بعد انتهاء جيم مشوق في لعبتك المفضلة استطعت فيه التغلب على فريق الأعداء بفرق راوند واحد، تجد أن اللعبة قد كافئتك بصندوق يحوي عدد من البطاقات العشوائية، تفتحه فتجد أن حظك اليوم في أقصى مراحله، فأنت لم تكسب جيم وحسب، وإنما وجدت بطاقة نادرة جدًا تحوي زِيًا مميزًا لشخصيتك الأساسية أيضًا! فتبتهج وتقوم بتطبيق هذا الزي فورًا ليكون لك هوية مميزة بين أصدقائك مع مظهر قد يوحي للبعض بأنك جيمر محترف.
وسواء كنت قد حصلت على هذه البطاقة النادرة بشكل مجاني، أو دفعت نقودًا حقيقية للحصول عليها، ففي الحالتين أنت تسعى وراء اقتناء أزياء لا يمكن ارتدائها سوا داخل لعبتك فقط، ومع انتشار الألعاب الجماعية بشكل مهول، رأينا وسمعنا عن الكثير من اللاعبين بمختلف فئات السن، يقومون بدفع مبالغ غير هينة فقط لشراء تلك الأزياء والشخصيات الإفتراضية، فعلى سبيل المثال، وعندما كانت لعبة فورتنايت في ذروتها، سمعنا عن العديد من الأطفال الذين قاموا بإنفاق أموال آبائهم لشراء عملات الـ vbucks داخل اللعبة والتي تسمح لهم بصرفها لشراء الأزياء والشخصيات وغيرها.
والآن أريدك أن تتخيل معي لو أن تلك الأجواء الرقمية التي لا تتجاوز مجال الألعاب قد تطورت لتصبح واقعًا، فتجد أن الشبكات الإجتماعية التي تتفقدها قد اصبحت بنفس هذه البيئة، فيكون لك شخصيتك الخاصة على فيسبوك مثلًا فتقوم بشراء الأزياء لها وصرف نقود حقيقية على هذا الأمر لتعيش محاكاة لحياة إجتماعية تقوم فيها بشراء أزياء افتراضية لشخصيتك الافتراضية لتبهر أصدقائك الإفتراضيين، وعلى الرغم من أن هذا الوصف قد يبدوا كئيبًا بعض الشئ، إلا أن هذا هو معنى الـ NFT بإختصار!
NFT ليست مجرد أشياء افتراضية تقوم بشرائها
الرموز الغير قابلة للإستبدال (Non-Fungible Tokens) أو كما تعرف اختصارًا بـ “NFT” هي محتوى رقمي مبني على تقنية سلسلة الكتل (Blockchain)، مما يعني أنها أن تلك الرموز مشفرة بالكامل ولا يمكن نسخ أي كود برمجي منها، وبالتالي فإنه يمكنك تحويل أي محتوى رقمي تملكه (وليكن صورة حيوانك الأليف مثلًا) لرمز غير قابل للإستبدال وتحديد عدد النسخ التي ترغب في وجودها من هذا الرمز وليكن ثلاثة نسخ على سبيل المثال.
يمكنك بعد ذلك عرض تلك الرموز الفريدة من نوعها للبيع مقابل عملة Ethereum الرقمية، وفي حالة كنت محظوظًا بما فيه الكفاية لتتمكن من بيع تلك النسخ، ومازلت تحتفظ بالصورة الأصلية قبل تحويلها، فهذا لا يجعلها نسخة رابعة، فحتى وعلى الرغم من أن النسخة الأصلية والمشفرة سيكونان مطابقان تمامًا، إلا أن واحدة فقط منهما تحتوي على كود برمجي يثبت ملكيتك لهذا العمل دون إمكانية نسخه.
كل محتوى NFT هو محتوى فريد من نوعه ولن تجد منه نسختين على الكرة الأرضية
ولا حتى في الكواكب المجاورة، وهذه هي الفكرة التي تجعل هذا المحتوى المشفر ذو قيمة ضخمة، وفي نفس الوقت لا يمكنك استبداله إلا بمحتوى مشفر بنفس المستوى، فمثلا يمكنك استبدال كارد Grotle بلوحة موناليزا رقمية.
يمكن تحويل أي محتوى رقمي إلى NFT
على الرغم من أن انتشار الرموز الغير قابلة للإستبدال في نطاق الصور واللوحات الفنية والميمز، إلا أنه يمكن فعليًا تحويل أي محتوى رقمي إلى رمز NFT، فمثلا قام مغني الراب المغربي “ElGrandeToto” بعرض أغنية لم يكشف عنها رسميًا كرمز NFT، بل ومرفق معها فيديو شخصي أيضًا، بسعر أعلى طبعًا.
وكذلك سمعنا عن أرقام فلكية يتم صرفها في أغرب ما قد يختر على بالك، ولعل خير مثال على ذلك عندما قام المؤسس السابق لتويتر، جاك دورسي ببيع أول تغريدة تم نشرها على الموقع مقابل 2.9 مليون دولار، فقط لأنه حولها إلى رمز NFT وعرضها في السوق!
كذلك رأينا صاحب الميم المشهور Nyan Cat يقوم بعرض الملف الأصلي لهذا العمل بصيغة NFT ليتم بيعه فيما بعد بمبلغ 600,000 دولار!
