من بعد الهند، والولايات المتحدة الأمريكية، وبقية الدول والكيانات الأخرى، قررت فرنسا أن تسير على نفس النهج وتحظر تطبيق تيك توك، ولكن على الموظفين العموميين فقط.
وفقًا إلى صحيفة لوموند، فإن الحكومة الفرنسية حظرت التطبيقات “الترفيهية” مثل تيك توك (بالطبع)، وتويتر، ونيتفلكس، وتطبيقات أخرى غيرهم تضمنت لعبة كاندي كرش! وهذا لأن هذه التطبيقات وأمثالها تمثل خطرًا على الأمن السيبراني؛ فهذه التطبيقات تُعرِّض بيانات الموظفين والإداريين -على حد سواء- للخطر.
إن كنت مُطلعًا في هذا الشأن، ستلاحظ أن تطبيق TikTok -من بين كل التطبيقات المذكورة- على وجه التحديد قد تم قذفه بكل الاتهامات الممكنة تقريبًا لدرجة أنه اتُّهم بأنه يُسبب متلازمة توريت (الاضطراب العصبي النادر الذي أُصيبت به بيلي أيليش)، وكنا قد خصصنا مقالًا لهذه القضية.
إذًا ما القصة؟ ما الذي يجعل الغرب يُعادي هذا التطبيق؟ هل لأن منبعه بُعبُع الغرب (الصين)؟ أم لأن هذا التطبيق يُمثل خطرًا على الأمن السيبراني كما ورد في صحيفة لوموند، والأمن القومي كما ورد في صُحف عدة؟
الهند والشرق ينبذان TikTok
في يونيو من عام 2020، حظرت الهند تطبيق تيك توك مُعزيةً السبب إلى المخاطر الأمنية التي قد يسببها خصوصًا وأنها كانت في خضم صراع عسكري مباشر مع الصين. هذا التهميش أدى إلى شهرة تطبيقات أخرى -مثل إنستاجرام- تبنت نفس فكرة الطُعم الذي يصطاد به تيك توك فرائسه، وهو “الريلز” أو مقاطع الفيديو القصيرة التي لا تتخطى الدقيقة تقريبًا.
شهد إنستاجرام وثبةً فيما يتعلق بعدد المشاهدات فور تصدره للمشهد إثر حظر التطبيق الصيني، ليقفز بذلك من الترتيب السادس في عام 2019 إلى الترتيب الأول في 2021 كأشهر تطبيق تواصل اجتماعي.
جديرٌ بالذكر أنه بحسب مجلة فوربس فإن تطبيق TikTok لا يزال قادرًا على جمع بيانات حساسة من المستخدمين حتى بعد أن تم حظره في الهند، وهذه البيانات تشمل مواقعهم، ومعارفهم، وسجلات بحثهم.
استكملت بعض الدول الأسيوية الأخرى مسيرة الهند في حظر TikTok، واختلفت الأسباب؛ فمنهم من حظر التطبيق لنفس التخوفات مثل باكستان وتايوان، ومنهم من حظره لأنه يَحُث على “الفُحش والابتذال” مثل أفغانستان بعدما سيطرت طالبان عليها.
الولايات المتحدة والغرب ينبذان TikTok
بالنسبة للغرب، بدأت الولايات المتحدة الحملة، وفي الواقع، كان دونالد ترامب هو أول من حاول أن يحظر التطبيق في عام 2020، ولكنه فشل، ليأتي بعده جو بايدن وتصل الأمور إلى أقصاها ويُحظَر التطبيق على كل العاملين بقطاع الحكومة، بل إن كريستوفر راي (مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI) قد حذَّر عامة الشعب من TikTok وقال إنه قد يُعرض الأمن الوطني الأمريكي إلى الخطر.
آخر المستجدات تتمثل في أن البيت الأبيض أمهل الهيئات الحكومية -مؤخرًا- 30 يومًا للتأكد من عدم وجود هذا التطبيق الذي وصفوه “بحصان طروادة للحزب الشيوعي الصيني” على أجهزة العاملين بهذا القطاع أو على أي من الأجهزة أو الأنظمة التابعة للحكومة.
ومثلما سارت بعض الدول الأسيوية على خُطى الهند، سارت كندا، بل والاتحاد الأوروبي كله على نهج الولايات المتحدة الأمريكية وحظروا التطبيق؛ فبعد إعلان أمريكا نبذها لـ TikTok، صرحت الحكومة الكندية بأن استخدام هذا التطبيق “غير مقبول”، ولا يجب على الموظفين أن يُحمِّلوه حتى في المستقبل.
ونفس الشيء بالنسبة للاتحاد الأوروبي؛ فالبرلمان هناك حظر TikTok نهائيًا على الموظفين، وتم العمل بهذا القرار يوم 20 مارس السابق، وكل من كان يستخدم هذا التطبيق أُجبر أن يحذفه فورًا.
هل TikTok يشكل خطرًا على الأمن القومي؟
في الواقع، لا يختلف TikTok كثيرًا عن هواتف الآيفون ومنتجات أبل (فيما يتعلق بالتلصص على خصوصية المستخدمين) على سبيل المثال، ولكن الفرق بين TikTok وبقية التطبيقات الأخرى، أن هذا المذكور أولًا هو أحد منتجات الشركة الصينية ByteDance، وهذه الشركة يُعتقد أنها متورطة في التجسس على مستخدمي منتجاتها، لماذا؟
لأنك لكي تستخدم TikTok مثلًا، عليك أن تعطيه صلاحيات غريبة جدًا لأسباب أنصحك ألا تحاول فهمها؛ فلك أن تتخيل أن هذا التطبيق يتتبع ضغطات أصابعك على لوحة المفاتيح، ويستطيع تحديد مكانك، ويعرف عما تبحث وماذا تريد. كل هذه المعلومات الحساسة من شأنها أن تودي بالولايات المتحدة أو تكسر شكيمتها إذا تم استغلالها بطريقة شيطانية.
وبحسب صحيفة الواشنطن بوست، فإن كل البيانات التي يجمعها التطبيق تُسلَّم إلى الحكومة الصينية، وتسلط الصحيفة الضوء على النقطة التي أثرناها بالأخير: إذا استُخدمت هذه البيانات ضد أمريكا، فإنها على الأقل ستقلب نتائج الانتخابات الأمريكية.
هل سيقضي الغرب على أنفسهم بأنفسهم؟
قد تسأل نفسك: ولماذا لا تقتلع الدول هذا التطبيق من جذوره بشكل كلي؟ الولايات المتحدة مثلًا، بما أنها العدو الأول للصين، لماذا لا تحظر التطبيق على كل الشعب الأمريكي ولا تجعل الأمر مُقتصرًا على العاملين بقطاع الحكومة فقط؟ الجواب هو الحرية يا عزيزي؛ فأمريكا هي بلد الحريات كما نعلم جميعًا.
تحمي المادة الأولى من الدستور الأمريكي (ومختلف دساتير الدول التي حظرت التطبيق على موظفيها) حرية التعبير والصحافة، ولا يمكنها أن تُجبر المواطنين على الاستغناء عن أي تطبيق كان إلا إذا تم تعديل الدستور أو صدر قرار من المحكمة لأي سبب كان.
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل ستستغل الصين تلك الحريات المُستشرية في الغرب عمومًا، وفي الولايات الأمريكية خصوصًا، لتلوي بها أذرعتهم؟ أم أن الغرب سينقذ المركب قبل أن يغرق؟ الأيام وحدها تستطيع أن تجيب على هذه التساؤلات.