في الفترة السابقة توجهت أنظار اللاعبين إلى بعض الممارسات الغريبة التي تقوم بها شركة Rockstar، على غير العادة بهدف الربح غير آبهةً برضى اللاعبين، وقد أثارت تلك الممارسات حفيظة مجتمع اللاعبين، إلى أن جاءت إصدارة الثلاثية المحسنة للعبة GTA التي كانت كارثية، وجعلتنا جميعًا ندرك كم تغيرت شركة روكستار، والسؤال هنا ليس هل تغيرت الشركة أم لا، بل كيف ولماذا ومتى؟ لقد حاولت الإجابة عن هذا السؤال في مقالة سابقة تحت عنوان (لماذا أصبحت شركات الألعاب شريرة) أما اليوم فنحن بصدد سرد قصة نشأة أنجح شركة ألعاب في التاريخ.
أولًا: كيف بدأت ومن أين جاء الاسم؟
ولد الأخوين Dan و Sam Houser لأبويين فنانين، الأب كان يملك نادٍ لموسيقى الجاز في لندن، ولم يكن أي نادٍ بل كان الأشهر في المدينة كلها، والأم كانت ممثلة معروفة (Geraldine Moffat)، إذًا هي أسرة تعرف الفنون تمام المعرفة، وبالتالي من المنطقي أن تجد الأبناء يحبون كتابة القصص، ومتابعة الأفلام خصوصًا أفلام تلك الحقبة (السبعينيات والثمانينيات)، بجانب الموسيقى التي كانت جزء لا يتجزأ من رحلتهم معًا نحو المجد في صناعة “فنهم الخاص”
في الثمانينيات، فترة مراهقة سام هاوزر، تعرف على ألعاب الفيديو لأول مرة من خلال صالات الأركيد، ووقع في حبها -مثلنا جميعًا- بسبب شعوره بأنه ينتقل بعقله إلى عالم آخر جديد تمامًا، وهي الفكرة التي كان لها تأثير الفراشة (Butterfly effect) على كل ما لحق ذلك من محطات في حياة الأخوين.
لاحقًا انجذب الأخوين لأغاني ال(Hip hop)، وأعجبوا بمدى ثوريتها مقارنة بأي نوع موسيقى كلاسيكي، كما أنها كانت تعتبر في ذلك وقت مجالًا للتعبير عن الرأي في مختلف المجتمعات، منها المجتمعات الأمريكية للأمريكيين من أصول أفريقية.
في عيد ميلاده ال18، ذهب سام مع والده في رحلة إلى نيويورك، وهناك وقع في حب المدينة التي تعرف عليها من خلال أفلام السينما أمثال Taxi Driver و Mean Streets، وأعجب كثيرًا “بالاختلاف” الذي احتوت عليه المدينة على حد تعبيره الشخصي.
في مرة على العشاء سألت والدي الذي كان يعمل في مجال صناعة الموسيقى، لماذا يعمل فقط الكبار في ذلك المجال؟ لماذا لا يوجد من يستطيعون التجديد في هذا المجال من أصحاب العمر الصغير؟
تسبب هذا السؤال في حصول سام على وظيفة في مجال صناعة الموسيقى ومقاطع الفيديو الموسيقية، في شركة BMG التي كانت لتوها -بالصدفة- استحوذت على استوديو ألعاب صغير، لم تكن مهتمة به كثيرًا. هنا جاءت فرصة العمر لسام أن يعمل على مشروع حياته،الذي تلتقي فيه الموسيقى مع الألعاب بشكل أو بآخر. لم يكن سام يعرف ما يمكنه فعله بالضبط، ولكنها كانت أول خطوة نحو طريق المجد. تولى سام رئاسة التطوير في الشركة عام 1996. في العالم اللاحق بدأت سلسلة GTA بجزئها الأول الذي كان من المقرر تسميته Race and chase وكان من المقرر جعله يركز على المطاردات والسباقات، ولكن عقليه سام، ولاحقًا أخوه Dan (بعد انضمامه) جاءت بافكرة الثورية لجعل اللعبة لعبة جريمة واقعية، تتيح مستوىً غير مسبوق من الحرية.
