تعتبر سلسلة Uncharted واحدة من أنجح سلاسل الألعاب على الإطلاق، ولإن النجاح يجعل منها نموذجًا يُحتذى به، هناك أسئلة تُطرح دائمًا، مثل متى بدأت السلسلة رحلة صعودها، وأي من أجزاءها كان بمثابة بداية ذلك النجاح الكبير، هذه هي الأسئلة التي نحن بصدد الحديث عنها اليوم، وفي معظم الأحيان لا تكون الإصدارة الأولى هي التي وضعت أسس النجاح للسلسلة، خصوصًا مع Uncharted التي لم يكن الجزء الأول فيها بروعة الأجزاء التي لحقته. في الجزء الأول من سلسلة مقالات “بداية الأسطورة تحدثنا عن لعبة GTA 2، واليوم نتحدث عن : Uncharted 2: Among Thieves.
مصادر الإلهام للسلسلة:
قد يبدو من المنطقي للجميع أن تحاول سلسلة ألعاب ما صنع تركيبة شبيهة بسلاسل أفلام المغامرات الأشهر في السينما الأمريكية، مثل Indiana Jones، ولكن الحقيقة هي أن الأمر ليس سهلًا، لأن ألعاب شخصية Indiana Jones نفسها لم تنجح نجاحًا كبيرًا ، على الرغم من استنادها على مصدر ناجح من الأفلام، ولكن صنع لعبة ناجحة يتطلب أن تكون “ممتعة”، ومٌرضية للاعبين على أكثر من صعيد، هذه الأصعدة تتضمن السرد القصصي، والشخصيات، والأحداث لأن ألعاب المغامرات لا تقدم قصص عميقة ذات مخزى، أو غموض كبير مثل الذي تقدمه ألعاب Remedy مثلًا، وإنما حبكة جذابة تتكشف تفاصيلها تدريجًا إلي الكشف الكبير الأخير الذي يقلب الموازين!
من الطبيعي أن تتبع لعبة مغامرات الأسلوب الخطي، والنمط المتكرر من تناوب الألغاز، والمعارك، والتنقل بين المنصات (Platforming)، فهذا هو الأسلوب التي تُكتب به قصص أفلام المغامرات الشهيرة، فهي تُكتب بطريقة (البداية – العقدة -الحل) وهو أسلوب معروف أيضًا بال(Pixar Formula)، وبما أنك بصدد كتابة قصة لعبة، عليك أن تضع بعين الاعتبار أن اللاعب يجب أن يكون له دور فعال في تخطي البطل للعقبات التي تواجه، ولهذا فإن Uncharted وعلى الرغم من أنها استوحت فكرتها من سلاسل أفلام أسلوب سرد قصصي بسيط، لكنها من أنجح الألعاب التي طبقته في الألعاب بشكل فعال، ومؤثر، يجعل منها فيلمًا تفاعليًا، ولعبة فيديو عظيمة، وقد ظهر كل ذلك في الجزء الثاني والذي أعتبره ذروة السلسلة للأسباب التالية.
الاسلوب السينمائي ل Uncharted لالذي فشل الكثير في التفوق عليه:
يبدأ الجزء الثاني بجملة اقتباس عن المُستكشف ماركو بولو يقول فيها:
I did not tell half of what I saw, for I knew I would not be believed
,وهو ما يعني: لم أُبلغ عن نصف ما رأيته في رحلاتي، لأنني أعلم أنني لن يتم تصديقي، ويتم استخدام هذه الجملة التي قيلت بالفعل لبناء الأحداث التي تأخذ اتجاه الخيال العلمي والفانتزيا في ثلثها الأخير. تأخذنا الرحلة مع شخصية نايثان دريك إلي البحث عن مدينة مفقودة تُسمى Shimbala في منطقة جبال التبت، وتتكون دائمًا القصة في السلسلة من رحلة بحث يشوبها الغموض، وتتكشف أسرارها تدريجيًا، وعادةً ما يكون هناك طرف شرير من المُرتزقة المتخصصين في بيع الآثار، يحاول الاستيلاء على اكتشافات الأبطال،وبيعها.
ولكن على النقيد من تصميم أسلوب اللعب، فإن السرد هنا ليس خطيًا، وإنما يعتمد على التحرك في الزمن إلي الأمام والخلف باستمرار، لسرد تفاصيل عن الشخصيات، وتشويق اللاعب بشكل رائع. وهو اسلوب اتبعه Naughty Dog لاحقًا مع ألعاب الكبري، وأهما لعبته الأخيرة The Last Of Us II، وقد كانت إصدارة Uncharted 2 هي أول لعبة للاستوديو يجرب فيها هذا الأسلوب الذي يصنح روح وهوية للشخصيات ويزيد من تعلقنا بهم.
مقاييس استوديو Naughty Dog من حيث الرسوم والأداء التمثيلي للشخصيات هي الأعلى من نوعها في الصناعة، فلا يوجد حتى الآن لعبة أفضل شكلًا من The Last of Us II على جهاز البلايستيشن 4، ولا يمكنني أن أنكر أن Uncharted 2 كانت تحفة تقنية ورسومية في وقت صدورها، وأن الأداء التمثيلي والصوتي للشخصيات لم يجعلني أقع في حبهم وأتعلق بهم خصوصًا وأن الجزء الثاني استكشف المزيد من جوانبهم، وقدم شخصية جديدة رائعة وهي Chloe Frazer والتي حصلت على لعبة مستقلة لها عن استحقاق تحت عنوان Lost Legacy.