إذن يمكننا تخيل الأمر وكأنه معرض لبيع اللوحات الفنية، فليس جديدًا علينا أن نرى لوحات فنية لا يمكن حتى رؤية المميز فيها تباع بملايين الدولارات من قبل هواة تجميع الفن، هذا كان أكثر الامثلة دقة لوصف معنى رموز NFT لأحدهم، ولكن ليس بعد الآن، فقد تطور الأمر وأصبح أكثر من مجرد بيع لمحتوى مميز، وإنما سيتحول قريبًا لأسلوب حياة، حيث تتجه جميع الشركات إلى الإستثمار في هذا المجال وعرض سلعهم التي تباع في أرض الواقع كرموز غير قابلة للإستبدال، تمهيدًا لعالم الميتافيرس التي أعلن عنه زوكربيرج والذي يعتبر ببساطة محاكاة للواقع الذي نعيشه.
سجلت شركة ملابس نايكي علامتها التجارية لبيع أحذيتها كمقتنيات NFT
صدمنا بهذا الخبر منذ 3 أشهر، تقريبًا، حيث قامت شركة نايكي بأول خطواتها لدخول عالم الميتافيرس، حيث قامت بالإستحواذ على استوديوهات RTFKT، المتخصصة في صناعة رموز NFT ووصفتها بـ”علامة تجارية رائدة تستفيد من أحدث الابتكارات لتقديم مقتنيات الجيل التالي التي تدمج بين الثقافة والألعاب.”
وحسب تصريحات رسمية من استوديهات RTFKT، فقد تمكنت في فبراير الماضي من بيع 600 زوج من الأحذية الواقعية مقرونًا بها نسخ NFT رقمية في خلال 6 دقائق من عرضها فقط، بإجمالي أرباح 3.1 مليون دولار، فلك أن تتخيل المستقبل الذي ينتظرنا وتهافت المستهلكين عليه مما سيجعلنا مجبرين أن نتعامل معه.
كذلك رأينا تويتر تدعم رسميًا استخدام مقتنيات NFT كصور شخصية
ومن هنا تصبح موضة مقتنيات NFT تلامس حياتنا بشكل مباشر، حيث فاجئتنا تويتر منذ يومين بالكشف عن دعمها لتلك الرموز، حيث ستتمكن من ربط حسابك في تويتر بمعرضك الذي يضم جميع مقتنيات NFT التي قمت بشرائها، لتسمح لك بتثبيتها كصورة شخصية لحسابك لتتباهي بما تملك من مقتنيات رقمية.
وقد رأينا بالفعل عدد من المشاهير يقومون بتغيير صور حساباتهم الشخصية على تلك المنصة بصور NFT، أغلبها يتمثل في صورة القرد الذي أصبح منتشرًا ومتعارفًا عليه كمقتنى NFT شعبي، ولعل من أبرز هؤلاء المشاهير، إيمنيم، سنوب دوج، ليل بيبي، بوست مالون، ومارشميلو. جدير بالذكر أن إيمنيم قد قام بإنفاق 450,000 دولار على رمز قرد يشبهه!
تويتر سيكون السبب الرئيسي في رواج مقتنيات NFT
وإن كنت لم تستنج هذا بعد، فبعد دعم تويتر لإضافة مقتنيات NFT كصور شخصية، أصبح يعلم الجميع بأمر هذه الرموز الغير قابلة للإستبدال، وستصبح منتشرة بشكل مهول في الفترة القادمة، بل وأصبحت تريند بالفعل أن يقوم الجميع بوضع صورة قرد كمقتنى NFT زائف، وبهذا تكون تلك المقتنيات قد دخلت حياتنا رسميًا، وإما ننضم لهم أو نحاول تجاهلهم، مع العلم أن الاختيار الثاني سيكون أكثر صعوبة مع الوقت، والسبب في ذلك أن الشركات التقنية ستجبرنا على الدخول في هذا العالم شئنا أم أبينا.
حياة رقمية بالكامل.. هل هذا هو المستقبل الذي نرغب به بوجود الميتافيرس ومقتنيات NFT؟
نحن على مشارف الدخول في مستقبل يتحكم فيه الأغنياء وأصحاب الثروات الطائلة، دون وجود فرص منصفة لغير المعروفين في المجتمع، وأسوأ ما في الأمر أن هذا التحكم سيكون إجباري لنا أن نعيش فيه، فإذا كنت شخصًا مشهورًا فيمكنك بيع أي مقتنى تملكه بثورات طائلة، أما إذا كنت غير معروفًا، فحظًا أوفر في البحث عن طريقة أخرى سهلة لجني الملايين.
ما ينتظرنا هو مستقبل يعتمد بالكامل على الميتافيرس، مع تجاهل الحياة الواقعية، وبالنسبة لعدد كبير منا، فإن منصات التواصل الإجتماعي واستخدام الهواتف الذكية أصبح يمثل إدمانا لنا، فما أدراكم إذا ذهبنا إلى الميتافيرس، حيث كل شئ رقمي ومحاكي بالكامل للحياة التي نعيشها!
ما ينتظرنا هو عزل كامل لنا داخل بيوتنا، في مشهد مشابه لما كنا عليه في زمن حظر كورونا، حيث الشوارع فارغة لا نسمع فيها صوت نملة، ولكن كانت فترة مؤقتة، أما القادم فهو المستقبل الذي سيتم سحبنا إليه.
إن مشروع الميتافيرس ومقتنيات NFT هو مشروع ربحي بحت، تقوم فيه الشركات بإبتكار طرق جديدة لسحب أموالنا، وأعتقد أن جنون لاعبين فورتنايت الذي تحدثنا عنه في بداية المقال هو خير دليل لما سنكون عليه عندما يتم تعميم الميتافيرس، فقد نرى العديد من المستخدمين يقومون ببيع كل ما يملكون، لشراء حذاء نايكي الرقمي ليرتدوه بشخصياتهم الإفتراضية.