مقالات

لماذا تمثل تايوان عصب التكنولوجيا العالمية؟!

تايوان، جزيرة بجنوب شرق آسيا، بتعداد أكثر من 23 مليون نسمة، تحدها الصين شمالاً، واليابان من الشمال الشرقي، والفلبين جنوباً. تأتي في المركز الحادي والعشرين عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي، والمركز 15 للقوة الشرائية للفرد، ومن ضمن اقتصادات دول النمور الآسيوية الأربعة بجانب كوريا الجنوبية وسنغافورا وهونغ كونغ.

تُعد تايوان دولة شديدة الأهمية لجميع دول العالم، فهي من أكثر الدول تقدماً في مجال التكنولوجيا، والمصدر الأساسي والأكبر لصناعة أشباه الموصلات، ونشأت على أرضها كبرى عمالقة التكنولوجيا مثل TSMC و Foxconn و MSI و Asus. فما أهمية تايوان حقاً، ولماذا تتصارع دول العالم للسيطرة عليها وخصوصاً الولايات المتحدة والصين؟

الصين وتايوان: هل يتم توحيد الدولتين مجدداً؟!

تايوان, الصين
Credit: Asia Times

نعم كما قرأت، تايوان كانت جزء من الصين! بدأت تبعية تايوان للصين عام 1683 عندما سيطرت عليها مملكة سلالة شينغ “Qing” في الصين حتى عام 1895 عندما تنازلت عنها لإمبراطورية اليابان، وفي عام 1911 قامت حرب أهلية على إثرها أطاحت جمهورية الصين بسلالة شينغ، وظلت تايوان تابعة لليابان حتى سيطرت عليها جمهورية الصين نيابةً عن دول الحلفاء بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية عام 1945. استمرت الحرب الأهلية حتى سيطرت قوات الحزب الشيوعي على الصين، فيما اقتصرت سيطرة جمهورية الصين على تايوان وعدة جزر صغيرة، وفي أوائل التسعينات تحولت جمهورية الصين من النظام الديكتاتوري للحزب الواحد إلى النظام الديمقراطي متعدد الأحزاب.

هذا سبب الصراع بين الصين وتايون، وتعمل الصين حالياً على ضم تايوان بالقوة والإكراه، لأنها ترى أن توحيد الدولتين هو الحل الأمثل، ولا يجب أن تكون الصين مُقسمة خصوصاً بعد محاولة هونغ كونغ الاستقلال عن الصين. حسب مسئولين في TSMC، فإن ما تفعله الصين غرض سياسي بحت وليس من أجل السيطرة على تصنيع أشباه الموصلات عالمياً، ولذلك فإن ما يحدث من تهديدات صينية عسكرية الآن والتلميح بأن مصير تايوان سيكون نفس مصير أوكرانيا ما هو إلا تمهيد لغزو صيني حتمي!

ما الذي تمثله تايوان من أهمية للعالم بأسره؟

تايوان

تايوان من أكبر دول العالم في الناتج المحلي ولها أهمية اقتصادية كبرى، كما أنها من أكثر الدول المتقدمة صناعياً، وذلك لأنها المصدر الأساسي لصناعة أشباه الموصلات كالدوائر واللوحات الإلكترونية، ومركز مهم لتصميم وتصنيع الحواسيب والهواتف الذكية، والكثير من عمالقة التكنولوجيا المعروفين شركات تايوانية. أهم هذه الشركات:

