لا شك أن تطبيق TikTok هو أحد أشهر التطبيقات على مستوى العالم حاليًا، ومن بين الأكثر تحميلًا على مر التاريخ.
البداية الفعلية للتطبيق كانت في أغسطس 2018، عندما قررت الشركة الصينية ByteDance، وهي الشركة الأم للتطبيق، أن تشترِ شركة الفيديو الناشئة Musical.ly وتدمجها مع تطبيق آخر ليخرج علينا في النهاية ما يُسمى بـ TikTok الذي قلب موازين المحتوى المرئي رأسًا على عقب وغيّر من طريقة تفكير الكثيرين مثل مؤسس فيسبوك نفسه، مارك زوكربيرغ.
هناك أكثر من 2 مليار شخص قد حملوا التطبيق، وهذا الرقم لو تعلمون عظيم؛ فهو تقريبًا يمثل أربعة أضعاف عدد التحميلات لكل من تويتر وسناب تشات مجتمعين. وصل الحال بنجوم التطبيق إلى مكاسب تخطت الـ 5 ملايين دولار سنويًا، وأصبح TikTok الوجهة الأولى لمئات الآلاف من صناع المحتوى، إن لم يكن لعشرات الملايين. تأثير التطبيق والمحتوى الخاص به أثار من القضايا ما لا يسعنا لذكرها.
أفظع القضايا التي وُجهت نحو التطبيق كانت تلك المتعلقة بمسألة خصوصية المستخدمين والتجسس عليهم؛ فعندما تمتلك هذا العدد الهائل من المستخدمين، تصبح لديك خزائن لا تنضب من البيانات، وبالتالي يمكنك أن تسيطر على العالم، على الأقل العالم الرقمي. مشاكل الخصوصية تلك جعلت دولًا تقاضي شركة TikTok الأم.
في عام 2020، حظرت الحكومة الهندية التطبيق، وفي الغرب، حظر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب TikTok، وهذا قبل أن يعيده جو بايدن لاحقًا. واجهت الشركة أيضًا بعض القضايا في المملكة المتحدة وغيرها، ولكن على الرغم من كل تلك الأمور الشائكة، نفى التطبيق إمكانية الوصول إلى بيانات الأشخاص.
ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، ولا تصدق ما يقال لك دائمًا يا عزيزي. فتطبيق TikTok -مثله مثل Facebook وInstagram- يحصل على المال من خلال الإعلانات، وتلك الإعلانات بالإضافة إلى خوارزميات ما يقترحه عليك التطبيق، تتطلب قدرًا هائلًا من المعلومات التي يجدر معرفتها عنك، وبالتالي، فإنه يتجسس عليك!
ما الذي يعرفه TikTok عنك؟
بمجرد دخولك على الموقع، سيجمع TikTok معلوماتك الخاصة حتى ولو لم تكن تمتلك حسابًا عليه. هذا الأمر يتم عن طريق “الكوكيز” والأدوات الأخرى. وإذا أنشأت حسابًا عليه، سيتمكن الموقع أيضًا من جمع بيانات نشاطاتك المختلفة، وما تفضله وما تبغضه بناءً على التحليلات الصادرة من مقاطع الفيديو التي تشاهدها فقط.
نوع الجهاز الذي تستخدمه، وموقعك الخاص، وعنوان بروتوكول الإنترنت أو الـ IP Address، وما تبحث عنه أو السجل الخاص بك، ومحتوى الرسائل، وما تشاهده والمدة التي تشاهده فيها، ومن أهم ما يستغله التطبيق ضدك هو طريقة تفاعلك مع الإعلانات المختلفة. وعن طريق تلك المعلومات السابقة، يستنتج الذكاء الاصطناعي الخاص بالتطبيق عمرك، وجنسك، واهتماماتك المختلفة، وحتى بصمات أصابعك وبصمات وجهك.
قيمة تلك البيانات بالنسبة إلى TikTok والمعلنين لا تُضاهى، فمن خلالها يتم تسخير نوعية الإعلانات المحببة لديك والتي قد تجذبك رغمًا عن أنفك لتشتريها، والأمر أعمق بكثير من أن يُناقش. مشاهدتك لفيديو ما إلى النهاية وإعجابك به، يعطي التطبيق مؤشرًا ويساعده كثيرًا في اصطيادك بنوعية الإعلانات المفضلة لديك.
كيف يمكن لـ TikTok أن يعرف تلك الأشياء عنك؟
عند بداية تسجيلك في التطبيق، ترى سياسة خصوصية TikTok الواضحة، وهذا يتجلى في سؤالك عن بريدك الإلكتروني أو رقم هاتفك وتاريخ ميلادك. كل المحتوى الذي تسجله يحتفظ به التطبيق، وكل البيانات المتعلقة بذلك المحتوى تُحفظ كذلك؛ تلك البيانات قد تكون متى، وأين، وكيف سجلت هذا المحتوى، إلخ. أيضًا إذا سجلت بحساب الفيسبوك خاصتك، فسيتمكن التطبيق الصيني من الحصول على بيانات الفيسبوك خاصتك.
عندما تنسخ أو تلصق أي محتوى من التطبيق وتشاركه مع أي شخص، حتى لو كان يستخدم تطبيق آخر أو تطبيق طرف ثالث، وسواء كان ذلك المحتوى مرئيًا أو سمعيًا أو نصيًا، فإن نسخة منه يتم تخزينها لدى الشركة الأم.
