هل تريد السفر بالزمن؟ إذا استطعت فعلها، فارجع بالزمن 50 عاماً للوراء وأخبر أحدهم أن معظم الأشخاص عام 2022 سيمتلكون حواسيب صغيرة في أيديهم، تعمل باللمس، وأحياناً بالأوامر الصوتية، أسرع بآلاف المرات، فائقة الذكاء، ويمكنها فعل أي شيء تقريباً بكفاءة. لا تسألني عن كيفية فعل ذلك أو الفائدة من ورائه، ولكن سأخبرك أن أي شخص فور سماعه ما ستخبره به قد يُصاب بالدهشة ظناً منه أنك تروي قصة خيال علمي مصحوبة بحماسة عالية أو أنك مجنون يروي ترهات بالية.
التكنولوجيا حالياً وصلت إلى مستوى لم يكن ليتخيله إنسان حتى في بداية الألفية الثالثة، انظر كيف تطورت الهواتف الذكية والحواسيب بشكل هائل في وقت قصير. دائماً ما تكون التكنولوجيا محدودة القدرات بسبب محدودية مصدر الطاقة الذي تستمد منه قواها، أبسط مثال جهازك الذي تقرأ منه هذه المقالة، قد تنفد بطاريته وأنت خارج المنزل ولا يوجد معك شاحن أو مقبس كهرباء أو Power Bank وتريد الرد على بريد مهم للعمل، مأزق لا تود الوقوع فيه، أليس كذلك؟
تخيل أن لديك هاتفاً أو حاسوباً لا تكترث بشحن بطاريته، ولا تضطر لتفعيل وضع توفير الطاقة أو الحد من سرعة المعالج، لن تكون في حاجة لشراء شاحن وكابل، ولن يكون هناك داعِ لتطوير سرعات شحن فائقة. ماذا لو أخبرتك أن بعض الشركات تعمل على تحقيق ذلك بإنتاج بطاريات لا تنفد؟ وانها مصنوعة من النفايات النووية والألماس؟ أليس هذا جنونياً؟ والأهم، ألا ترغب في إلقاء نظرة عن مستقبل التقنية؟
لما يُعد ابتكار نوع آخر من البطاريات مهم لهذا الحد؟
تنجم عن البطاريات الحالية مشاكل جمة بدايةً من تصنيعها مروراً باستخدامها وانتهاءً بالتخلص منها. صناعة البطاريات من أكثر الصناعات تلويثاً وتدميراً للبيئة، فمثلاً عمليتا استخراج وتحويل الليثيوم والمواد الخام الأخرى اللازمة لتصنيع بطاريات أيون الليثيوم ينتج عنهما مواد كيميائية شديدة التلوث. ازدياد الطلب على الأجهزة المعتمدة على البطاريات أهمها الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة ينتج عنه كوارث بيئية يتعذر تداركها.
فور انتهاء صلاحية البطارية، يتم إلقاؤها في أقرب سلة قمامة، وقد ينتهي المطاف بالأجهزة المحمولة وبطارياتها في مكب نفايات بائس. أحياناً يتم تصدير النفايات الإلكترونية -ومنها البطاريات بالطبع- للخارج حيث يتم حرقها أو إذابتها بشكل غير احترافي. المشكلة أن نسبة قليلة من الإلكترونيات يتم إعادة تدويرها، وإذا ابتُكرت بطارية ذات عمر افتراضي طويل فحتماً ستقل النفايات بشكل دراماتيكي.
التكنولوجيا النووية: الحلقة المفقودة في مستقبل الهواتف الذكية والإلكترونيات!
من بين جميع أنواع البطاريات الجديدة الجاري العمل عليها، لا يوجد شيء أكثر جنوناً أو إثارة للإعجاب من البطاريات النووية، ليس فقط لأنها قادرة على الصمود لمئات إن لم يكن آلاف السنين، وإنما لقدرتها على إنتاج طاقتها الخاصة بالإشعاع الذاتي. في المستقبل القريب، لن تصمد بطاريات الأجهزة طوال عمرها الافتراضي فحسب، فقد تجتاز أعمارنا إن لم يكن أعمار أبنائنا معنا، وبالتالي لن نضطر لشحن أجهزتنا لمدى حياتنا.. أقصد حياتهم!