  • شركة TSMC: شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات، والتي تنتج الآن 90% من الرقاقات الإلكترونية شديدة التقدم بالعالم، وسنتحدث عنها بالتفصيل في عنوان مخصصة.
  • شركة MediaTek: إحدى أفضل الشركات التي تقوم بتصنيع الرقاقات الإلكترونية للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وشاشات التلفاز وأجهزة الاتصال اللاسلكية والملاحة والذواكر البصرية.
  • شركة Foxconn: تقوم بتصنيع 40% من المنتجات الإلكترونية بالعالم، مثل الهواتف الذكية لشركات Apple و Xiaomi و Google، ومنصات PS و Xbox و Nitendo، ورابع أكبر شركة تكنولوجيا من حيث الإيرادات بالعالم!
  • شركة Quanta Computer: المتخصصة في تصنيع الحواسيب لشركات كبرى أهمها Apple و Dell و HP و Microsoft و Amazon و Sony و Valve، ومن أكثر 500 شركة ثراءً بالعالم.
  • شركة MSI: تصمم وتطور وتنتج الحواسيب والشاشات وكروت الشاشة واللوحات الأم وأكياس الحواسيب والمبردات والذواكر ووحدات الطاقة، ومعروفة في مجال الإكسسوارات والحواسيب المخصصة للألعاب وتمويل الرياضات الإلكترونية.
  • شركة Asus: تنتج الحواسيب والهواتف الذكية وكروت الشاشة واللوحات الأم ومعدات الاتصالات والخوادم والذواكر، ومعروفة في مجال الألعاب بمنتجات ROG، ومالكة Pegatron لأجهزة Set-Top Box الشهيرة.
  • شركة Acer: متخصصة في الحواسيب والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية والشاشات والخوادم والذواكر وأجهزة الواقع الافتراضي والموصلات، وسادس أكبر بائعي الحواسيب عالمياً!
  • شركة GIGABYTE: أحد أكبر مصنعي الحواسيب والشاشات وكروت الشاشة واللوحات الأم والذواكر ووحدات الطاقة، ومن أكبر 20 شركة تايوانية عالمية كبرى.
  • شركة Cooler Master: تنتج أكياس الحواسيب ووحدات الطاقة وأجهزة تبريد الحواسيب، وكبرى الموردين لشركات Nvidia و AMD و EVGA، كما أنها تمول بطولات للرياضات الإلكترونية مثل Major.

TSMC: الشركة التي يعتمد عليها العالم بأكمله:

TSMC شركة تايوانية لتصنيع أشباه الموصلات، أُسست في عام 1987 بمدينة Hsinchu بتايوان، وتتداول أسهمها في بورصة تايوان وبورصة نيويورك، عاشر أكبر شركة من حيث القيمة السوقية بالعالم، وهي ليست أهم شركة في تايوان فقط، بل أهم شركة في العالم بأسره! وسأقوم بإثبات هذا خلال المقالة.

لكن ما سبب هذه الأهمية؟ عزيزي القارئ شركة TSMC أكبر شركة لتصنيع أشباه الموصلات بالعالم، وتتضمن أشباه الموصلات رقاقات السيليكون “Chips” والدوائر إلكترونية “IC” والترانزستورات. صناعة أشباه الموصلات ضرورية جداً وليست رفاهية، وذلك لأن أي جهاز إلكتروني يعتمد على الرقاقات الإلكترونية، بدايةً من الأدوات المنزلية مروراً بالأجهزة الذكية وصولاً إلى السيارات وسفن الفضاء، فتخيل معي ما سيحدث للعالم إذا اختفت شركات أشباه الموصلات خصوصاً TSMC و Samsung؟!

TSMC

تقوم TSMC بعمل بحوث علمية متقدمة وتصميم الرقاقات الإلكترونية وتصنيعها، وبشكل عام هذه الصناعة شديدة الصعوبة والتكلفة، وتحتاج إلى أجهزة ومعامل شديدة التقدم قيمتها مليارات الدولارات، وللعلم فشركة TSMC تنتج 54% من أشباه الموصلات بالعالم وتليها Samsung بنسبة 17%، كما أنها تنتج أكثر من 10,000 منتج لأكثر من 500 شركة أكبرها Apple التي تمثل 20% من جميع إيرادات TSMC، بالإضافة إلى شركات أخرى مثل Qualcomm و AMD و Nvidia، ومن المُتوقع اعتماد Intel على TSMC في تصنيع 20% من معالجاتها في عام 2023.