في 1998 اشترت شركة Take Two شركة روكستار، ونقلتهم إلى مدينة نيويورك ليفتتحوا مقرًا جديدًا للشركة، ويغيروا أسمه ومعهم أثنين آخرين من المؤسسين إلى شركة “Rockstar”. جاء ذلك الاسم بسبب ثأثر الأخوين بصناعة الموسيقى، وربغتهم في صناعة حدثًا “صاخبًا في صناعة الألعاب، ونقلها لمستوىً آخر من الإبداع. يحمل الاسم في طياته إشارة إلى الشغف الذي حمله الأخويين إلى نيويورك، وإلى صناعة الألعاب. ألتقى الأخوين في نيويورك بشخصية مهمة أخرى في حياة الشركة وهو Lezlie Benzies، الرئيس اللاحق لشركة Rockstar North.
ثانيًا: كيف ولماذا نجحت الشركة؟
انتقلت الشركة لإنتاج الجزء الثاني من لعبة GTA، والذي حمل تغييرات ثورية بحق على تركيبة اللعب والحرية التي أتاحها للاعبين، ولأن الحديث عن الجزء ذلك وحده قد يطول كثيرًا، إليكم مقالة مخصصة تحدثت فيها عن عظمة هذه الإصدارة يمكنكم قراءتها كاملةً من هنا.
حقق الجزء الثاني نجاحًا كافيًا لكي يبرر إنتاج جزء جديد من تلك السلسلة “الواعدة” في وقتها. ولكن عقول Sam و Dan ومعهم Lezlie Benzies كانت تسعى لابتكار المستمر على تركيبة اللعب. وقرروا وقتها التحول من المنظور العلوي إلى المنظور ثلاثية الأبعاد، من المنظور الثالث. قدم ذلك تحديًا كبيرًا لأن الموارد التي احتاجتها تلك الإصدارة كانت كبيرة للغاية، كما أن جميع الأنظمة الجديدة التي تم تضمينها مث-ل على سبيل المثال لا الحصر -القصة، احتاجت إلى جهود عملاقة لتقديمها بالشكل اللائق. منا هنا جاء نجاح روكستار كشركة، تقديمهم لأول سلسلة ألعاب جريمة واقعية من المنظور الثالث، ومنا هنا أيضًا جاءت الملاحقات القضائية بسبب “تعزيز مفاهيم وأساليب العنف” لقد أصبح الأخوين بالفعل مثل نجوم الغناء أو “الروكستارز”! دائمين الظهور في الإعلام سواء للهجوم عليهم بسبب ما تقدمه ألعابهم، أو حتى للتمجيد فيها لما قدمته تلك الألعاب من أفكارًا ثورية للصناعة ككل.
نجاح الشركة كان يكبر ككرة الثلج مع كل إصدارة من إصدارات لعبة GTA ولكنه لم يتوقف عند ذلك وحسب، وإنما انتقل لمستوىً آخر من التأثير عندما أصدرت الشركة ألعاب مثل Bully و The Warriors و Man hunt والتي تعتبر جميعها عناوين كلاسيكية لكل من اقتنى جهاز من جيل البلايستيشن 2.
الانتقال للجزء الأضخم في السلسلة في ذلك الوقت “San Andreas” كان يعد بمثابة الخطوة الأكبر في تاريخ الأخوين وشركتهم. يمكننا الحديث لأيام عن مدى ثورية ما قدمته هذه الإصدارة في وقتها. لقد كانت أول لعبة تقدم مفهوم تخصيص الشخصية بذلك العمق في وقتها. يمكنك أن تقوم بنشاطات عديدة تحاكي الحياة الواقعية بشكل رائع. كانت كتابة القصة متأثرة قليلًا بمسلسل The Wire الذي قدم الوجه الحقيقي، والمزيف لعصابات السود في أمريكا على حد سواء.
