مقالات

من حادث دراجة نارية إلى “إلدن رينج”: إليك قصة تأسيس استديو FromSoftware

بعد الرحلة التي خضناها في عقل هيديتاكا ميازاكي، حان وقت مغامرة جديدة حول تاريخ الاستديو الذي يرأسه حاليًا، استديو فروم سوفتوير FromSoftware. هذا الصرح العملاق الذي يتصدر المشهد كلما أعلن عن شيء جديد، والذي يُصنفه الكثيرون على أنه أفضل استديو لتطوير الألعاب، ليس فقط في عصرنا الحالي، بل في تاريخ الصناعةٍ كلها.

فهذا الاستديو يُنسب له الفضل في تطوير تصنيف فرعيّ كامل من ألعاب الـ RPG يُسمى تصنيف ألعاب السولز، وهذا التصنيف الشهير يُعرف بتجبره وهيمنته فيما يتعلق بمستويات الصعوبة، وتصميم المراحل والعوالم، فضلًا عن عُمق قصصه وتشعبها.

قد يُعتبر محبو استديو FromSoftware أن انطلاقته الحقيقة كانت عند وضع حجر الأساس لتصنيف السولز بعنوانه المُتحِف Demon’s Souls على أجهزة البلايستيشن 3 في عام 2009، ولكن الصورة الكاملة أكبر من ذلك بكثير، وهذه الصورة الكاملة هي ما نطمح لعرضه اليوم؛ فالأسطر القادمة لن تركز على ألعاب السولز بقدر ما ستركز على تاريخ الاستديو ونشأته، منذ اليوم الأول الذي سمعنها به وحتى تربعه على عرش الصناعة بفضل Elden Ring وغيرها من ألعاب نفس الفئة.

من “السوفت وير” إلى الجيمنج وسبب النشأة العجيب

عندما سمعت بهذا الاستديو لأول مرة، تعجبت من اسمه وسألت نفسي: لماذا FromSoftware بالتحديد؟ وأنا متأكد أنني لست الوحيد الذي تساءل، فما علاقة “السوفتوير” بألعاب الفيديو؟ ألم يكن من الأولى أن يصبح الاسم “FromGaming” أو شيء من هذا القبيل؟

اتضح لي فيما بعد أن هذا الاستديو العظيم صاحب أقوى الألعاب في التاريخ -بالنسبة للكثيرين- بدأ في عام 1986 كمكتبٍ مختص بتطوير برامج السوفت وير! ولكن بسبب التخبطات التي مر بها، قرر أن يغير مساره الوظيفي كطالبٍ يئس من الهندسة واتجه إلى التجارة متأثرًا بصيحة “الكارير شيفت” وطوّر أول ألعابه في عام 1994.

العجيب في الأمر أن الاستديو تأسس بسبب حادث دراجة نارية! نعم، ففي عام التأسيس -عام 1986- تعرّض رجل يُدعى Naotoshi Zin إلى حادث مؤلم جعله طريح الفراش، وعلى ما يبدو أن العيب كان بدراجته النارية، ودليل ذلك أن شركة التأمين دفعت له تعويضًا كبيرًا احتار صاحبنا في كيفية الاستفادة منه، وبالضبط، كما توقعت، أسس بالمبلغ ما سيُوصف مستقبلًا بأفضل استديو لتطوير الألعاب في التاريخ.

King’s Field: أولى ألعاب السولز غير الرسمية

بحلول عام 1994، بدأت الأقراص المُدمجة/ الأسطوانات CDs بالانتشار وظهر أول كونسول من سوني؛ البلايستيشن 1 الذي غيّر الكثير من المفاهيم وكان نقلة نوعية وقتها، ولكن كان ينقصه شيء.. ألعاب الـ RPG.

استغلت FromSoftware نقطة الضعف تلك وأقنعت سوني بالتعاون معها لإطلاق لعبة RPG جديدة تُسمى King’s Field. وعلى عكس ألعاب الـ RPG المتعارف عليها وقتها والمشهورة بألوانها الزاهية وتوجهها الفني الشبيه بالأنمي الياباني، اتخذت أولى ألعاب FromSoftware منحًى مختلفًا وقدمت للاعبين تجربة تصويب من المنظور الأول يتعين عليهم فيها أن يخوضوا مغامرة في مملكة ملعونة دون أن تساعدهم اللعبة بالشكل المطلوب، ومن هنا اتضحت فلسفة الاستديو التي نعاني منها حتى يومنا هذا.