هذه التركيبة القصصية من سرد سينيمائي، وبناء اللعبة على جانبي الخير والشر، ينتصفهما الاكتشاف الذي يتصارع عليه الطرفين، وكل ما يحمله ذلك الاكتشاف من أسرار هو الاسلوب الذي بنيت عليه تلك السلسلة فيما بعد واثبت نجاحه في جعل لعبة أكشن خطية واحدة من أمتع الألعاب ليس على صعيد أسلوب اللعب، وإنما القصة وسردها أيضًا.
قدمت أسلوب لعب بسيط لكن ممتع:
بين كل تفصيلة قصصية والأخرى، يأتي دور اسلوب اللعب لإشعارك بأنك تؤثر على هذا العالم، وتساهم في كشف اللغز، ومواصلة رحلة الأبطال، وفي الحقيقة فكما ذكرت سابقًا، الميزة الأكبر في Uncharted هو تقديمها لجوانب ممتعة على الرغم من تكرار أساسيات اللعب بين التنق والألغاز والقتالات.
تعتبر سلسلة Uncharted هي أحد أفضل السلاسل تقديمًا لجانب حل الألغاز في الألعاب، وربما يعتبرها البعض الأفضل في الألعاب الحديثة لأننا لم نعد نرا ألغازًا تجبرك على البحث والتركيز والتفكير لوقت طويل، وفي الجزء الثاني خصوصًا قدمت Uncharted بعض الألغاز السابقة لعصرها، والتي تجمع بين الصعوبة والإبتكار في تصميمها، ولم أشعر أبدًا أن الهدف منها إبطاء تقدم اللاعب أو مد عمر اللعبة كما هو الحال مع بعض الألعاب الآن.
قد لا يرى البعض بأن جانب الألغاز يستحق كل هذا التقدير مني، لكن دعني أخبرك بأن الألغاز في مطلع التسعينات وأوائل الألفية كانت أحد أهم عناصر الألعاب مع سلاسل ألعاب مثل Resident Evil و Silent hill، ولكنها سرعان ما تراجعت سعيًا من الشركات المطورة لتقديم ألغازًا أسهل، أو الاستغناء عنها تمامًا لتنال ألعابهم إعجاب شريحة أكبر من محبي الألعاب الإندفاعية، والتي توفر جرعة محددة من العنف والمتعة، لا يتم مقاطعتهما بالألغاز. وبالتالي فإن إقبال سلسلة جديدة نسبيًا علي جعل عنصر مثل الألغاز أساسيًا في تصميمها هو خطوة بلا شك جريئة!
شخصيات تحب أن تقضي معها وقتًا:
لا بد من الاعتراف أن شخصيات ألعاب Naughty Dog من أكثر الشخصيات التي تعلق في أذهان الجماهير العريضة من اللاعبين، بمختلف أعمراهم، وربما يعود السبب إلي خفه ظلهم، واللحظات الحماسية التي تضعنا اللعبة بها معهم، من مطاردات ومخاطر وأماكن غير متوقعة تأخذنا إليها اللعبة، مثل صحراء الربع الخالي في الجزء الثالث، والهيمالايا في الجزء الثاني باختلاف طبائع تلك الأماكن الجغرافية، والمخاطر التي تواجه شخصياتنا فيها.
كما أن السلسلة نجحت في سرد قصص على نطاق واسع وضيق، أما النطاق الواسع فهو مغامرة كل جزء، والنطاق الأضيق، هو القصص الإنسانية التي تشكل دوافع كل شخصية، وهي الأشياء التي لم تبدأ اللعبة في استكشافها سوى في الجزء الثاني. قصة الحب مثلًا التي نشأت بين Nathan و Elena، وتطور شخصية Chloe من شخصية تبحث عن مصلحتها أولًا، إلي شخصية تبحث عن ذاتها، وقد تم استعراض جانب إنساني نراه لأول مرة في إصدارة Lost Legacy، وهو ما زاد تعلق اللاعبين بها، فقد تحولت من مجرد شخصية ثانوية تلعب على جميع الأوتار للوصول إلي مصلحتها، وجدت طريقها لتكون شخصية تستطيع التفرقة بين الخير والشر، ولا تساعد الجانب الشرير أبدًا.
لقد قدم لنا استوديو نوتي دوج مجموعة ضخمة من الشخصيات من خلال سلسلتي The Last Of Us و Uncharted لا نستطيع نسيانهم، ولكن علينا أن نعي فضل لعبة مثل Uncharted 2 في بداية هذا الاتجاه الذي استمر حتى الآن مع الاستوديو.
في النهاية، تعتبر uncharted 2 الخطوة الفعلية الأولى في طريق مليء بالإنجازات الرائعة من استوديو ألعاب يبرع في تقديم ألعابًا سنيمائية، وممتعة تجمع بين المغامرة والقصص المؤثرة، وهي أيضًا من أفضل الاستوديوهات