تمثل إيرادات TSMC من المعالجات بتكنولوجيا تصنيع بدقة 25nm-65nm حوالي 40%-65% من الإيرادات العالمية لهذه المعالجات، وذكرنا سابقاً أن حصتها في المعالجات الأكثر تقدماً تمثل 90% من هذه المعالجات في العالم. حالياً توفر TSMC معالجات بدقة تصنيع 4nm والتي رأيناها في معالجات A15 Bionic و Dimensity 9000 للهواتف الذكية، وقد أعلنت TSMC منذ عدة أيام عن تمكنها من تصنيع معالجات بدقة 3nm بتكلفة تصنيع مبدئية ستبلغ 15 مليار دولار، والتي سنراها عام 2023 في معالجات الهواتف الذكية الرائدة، وللعلم فكلما قل رقم دقة التصنيع زادت الكفاية وقل استهلاك الطاقة.

كارثة وجائحة والنتائج مدمرة!

قد تظن أن شركة عملاقة مثل TSMC لن تواجه أية صعوبة في تأمين الطلب العالمي على الرقاقات، ولكن هذا غير صحيح، فمع ظهور جائحة Covid-19 في أواخر عام 2019 وتأثر صناعة أشباه الموصلات بها في 2020، اضطر الكثير من الموظفين إلى العمل من المنزل، وتم إغلاق المدارس مؤقتاً في معظم دول العالم، واكتظت المستشفيات بمصابي فيروس كورونا. وكل هذا تسبب في زيادة الطلب العالمي على الأجهزة الذكية والمنزلية والطبية التي تستخدم كل منها عدة رقاقات إلكترونية.

أيضاً مع اتجاه الكثير من دول العالم إلى تطوير البنية التحتية للإنترنت واستخدام شبكات 5G بالدول المتقدمة، انفجر الطلب على تصنيع المعالجات بشكل كارثي، وخصوصاً بسبب تعاقد AMD مع TSMC لتصنيع معالجات Ryzen بدقة تصنيع 7nm بدايةً من عام 2019 ثم 5mm لاحقاً في عام 2022 مما ضمن تفوقها أمام Intel التي كانت تستخدم دقة 10nm ثم 7nm في عام 2021!

وللأسف حدث جفاف لتايوان، وهنا القشة التي قصمت ظهر البعير، وذلك لأن صناعة أشباه الموصلات تتطلب كميات هائلة من المياه فائقة النقاوة، والحصول عليها يتطلب أنظمة عملاقة لتبخير المياه وتصريفها بعد تلوثها في الصناعة، ودعني أوضح لك أن استهلاك معمل كبير للرقاقات من المياه في يوم واحد يوازي استهلاك مدينة بها 60,000 نسمة من المياه خلال عام! وهذا سبب وجود معامل تصنيع الرقاقات “Fabs” بالقرب من المياه، وخصوصاً على ساحل تايوان الغربي المجاور للصين، وهذه مشكلة أخرى نذكرها لاحقاً.

محاولات الصين للسيطرة على سوق أشباه الموصلات:

ذكرنا مسبقاً أن الصين تخطط لضم تايوان لسيادتها لأسباب تاريخية وسياسية، ولكن الواقع يؤكد بأن الصين ترغب في تايوان لأسباب اقتصادية وتكنولوجية، وقامت بتهديد الولايات المتحدة بمهاجمة أي قوات أمريكية تدافع عن تايوان، كما قامت في أواخر عام 2021 بإرسال 13 طائرة حربية وقاذفتان نوويتان لاختراق المجال الجوي لتايوان! حكومة الصين أيضاً قامت بشراء الكثير سفن الصيد مما وُصف بأنه استعداد للزحف على تايوان، والأسوأ أن معامل TSMC المهمة على الساحل الغربي لتايوان أي في مواجهة الصين، وبالتالي فأي غزو صيني لتايوان سيبدأ في هذه المنطقة، ولن يتجرأ حلفاء تايوان على قصف المنطقة، لأن تدميرها سيتطلب بناء معامل جديدة تستغرق سنوات! أتدرك الكارثة يا صديقي؟