حققت الشركة نجاحات كبرى في الأجزاء اللاحقة، جنبًا إلى جنب مع سلسلة Red dead التي دخلت على الخط كمنافس جديد لنجاح GTA، ولكن لا شيء يضاهي نجاح الجزء الخامس من GTA التي لا تزال مبيعاتها متزايدة حتى الآن، بمجموع 155 مليون نسخة حتى الآن! أما Read dead Redemption 2 فقد باعت 39 مليون نسخة! يكفيك أن تعرف أن لعبة GTA V وحيدةً حققت أرباحًا تقدر بمبلغ 6 مليار دورلا، أكثر من أنجح فيلمين في هوليود مجتمعين!
ثالثًا: رحيل الأخ المؤسس Dan Houser..ماذا يعني لمستقبل الشركة؟
في 2020، أعلنت شركة روكستار رحيل الأخ المؤسس Dan Houser عن الشركة، ليعتبر بذلك ثاني عضو هام في الفريق المسؤول عن نجاحات الشركة الكبيرة رحيلًا عنها بعد Lezlie Benzies الذي رحل عام 2014. رحل Dan Houser بعد فترة أجازة كبيرة امتدت لستة أشهر قضاها بعد إصدار لعبة Red dead redemption 2.وقام في 2021 بتأسيس شركة جديدة تدعى Absurd Ventures In games. مما يعني أننا قد نرى سلاسل ألعاب شبيهة بسلسلة GTA في المستقبل من دان نفسه.
أسباب ذلك الرحيل غير معروفة حتى الآن، ولكن هناك بعض الإشاعات الداخلية التي تشير بأن دان كان على خلاف شديد في رغبات الشركة الأم Take two فيما يتعلق بتوجه القصة الخاصة بلعبة GTA 6. كان Dan و Sam و Lezlie مسؤولين معًا عن إما إخراج أو كتابة قصص ألعاب روكستار في الماضي، فهل يتأثر جانب القصة في ألعاب الشركة المستقبلية؟ لا نملك إجابة قطعية عن هذه الجزئية، ولكن يمكننا الجزم بأن شيئًا حول رؤية الشركة ونظرتها لمجتمع اللاعبين قد تغير. من الواضح أن رجال الأعمال سيطروا على الشركة، وبدأوا في إجبار المُبدعين ممن يكترثون لجودة أعمال الشركة أكثر من الأرباح للخروج من الشركة.
الدلائل على ذلك كثيرة، أولها إصدار ثلاثية GTA بذلك الشكل الكارثي، والنهج الدعائي الذي اتخذته الشركة مع الثلاثية، لإخفاء عيوبها. وأيضًا التأخير المتعمد للعبة GTA 6 الذي تشير بعض الإشاعات أنه يعود لنجاح GTA online الكبير الذي أجبر الشركة على عدم إصدار جزء جديد حتى يبدأ ذلك النجاح في الأُفول. كل ذلك بجانب الإشاعات التي تشير إلى أن لعبة GTA 6 قد تتبع نهج لعبة Fortnite في تقديم خريطة متغيرة مع الوقت. كل هذا على الورق ليس سيئًا ولكنه يثير حفيظتنا جميعًا لأننا نعلم بأن نموذج فورتنايت لم ينجح مع كل من حاول تقليده، لأن التقليد جاء فقط بعد نجاح اللعبة، سعيًا لتحقيق أرباحًا مشابهة من الجانب الخدمي للعبة وليس لتقديم منتج ثوري جديد. في النهاية كل هذا يبقى في نطاق الشائعات، ولكن من خلال معرفتي بالصناعة يمكنني أن أخبرك بأن بعضًا من تلك الشائعات يبدو منطقيًا لي.