لكن مما ستُصنع البطاريات النووية بالضبط؟ بعيداً عن المصطلحات العلمية المعقدة، فإن البطارية النووية والمعروفة باسم بطاريات “Nanodiamond” مكونة من عناصر مشعة يتم استخراجها من النفايات النووية، ومن ثم تغطيتها بالألماس الاصطناعي في حجرة ذات بخار كيميائي، ويعمل هذا الألماس كمحول للطاقة ومضاد للإشعاع بحيث يتم تحويل الإشعاع إلى كهرباء، وهذا يعني تدفق مستمر من الطاقة يدوم لسنوات عديدة.
استخدام بطاريات نووية سينعكس على تصميم وقدرات جميع الأجهزة الإلكترونية خصوصاً الهواتف الذكية نذكر على سبيل المثال لا الحصر؛ إلغاء منفذ الشحن السلكي وقاعدة الشحن اللاسلكية مما يوفر مساحة إضافية لوضع تكنولوجيا أكثر تطوراً مثل نظام التبريد وعتاد الكاميرا، وأيضاً رفع مستوى الحماية من الغبار والمياه، ومع التوسع في استخدام الألماس الاصطناعي ستنخفض أسعاره مما يمكن شركات الهواتف من استخدامها في صنع هواتف بطبقات حماية مضادة للكسر.
شركة NDB تقود العالم في مجال تصنيع البطاريات النووية
شركة NDB إحدى الشركات الرائدة في مجال تصنيع البطاريات النووية، اسم الشركة اختصار لجملة “Nano Diamond Batteries” أي بطاريات النانو الماسية، Nima Golsharifi والمدير التنفيذي للشركة في مقابلة بودكاست بعنوان Energy Cast وصفت لنا البطاريات النووية بقولها:
إذا تحدثنا مجازياً، فإنها أشبه بألواح الطاقة الشمسية؛ الفرق أن بطاريات NDB تولد الكهرباء من المواد المشعة بدلاً من ضوء الشمس.
هذا والبطاريات النووية حل مثالي للمشاكل التي تم تجاهلها لفترة طويلة، ومنها التخلص من النفايات النووية الناتجة عن مفاعلات الانشطار النووي. الواقع أن هناك كميات هائلة من المواد النووية شديدة الخطورة متواجدة في جميع أنحاء العالم، كما أن تخزينها أو التخلص في مكان آمن مكلف جداً، ومع ذلك فإن هذه النفايات توفر طاقة فائقة. تضيف Golsharifi في حديثها عن بطاريات NDB:
حلول NDB وهدف شركتنا الاستخدام الجيد للمنتجات الثانوية وحل مشاكل النفايات النووية وبالتالي مساعدة البيئة والارتقاء بالطاقة النووية وهي مصدر نظيف، وبالتالي دعم المجتمع بصنع نوع من الاقتصاد الدائري.
سؤال يطرح نفسه: هل البطاريات النووية آمنة؟ وماذا عن سعرها؟
السؤال الذي يراودك الآن بلهجة دارجة: “هي البطاريات دي تمام يعني ولا أيه؟”. عند الحديث عن الطاقة النووية، غالباً ما يتبادر إلى الذهن كوارث تشيرنوبل أو فوكوشيما، وهو ما يحول -للأسف الشديد- دون انتشار استخدام هذه الطاقة النظيفة ذات القدرات الهائلة. لكن Golsharifi تؤمن بإمكانية التغلب على الخوف بالعلم، وذكرت أن الكثير من الناس لا يعلمون بأن أجهزة استشعار الدخان تحتوي على مواد مشعة، ورغم ذلك يضعونها في بيوتهم بدون أي مشكلة!
