مقالات

هل يصبح”The Matrix” واقعنا؟ تفاصيل تحول “Facebook” إلى “Meta”

منذ سنوات شاهدت فيلم The Matrix وكنت منبهرًا من اتساع خيال المؤلف ليستطيع صنع فكرة بهذا التعقيد من وحي الخيال تمامًا، ووجدت بعد تجديد مشاهدتي له مؤخرًا أننا نسير بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤية المؤلف في هذا الفيلم تحديدًا، لأن عالمنا الواقعي أصبح بالفعل على وشك أن يصبح شيئًا جانبيًا بعد أن كان هو الأساس. إذا كنت لا تفهم ما أشير إليه الآن، فإنت بحاجة إلى أن أسرد عليك الحكاية من بدايتها، ولنبدأ بتحول Facebook إلى Meta.

حدث لم يستغرق دقائق..قد يغير العالم للأبد:

أعلن Mark Zukerberg مؤسس ورئيس شركة Facebook التنفيذي عن تغيير اسم شركة Facebook إلي Meta، ويعتمد الاسم على لفظ Metaverse والذي يعني أول مقطع فيه (Meta) “بعد” و (Verse) كون. وهو اسم مُعبر عن رؤية الشركة لمستقبل مواقع التواصل الإجتماعي، والخطوة الجديدة لها على حسب وصف Mark نفسه.

تهدف شركة Meta إلى تقديم عالم افتراضي يدخل الناس إليه باستخدام نظارات الواقع الافتراضي، وبالتالي يكونون متواجدين بشكل شبه فيزيائي في ذلك العالم. تخيل أن الدخول إلى تطبيق فيسبوك لم يعد عن طريق إدخال كلمة السر، وإنما عن طريق الدخول رقميًا إلى مساحة افتراضية باستخدام نظارات الواقع المعزز، والالتقاء بأصدقائك هناك للتواصل وكأنكم مع بعضكم البعض على الرغم من المسافة الفعلية التي تفصل بينكم. يمكنكم فعل ما تريدون. كل ما عليك هو تخصيص “الآفتار” أو الشكل الخاص بك في ذلك العالم ومن ثم الجول فيه.

Meta, Facebook

يتيح لك ذلك العالم تصميمه، وتشكيله على حسب رغبة رواده، ولكن من المبكر جدًا التفكير فيمن ستكون له سلطة تصميم العوالم أو التعديل عليها بشكل نهائي، ولكن بشكل مبدئي الفكرة تدور حول التواجد في أي مكان، بما في ذلك مكان عملك عن طريق نظارة الواقع الافتراضي التي تدخلك في ذلك الميتافيرس.

ما هي إيجابيات تلك الرؤية لعالم Metaverse؟

تحمل تلك الرؤية الطموحة الكثير من الفوائد، أولها إلغاء فكرة التواجد الفيزيائي للأفراد نهائيًا على جميع المستويات الصغير منها والكبير، فمثلًا فرص العمل أمامك أصبحت لا تقتصر على الأماكن القريبة من منزلك فقط، بل أي مكان في العالم بالمعنى الحرفي. لقد أصبحت أيضًا فكرة امتلاك الأشياء فيزيائيًا مفهومًا قديمًا بعض الشيء لأن على سبيل المثال التلفاز الذي تمتلكه في العالم الحقيقي يمكنك الحصول على شيء مشابه له بسعر أقل بكثير في العالم الافتراضي على هيئة “هولوجرام”.

مستقبل هذه “الصناعة”:

من خلال البث المباشر الذي استعرض Mark Zuckerberg النموذج الذي يريد تطبيقه لشركة Meta على المدى البعيد نجد أننا لا نزال على مسافة كبيرة من “الرؤية النهائية” التي تطمح الشركة لتطبيقها. في ذلك الفيديو أشار Mark إلى وجود منزل أو Home Space خاص بك في ذلك العالم، يمكنك تصميمه وتخصيصه كيفما تشاء، كما أنه يمكنك التواجد مع أصدقائك في أي مكان بضغطه زر كما ذكرنا، وفي الوقت نفسه، إذا أردت دعوتهم على العشاء مثلًا، أو دعوتهم لرؤيته مكان ما يعجبك كل ما عليك هو إرسال “لينك/رابط” ذلك المكان إليهم، وسيكونون به بضغطة زر أيضًا!

