بعد أن كانت رمزًا للإبداع وملاذًا آمنًا للأطفال والتفاعل الاجتماعي، تحولت Roblox لأحد أكثر العناوين إثارةً للجدل في تاريخ الألعاب. بعد أن كان متوسط مستخدميها النشطين 190 مليون مستخدم في 2021، متفوقةً بذلك على Minecraft، تمرّغت سمعتها في الوحل وأصبحت مرادفًا لاستغلال الأطفال!
قبل أن نبدأ: تحدثنا في مقال سابق عن نفس الموضوع، ولكن نظرًا لتفاقم سمعة Roblox السيئة في الآونة الأخيرة، قررنا أن نتحدث بمزيد من التفاصيل.
نجاحٌ سريع، ولكن هش
بدأت القصة في عام 2006 عندما أُطلقت Roblox كمنصةٍ “تعليمية” بسيطة. في البداية كان الأمر عبارة عن محاكاة للمجسمات الفيزيائية باستخدام أدوات تصميمية سهلة الاستخدام. الأطفال، وحتى الكبار، أحبوا الفكرة ونجحت المنصة سريعًا في استقطاب المستخدمين.
المدير التنفيذي ومؤسس المنصة، ديف بازوكي، كان محبوبًا والجميع أكن له كل الاحترام (لا أدرى كيف خُدعوا له!). في بداية المشروع، كان ديف يدعو الأطفال والآباء إلى جولات استكشافية ويطلب مشورتهم وآرائهم لتحسين المنصة ودفعها إلى آفاقٍ كبيرة، وفي الوقت ذاته، كان نائب رئيس الهندسة VP of Engineering بالشركة وقلبها النابض (إيريك كاسيل) يُطور من Roblox على المستوى التقني ويسعى لظهورها بشكلٍ مثالي رُغم أن عدد اللاعبين النشطين وقتها كان يُعد على الأصابع.
أثمرت مجهودات الفريق سريعًا وفي غضون 6 سنوات فقط من إطلاق اللعبة الجماعية الأولى، قفز عدد اللاعبين من 20 إلى 17 مليون لاعب. النجاح كان كبيرًا وسريعًا لدرجة كادت تخرج عن السيطرة، غير أن العقل المدبر ديف والمهندس البارع إيريك سيطرا على الوضع، بل أطلقا أولى حملاتهم الإعلانية على التلفاز.
قرارات غبية تعكس مدى الهشاشة
في عام 2013، غيّب السرطان إيريك كاسيل وتحدث ديف عن العشرين عامًا التي أمضياها معًا واصفًا إيريك بأنه “أطيب شخص قابله على الإطلاق”. أصبح لزامًا على ديفيد أن يستكمل الرحلة ويحقق رؤية المنصة وحيدًا، ولكن شيئًا مُقلقًا كان يحدث خلف ظهره؛ شيء سيقلب الأمور رأسًا على عقب ويُظهر جانبًا لم يتوقع أحدٌ أن يراه.
قبل أن نذكر ما هو هذا الشيء، علينا أن نعرف أن ديف اتخذ 3 قرارات أقل ما يمكن أن توصف به أنها جشعة. القرار الأول كان وضع خطة وصول مدفوعة للمنصة، والثاني وضع سعرٍ أدنى لبيع العناصر مما دفع المستخدمين لشراء المزيد من الـ Robux (عملة المنصة الافتراضية)، أما الثالث والأخير فكان السماح بتحويل عملة اللعبة إلى نقودٍ حقيقية شريطة أن تحصل الشركة على حصة أو عمولة، وهو ما لم يُرضِ الكثيرين ممن شعروا بالخيانة والاستغلال.
على الرغم من جشع هذه القرارات وتأثيراتها السلبية على منصة Roblox، فإنها ليست شيئًا مقارنةً بما سنعرفه حاليًا…
بينما كانت تلعب Roblox، فوجئت الفتاة القاصرة “هولي” (12 سنة) برسالة تقول: “هل تعرفين ما معنى مفترس الأطفال؟”.. لم تفهم الفتاة الرسالة -أو ربما فهمتها-، ولكنها لم تعرف كيف ترد، فباغتها الشخص الغريب: “هل أنتِ قاصرة؟” ثم زعم أنه يعرف مكان إقامتها وهددها بخلع ملابسها وربطها بالسرير. انفطرت الفتاة باكية واتصلت بوالدتها التي سرعان ما أبلغت Roblox، غير أنها لم تؤخذ على محمل الجد.
