مؤخرًا قمت بتجربة واحدة من أقوى ألعاب الرعب وهي Madison، والتي نجحت في تقديم بيئات مصممة باحترافية لزرع شعور الخوف بداخل اللاعبين، والتسلل “تحت جلودهم”، لكن في المجمل ماديسون لم تقدم لنوع ألعاب الرعب الكثير من التجديد على التركيبة التي نراها في العادة. بعض ألعاب الرعب تقدم معارك، سواءً كانت يدوية أو بأسلحة نارية بجانب الألغاز والاستكشاف، لكن لماذا لم تقدم ألعاب الرعب أي تجديدات منذ زمن كبير؟ الإجابة قد تكون في لعبة مستقلة أنتظرها شخصيًا تسمى Wronged Us.
لماذا أعتقد أن ألعاب الرعب تحتاج إلى التغيير؟
إذا دققنا في ألعاب الرعب وحللناها سنجد أن أغلب ما تفعله خلال أحداث اللعبة هو التجول في بيئات مظلمة سيرًا على الأقدام، وغالبًا ما تكون بيئة اللعبة محدودة وتصادفك فيها بعض الألغاز التي تجبرك على التجول ذهابًا وعودة داخل البيئة نفسها بحثًا عن حل لفتح المزيد من تلك البيئة المغلقة، وهو ما يسمى Back Tracking. ألعاب مثل Resident Evil مثلًا تقدم عناصر بقاء ومعارك كعناصر أساسية إضافية لأسلوب اللعب، حيث يكون عليك إدارة مواردك ومعرفة متى يجب عليك الدخول في معركة مفيدة، ومتى تهرب منها وتتجنبها لأنها معركة مهدرة للذخيرة.
لكن بشكل عام، لكي تلعب ألعاب الرعب هذه الأيام عليك أن تمتلك قدرة كبيرة لتحمل محدودية أسلوب اللعب، وتقييد الحرية التي تحصل عليه في أغلبية الألعاب التي تزعم كونها مرعبة. هذه هي المشكلة الأساسية في رأيي، لأن ألعاب الرعب تحتاج إلى المزيد من “الانفتاح” والحرية المكفولة للاعب، وأن تتسع مدارك مطوري هذا النوع من الألعاب لتقدم ما يناسب شريحة أعرض من اللاعبين. كلامي هذا قد يفهمه البعض بأنه إشارة إلى اتجاه ألعاب الرعب لتكون ألعاب عالم مفتوح تمتلك “عناصر RPG” مثل أي لعبة تحاول تحقيق “الانتشار” هذه الأيام، لكن هذا ليس صحيحًا.
المشكلة لدى ألعاب الرعب حاليًا هي أنها لا تختلف كثيرًا عن بعضها، على الرغم أن ألعاب المغامرة مثلًا تمتلك الكثير من التصنيفات الفرعية التي تندرج تحتها، وهو ما يجعلنا نتساءل، والسؤال الذي يجب علينا طرحه هو: هل تساهم تلك المحدودية في منع ألعاب الرعب من الانتشار؟
أمثلة على بعض الألعاب التي نجحت في تغيير جلدها و”التطور”
أشهر الأمثلة الحديثة هي ألعاب السولز التي حصلت على “قفزتها الكبرى” مع عنوان Elden Ring الذي قدم العالم المفتوح كعنصر جديد على التركيبة الموجودة بالفعل والتي تعتمد على الصعوبة وندرة العناصر الإرشادية، وهو ما يعني بالضرورة زيادة للحرية التي تتاح للاعب أثناء التجربة. في Elden Ring أنت حر تمامًا لتفعل ما يحلو لك. يمكنك الدخول في معارك جانبية مع مختلف مخلوقات اللعبة الأسطورية، كما يمكنك مطاردة المحتوى الجانبي، أو محاولة الخروج في رحلة هدفها معرفة المزيد حول قصة العالم الغني الذي عمل على بنائه وكتابته الكاتب الشهير George R. R. Martin. إذًا هي أهداف مختلفة يمكنك مطاردتها في نفس العالم والدافع الأوحد خلف ذلك هو أنك حر فيما تفعل، واللعبة تحترم ذلك.