من المرجح أن تكون قصة GTA 6 مكتوبة وموجودة بالفعل مع مشاركة Dan Houser فيها، أي أن المشكلة الفعلية للشركة ستبدأ فيما بعد GTA 6 في جانب كتابة القصة. قد تفقد القصص الخاصة بألعاب شركة روسكتار رونقها فيما بعد، إلا إذا استطاعوا أن يعطوا سام هاوزر الذي لا يزال يعمل في الشركة الحرية الإبداعية الكافية لتكوين فريق مماثل للفريق الذي رحل.
رابعًا: كيف خرجت Rockstar من مشاكل إصدار الثلاثية المحسنة مثل “الشعرة من العجين”؟
بعد الهجوم العنيف من اللاعبين على الشركة في أعقاب الإصدار الكارثي للثلاثية المُحسنة، التزمت الشركة الصمت لمدة وبعدها أعلنت عن إتاحة الثلاثية الأصلية من جديد في المتاجر الرقمية وإعطاءها كهدية واعتذار لكل من اقتنى الثلاثية المُحسنة! من بعد ذلك لم يخرج أي تصريح عن خطط الشركة لترميم العلاقة بينها وبين اللاعبين مرة أخرى.
ولأن العقل الجمعي يميل للحكم على الأشياء بشكل عاطفي، ويمتلك ذاكرة قصيرة، تراجعت الأصوات المهاجمة للشركة لأن ليلة البارحة فقط أعلنت الشركة عن محتوىً إضافيًا يعود بشخصية فرانكلين بطل لعبة GTA V في طور الأونلاين، يأتي بتاريخ 15 ديسمبر الجاري. على الرغم من رغبة اللاعبين الجامحة في رؤية GTA 6 وغضبهم الشديد من الشركة إلا أنه وبلا شك أن هذه الإضافة ينتظرها النجاح، أولًا لكونها إضافة قصة تعود بشخصية من الشخصيات المهمة، والمحبوبة في السلسلة، وثانيًا لأنها لأنها إضافة ضخمة للعبة تتمتع أصلًا بشعبية قوية (أقصد هنا طور الأونلاين للعبة GTA).
كتبت روكستار بذلك نهاية الحديث عن إخفاقهم مع ثلاثيتهم المحسنة للعبة GTA، واستطاعت أن تقلب الصفحة لتأتي بصفحة جديدة كليًا ستقوم هي بملئها بنفسها. لم تعتذر الشركة اعتذارًا يليق بمجتمع اللاعبين شديد الوفاء الذي تحظى به، ولكن هكذا حال الشركات الكبيرة يا صديقي، لا يحبون الاعتذارات الحقيقية، ولا يضطرون للبقاء لمدة طويلة في صدام مع اللاعبين لأنهم يتحكمون في ما يتحدث عنه الناس.
كانت هذه هي حكاية شركة روكستار بشكل مختصر، شركة قامت ونهضت على اكتاف اللاعبين، ونعتبرها جميعًا الشركة الأنجح في مجال صناعة الألعاب، وهي أيضًا الشركة التي تحصل أغلبية ألعابها على تقييمات مرتفعة للغاية، لا نعرف شيئًا عن المستقبل ولا نملك سوى أن نتمنى أن تعود الشركة لما كانت عليه في السابق، وأن تتعافى من فقدان شخصية مؤثرة مثل Dan Houser.
ملحوظة: استندت جميع المعلومات عن نشأة الشركة على لقاءآت صحفية وتلفزيونية أجراها الأخوين دان وسام هاوزر.
مواضيع ذات صلة:
كل ما نعرفه عن GTA 6 حتى الآن
بعد ثلاثية GTA: المزيد من ألعاب Rockstar تحتاج إلى نسخ محسنة
أربعة معلومات لم تعرفها عن GTA III