لم تكن هذه النوعية من الألعاب مُنتشرة في ذلك الوقت، ونادرًا ما كان اللاعبون يجدون أنفسهم في ذلك الموقف الذي لا يُحسد عليه أحد؛ فلعبة King’s Field كانت أكثر من مجرد لعبة شبيهة بـ dungeon hack (لعبة صدرت عام 1993)؛ إذ تطلبت من اللاعبين أن يعتمدوا على الاستكشاف أكثر من اللازم، فضلًا عن حل الألغاز وقتال الأعداء واكتشاف أماكن سرية خلال رحلتهم (مثلما سيحدث في ألعاب الاستديو المستقبلية). كل تلك الأمور كانت تحتاج صبرًا لم يطقه البعض، وفي نفس الوقت كان يعشقه الكثيرون.

بتطويره لهذه اللعبة، اتضح لنا أن استديو FromSoftware يُحب المخاطرة ويركز على ما ينقص صناعة الألعاب، ولحسن الحظ أن هذه المخاطرة آتت أُكلها؛ فعلى الرغم من أن King’s Field لم تزر أمريكا الشمالية قط، إلا أنها حققت نجاحات كبيرة وباعت عددًا جيدًا من النُسخ أشعل الحماس في قلب الاستديو وسوني لنرى جزءًا ثانيًا، بل وثالثًا من King’s Field في عامي 1995 و1996 على الترتيب.

Armored Core وبداية الشهرة

 في عام 1997، وبعد تحقيق كل النجاحات الممكنة من سلسلة King’s Field، أصدر استديو FromSoftware الجزء الأول من السلسلة التي ستصبح ثاني أكبر سلاسل ألعاب الاستديو، وهي الغنية عن التعريف Armored Core.

ومن الأراضي المظلمة والملعونة إلى مستقبلٍ تسيطر فيه الآلات على المشهد بصراعاتها والتحاماتها، قدمت FromSoftware نفسها للاعبين بطريقة جديدة ومختلفة لتكتسب شهرة جيدة وتضع حجر الأساس لنجاحات مستقبلية كبيرة.

ما ميّز Armored Core كان نظام التخصيص الذي أعطى للاعبين حرية كبيرة لبناء وتصميم الآلات حسب الرغبة، وذلك باستخدام عدد كبير من المكونات والأسلحة. تشابه نظام التخصيص مع ذلك الموجود بعناوين الـ RPG؛ فكل لاعب كان يستطيع أن يضبط أداء الآلات بالطريقة التي تناسب أسلوب لعبه وتكتيكاته المفضلة مما جعل اللعبة قابلة للإعادة مرات ومرات.

ومع دخول الألفية الجديدة، استمر الاستديو في إنتاج المزيد من الألعاب المختلفة والمتنوعة مثل Lost Kingdoms وMetal Wolf Chaos وEternal Ring (مع مطلع البلايستيشن 2) وغيرهما، بيد كما لو أن الاستديو كان يبحث عن شغفه ويريد الاستقرار على فئة من الألعاب ليُظهر فيها إمكانياته الحقيقية.

وصول هيديتاكا ميازاكي وبداية ألعاب السولز

وبحلول عام 2004، وصل العبقري ميازاكي إلى أبواب الاستديو (كمبرمج ومُخطِط ألعاب game planner ومصمم) وعَلِم بأن FromSoftware تطور لعبة RPG جديدة، ولكنها تواجه مشاكل عدة، فقرر أن يتدخل فورًا ويصمم شيئًا يبني على النجاحات التي حققتها سلسلة King’s Field، وهذا الشيء كان العنوان الذي نقل الاستديو، بل وصناعة الألعاب، إلى مكانة أسمى. نحن في حضرة Demon’s Souls يا سادة!

واجهت Demon’s Souls تحديات مستعصية وقوبلت باستهجان كبير قبل أن تنفجر من النجاحات. لك أن تتخيل أن رئيس استديوهات سوني في ذلك الوقت جرّب اللعبة لمدة ساعتين وعَلِقَ في منطقة البداية فاستشاط غضبًا ووصف اللعبة بأنها هُراء وبأنها غاية في السوء، وبسبب تصريحه هذا وغيره من التصريحات والآراء المشابهة، قررت سوني ألّا تُطلق اللعبة عالميًا، وهذا ما ندمت عليه لاحقًا.

