يأخذنا مسلسل Pluribus في رحلة فلسفية ومرعبة حول تلاشي الفردية وذوبان الوعي الشخصي داخل كيان واحد عملاق، حيث لم يعد الأنا موجوداً بل أصبح الجميع جزءاً من نحن. المسلسل استطاع ببراعة تصوير الرهبة من فقدان السيطرة على الذات مقابل القوة الهائلة التي يمنحها الاتصال الكامل بين العقول. لكن فكرة العقل الجمعي (Hive Mind) ليست غريبة على عالم الترفيه، فقد كانت ألعاب الفيديو سباقة في استكشاف هذا المفهوم، ليس فقط كعنصر قصصي، بل كآلية لعب تجعل اللاعب يواجه أسراباً تتحرك بوعي واحد، أو حتى يتحكم هو نفسه في جيش يعمل ككيان منفرد.
إليك 10 ألعاب استعرضت فكرة العقل الجمعي بأشكال مذهلة ومختلفة:
1. Halo (كيان The Flood)

في سلسلة Halo، يمثل Flood تهديداً وجودياً للمجرة بأكملها، وهم طفيليات في حجم القطة تعيد تشكيل الأجساد الحية وربط عقولها بكيان يسمى (Gravemind). هذا الكيان ليس مجرد وحش، بل هو تراكم لذكاء وذكريات كل الكائنات التي امتصها، مما يجعله عبقرياً ومرعباً في آن واحد.
وتنجح لعبة Halo في تقديم فكرة الوعي التراكمي، فكلما زادت الإصابات والعدوى، زاد ذكاء وقوة الـ Gravemind. لأن اللعبة تظهر المتحولين من جنس الـ Covenant يستطيعون حمل اسلحة البشر والعكس صحيح، وهذا بسبب ان كل ذكريات ووعي المتحولين أصبحت متراكمة في كيان واحد قديم ومظلم.
2. StarCraft (سلالة الـ Zerg)

تعتبر سلالة الـZerg في لعبة StarCraft هي المثال الأيقوني الأبرز للعقل الجمعي في تاريخ الألعاب. يتم التحكم في هذا العرق الفضائي من خلال كيان مركزي يُعرف بـ (Overmind)، حيث لا تملك المخلوقات الصغيرة إرادة حرة، بل تتحرك كأطراف في جسد واحد لتنفيذ غاية بيولوجية كبرى وهي الاستيعاب والتطور.
وأستطاعت StarCraft في نقل الاحساس بقوة العقل الجمعي، فالوحدات لا تخاف الموت لأنها جزء من وعي أكبر لا يموت بموت الأفراد. عشاق لعبة StarCraft يمكنهم أخبارك بمدى الرعب الذي يسببه هجوم منسق لا يتوقف من سلالة الـZerg، حيث تتناغم الوحدات العسكرية بشكل مرعب لا يشوبه خطأ واحد.
3. Mass Effect (عرق الـ Geth)

تقدم Mass Effect نسخة طيبة من فكرة العقل الجمعي من خلال الـ Geth، وهو ذكاء اصطناعي يعمل عبر شبكة موحدة، يجعلهم متصلين كلهم ببعض ولكن بدون فقدان الفردية. هذه الشبكة مكنتهم من زيادة قدرتهم على المعالجة وأصبحوا أكثر ذكاءً وقدرة على اتخاذ قرارات معقدة.
المثير للاهتمام هو التطور الذي طرأ عليهم، حيث نكتشف أن العقل الجمعي لديهم يعتمد على الإجماع. يتم التصويت على كل قرار داخل الشبكة بآلاف في أجزاء من الثانية، مما يجعلنا نتسائل هل لو هناك ترابط بهذا الشكل يمكن أن يكون الشكل الأسمى للديمقراطية أم أنه فقدان لخصوصية الفرد؟.
4. Dead Space (كيان The Brethren Moons)

نعود مرة أخرى للوحشية، ففي عالم Dead Space، يظهر العقل الجمعي في أبشع صوره من خلال (The Markers) التي تحول الجثث إلى “نيكرومورفز”. الهدف النهائي هو عملية التقارب (Convergence)، حيث تندمج كل الكائنات الحية في كوكب ما لتشكل قمراً عملاقاً واعياً يسمى (Brethren Moon).
مثلت Dead Space العقل الجمعي كجوع مطلق، فهو لا يسعى للتعايش بل للاستهلاك والاندماج القسري. ونجحت Dead Space في ايصال شعور الضغط النفسي الهائل عند مواجهة كل وحش، فهو مجرد خلية صغيرة في كيان كوني ينتظر اللحظة المناسبة لابتلاع الوعي البشري بالكامل.
5. Inside