كيف تكون البطاريات النووية آمنة رغم أنها مشعة؟
ببساطة تعمل طبقة الألماس كمانع من تسريب الإشعاعات وفي نفس الوقت كمحول للطاقة. حسب Golsharifi، فإن هذه البطاريات تعتمد على نظام قفل ومحول يمنع من الوصول إلى كميات كبيرة من النظير المشع دفعة واحدة، وذلك عن طريق وضع الأيونات النانوية للنظائر المشعة في بنية البطارية، وهو ما يسمح بتطبيق مختلف معايير الأمان.
لقد أجرت NDB بحثاً عميقاً للتأكد من أن بطارياتهم آمنة بشكل يسمح باستخدامها في منتجات مثل السيارات والهواتف، ولا ينتج عنها أي انبعاث أو إشعاع، كما أنها مصنوعة من الألماس فائق الصلابة، وهي أكثر أماناً من بطاريات أيون الليثيوم المعروفة بالانفجار والاشتعال والموجودة في معظم المنتجات المحمولة كالهواتف الذكية والحواسيب المحمولة والسيارات الكهربائية.
أليست أسعار المواد النووية باهظة؟
إن لم يكن الأمان مصدر قلق تجاه البطاريات النووية، فما المشكلة إذاً؟ بعيداً عن معايير الأمان والجودة وغيرها من الإجراءات والتراخيص، فإن التكلفة أهم ما يواجه هذه التكنولوجيا الواعدة. نحن نتحدث عن بطاريات مصنوعة من الألماس الاصطناعي والمواد النووية، ومع ذلك انخفضت أسعار المواد النووية من 2.4 مليون دولار إلى 40 ألفاً لكل كيلوجرام بحلول عام 2018 حسب Golsharifi، وتتوقع الشركة أن تستمر الأسعار في الانخفاض مع بدء الإنتاج الكمي، وستكون بطاريات NDB أعلى سعراً من بطاريات أيون الليثيوم، ولكنها حتماً ستتساوى معها عندما تنتشر.
مهما كانت تكلفة البطاريات النووية مرتفعة فإنها تستحق كل سنت يُدفع فيها، لما لا تنفق المزيد من المال الإضافي على هاتف ذو بطارية لا تنفد؟! ألا تدفع مالاً أكثر في سيارة كهربائية تعمل بدون شحن أو وقود؟! كيف لا تشتري أجهزة لا تزيد من فاتورة كهرباء المنزل؟! سواء اتفقنا أو اختلفنا، فإن البطاريات النووية هي المستقبل، بطاريات لا تتطلب إعادة الشحن وغير قابلة للتفريغ، صديقة للبيئة وخالية من الانبعاثات، والأهم أنها حل مثالي وفعال ورخيص للتخلص من النفايات النووية بأمان.
ثمة أجهزة حالياً تعمل بالبطاريات النووية والمزيد قادم في 2023
إذاً متى تتوفر البطاريات النووية في الأسواق؟ بالحديث عن NDB، فإنها أجرت اختبارات على تصورها وتعتزم إطلاق منتج كامل بحلول 2023. هل تعلم بوجود أجهزة حالياً تعمل بالبطاريات النووية؟ شركة Arkenlight لديها بطاريات نووية منخفضة الطاقة قيد التتبع في معدات المراقبة على بركان سترومبولي ومنطقة النفايات النووية بالمملكة المتحدة.
لا شك أنه لا تزال تفصلنا بضع سنوات عن اليوم الذي نرى فيه البطاريات النووية أسفل شاشات هواتفنا أو تحت غطاء سياراتنا الكهربائية. قد تستغرق هذه التكنولوجيا عشر سنوات أو أكثر حتى تكون واقعاً ملومساً، ولكنها أشبه بغمضة عين بالنسبة لشيء ثوري مثل البطاريات النووية، فقد تكون أحد أعظم ما اخترع الإنسان، وكما يُقال: إنها خطوة صغيرة لإنسان، ولكنها قفزة كبيرة للبشرية!”