يفتح ذلك المجال لخيالي الواسع أن يتخيل الخطوة التالية لذلك،كل المطاعم والمقاهي قد تقوم بتوفير نسخ منها في ذلك العالم، وتعيين طاقم خاص بتلك النسخ الرقمية منها، يمكنهم أيضًا أن يلغوا النسخ الواقعية منهم نهائيًا فبدلًا من تأجير مكان لافتتاح متجر، قد تستطيع دفع الأموال لشركة ميتا نفسها لتأجير مساحة رقمية بمساحة ملائمة، وتعيين عاملين يعملون من منزلهم! هل يمكنك تخيل التغييرات التي نحن بصددها؟؟

ما علاقة تحول Facebook ذلك بفيلم The Matrix؟

في فيلم The Matrix يتواصل بعض الأشخاص مع البطل Neo ليقنعوه بالانضمام “للمقاومة” وكشف الحقيقة له، وعند قبوله تلك الدعوة يتضح بأن العالم الذي يعيش في “نيو”، والذي يظهر لك طبيعيًا في البداية ما هو إلا عالم افتراضي يدور في عقل نيو فقط، والواقع بأن البشر جميعًا نيام في “مصفوفة” من صنع جنس فضائي أكثر تقدمًا من البشر، يستخدمون اختراعهم ذلك لوضع البشر كلهم تحت سيطرتهم عن طريق إيهامهم بأنهم يعيشون حياتهم، بينما هم محتجزون في ذلك العالم الافتراضي المطابق للعالم الواقعي، ولكن يقع تحت سيطرة ذلك العرق الأكثر تقدمًا.

Meta, Facebook

يعتبر الحدث الذي نحن بصدده اليوم (الميتافيرس) هو أقرب شيء عاشته البشرية لهذه الرؤية الديستوبية التي طرحها فيلم The Matrix عام 1999، وحالها كحال أي تقدم تكنولوجي كبير، ستجد بأن لها الكثيرين من المتحمسين، والمعارضين.

بشكل شخصي، ولأني من محبي أفلام الخيال العلمي، لا يسعني سوى التفكير في مساوئ تلك القفزة التكنولوجية الكبيرة والتي تختلف عن كل ما عاشه الإنسان عبر التاريخ. منها مثلًا الجرائم الإلكترونية التي قد تتم في ذلك العالم، هل سيكون هناك شرطة إلكترونية تجوب العالم وسرفراته للتنقيب والتحقيق في قضايا الجرائم الإلكترونية؟ هل بإمكان أحدهم أن يؤذيك في ذلك العالم بشكل مؤثر؟ كأن يسرق أحد الأشياء التي تقتنيها في منزلك الإلكتروني، وهل ستكون هذه جريمة أصلًا؟ ما مدى حرمانيتها الدينية؟ وما حكم أولائك الذين سيتبعون أهوائهم ويفعلون ما يحول بينهم وبينه وازعهم الديني في الحياة الواقعية؟ هناك الكثير من الأمور التي يصعب علينا جميعًا استيعابها بشكل كامل الآن عن الفكرة، ولكنها وبلا شك خطوة جديدة في مجال “التواصل الاجتماعي.”

Meta, Facebook

بعيدًا عن الخيال الواسع، هل يتحقق ذلك العالم فعلًا؟

يعتمد مدى نجاح ذلك العالم من عدمه في رأيي على مدى جدية الشركة في تطبيقه بالمعايير الصحيحة، وتقديم سياسة صارمة لحفظ المعلومات والبيانات التي ستكون عليه. وهو الشيء الوحيد الذي سيجعل المستخدم يأخذ المشروع بشكل جدي ويفكر في الاستثمار فيه أو استخدامه في أشياء حيوية. ولكن نظرًا للقضايا السابقة المرفوعة ضد فيسبوك والفضائح التي كشفها الكثير من العاملين السابقين بالشركة فمن غير المتوقع أن تتم إدارة ذلك المشروع الطموح بشكل عادل 100%.

في النهاية، علينا ألا ننسى أن تلك الخطوة التي اتخذتها شركة Facebook سابقًا وMeta حاليًا تأتي بعد سنوات من القضايا التي تشكك في مدى مشروعية طرق فيسبوك في الإعلان وجمعه للمعلومات. آخرها الموضوع الذي يُشاع كونه السبب في عطل فيسبوك وجميع التطبيقات التابعة له في مطلع شهر اكتوبر.مهما كانت الأفكار رائعة على الورق، لا شك وأنها تحمل في طياتها بعض العيوب التي سرعان ما سيتم تجاوزها كما فعلت البشرية دائمًا، لأن مهما كنا متشائمين علينا أن نعلم جيدًا بأن كل مشروع جديدة دائمًا ما يكون له إيجابياته وسلبياته، وأي شركة تهدف أولًا لتحقيق الربح، وليس لمصلحة المستخدم. وتوقع أن ما أن بدأت Meta هذا المجال ستجد الكثير من الشركات تنضم إليها، لأنهم لا يحبون أن “تفوتهم المتعة “ولن تصبح Meta هي الشركة الوحيدة.

Mostafa Argoun

رئيس التحرير ومدير المحتوى بالموقع،أحب ألعاب الفيديو منذ زمن بعيد، وأول لعبة قمت بتجربتها كانت لعبة فيلم هرقل (Hercules) علي الحاسب الشخصي. أحب ألعاب الRPG وخصوصًأ التي تهتم بالقصة وتفرعاتها، ولا مانع من ألعاب اللعب الجماعي التي تقدم شيئًا جديدًا، وتحترم وقت اللاعبين. أعمل في صحافة الألعاب منذ عام 2012 وأحب الكتابة كهواية جانبية.
زر الذهاب إلى الأعلى