تبدأ لعبة Inside كرحلة هروب بسيطة لبيئة غامضة، لكنها تنتهي بواحدة من أقوى صور العقل الجمعي في الألعاب. يكتشف اللاعب وجود تجارب للتحكم بالعقول، حيث يمكن تحريك أجساد بشرية خاملة بمجرد الاتصال بجهاز تحكم، وصولاً إلى الاندماج النهائي مع الكتلة في نهاية اللعبة.
لعبة Inside لا تستخدم الحوارات، بل تعتمد على السرد البيئي لتبين بشاعة فقدان الإرادة. عندما يتحكم البطل في العمال الخاملين لحل الألغاز، يشعر اللاعب بنوع من القوة، لكنه يشعر أيضاً بالذنب تجاه هؤلاء البشر الذين تحولوا إلى مجرد أدوات بلا روح داخل عقل جمعي مصطنع.
6. Stellaris

في لعبة الاستراتيجية الفضائية Stellaris، يمكن للاعب أن يختار بناء إمبراطوريته كـوعي خلية (Hive Mind) من البداية. في هذا النمط، لا يوجد مواطنون لديهم سعادة أو فصائل سياسية أو تمردات، الإمبراطورية بأكملها هي كائن واحد، وأنت هو هذا الكائن.
هذا يغير أسلوب اللعب جذرياً، حيث تركز على الكفاءة المطلقة والنمو السريع دون القلق بشأن المتطلبات الفردية للسكان. اللعبة تضعك في مكان الرأس لهذا العقل الجمعي، مما يجعلك ترى الأجناس الأخرى الفردية ككائنات ضعيفة ومشتتة بسبب نزاعاتها الشخصية.
7. Half-Life (عرق الـ Vortigaunts)

يمتلك الـ Vortigaunts في سلسلة Half-Life اتصالاً روحياً وجينياً يسمى Vortessence. هذا الرابط يسمح لهم بمشاركة الأفكار والذكريات عبر الزمان والمكان، مما يجعلهم يتحدثون بصيغة الجمع غالباً ويفهمون بعضهم البعض دون الحاجة لكلمات كثيرة مثل مسلسل Pluribus.
على عكس الأمثلة المرعبة، يقدم هؤلاء العقل الجمعي كحالة من التناغم والسمو الروحي. هم ليسوا مجبرين على هذا الاتصال، بل هو جزء من طبيعتهم البيولوجية التي تمنحهم حكمة وقدرات طاقية لا يملكها البشر، مما يجعلهم حلفاء غامضين ومثيرين للاهتمام.
8. Resistance (كيان The Chimera)

في هذه السلسلة، تقوم مخلوقات Chimera بغزو الأرض وتحويل البشر إلى جنود في جيشهم عبر فيروس خاص. هؤلاء الجنود يتم ربطهم عبر شبكة عصبية يتحكم فيها مايسموا بالإنجلز، والذين يقومون بتوجيه الأسراب وتنسيق الهجمات بشكل فوري.
الخطر الأكبر الذي يواجهه اللاعب هنا هو الذكاء التكتيكي الجماعي، فإذا قمت بقتل القائد الذي يربطهم عصبياً، يصاب الجنود بالجنون أو يموتون، مما يوضح أن العقل الجمعي هنا هو المحرك الأساسي للحياة والوظيفة القتالية لهذه الكائنات.
9. Prey (كائنات الـ Typhon)

تقدم لعبة Prey كائنات فضائية تسمى تايفون، وهي كائنات مرتبطة بشبكة وعي معقدة. رغم أنهم يبدون كوحوش منعزلة في البداية، إلا أنهم يعملون وفق غاية موحدة يمليها عليهم كيان أكبر يسمى (Apex)، وهو الوعي الأعلى الذي يجمع كل طاقة التايفون.
وعلى عكس مسلسل Pluribus، فلعبة Prey تستكشف فكرة الوعي الغريب الذي لا يمكن للبشر فهمه. فالتايفون لا يملكون مفاهيم مثل التعاطف أو الفردية، بل يتحركون كأنظمة بيولوجية تهدف لإعادة تشكيل المادة والوعي وفقاً لنمطهم الخاص، مما يجعل التواصل معهم مستحيلاً.
10. Crysis (عرق الـ Ceph)

الـ Ceph هم كائنات فضائية غازية تعمل بنظام العقل الجمعي المعتمد على التكنولوجيا والبيولوجيا معاً. يتم تنسيق كل تحركاتهم عبر بنية تحتية طاقية، حيث تعمل قواتهم كجسد واحد يستجيب للتهديدات بسرعة مذهلة وبأداء عسكري لا تشوبه شائبة.
في الجزء الثاني والثالث، نرى كيف يحاول البشر اختراق هذا العقل الجمعي أو حتى الاندماج معه لفهم تكنولوجيتهم. اللعبة تصور العقل الجمعي كآلة حرب مثالية، حيث يتم استبدال الوعي الفردي بالكفاءة القتالية القصوى، مما يجعل مواجهتهم تحدياً يتطلب تفكيك شبكة اتصالهم أولاً.
على الرغم أن أغلب تمثيل الألعاب لفكرة العقل الجمعي شريرة إلا إنها قدمت نماذج أخرى متنوعة لتجعلنا نفهم الفرق بين الأفكار الجيدة مثل التضامن الاجتماعي والسيئة مثل سلوك القطيع، متى يكون التضامن مفيد ومتى يكون الفردية حق لا يمكننا التفرط فيه.