يُخفي TikTok نوعية البيانات التي يشاركها كما يخفي أيضًا الطرف الذي يشاركها معه، ولهذا يمكن لأي شيء عنك أن يكون بين أيادٍ لا تريد لها أن تصل لمعلوماتك.
نوعية التصريحات التي يتطلبها منك التطبيق مثيرة للريبة، وعلى الرغم من أن السماح لتطبيق يعتمد على مقاطع الفيديو بالوصول إلى الكاميرا ومسجل الصوت يُعد أمرًا طبيعيًا، إلا ان TikTok لا يتوقف عند هذا الحد، بل يطلب منك أيضًا أن تزوده بموقعك عن طريق استخدام نظام تحديد المواقع أو الـ GPS، وكذلك يتطلب منك التطبيق السماح بالوصول إلى تطبيقات أخرى، وإلا فلن تستطيع الاستمتاع بكافة مزاياه.
كيف تعمل خوارزميات TikTok، وماذا تريد منك؟
طريقة عمل الخوارزميات هنا لا تختلف كثيرًا عن طريقة عملها في الكثير من المواقع الأخرى مثل فيسبوك أو يوتيوب أو إنستاغرام على سبيل المثال.
مثله مثل باقي التطبيقات، يهدف TikTok إلى إبقاء المستهلك لأطول وقت ممكن، ولهذا فإنه يحلل البيانات الصادرة عن انتقائك لمقاطع فيديو معينة، ويجعل تلك النوعية من الفيديوهات تظهر أمامك طوال الوقت، وبالتالي تستمر على التطبيق وقتًا أطول دون أن تشعر بالضجر. واختلاف نوعية مقاطع الفيديو التي تفضلها عن مقاطع الفيديو التي يفضلها غيرك، يجعل من الملف الشخصي الخاص بك مميزًا.
يستخدم TikTok الذكاء الاصطناعي وتقنيات تعلم الآلة أو Machine Learning (ML) لكي يعرف نوعية المقاطع التي تشاهدها ولماذا. وفي كل مرة تزور فيها المنصة، يتم تحديث قائمة الفيديوهات التي تظهر أمامك لكي تستمر بالمشاهدة لأطول وقت ممكن.
إذا كنت مهتمًا بالرياضة، ستظهر لديك فيديوهات رياضية، وإذا كنت مهتمًا بالمقاطع المضحكة، فلن يخذلك التطبيق، وهذا ببساطة لأنه يعرف ما تحب وما لا تحب. الأمر المخيف أن TikTok يعرف إذا ما كنت مُحبطًا أم لا، وهذا وفقًا لتقرير نُشر في The Wall Street Journal. يمكن للخوارزميات أن تقودك إلى مقاطع فيديو مؤذية لم تتم مراجعتها من قِبل المديرين ومدة مشاهدتك لتلك المقاطع تحدد مدى ضجرك أو إحباطك من الحياة بشكل أو بآخر.
كيف يمكنك إيقاف التطبيق من جمع بياناتك؟
إن كنت تريد الاستمتاع بكل مزايا التطبيق، فلسوء الحظ، لن أستطيع أن أفيدك هنا وستضطر إلى إعطاء TikTok ما يريد أن يعرفه عنك. أما إذا كنت تريد التضحية ببعض المزايا، فهاك أحد الحلول.
هذا الحل يكمن في إيقاف الإعلانات المخصصة لك، وهذا يتم عن طريق الذهاب إلى Me ثم الضغط على النقاط الثلاث (…) أعلى يمين أو يسار الصفحة لكي تفتح الإعدادات. اذهب إلى الخصوصية أو Privacy، ومن ثم اختر الأمان أو Safety، ثم التخصيص أو Personalise، ومن ثم أغلق البيانات أو Turn Data Off.
يمكنك أيضًا أن تر البيانات التي يعرفها التطبيق عنك بالفعل، وهذا عن طريق الذهاب إلى الملف الشخصي أو الـ Profile الخاص بك، ومن ثم تضغط على الثلاث نقط (…) وتفتح الإعدادات مرة أخرى. اذهب إلى الأمان مجددًا ثم التخصيص واضغط على البيانات أو Data، ومن ثم قم بتحميلها عن طريق الضغط على Download TikTok Data.
هناك خطوة مهمة أيضًا وهي تخصيص البروفايل أو حسابك الشخصي عن طريق الذهاب إلى الخصوصية (كما وضحنا بالأعلى) ومن ثم اضغط على Turn Private Account On.
جعل حسابك خاصًا سيمنع مشاركة بيانات مع الآخرين ومع التطبيق نفسه (بشكل جزئي)، وهذا وفقًا لويل ريتشموند، وهو أحد المتخصصين في التكنولوجيا والخصوصية.
لا تربط حسابك بالفيسبوك أو الإنستاغرام قدر المستطاع، واستخدم بريدًا إلكترونيًا فرعي باسم مستعار، وحاول أن تُشغّل VPN.
وفي النهاية، قد لا تكون شخصًا يهتم كثيرًا بمعلوماته، ويرى أنه لا ضرر في مشاركتها مع تلك التطبيقات، بل وتحب أن تشاركها طواعيةً منك لأن هذا الأمر سيحسن من تجربتك كما تدعى الشركات. قد يكون هذا صحيحًا، ولكن ما خفيّ أعظم!