مفاهيم قديمة عفى عليها الزمن
أعتقد ان النظر لألعاب الرعب أنها تجربة فيلم رعب تفاعلية أصبحت نظرة قديمة لأن “الأفلام التفاعلية” لا تعطيك الحرية الكافية. ألعاب مثل Resident Evil 7 و The Evil Within الأولى هي ألعاب خطية سينيمائية تركز على مسار واحد للقصة وهو ما يجعل وصف “أفلام تفاعلية” ينطبق عليها ولكن في الوقت نفسه هي تجارب تقيد حريتك وتمنعك من الإبداع أو التفكير فيما عدا عندما تطلب منك حل لغز ما.
لماذا قد تكون لعبة مستقلة هي الحل؟
لعلك تسأل الآن، ما علاقة كل هذا بلعبة Wronged Us التي ذكرتها في العنوان ثم المقدمة؟ حسنًا، لكي نجيب على هذا السؤال علينا أن نذكر القفزة النوعية في مستوى الألعاب المستقلة في الفترة الأخيرة، والذي يعود لإقبال اللاعبين عليها بشكل كبير في ظل تخبط مشاريع كبيرة وخروجها في مستويات سيئة أو تأجيلها للسنوات القادمة. أتحدث هنا عن مشاريع مثل Starfield و Cyberpunk 2077 (الأولى تم تأجيلها للعام القادم والثانية خرجت في مستوى محبط).
الألعاب المستقلة تمتلك أفضلية عدم الخوف من التجربة. الجرأة لاستكشاف الاحتمالات التي لا تجرؤ الشركات الكبيرة التي تنفق الملايين لإنتاج ألعابها على المخاطرة بها. أفضلية أن تضع أفكارًا جديدة مجنونة قد تعجب أو لا تعجب اللاعبين فقط لأنهم يظنون أنها تخدم رؤيتهم.
ماذا تقدم Wronged Us بقى ياعم؟
مشروع Wronged Us هو أحد أكثر المشاريع طموحًا في السنوات الماضية لدرجة قد تجعلك تتشكك في أنه مشروع حقيقي في الأساس. المعلومات عنه قليلة ولكنها حتمًا ستثير اهتمامك.
أولًا: تصميم اللعبة تم باستخدام Unreal Engine 5 وهو المحرك الذي أثار دهشة الكثيرين من خلال ديمو The Matrix Awakens . يجعل المحرك الرسومي الجبار Unreal Engine 5 شكل بيئات اللعبة عظيم ومليء بالتفاصيل الجميلة على الصعيد البصري. استخدام محرك جاهز يجعل من السهل للمطور التركيز على اللعبة نفسها وصقلها بأنظمة محكمة ومصممة باحترافية أكبر.
ثانيًا: يقول المطور بأن اللعبة في التطوير منذ عام ونصف ودخلت مرحلة إعادة التطوير لأكثر من مرة، وبدأت كمشروع يعمل عليه وحده ثم بدأ بتوسيع الفريق وضم المزيد من المطورين لمساعدته على إصدار اللعبة في 2023. أعتقد أن تاريخ الإصدار هذا سيتم تغييره وعلى الأرجح لن نرى اللعبة قبل 2024 بسبب الأفكار الطموحة التي تمتلكها.
المثير للاهتمام هو مصادر الإلهام الثلاث الخاصة باللعبة، وهم: Dark Souls و Resident Evil و Silent Hill، ويقول بأن آليات اللعب مستوحاة من Resident Evil بحيث يكون هناك معارك وأعداء عليك مواجهتهم، وأسلحة تتيح لك ذلك. أما البيئة والقصة فهما متأثرتان بلعبة Silent Hill ويظهر ذلك جليًا في العرض الدعائي الأول والوحيد للعبة.
أما عن التأثر بألعاب السولز فهو العنصر الذي أجده أنا شخصيًا الأكثر جاذبية حول اللعبة، فسنجد على موقع اللعبة الرسمي ومن خلال قسم الأسئلة الأكثر طرحًا (FAQ) أن بعض المعلومات عن اللعبة تفيد بأن اللعبة هي لعبة عالم مفتوح لا يوجد به خريطة، ولا واجهة مستخدم ترشدك أو تخبرك بأنك بدأت مهمة جديدة أو فشلت في إتمام مهمة كانت مستمرة معك، حيث يرى المطور بأنه يدعم الاستكشاف بهذا الشكل ويطبق الواقعية في صورة تجعل من عالم اللعبة أكثر رعبًا حيث سيكون عليك التجول فيه أكثر والبحث عن المهمات حسب ما تخبرك به الشخصيات.
