مقالات

أجندات وشخصيات ضعيفة مقارنة بالماضي: ما سبب تراجع مستويات القصص مؤخرًا في الألعاب؟

بعد يوم عملٍ شاق عُدت أخيرًا لمنزلي، وأمسكت بعدها بهاتفي لأجِدُ خبرًا قد فجّر مواقع التواصل الاجتماعي، وكان مضمونه أنه في عامنا الحالي ستصدر لعبة أكثر ما يميزها هو قصتها الفريدة من نوعها ذات الحبكة العميقة والمعقّدة، حيث صرّح مخرج اللعبة بأن قصتها ستتفوق على كل قصص الألعاب التي سبقتها، بالإضافة للرسوميات الساحرة، وطريقة اللعب المبتكرة، والمهام غير المتكررة!

قفزت حينها من الفرحة فلم أكن أصدق أنه يفصلنا عدّة أسابيع فقط علي صدور هذه اللعبة، وقبل أن اتجه لحاسبي الشخصي لمشاهدة بعض المقاطع من هذه اللعبة، استيقظت من نومي، فلقد كانت كل هذه الأحداث بداخل حلم لطيف تلخّص فيه مطلبنا كلاعبين، فالقصة الجيّدة أصبحت عملة نادرة يصعب الحصول عليها في زماننا هذا، فمعظم شركات الألعاب أصبحت تعطي إهتمامًا أكبر لعناصر أخرى على حساب عنصر القصة، حتى أصبحت القصة شبه مهملة في الكثير من الألعاب.

عنصر القصة من العناصر المهمّة والرئيسية في الألعاب، فالقصة القويّة وحدها كفيلة بأن تُدخِلك عالَم اللعبة من أوسع أبوابة، بالإضافة للدوافع التي تخلقها تلك القصة بداخلك لتجعلك تمضي قُدمًا وتكملها حتى النهاية، أو المشاعر الحقيقية التي تتغلغل وتؤثر في نفوس شتى اللاعبين، ولا ننسى أيضًا الأهداف المتجددة والواضحة التي تخُطها القصة بإستمرار لتُبقِي اللاعب مُركِّزًا عليها أثناء رحلته.

وللأسف شركات قليلة بالكاد تُعد على أصابع اليد الواحدة هي التي لاتزال تعطي لعنصر القصة حقه في ألعابها، ففي السنوات الأخيرة نلاحظ أن الحبكة القصصية القوية غير متواجدة إلا في العاب سوني، حيث تقوم الشركة بإستغلال هذه النقطة جيدًا لصالحها وتغرد منفردة بمنحِها للقصة إهتمامًا واضحًا في مختلف ألعابها.

وهذا يجعلنا نطرح سؤالًا.. ما الذي يدفع معظم الشركات إلي إهمال القصة في ألعابها بالرغم من أهميتها؟ هذا ما أناقشه معك يا صديقي من خلال الأسباب التي أراها الأهم من وجهة نظري والتي تؤثر بالسلب على القصة في الألعاب:

أولًا: التمسُّك بسلاسل الألعاب وصعوبة تأليف قصة قوية فيها

مازالت تعيش معظم الشركات على نجاحات الماضي، فالشركات لا تريد المغامرة بطرح عنوان جديد غير مقترن بسلاسل ألعابها القديمة، ومع ارتفاع تكلفة تطوير الألعاب في الفترة الأخيرة لجأت الشركات لسلاسل الألعاب لتقليل تكلفة التطوير، حيث ستستخدم الشركات نفس الموارد ونفس المحرك في عدة إصدارات متتالية مما سيسهل الأمر ويقلل كذلك من التكلفة.

ومع صدور جزء جديد من أي سلسلة لابد أن يحمل معه تحديات صعبة لتلك الشركات، ومن ضمن تلك التحديات هو تحدي تقديم قصة أقوى تتفوق على الأجزاء السابقة، لأن عنصر القصة لا يتوقف على كتابة القصة فقط بل يتطلب وقت إضافي لتحريك الشخصيات وإعداد مهمات مميزة تواكب هذه القصة على الأقل، ولذلك أراه التحدي الأصعب من بين كل التحديات التي يتوجب على هذه الشركات مواجهتها عند إطلاق جزء جديد من أي سلسلة. 

ولكن ما يحدث عكس ذلك تمامًا، فمعظم الشركات تهرب من هذا التحدي، فإما أن نجد أن قصة الجزء الجديد مشابهة للأجزاء القديمة ويسير على خطاها بدون أي جديد، أو تنحرف القصة عن جذورها الأصليّة، وتظل تتكرر هذه الحلقة مع إصدار أجزاء جديدة حتى تصاب سلاسل الألعاب بالتشبّع، وتلك هي المرحلة التي نمر بها الآن.

