لا مجال للمقارنة بين قدرات الكائنات الحية وبين الآلات، فالكائنات الحية من خلق الله ومصنوعة بمثالية لن تقترب الآلات منها مهما طال الزمن. بالرغم من تفوق الآلات في نقاط معينة على بعض الكائنات الحية، إلا أنها في النهاية أشياء مصمتة من صنع الإنسان محدودة القدرات معدومة الإرادة، وبالطبع لن تكون هذه الآلات أفضل من صانعها!
العين البشرية، إحدى أكثر الآلات العضوية تطوراً بين الكائنات الحية، وكيف لا تكون كذلك وهي كاميرا فائقة الدقة والإطارات ذات فتحة عدسة تتغير بشكل لا متناهٍ ومنقطعة النظير. عين الإنسان تتمتع بسرعة معالجة فائقة منعدمة التأخير تقريباً والسر وراء هذه السرعة جهاز المعالجة المتطور خلفها، ألا وهو المخ البشري. بهذه المقالة سنسلط الضوء على دقة عين الإنسان ومعدل إطاراتها.
العين البشرية كاميرا عضوية تعمل بطريقة فائقة الفاعلية ليس لها مثيل!
قبل أن تعرف دقة العين البشرية ومعدل تحديثها، يجب أن تعرف أولاً كيف تعمل هذه الآلة العضوية الخارقة. يمر الضوء عبر القرنية ليسقط على العدسة، فتقوم العدسة بتركيز الضوء عند نقطة في مؤخر العين اسمها الشبكية، بعد ذلك تقوم خلايا المستقبلات الضوئية بتحويل أشعة الضوء لإشارات كهربائية بينما تقوم الخلايا العصوية “Rods” والخلايا المخروطية “Cones” بالتقاط الحركة المرئية، وأخيراً يقوم العصب البصري خلف العين بإيصال الإشارات الكهربائية للمخ الذي يقوم بدوره بتحويل هذه الإشارات لصور، وهذا يتم بسرعة فائقة قدرها العلماء حسب صحيفة Daily Mail البريطانية خلال 13 جزء من 100 جزء بالثانية، وتذكر الرقم جيداً لأنك ستحتاجه لاحقاً.
لم تتوصل أي كاميرا قط لدقة العين البشرية، ولكن يبدو أن Samsung لديها رأي آخر!
حسب Discovery ونقلاً عن العالم Roger Clark، تبلغ دقة العين البشرية 576MP! ولكن لا تصل العين البشرية لهذه الدقة إلا عند نقطة التقاء العصب البصري مع الشبكية المعروفة باسم النقرة “Fovea”، ولكن عندما تلمح العين شيئاً بسرعة تنخفض الدقة لتكون بين 5MP و 15MP فقط. رغم أن العين لا تعمل بنفس طريقة الكاميرا ولا يمكن الحكم عليها قطعياً بعدد البيكسلات التي تعبر عن دقة الصور الرقمية، إلا أن الدقة هنا تستند لمجال الرؤية أو حجم الصورة التي تراها العين.
لم يتوصل الإنسان لابتكار كاميرا بدقة 576MP -تجارياً على الأقل- حتى الآن، وستجد أعلى دقة حالياً بدقة 200MP الموجودة ببعض الهواتف الذكية ذات مستسعر ISOCELL HPX من Samsung، ولكن العملاق الكوري كشف منذ عام بحدث SEMI Europe Summit أنه يستهدف صنع مستشعر بدقة 576MP بحلول عام 2025، وهذا ممكن نظرياً لكن سيكون حجم مستشعر بهذه الدقة كبير نسبياً وقد يستحيل استخدامه بالهواتف الذكية.