هذه الرؤية الطموحة للعبة Wronged Us قد تكون هي مستقبل ألعاب الرعب في الخروج من القالب الذي لطالما التزم به المطورون وتجنبوا الحياد عنه، وقد قيَّد حرية اللاعب بشكل كبير. ما يفتح الباب على مصراعيه لتقديم تجارب بالكم المطلوب من الحرية للاعب، وأن تكون القفزة التقنية التي نشهدها حاليًا، سواء كانت على صعيد العتاد (الهاردوير) أو السوفتوير.
بعض تجارب الرعب التي نجحت في التنصل من “القالب المعتاد”
The Sinking City
نجحت تجربة The Sinking City في تسجيل حضورها بخصوص تغيير الشكل النمطي لألعاب الرعب، حيث اتبعت شكل ألعاب التحقيق والعالم المفتوح، وهو مزيج لا نراه كثيرًا. أسلوب التحقيق أيضًا كان مختلفاً كثيرًا عن ألعاب Sherlock Holmes مثلًا، حيث تطلَّب منك التحقيق في قضايا اللعبة التوجه لمكتبة المدينة وقسم الشرطة للبحث في ملفات القضايا والكتب المتصلة بالأمر عن دلائل أطراف خيوط جديدة، مثل أماكن أخرى يمكنك البحث فيها.
ربط الأدلة ببعضها كان يستغرق وقتًا طويلًا، ولا يوجد أي مساعدة من اللعبة، كل شيء تفعله أنت. كما أن هناك خيارات للحوارات تؤثر أحيانًا على الأحداث وهو ما لم نره في لعبة عالم مفتوح من نوع الرعب من قبل. اقتربت لعبة The Sinking City من ألعاب الـRPG عن طريق منح الحرية للاعب ووضعه في مواقف يكون عليه الاعتماد على نفسه لحل القضايا.
للأسف الفكرة العامة لم ترق للكثيرين ولذلك اعتبرت اللعبة فشلًا للمطور بسبب مبيعاتها المخيبة، لكن هذا لا يعني أنها لم تحتو على أفكار ثورية وشجاعة تطمح لدفع حدود ألعاب الرعب بعيدًا. اعتمدت The Sinking City على أجواء الرعب المبنية على غرابة وغموض العالم.
The Evil Within 2
تعتبر هذه الإصدارة من لعبة The Evil Within واحدة من أكثر الإصدارات الطموحة لجزء مكمل للعبة رعب، حيث أضافت بيئات شبه مفتوحة تتيح لك حرية كبيرة في تتبع القصة وإتمامها بالترتيب الذي تحبه مع وجود أكثر من مهمة نشطة في نفس الوقت. الغريب هو أن الجزء الثاني لم يحصد الآراء الإيجابية من جميع النقاد واللاعبين على عكس الجزء الأول. لقد تعرض التصميم شبه المفتوح لانتقادات من بعض اللاعبين بسبب عدم وجود دافع كبير للاستكشاف. قد يكون هذا صحيحًا لكن لا يجب أن يتم تجاهل أن توسيع العالم لا يلام على ذلك.
في النهاية، ألعاب الرعب “على الواقف” بدأت تصبح موضة قديمة، ويجب أن تحصل الألعاب من هذا النوع على تغيرات جذرية حتى تستمر في التوسع والازدهار. تصميم بيئات مغلقة مخيفة لم يعد كافيًا وإنما بات اللاعبون -وأنا منهم- متطلعين إلى تجارب أكثر طموحًا، وربما أكبر حجمًا وحريةً. هناك هامش تحسن كبير يمكننا استغلاله، وسواء كانت Wronged Us هي اللعبة التي ستنجح في ذلك أو لا، فالعبرة هنا في الأفكار التي فكر فيها المطور وأراد تنفيذها، سواء رأت النور أو تمكنت منها العقبات.