ظلت البلاغات تنهال على الشركة إلى أن استجابت أخيرًا وحظرت الشخص الوضيع الذي أساء لهولي، ولكن هذه ليست سوى البداية.
ما حدث بعد ذلك لا يمكن وصفه، ولن أصفه، فقط سأقول إن الأمور خرجت عن السيطرة وRoblox تحولت إلى “شقة دعارة” إلكترونية. لم تعد اللعبة لعبة، وبالتأكيد لم تعد مناسبة للأطفال، أو حتى الكبار. فاضت المقالات التي تهاجم Roblox على الإنترنت وتستهدفها ضمن حربها على المحتوى غير الأخلاقي، لا سيما وأن محتوى هذه اللعبة يمكن تسجيله واستغلاله بشكلٍ سيء، وهو ما كان.
لماذا لم توقف Roblox هذه المهزلة؟
تمتلك Roblox أكثر من 200 مليون مستخدم نشط شهريًا يُشرف عليهم نحو 1700 شخصًا، ولذلك من الطبيعي أن يعجز هذا العدد الضئيل من المشرفين عن ترويض الكم المهول من المحتوى الذي يُنتجه عشرات الملايين. قد تقول: ولما لا تزيد الشركة من أعداد المشرفين؟ بعيدًا عن فكرة الأجور، فإن الكثير من المحتوى الذي يُنتَج على Roblox معقد لدرجة أنه يتطلب قدرًا كبيرًا من الفهم التقنيّ الذي لا يتوفر لدى المشرفين العاديين، ناهيك أنه يحتاج وقتًا طويلًا جدًا للتعامل معه.
حتى الذكاء الاصطناعي لا يستطيع إدارة المحتوى المهول بـ Roblox لأنه -كما نعرف جميعًا- يُعاني في أحيانٍ كثيرة من فهم السياقات بشكلٍ خاطئ فتجده يُمرر محتوى مسيء ويحجب آخر ضار، ونفس الشيء ينطبق على الأشخاص.
المشكلة الحقيقية أن Roblox لا تحاول اقتلاع الآفة من جذورها، بل تستمر في قراراتها الغبية غير المبررة. لقد طرح ديف بازوكي شركته للاكتتاب العام في بورصة نيويورك وأصبح مليارديرًا بشكلٍ رسمي، وفي نوفمبر من العام 2021، حدث ما يؤكد تواطؤ المسؤولين أنفسهم عندما قاضت Roblox اليوتيوبر والستريمر Rubin Sim مقابل 1.6 مليون دولار -لأنه شهّر بالممارسات غير الأخلاقية- ملفّقين له تهمة باهتة.
الجدير بالذكر أيضًا أن بنجامين (Rubin Sim) قد رفع فيديو مؤخرًا على يوتيوب بعنوان “نحن ندين لمشرفي Roblox باعتذار” وتحدث فيه عن أن المشرفين يبذلون قصارى جهدهم للسيطرة على الدناءة التي تحدث وأن المشكلة ليست بهم، وإنما بالمسؤولين والمدراء التنفيذيين.
وبعيدًا عن بنجامين، وبعد شهرٍ واحد من مقاضاته، حاولت Roblox أن تحذف مقطعًا على يوتيوب يتهمهم باستغلال الأطفال والإتجار بهم، والأدهى أنه تم القبض على اثنين من المطورين بالشركة لسببٍ غير أخلاقي (كانا يستغلان الأطفال، ماذا تتوقع؟!).
كل هذه الأمور جعلت سهم Roblox ينخفض بنسبة 4% يوم الاكتتاب العام، وبعدها بشهرين، انخفض بنسبة 50% دفعة واحدة.
الخلاصة:
تزداد مشكلة Roblox ومديرها التنفيذي ديفيد بازوكي من سيء لأسوأ. الضغوطات والانتقادات قد بلغت عنان السماء. آلاف البلاغات تُقدم والشركة تتجاهل متكئة على القانون الذي يعفيها من مسؤولية محتوى الطرف الثالث. كل الدلائل تُشير إلى أن وعود Roblox كاذبة وأنها لا زالت تُمثل بيئة خصبة لاستمالة الأطفال والممارسات الدنيئة التي أترفع عن وصفتها والحديث عنها.
التقارير تُشير إلى أن Roblox تواجه مشاكل وتحديات غاية في الخطوة، والشركة نفسها تعترف بذلك، ولكن مدى استجابتها هو محل التساؤل، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، سيكون مصيرها الإفلاس لا محالة، سننتظر ونرى.