وثلاثية Tomb Raider مثال على ذلك، فهذه السلسلة المكونة من ثلاث أجزاء مصممة بمحرك واحد وهو Foundation، وقد سارت على نفس النهج، الهدف وطريقة السرد لمحاولة تقليل التكلفة ولتسهيل تطويرها، وبسبب سير القصة منذ بداية الثلاثية على نمط واحد، أصبحت القصة مملّة وسطحية في الجزء الثالث بدون أن تأتي بأي جديد، وهذا معاكس تمامًا للجزء الأول من الثلاثية الذي كان جزءًا ثوريًا من حيث الأفكار والقصة، وهذا ما أقصده بالتشبّع.

ثانيًا: التوجّه لألعاب العالم المفتوح الفارغة، وانقراض الألعاب الخطيّة

قبل إتجاه معظم الشركات لتطوير ألعاب العالم المفتوح بكثرة، كانت الألعاب الخطيّة صغيرة ولذلك فإن المساواة بين جميع عناصرها كان غير مستحيل، فكانت تلك الألعاب تقّدم قصة محبوكة صغيرة ومحدودة، ففي الألعاب الخطية كانت الشخصيات منفردة بذاتها، والحوارات كانت تُكتب بعناية في كل لقاء مصمم داخل اللعبة، أو الشخصيات غير القابلة للعب (NPCs) المثيرة للإهتمام والفريدة من نوعها، فكل هذا ساعد في إخراج قصة محبوكة تجعل اللاعب يشعر كأنه جزءٌ منها.

أما الآن فالشركات تود تطوير لعبة عالم مفتوح لمجرد إنشاء عالم ضخم حتى لو سيؤثر ذلك على القصة بشكل كبير، ففي ألعاب العالم المفتوح الموضوع مختلف تمامًا عن الألعاب الخطيّة، فالعالم ضخم جدًا وتفاصيله كثيرة، ولذلك فمِن الصعب وضع قصة محبوكة داخل هذا النوع من الألعاب، لأن المطور حينها سيحتاج أعوام كثيرة لإستغلال كل تلك التفاصيل والمساحات ولإنشاء مهمات متنوعة، مكتوبة بدقة ومرتبطة جيّدًا بالقصة حتى لا تكون اللعبة عبارة عن تجوّل في العالم وإضاعة للوقت بدون أي جدوى.

وللأسف تهمل الشركات ذلك وتصدر ألعابها فارغة، فالمقصود بعالم مفتوح فارغ أي أن المهمات -التي من المفترض أن تتأثر بالقصة المُحكمة- لها أهداف واضحة وليست مجرد مهمات متشابهة لم تضف أي جديد ويتم وضعها فقط لمحاولة ملء العالم الكبير الفارغ.

وكمثال على ذلك لعبة Mafia 3، فبعد التحف الفنيّة Mafia 1 و Mafia 2، صدر الجزء الثالث ليهدم كل ما قدمه الجزء الأول والثاني، فلقد اهتم الجزء الثالث بتقديم عالم مفتوح ضخم بدون النظر للقصة ولكونها المحور الأساسي لضمان نجاح هذا العالم الضخم وبالتالي أصبحت المهام مكررة، وأصبح هذا العالم الضخم فارغ وبلا أي فائدة.

ثالثًا: وضع عناصر الـ RPG في الألعاب بشكل غير صحيح

اجتاحت عناصر الـ RPG العديد والعديد من الألعاب في السنوات الأخيرة، فمعظم تلك الشركات إما قد حولت عناوينها لـ العاب RPG كاملة، أو اضافت عناصر الـ RPG فيها، لتتمكن من إبقاء أغلب اللاعبين في العابهم لأطول فترة ممكنة حتى لو كان ذلك على حساب القصة، فعناصر الـ RPG سلاح ذو حدين إما أن تسيطر الشركة عليها وتصبح تلك اللعبة ناجحة، أو تتسبب في دمار قصة اللعبة، لإن ببساطة تلك العناصر تعتمد على التمطيط في الأحداث بشكل كبير، ولذلك إن لم تكن القصة دسمة ومكتوبة بعناية فتتسبب عناصر الـ RPG في فشل القصة.

ونأخذ لعبتي Assassin’s Creed Revelations و Assassin’s Creed Valhalla كمثال، فكِلتا اللعبتين من مؤلف، ومخرج واستديو واحد، ولكن تختلف Valhalla عن Revelations بكونها لعبة RPG متكاملة، فنجد في جزء Revelations أن قصة اللعبة قوية وفيها أهداف محددة وواضحة وخالية من التمطيط، أما Valhalla فتحتوي على حشو وتمطيط زائد عن الحد بدون أي فائدة، بالإضافة للإختيارات المتعددة الوهمية والحوارات الرديئة، فالسبب هنا يا صديقي ليس في المؤلف نفسه ولكن تأثرت قصة اللعبة بالسلب فقط لتخدم عناصر الـ RPG، ففي هذا المثال لم تستطع الشركة السيطرة والتعامل مع تلك العناصر بشكل جيد.

رابعًا: الإهتمام المُفرط بطور الأونلاين على حساب طور القصة

مؤخٌرًا لقي طور الأونلاين إهتمامًا واسعًا من قبل الشركات بسبب الأرباح الطائلة التي تعود لهم من خلاله، ولكن الإهتمام الزائد بطور الأونلاين قد جنى على طور القصة لدرجة أن بعض الشركات حاليًا تقوم بإلغاء طور القصة نهائيًا لتتمكن من العمل على طور الأونلاين.

ففي الماضي كان الإهتمام متساويًا بين طور القصة وطور الأونلاين، فطور الأونلاين في لعبة GTA IV لم يمنع الشركة من إصدار إضافتي The Lost and Damned و The Ballad of Gay Tony، أو طور الأونلاين في لعبة COD Black Ops 3 مثلًا لم يمنع الشركة من التخلّي عن طور القصة نهائيًا.

أما هذه الأيام فنرى أحداثًا وقرارات عجيبة في ألعاب كان أساس شهرتها هو طور القصة، فعلى سبيل المثال في الجزء الأخير من سلسلة Call Of Duty الذي يحمل اسم Vanguard نجده يركز بشدة على طور الأونلاين Multiplayer بما يقدمه من يقدم تجربة مذهلة وممتعة كتنوع في أسلوب اللعب، الخرائط والأنماط الجديدة، أما إذا نظرنا لطور القصة سنجد قصة قصيرة متواضعة للغاية وقصيرة لا تتعدى الخمس ساعات. أو لعبة Battlefield 2042 الكارثية التي تخلت عن طور القصة من أجل التركيز على طور الأونلاين.

خامسًا: وضع الأجندات والأفكار السياسية في الألعاب

أصبحت معظم الشركات تمتلك جرأة كبيرة لدعم الأجندات السياسية والجنسية في ألعابها لإرضاء الإعلام، حيث تقوم هذه الشركات بإلقاء تلك الأفكار أمامك وإجبارك كلاعب على تقبلها حتى لو على حساب القصة، فقد تكون قصة اللعبة جيدة ولكن عند وضع هذه الأفكار فيها تتحول تلك القصة إلي حملة دعم لهذه الأفكار فقط.

وأكبر مثال على ذلك هي لعبة The Last of Us 2 التي تعد أكبر وأهم داعم لأجندة المثلية الجنسية في عالم الألعاب، وقبل الحديث عنها دعونا نتذكر مدى عظمة قصة الجزء الأول، الشخصيات والحوارات المكتوبة بدقة وعناية، أما الجزء الثاني فكانت القصة سيئة وسطحية، فقد اهتم الجزء الثاني فقط بدعم المثلية الجنسية حتى أصبحت اللعبة عبارة عن حملة دعم لتلك الأفكار.


كل هذه الأسباب من وجهة نظري أدت لضعف القصة في معظم ألعاب الـ AAA في السنوات الاخيرة، فأصبحت القصة بلا طعم ولا رائحة فاقدة للشخصيات المفعمة بالحياة، وللحوارات المكتوبة بإتقان وللحبكة القوية.

فالشركات بكل تأكيد ليست غافلة عن تلك الأخطاء، فهم على علم بأن ألعابهم ينقصها الكثير، ولكن بسبب رغبتهم الملحّة في اللحاق بالسنة المالية، والموعد المحدد سابقا لإصدار اللعبة والضغط الإعلامي، تضطر الشركات لغض الطرف عن تلك المشاكل وإصدار ألعابهم ناقصة للاعبين. 

ومن خلال تلك الأسباب التي قمت بعرضها يتبين لنا أن عنصر القصة هو الضحيّة.. ضحيّة الجشع، التخطيط الفاشل، الطموحات الزائدة عن الحد والتعاطف الغير مفهوم لبعض الجماعات، فعنصر القصة هو المجني عليه دائمًا، فمفهوم ألعاب الفيديو في الأصل الذي غفلت عنه تلك الشركات أن الألعاب عبارة عن تجربة متكاملة يعيشها اللاعبون ويتساوى فيها جميع عناصرها، وهذا ما نريده نحن اللاعبين.

اقرأ أيضًا:

“أسمع كلامك أصدقك.. أجرب لعبتك أستعجب” لماذا تخرج الألعاب السيئة إلى النور؟ – كبسولة الجيمينج

Mohamed Abdelkader

مبرمِج، مترجم، صانع محتوي وأخصائي تمريض، أعشق ألعاب العالم المفتوح خاصة Assassin's Creed والعاب الإندي.
زر الذهاب إلى الأعلى