الصين متأخرة كثيراً عن كل من تايوان وكوريا الجنوبية في تصنيع أشباه الموصلات، ولديها شركات لتنصيع أشباه الموصلات أهمها SMIC، ولكنها متقدمة في تصميم أشباه الموصلات بشركات مثل HiSilicon و ZTE و OmniVision والناشئة UNISOC. قبل عام 2020 خلال خمس سنوات حققت الصين إيرادات 13 مليار دولار من الرقاقات الإلكترونية أي 3.8% من المبيعات العالمية فقط، وفي عام 2020 حققت نمو سنوي 30.6% بإيرادات 39.8 مليار دولار مما مكنها من الحصول على 9% من سوق أشباه الموصلات العالمي، وإن استمرت بهذا المُعدل خلال ثلاث سنوات أخرى ستحقق إيرادات سنوية بقيمة 114 مليار دولار أي 17.4% من سوق أشباه الموصلات. الصين لم تكتف بهذا بل استثمرت في عام 2020 أكثر من 35.2 مليار دولار، وتهدف إلى تحقيق اكتفاء ذاتي بنسبة 70% من الرقاقات التي تستخدمها.

الولايات المتحدة تدرك أن غزو الصين لتايوان مسألة وقت!

الولايات المتحدة تعلم جيداً أن الصين لن يهدأ لها بال إلا إذا قامت باحتلال تايوان، وكابوسها أن تسيطر الصين على تايوان وتحتكر صناعة أشباه الموصلات قبل أن تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها من إيجاد بديل غير TSMC أو أن تقوم الشركة بالاستثمار في الولايات المتحدة واليابان لإنشاء معامل أخرى بعيداً عن الصين وتايوان، وللعلم فالولايات للمتحدة تعتمد بشكل شبه كامل على TSMC في تأمين طلبات الجيش الأمريكي وحلفائه على الرقاقات الإلكترونية شديدة التفوق التي تُستخدم في معظم الأسلحة، والصين تعلم هذا جيداً، لذا فإن استيلاء الصين على تايوان بمثابة إعلان حرب على دول الحلفاء والخسائر ستكون قاسية! كانت تساهم الولايات المتحدة عام 1990 في صناعة أشباه الموصلات العالمية بنسبة 37%، ثم تقلصت هذه النسبة إلى 12% في عام 2020، ومن المتوقع أن تكون بنسبة 10% في عام 2030 إذا لم يتغير الحال. لهذا تسعى إدارة بايدن إلى تخصيص 50 مليار دولار على البحث والتطوير في صناعة أشباه الموصلات، كما طالبت لجنة الذكاء الاصطناعي الأمريكية بتخصيص 35 مليار دولار كحوافز لإعادة تنشيط هذه الصناعة بالبلاد، كما تعمل TSMC على بناء معمل جديد في أريزونا بمدينة فيونيكس بقيمة 12 مليار دولار، وسيتم افتتاحه في عام 2024 لتصنيع معالجات بدقة 5nm، إلى جانب تصنيع معالجات بدقة 2nm في تايوان.

لهذا عزيزي القارئ تُعد تايوان أهم دولة في العالم بدون مبالغة، وغزو الصين لتايوان ليس أمراً خاصاً بدول جنوب شرق آسيا فقط، بل سيؤثر على جميع سكان العالم، فكما وصف جورج بوش الأب أن أي شيء يحدث في دولة صغيرة يؤثر على العالم بأكمله، فإن غزو الصين لتايوان سيكون كارثياً خصوصاً إذا زاد التصعيد بينها وبين الولايات المتحدة. يجب أن تعلم جيداً أن التكنولوجيا أقوى من السلاح، ومن يتفوق فيها يقود العالم!

Mohamed Tahazohier

رئيس قسمي التقنية والهاردوير في Games Mix ومدير محتوى بفروعها. خبرة تفوق 5 سنوات في التقنية وخصوصاً الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب. مهتم بصناعة الألعاب، ومحب لألعاب الشوتر والخيال العلمي. مؤسس صفحة تطبيقك على فيسبوك.
زر الذهاب إلى الأعلى