فالناشران الشهيران Atlus وBandai Namco امتلكا وجهة نظر مغايرة لسوني ونشرا اللعبة في أوروبا لتلقى نجاحًا مبهرًا وتبيع أكثر من مليون نسخة حول العالم في وقت قصير.

حفّز نجاح اللعبة FromSoftware على تطوير جزءٍ ثانٍ، ولكن هذه المرة بالتعاون مع بانداي نامكو بدلًا من سوني، وبسبب امتلاك هذه الأخيرة لحقوق اسم Demon’s Souls، تم الاتفاق على تغيير الاسم إلى Dark Souls التي استشفت الكثير من سابقتها على مستوى ميكانيكيات أسلوب اللعب وأضافت عليها، ولكنها جاءت بعالم مفتوح أكبر وصدرت على أجهزة البلايستيشن 3 وXbox 360، وبالطبع كانت تحت إخراج ميازاكي.

وكما نعرف جميعًا، نجحت Dark Souls وتم تطوير جزئين إضافيين منها؛ Dark Souls 2، والتي لم يخرجها ميازاكي هذه المرة وأدى نجاحها إلى ندم سوني بشكل كبير وجعلها تطلب من FromSoftware وهيديتاكا ميازاكي تعاونًا جديدًا للعمل على عنوان مختلف من ألعاب السولز وهو Bloodborne، والتي تُعد واحدة من أفضل حصريات البلايستيشن على الإطلاق وصدرت قبل Dark Souls 3 (التي عاد ميازاكي لإخراجها) بعام واحد فقط، أي في 2015.

من “سيكرو” إلى “إلدن رينج”

بعد نجاح Bloodborne وبيعها لأكثر من 2 مليون نسخة بنهاية نفس العام الذي صدرت به، حان وقت لعبة السولز الجديدة التي سيعمل ميازاكي على إخراجها كذلك، وهي Sekiro: Shadows Die Twice.

في البداية أراد الاستديو أن يستوحي عالم اللعبة من سلسلة ألعاب The Tenchu، وهي سلسلة أكشن ومغامرات تقع أحداثها في فترة اليابان الإقطاعية. طور استديو Acquire الياباني هذه اللعبة ونشرها كُلٌ من k2 LLC وFromSoftware، وفي الوقت الذي كان يخطط فيه الاستديو لتطوير سيكرو، كان يمتلك حقوق نشر The Tenchu بالفعل.

جاء ميازاكي ورفض فكرة أن يتم تطوير لعبة نينجا مبنية على عالم موجود بالفعل وأراد أن يُطور شيئًا فريدًا يُضرب به المثل ويُتَخَذ كمرجع لبقية ألعاب النينجا وليس العكس. وعلى الرغم من أن سيكرو تأثرت بسلسلة The Tenchu قليلًا على مستوى الميكانيكيات وأسلوب التخفي، إلا أنها بالمجمل كانت تجربة مميزة ومختلفة.

نجحت سيكرو كالمعتاد، وباعت ما يزيد عن الـ 5 ملايين نُسخة وحان وقت المشروع الأضخم والحائز على جائزة لُعبة العام 2022 متفوقًا على God of War.. إنها Elden Ring يا سادة.

تنويه: كنت أود أن أستطرد في الحديث عن ألعاب السولز المذكورة، ولكننا تحدثنا عنها في مقالات سابقة يُمكنك مراجعتها على موقعنا، ناهيك أن هذا المقال مُخصص للحديث عن تاريخ الاستديو بشكلٍ عام، وليس ألعابه.

أما الآن، فيستعد الاستديو الياباني العريق لإعادة إحياء سلسلة Armored Core بالإصدارة المنتظرة ARMORED CORE VI FIRES OF RUBICON، وذلك بعد غياب دام لأكثر من 12 عامًا. متحمسون للغاية لنشهد عودة ثاني أشهر سلاسل الاستديو، ومتحمسون أكثر لنشهد جديد الاستديو فيما يتعلق بألعاب السولز.

Ahmed Safwat

أتساءل إلى أين ستصل بنا التقنية في المستقبل، وأنطلق من هذا التساؤل إلى محاولات بائسة، ولكن شغوفة، للبحث عن الجواب من خلال كلمات عن الألعاب والتقنية.
زر الذهاب إلى الأعلى