الدول التي لا تدعمها خدمات بلايستيشن وهم 117 دولة ومن ضمنها مثلًا مصر.
الحقيقة هي أن هؤلاء الذين اشتروا اللعبة عبر حسابات زعموا من خلالها أنهم في دول أخرى فقط ليصلوا للعبة لم يكونوا ليستطيعو أن يسجلوا دخولهم من حسابات PSN مع حسابات Playstation لأن اللعبة لا تدعم بعض الدول دون الأخرى.
أنا مثلًا، أمتلك اللعبة على حساب ستيم مصري، واستطيع فتحها ولكن خوادمها لا تدعم التواجد في مصر، وبالتالي اضطر لاستخدام VPN، ولكن بلايستيشن لا تمتلك نسخة مصرية من المتجر، وبالتالي لن أكن لاستطيع تجربة اللعبة إلا في حالة لو قمت بشرائها من حساب دولة تدعهما اللعبة، وهو أمر مزعج رأى اللاعبون أنه لا داعي له بعد أن استقرت الأمور لهم وكانت تسير بسلاسة.
تحليل: ما قد يعنيه الأمر لصناعة الألعاب
إجبار سوني على النزول على رغبة اللاعبين ليس بالأمر السهل، فسوني تتعرض للهجوم كثيرًا ولكنها نادرًا ما تقدم على الإصغاء للاعبين خصوصًا حين يتعلق الأمر بزيادة الأرباح والمصلحة المادية للشركة، وهذا أمر طبيعي لأن في النهاية نحن نتحدث عن “صناعة” وبالتالي الكلمة الأولى والأخيرة دائمًا للشيء الأكثر ربحية.
هوجمت سوني بشأن رفع سعر الألعاب إلى 70$، وسعر خوذة PSVR2، والكثير من الأشياء الأخرى ولكنها لم تصغي أبدًا للاعبين فلماذا هذه المرة بالذات؟ هذا هو سؤال المليون دولار. في الحقيقة هذه المرة بالذات مختلفة لأنها مع لعبة ناجحة وتدر أرباحًا كبيرة للشركة بشكل لم تتوقعه. سوني لم ترد أن تفسد هذا النجاح بحركة خاطئة والعناد فيها.
كما أنه يبدو جليًا للجميع أن سوني تحاول بشتى الطرق استثمار نجاح هذه اللعبة بالذات للترسيخ للمزيد من الألعاب الخدمية عبر منصتها بجانب الحساب. أي أن سوني أعلنت بهذا القرار -ولو ضمنيًا- عن نيتها أن تزيد من إصداراتها من اليوم الأول على الحاسب، ولكي تفعل ذلك احتاجت المزيد من أرقام تسجيلات الدخول إلى شبكاتها لكي تقنع المسثتمرين. نظام بيئي واحد، وربما “مشغل – Launcher”خاص بها لاحقًا، ويصبح إصدار ألعابها على الحاسب من اليوم الأول أمرًا واقعًا.
لكن رفض اللاعبين الكبير جعل سوني تفيق من حلمها على الحقيقة المرة. لاعبو ستيم لا يحبون الصداع، ولا يريدون من سوني أن تتحكم في متعة لعبهم، ولذلك سيكون على سوني الإعلان عن كامل خطتها منذ بداية الإطلاق، وربما تكون الفرصة قد فاتت بالفعل مع Helldivers 2 وأصبح الأمر غير ممكنًا، وهو ما يعني أن أكبر نجاحات سوني على الصعيد الخدماتي ستبقى على ستيم كأي لعبة طرف ثالث، غير قابلة للاستفادة منها في رفع أرقام شركة سوني من حيث المستخديمن النشطين.
في النهاية، عادت “المياة إلى مجاريها” واصبحت كل الأشياء في موضعها الصحيح عندما تراجعت سوني عن القرار، وربما تعيد النظر في بعض قرارتها المستقبلية، وخصوصًا مع لعبة Ghost of Tsushima التي تمتلك طور أونلاين هي الآخرى، ولكن على المدى البعيد لا أجد مفرًا من إيجاد المزيد من الطرق التي تلم شمل لاعبي الحاسب الذين يستمتعون بألعاب سوني تحت مظلة الشركة من خلال Launcher خاص بها.