شهريًا، أكثر من مليار شخص حول العالم يستخدمون تيك توك بشكل نَشِط، وهذا الرقم يختص بالعدد المتفاعل الدؤوب على التطبيق، وبالتأكيد هناك عددًا آخر من الأشخاص الذين لا يداومون عليه، وهذا من حسن حظهم!
دائمًا ما نحذر من مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي والاستخدام السلبي للتكنولوجيا وتطبيقاتها. مشاكل الإدمان متعارف عليها، ومشاكل إضاعة الوقت لا تخفى على أحدكم، ولكّن الأمر تطور إلى المتلازمات النفسية والاضطرابات العقلية، وخصوصًا عند الفتيات؛ أصبحوا يعاونون من تشنجات لا إرادية، وحتى من متلازمة توريت- المتلازمة التي تعاني منها المغنية بيلي أيلش.
ما هي متلازمة توريت؟
لسنا موقعًا علميًا، ولكن صدقني؛ هذا مدخلٌ مهم جدًا لإدراكك الكامل للصورة واستيعاب الأزمة التي وصّلتنا إليها تطبيقات وسائل التواصل عمومًا، وتيك توك خصوصًا.
أولًا ما هي المتلازمة؟ ببساطة هي مجموعة من الأعراض والتأثيرات السلبية العقلية التي تظهر مُجتمعةً معًا بالتزامن (باللوكشة كما نقول نحن المصريون)، ولهذا السبب سُميت مُتلازمة أو Syndrome (مشتقة من كلمة يونانية تعني بالتزامن).
قد تحدث المتلازمة إما نتيجة عوامل وراثية أو أمراض في المناعة الذاتية، لا تُعد المتلازمة مرضًا، ولكنها تستوجب زيارة الطبيب بشكل دوري. وبالطبع كل متلازمة ولها تأثيرها الخاص على الجسد.
هناك عشرات المتلازمات مثل متلازمة كيندلر، ومتلازمة داون، ومتلازمة توريت محور حديثنا اليوم.
أما عن متلازمة توريت (إحدى أعراض التشنجات العصبية)، فهي اضطراب يصيب الجهاز العصبي ويتسبب في تشنجات لا إرادية وأصوات غريبة وغير متوقعة، وفي بعض الحالات النادرة قد تصل إلى ألفاظ نابية. عادة ما تصيب هذه المتلازمة الأطفال من سن 12 إلى 14 سنة، ومن يُصاب بها تكون فرص إصابته بفرط النشاط أو الوسواس القهري أو صعوبة التعلم أعلى من غيره. أشهر المصابين بهذه المتلازمة هي المغنية الشابة بيلي أيلش، ويبدو أن الآلاف أُصيبوا، وسيصابون بها بسبب تيك توك.
تيك توك: وما ذنبي؟
وفقًا لصحيفة The Wall Street Journal، فمنذ مارس 2020، والمختصون من الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وأستراليا، والمملكة المتحدة يتلقون أفواجًا من المرضى الصغار يبحثون على علاج للتشنجات اللاإرادية.
ووفقًا للأطباء أيضًا، فالكثير من المرضى كان بينهم شيئًا مشتركًا؛ وهو أنهم شاهدوا فيديوهات على تيك توك لأشخاص يقولون إنهم مصابين بمتلازمة توريت، وهذه المتلازمة إحدى أعراض التشنجات اللاإرادية.
مئات الآلاف من صناع المحتوى على تيك توك يصورون أنفسهم وهم يصفعون وجوههم (كحركات مضحكة)، ويتبوؤون بألفاظ غير مُعتادة، ويصفقون بأعلى جهد، وكل هذا من أعراض المتلازمة. لك أن تتخيل أن عدد الفيديوهات التي تحمل هاشتاج توريت #Tourettes تخطى الخمسة مليارات مشاهدة.
وباء داخل وباء Pandemic Within a Pandemic
هكذا وصف بعض الباحثين التطبيق. شخصيًا عندما رأيت تلك الجملة، شعرت بشيء من الخوف، شيء دبًّ في نفسي بُغضًا للتطبيق أكثر مما كنت أبغضه في البداية. أتدري يا صديقي ما معنى كلمة وباء؟ فيروس كورونا هو أقرب مثال. الوباء يقتل الملايين؛ وباء الطاعون الأسود قتل حوالي 150 مليون شخص. الإنفلونزا الإسبانية قتلت أكثر من 30 مليون شخص. كورونا قتلت أكثر من 20 مليون شخص.
قد تعتقد أنني أهول من وقع الأمر، ولكن تذكر أن هذا وصف الباحثين؛ باحثين علميون لا يميلون إلى المغالاة نشروا هذا البحث في مجلة علمية مرموقة.
كي لا أفتري على التطبيق يجب أن تعرف أن تيك توك ليس مصدرًا مباشرًا للمتلازمة، فهو ليس طفرة جينية، ولكن يمكننا القول إنه “العرض الأساسي لهؤلاء الأطفال”. يقول الدكتور أليسون ليبي، وهو طبيب أطفال نفساني وأستاذ في جامعة كاليفورنيا: “إن تيك توك لا يخلق الشعور بالوحدة، والتدني في المستوى الدراسي، بل وحتى الكدمات التي وجدناها على المرضى، ولكنه عرض جانبي من أعراض القلق والاكتئاب، بل وحتى الأزمات النفسية”.
وتابع، بتصرف: “إدراكنا لمشاكل وسائل التواصل الاجتماعي، وأنها سبب رئيسي من أسباب تلك المشاكل، يمكن أن يساعد المراهقين في العثور على الراحة، ويبعدهم عن التشنجات اللاإرادية”.
تيك توك: يبدو أنني السبب!
بالعودة إلى أغسطس 2021، سنرى أن الأطباء وضعوا نظريات تختص بتأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين وأنها تتسبب في أعراض وسلوكيات شبيهة بهؤلاء الذين شُخصوا بمتلازمة توريت.
ركز هنا، وجدت بعض الدراسات أن احتمالية إصابتك بعَرض “بذاءة الكلام” أو coprolalia -عرض موجود في 10% من مصابي متلازمة توريت- أقل من احتمالية إصابتك بتشنجات لا إرادية -عرض آخر لمتلازمة توريت- ناتجة عن فيديوهات التيك توك.
خرج مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها CDC، بدراسة تقول بوجود علاقة طردية بين ارتفاع نسب مشاهدات فيديوهات وسائل التواصل الاجتماعي ذات “محتوى التشنجات والحركات الغريبة تلك” وارتفاع حالات الفتيات المراهقات في المستشفيات.
دراسة أخرى من مجلة طب وصحة الأطفال في أستراليا: على الرغم من أن نسبة فلكية من ارتفاع أعداد مرضى التشنجات اللاإرادية تعود إلى فيروس كورونا، إلا أن 18% من الأسباب تعود إلى تعرض المصابين لهذا المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي.