مر نصف عام تقريباً على بداية التقارب بين الملياردير Elon Musk الرجل الأغنى في العالم والأكثر تأثيراً فيه ومنصة التواصل الشهيرة Twitter نادي كبرى مشاهير العالم، تصريحات مدوية هنا وهناك، ارتفاع أسهم وانخفاض أخرى، سجال من الانتصارات والهزائم.. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا وكيف؟!
كان الجميع متلهفاً لإتمام Elon Musk صفقة استحواذه على Twitter مقابل 44 مليار دولار وتحويلها لمنشأة خاصة، أملاً منهم في تنفيذ وعوده لتغيير المنصة الهائلة إلى الأفضل، خصوصاً إتاحة حرية الرأي وإلغاء الإعلانات الموجهة. لكن تبدد كل هذا عندما أعلن Elon Musk تراجعه عن الصفقة، وهنا تغيرت Twitter بشكل دراماتيكي وقررت رفع دعوى قضائية عليه لإجباره على إتمام الصفقة أو على الأقل دفع رسوم التفكيك أي مليار دولار.
لنعود بالزمن 6 أشهر للوراء لنعرف كيف بدأت المشكلة
بدأ Elon Musk خطته للاستحواذ على الشركة منذ شهر يناير، فقام بشراء أسهم في منصة Twitter حتى وصلت إلى 5% بحلول شهر مارس دون أن يتخذ إجراء “الإفصاح”، وهو إجراء ينص قانون التداول الأمريكي على تنفيذه فور شراء 5% من الأسهم بأي شركة. تفاجأ الجميع عندما قدم Elon Musk لهيئة البورصات والأوراق المالية الأمريكية “SEC” ملفاُ يوضح أنه يمتلك 9.2% من أسهم الشركة ليكون في المرتبة الثانية كأكبر المساهمين الفرديين بعد مجموعة Vanguard.
بعد أن ضمن Elon Musk حيازته لحصة كبيرة بأسهم Twitter، قرر تمهيد الطريق للاستحواذ الكلي بسلسلة من التصرفات المدروسة غير المفهومة لدى البعض التي سنقوم بتفسيرها تالياً. دُعي Musk لاستحقاق مقعده بمجلس الإدارة فرفض، ثم عرض على مجلس الإدارة الاستحواذ على الشركة مقابل 43 مليار دولار وهو يعلم مسبقاً أن طلبه لن يلقى قبولاً من أعضائه.
لقد كان أمام Musk ثلاثة اختيارات؛ إما أن يقوم ببيع جميع أسهمه فجأة مما يزيد من عرض الأسهم أمام الطلب في البورصة فتنخفض قيمة السهم وحينئذ تكون الـ43 ملياراً صفقة مربحة لمجلس الإدارة فيقبل بها، وإما أن يتوسع في شراء المزيد من الأسهم تدريجياً ووقتها سيفعل مجلس الإدارة سياسة حبة السم مما يمنعه من شراء المزيد من الأسهم ويمنعه من الاستحواذ، وإما أن يخفض سعر السهم بتغريداته المدوية لتكون نفس نتيجة الخيار الأول.
اختار Elon Musk أن يخفض سعر السهم بتغريداته حتى يكون السعر الذي عرضه لشراء المنصة كافياً لإقناع مجلس الإدارة بالموافقة على إتمام الاستحواذ، فقد تقمص Musk دور الملاك البريء الذي يسعى لتحرير مستخدمي Twitter من استبداد المنصة وخوارزمياتها الجائرة ووعد بمزايا وإضافات تزيد من جودة تجربة المستخدمين، وبالفعل وافق مجلس الإدارة على الاستحواذ وهذه المرة مقابل 44 مليار دولار يوم 27 أبريل، ولكنه تراجع منذ عدة أيام عن الصفقة فرفعت الشركة دعوى لمطالبته بتنفيذ التزامه، فما السبب إذاً؟
الحجج التي ساقها Elon Musk للتراجع عن صفقة استحواذه على Twitter
بالطبع ليس Elon Musk ساذجاً للدرجة التي تجعله يتراجع عن استحواذه بدون حجج تبرر تراجعه، بل برر Musk تراجعه بثلاث حجج؛ أولها أن Twitter خرقت الاتفاق عندما امتنعت عن تقديم المعلومات التي طلبها عن الحسابات المزورة، وثانيها أن Twitter قامت بتحريف أعداد الحسابات المزورة عند تقديمها كشفاً بذلك لإدارة الرقابة المالية الأمريكية، وثالثها أن Twitter خرقت الاتفاق عندما قامت بطرد بعض من كبار الموظفين بدون مشاورة Musk قبلها. فما كان رد Twitter حيال هذه الحجج؟
“أنا يبني؟” : كيف ردت Twitter على ادعاءات Elon Musk؟
يبدو أن Twitter كانت مستعدة جيداً لدحض ادعاءات Musk في الدعوى، وردت عليها واحدة تلو الآخرى؛ بالنسبة لامتناعها عن تقديم عدد الحسابات المزيفة فردت بأنه فشل إثبات ادعائه بأن الحسابات المزيفة تشكل 5% من إجمالي قاعدة مستخدميها البالغ عددهم 229 مليون مستخدم، وبالنسبة لطردها بعض من كبار الموظفين بدون مشاورته قبلها فردت بأنها أعلمت محامييه الاثنين ولم يبديا اعتراضاً، كما أن Musk نفسه أعلم موظفي قسم الاستفسارات بأنه سيقلل من عدد المسئولين.
ليس هذا فحسب، فقد قدمت Twitter أدلة تكشف عدم التزام Musk بتعهداته بتنفيذ الاتفاق، ألا وهي نشره لتغريدات وردود تستخف بالشركة وممثليها، منها على سبيل المثال لا الحصر تغريدته بصورة وهو يسخر من Twitter لرفعها دعوى لإجباره على إتمام الصفقة أعلاه، ورده على تغريدة المدير التنفيذي للشركة Parag Agrawal أدناه.
أضافت Twitter أن Musk خرق الاتفاق بعدة مواقف، منها أنه لم يبذل الجهد المعقول لإتمام الاتفاق وامتنع عن إبداء الرضا للموافقة على العمليات التشغيلية مثل خطة أجور الموظفين، ولذلك تدعي الشركة أنه لا يستطيع التحلل من التزامه على أساس أنه هو المقصر في تنفيذ التزامه.
ماذا يريد Elon Musk حقاً؟
حسناً، عندما أعلن Musk تراجعه عن إتمام الصفقة بعد كل نزاعاته مع مجلس الإدارة وتعمده خفض قيمة أسهم الشركة حتى اتفق الطرفان على إتمام الصفقة أخيراُ منذ ثلاثة أشهر، أول شيء قلته في ذهني: “الراجل دا حيرنا، هو عاوز أيه بالضبط؟!”.. تعجبت من موقفه، ولكن لم تمر سوى عدة دقائق حتى أدركت ما يجري.
قد يكون Musk مسيطراً تماماً على الوضع برمته، أي أنه أراد أن يصل الوضع إلى هذه المرحلة. هل تتذكر عندما أخبرتك أنه عمل على تخفيض سعر السهم حتى يقتنع مجلس الإدارة بالسعر الذي عرضه؟ نعم، هذه اللعبة لم تنته بعد أو أن المرحلة الجديدة من الخطة قد بدأت.
يحاول Musk مرة أخرى تخفيض سعر السهم.. والهدف ربما يكون وضع شروط جديدة أو الاستحواذ على الشركة بسعر أقل من 44 مليار دولار. لقد اتفق Musk مع مجلس الإدارة على الاستحواذ على الشركة بسعر 54.20 دولاراً للسهم أي بزيادة نسبتها 38% من سعر السهم قبل يوم من إعلانه عن نسبته من الأسهم، ويبدو أنه يقوم بالضغط للدفع بسعر أقل، خصوصاً بعد انخفاض سعر السهم إلى 38.06 دولاراً عندما أُغلق التداول يوم الثلاثاء الماضي فقط بعد أن أعلن تراجعه عن الاستحواذ.
أحد أهم الأسباب التي جعلت Musk يعيد النظر في سعر الصفقة هو انخفاض سعر السهم بشركة Tesla، وبالتالي قيمة أسهمه بها الذي يعتمد عليها بشكل رئيسي لإتمام الصفقة، فقد انخفض سعر السهم بنسبة 30% تقريباً عندما أُغلق التداول يوم الثلاثاء الماضي بسعر 699.21 دولار للسهم. تعتبر Twitter أن ما يفعله Musk تلاعب بالشركة وعدم احترام لقانون التعاقد، فصرحت في شكواها ضده:
بعد أن وجه المشهد العام تجاه Twitter ليضعها تحت الأنظار، وبعد أن اقترح اتفاقية اندماج ودية ثم وقع عليها، يبدو أن Musk يعتقد أنه -على عكس أي طرف آخر خاضع لقانون تعاقد ديلاوير- له الحرية في تغيير رأيه، وإفشال الشركة، وتعطيل أعمالها، وتدمير قيمة الأسهم، ويمشي بعيداً!
يبدو أن كفة النصر سترجح لميزان Twitter في هذا النزاع
طلبت Twitter من محكمة ديلاوير عقد جلسة محاكمة مدتها 4 أيام في منتصف سبتمبر القادم على أمل أن يُقضى في النزاع قبل الموعد النهائي لإتمام الصفقة يوم 24 أكتوبر، فيما طالب Musk بقعد الجلسة يوم 13 فبراير من العام القادم حسب Bloomberg. يبدو أن Twitter واثقة من موقفها، وذلك حسب ما ورد عن Reuters بأن المدير التنفيذي للشركة Parag Agrawal قدم مذكرة إلى موظفيه يوم الثلاثاء الماضي ليطمئنهم بشأن المستقبل، وأن الشركة ستثبت موقفها للمحكمة ويؤمن بأن النصر سيكون حليفهم.
يقول أحد الخبراء القانونيين بأن قوة موقف Twitter في دعواها على Elon Musk قد تساعدها في اتخاذ قرار مناسب لتسوية نزاعها معه، كما يؤكد Brian Quinn الأستاذ المساعد بكلية الحقوق ببوسطن أن الحقائق التي تستند إليها Twitter في دعواها تجعلها في موضع قوة يؤهلها للتفاوض مع Musk كيفما شاءت.
هذا تلخيصنا لما جرى بين Elon Musk وشركة Twitter منذ شهر يناير وحتى وقت كتابة هذه المقالة، وقد قمنا بتحديد موقف كل طرف وكيف يفكر، يمكننا القول أننا نعرف ما يحدث بشكل سطحي وأن الكواليس بمثابة الجزء الذي لا نراه من الجبل. رجل مثل Elon Musk ليس من النوع الذي يمكنك معرفة فيما يفكر، وشركة مثل Twitter تخفي كثيراً من الأسرار. ما الذي سيحدث تالياً؟ هذا ما سنعرفه خلال الأسابيع القادمة.