بالتأكيد العين هنا ليست مجرد كاميرا تقوم باستقطاب الضوء وتركيزه نحو مستشعر مكون من ملايين بالبيكسلات يقوم بتحويل الضوء لمجموعة من البيكسلات الملونة ليقوم معالج إشارات الصور “ISP” بدمجها ومعالجتها ومن ثم تخزينها على قرص صلب حقير، ولكنها أكثر تعقيداً من ذلك بكثير، إنها آلة بصرية مزودة بعتاد راقٍ مصمم للعمل تحت أي ظرف وتقوم بجمع أدق التفاصيل ونقلها للمخ الأكثر تطوراً في الكون ليقوم بتجميعها قبل أن ترمش بعينيك!
التساؤل عن معدل الإطارات الذي تراه العين يتضمن تشبيهاً ضمنياً للكون بلعبة فيديو عملاقة!
أثناء حقبة الأفلام الصامتة، كان يتراوح معدل الإطارات بين 16 و 20 إطاراً في الثانية، لهذا لم تكن الأفلام سلسة وطبيعية وعانت من التقطع. أما اليوم، فيحرص صناع الأفلام على ألا يقل معدل الإطارات بأي فيلم عن 24 إطاراً بالثانية، فمن المُعتقد أن عين الإنسان ترى الصور المتتالية كفيديو عندما يبدأ معدل إطارات الصور من 24 إطاراً بالثانية، وهذا أحد أسباب إعداد كاميرا الهاتف عند 24 إطاراً عند دقة 8K وليس أقل من ذلك!
يعتقد بعض الخبراء أن عين الإنسان ترى بمعدل إطارات لا يتجاوز 60 إطاراً بالثانية فقط، ولكن هذا اعتقاد عتيق نظراً لأن بعض الألعاب حالياً تعمل بمعدل إطارات يتجاوز 500 إطاراً بالثانية بدأت شركات تصنيع الشاشات مثل Asus بدعمها، ولا مجال للجدال بأن عين الإنسان تستطيع التمييز بين 300 و 500 إطاراً بالثانية، وهذا لم يكن ليحدث إذا كانت العين ترى بمعدل 60 إطاراً فقط! لقد ثبت أن عين الإنسان يمكن أن تكون حساسة لمعدلات وميض الضوء -وتسبب صداعاً- عند تردد يتجاوز 90Hz ولا يتجاوز 250Hz وليس بين 50Hz و 90Hz كما كان يُعتقد سابقاً.
نعود أدراجنا، حاول مجموعة من الباحثين في دراسة عام 2014 تحديد معدل الإطارات الذي تراه عين الإنسان العادي استناداً لمعدل تأخير معالجة الصور، هل تذكر الرقم الذي ذكرناها سابقاً؟ أحسنت، إنه 13 جزء من 100 جزء من الثانية أي 13ms، وهذا الرقم يُترجم لنحو 75 إطاراً بالثانية. لكن ليس كل البشر متشابهون فيمكن تمرين العين للرؤية بمعدل إطارات أعلى، وهذا ما يتميز به اللاعبون المحترفون والطيارون الحربيون، فقد تم إجراء اختبار لبعض الطيارين الحربيين الأمريكيين واستطاعوا رصد نقطة خلال جزء من 255 جزءً من الثانية أي بمعدل 255 إطاراً بالثانية، وربما قد يزداد المعدل بتدريبات أكثر تقدما!
يمكنك شراء كاميرا تدعم Slow Motion بمعدل 960 إطاراً بالثانية أو تدعم التصوير بالظلام الدامس أو تلتقط ألوانا أكثر من العين البشرية بأضعاف، وقد تظهر بالمستقبل القريب كاميرا بدقة أكثر من 576MP أو بعدسة سائلة تدعم فتحات عدسة غير متناهية مثل العين البشرية، ولكنك لن تجد كاميرا تجمع بين كل مزايا العين البشرية في آن واحد، وإن وجدتها فأي معالج هذا الذي يقترب من ربع أداء المخ البشري إن لم يكن أقل؟! وهذا يدعونا للتدبر في عظمة خلق الله كما في قوله تعالى: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)، وقوله: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ).