مقالاتهاردوير

تحوّل جذري في أداء الألعاب مع DLSS 4 من NVIDIA

منذ سنواتٍ طويلة، وأنا أتابع التطورات في عالم التقنية والرسوميات بحماسةٍ لا تقل عن حماسة طفل يفتح أول لعبة فيديو في حياته؛ ومنذ الإصدار الثاني لتقنية DLSS، وأنا ألاحق هذه القفزة الثورية التي تقودها شركة NVIDIA في عالم الألعاب، بدقةٍ عالية وتحسينٍ ملحوظ في أداء البطاقة الرسومية. غير أن ما حدث مع DLSS 4 لم يكن مجرد تطور بسيط أو تحديثٍ اعتيادي، بل شعرت كأنني أمام ثورةٍ حقيقية، لحظةٍ استثنائية في تاريخ الرسوميات الحديثة، وكأن بوابة المستقبل قد فُتحت على مصراعيها. إليكم مقالة: “تحوّل جذري في أداء الألعاب مع DLSS 4 من NVIDIA”.

لكي ندرك أهمية DLSS 4، لا بدّ أن نعود قليلًا إلى الوراء، إلى عام 2018، حين قدّمت NVIDIA لأول مرة تقنية DLSS، وهو اختصار لعبارة “Deep Learning Super Sampling”. في ذلك الوقت، لم يكن من المألوف استخدام الذكاء الاصطناعي بهذا الشكل داخل الألعاب. الفكرة، ببساطة، كانت أن يُسمح للحاسوب بأن يرسم مشاهد الألعاب بدقةٍ منخفضة نسبيًا، ثم يستعين بالذكاء الاصطناعي لرفع هذه الدقة إلى مستوى أعلى، فتبدو وكأنها أصلية وذات جودة فائقة، كل ذلك من دون أن تستهلك البطاقة الرسومية قدرًا كبيرًا من طاقتها. يشبه الأمر أن تُشاهد صورةً قديمة وتستعين ببرنامجٍ ذكي لإعادة رسمها، لتبدو كأنها التُقطت بكاميرا حديثة.

ولكي أقرّب لك الفكرة أكثر، تخيّل أنك ترغب في قراءة روايةٍ من ألف صفحة، ولكنك لا تملك الوقت الكافي لذلك، فتلجأ إلى قراءة سطرٍ واحد فقط من كل صفحة، وتعتمد على خبرتك السابقة في تتبع الحبكة وفهم سير الأحداث لإكمال التفاصيل في ذهنك. هذا هو بالضبط ما تفعله تقنية DLSS، ولكن بدل الكلمات هناك بيكسلات، وبدل خبرتك توجد شبكة عصبية اصطناعية مدرّبة على ملايين الإطارات والصور.

حين تم إطلاق DLSS 2 في عام 2020، شعرتُ أن التقنية بدأت تنضج فعلًا، إذ أصبحت نتائجها أكثر واقعية، وأصبح من الصعب التمييز بين المشاهد التي رُفعت دقتها باستخدام DLSS، وتلك التي تم إنتاجها بدقةٍ أصلية. لم يكد عام 2022 يحلّ حتى فاجأتنا NVIDIA بإصدار DLSS 3، الذي جلب معه مفهومًا جديدًا كليًا، وهو “توليد الإطارات”. لم يعُد الذكاء الاصطناعي يكتفي بتحسين جودة الصورة، بل أصبح يُولّد إطارات كاملة من العدم؛ أي أنه يبتكر لقطات جديدة تُدرَج بين الإطارات الحقيقية التي يُنتجها المعالج الرسومي، والنتيجة: أداء أعلى، وسلاسة أكثر.

تخيّل أن تلعب لعبة ثقيلة ومعقدة مثل Alan Wake 2، لكن جهازك لا يستطيع إنتاج أكثر من 45 إطارًا في الثانية. مع DLSS 3، يمكنك الحصول على ستين إطارًا، وربما أكثر، لأن التقنية تملأ الفراغات بين الإطارات الحقيقية بإطارات “افتراضية”، لكنها واقعية وسلسة إلى درجة أنك لن تلاحظ الفرق بينها وبين الإطارات الأصلية إلى حد ما.

ثم جاء DLSS 4. وهنا، لا أجد وصفًا أدقّ مما قلته لنفسي في تلك اللحظة: هذه ليست مجرد ترقية، بل ثورة. اللحظة التي قرأتُ فيها عن ميزة “Multi Frame Generation”، توقفتُ قليلًا، وقرأت الجملة مرتين، بل ثلاثًا. التقنية لم تعُد تكتفي بتوليد إطارٍ واحد فقط كما في الإصدار السابق، بل أصبحت قادرة على توليد ثلاثة إطارات إضافية بين كل إطارٍ حقيقي. أي أن البطاقة الرسومية لا تحتاج سوى إلى رسم إطارٍ واحد فقط، ثم تترك الباقي للذكاء الاصطناعي كي ينسجه بحِرفيّة.

دعني أشرح لك بمثال بسيط من الحياة اليومية. تَخيّل أن لديك مقطع فيديو مصوّر بسرعة 24 إطارًا في الثانية، وكان يبدو متقطعًا أو بطيئًا في حركته. تقوم بتمريره إلى برنامج ذكاء اصطناعي يُضيف لقطاتٍ بينية بين الإطارات الأصلية، فيتحوّل فجأة إلى فيديو ناعم وسلس يعمل بسرعة 60 إطارًا في الثانية. هذا هو بالضبط ما تفعله DLSS 4، ولكن الفرق أنها تقوم بذلك في الزمن الحقيقي أثناء اللعب، وعلى مشاهد أكثر تعقيدًا بكثير مما يُمكن لبرامج التعديل الفيديوهات العادية معالجته.

السرّ الأكبر وراء هذا التقدّم لم يكن في البرمجة فحسب، ولا في مجرد ترقية رسومية اعتيادية، بل في طريقة فهم شركة NVIDIA لطبيعة الذكاء الاصطناعي نفسها. فبعد سنوات من اعتمادها على الشبكات التلافيفية، أو ما يُعرف بـ CNN، قرّرت الشركة أن تخطو خطوة جريئة نحو الأمام باستخدام نموذج أكثر حداثة وفعالية، وهو نموذج Transformer، وهو ذاته النوع من النماذج الذي يقف خلف منصات ذكية شهيرة مثل ChatGPT.

هذا التحوّل الجذري منح DLSS 4 قدرة غير مسبوقة على فهم الإطار بالكامل، لا مجرد جزء صغير منه. باتت التقنية قادرة على تحديد المناطق الأكثر أهمية في الصورة، وإعادة بنائها بدقة أعلى، وبتفاصيل أوضح. والنتيجة صور أنقى، ضبابية أقل، ومشاهد أكثر تماسكًا، خاصة تلك السريعة والمليئة بالحركة.

ومن بين الأمور التي أدهشتني بالفعل هي كفاءة التقنية الجديدة. لم تعُد DLSS 4 تستهلك كميات ضخمة من الذاكرة كما في السابق، بل العكس تمامًا. وفقًا لاختبارات الأداء، فإن التقنية تستهلك ذاكرة أقل بنسبة تصل إلى ثلاثين بالمئة، وتعمل بسرعة أعلى بنحو أربعين بالمئة مقارنةً بالإصدار السابق DLSS 3.

وهذا ليس مجرد أرقام تقنية عابرة، بل له تأثير حقيقي وملموس أثناء اللعب، وخصوصًا مع الألعاب الثقيلة والمعقدة مثل Warhammer 40,000: Darktide، حيث لاحظ اللاعبون تحسنًا ملحوظًا في الأداء، وانخفاضًا واضحًا في استهلاك الذاكرة، يصل إلى مئات الميجابايتات.

الأمر أشبه بأنك قد استبدلت محرّك سيارتك القديم بمحرك جديد أكثر ذكاءً واقتصادية. يعطيك نفس الأداء، بل وربما أفضل، لكن باستهلاك أقل للوقود، وضجيج أقل، وراحة أكبر أثناء القيادة.

بالطبع، لا يمكن لكل هذه المعالجات الذكية والتحسينات المتقدّمة أن تعمل بكفاءة من دون بنية عتادية متطوّرة. ولهذا السبب تحديدًا، أطلقت NVIDIA سلسلة RTX 50 الجديدة، المزوّدة بأنوية Tensor Cores من الجيل الخامس، لتكون الحاضن المثالي لتقنية DLSS 4.

هذه الأنوية المتقدمة توفّر قوة معالجة ذكاء اصطناعي تفوق الجيل السابق بمقدار 2.5 مرة، مما يسمح لها بتشغيل عدّة نماذج ذكاء اصطناعي في الوقت نفسه، لكل إطار يتم توليده. تخيّل في كل لحظة تُعرض فيها صورة أمامك، هناك خمسة نماذج ذكاء تعمل بالتوازي: من تحسين الدقة، إلى إعادة بناء الضوء، إلى توليد الإطارات، وكل ذلك بسرعة كبيرة دون أي تأخير يُذكر.

وهنا لا يمكنني تجاهل ميزة أخرى أثّرت بشكل مباشر على تجربتي الشخصية، وهي ميزة “Flip Metering”. هذه التقنية تتيح للبطاقة الرسومية التحكم الدقيق في توقيت عرض الإطارات، مما يضمن توزيعًا أكثر سلاسة واستقرارًا في معدل الإطارات، ويقلّل بشكل ملحوظ من مشكلات التقطيع أو ما يُعرف بـ “frame pacing issues”.

شخصيًا، كنت أعاني كثيرًا من هذه المشكلة، خاصة في ألعاب التصويب السريع، حيث يمكن لأي تأخير طفيف في عرض الإطار أن يؤثّر على دقّة التصويب ويُفسد اللحظة. أما الآن، ومع DLSS 4، فقد اختفى هذا الإحساس تمامًا، وأصبحت التجربة أكثر نعومة وانسيابًا. اللعبة لم تَعُد مجرد سلسلة من الإطارات، بل باتت تُشبه مشهدًا متصلاً من فيلم رسوم متحركة عالي الجودة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

ومن النقاط التي لا تقل أهمية – بل ربما تتفوق على كل ما سبق – هي سهولة التفعيل والتوافق الواسع من اليوم الأول. تخيّل أن DLSS 4 مدعومة منذ لحظتها الأولى في أكثر من خمس وسبعين لعبة وتطبيقًا، منها ألعاب عملاقة مثل Cyberpunk 2077 وAlan Wake 2 وMicrosoft Flight Simulator 2024. لا انتظار، لا مواعيد غير محددة لتحديثات لاحقة، ولا رسائل من المطوّرين تقول “قريبًا” أو “نحن نعمل على ذلك”.

الأجمل من ذلك أن بإمكانك تفعيل التقنية مباشرةً من خلال تطبيق NVIDIA الرسمي، بل والأروع، أن نماذج DLSS الجديدة يمكن إضافتها وتشغيلها من داخل التطبيق نفسه، دون الحاجة لتحديث اللعبة ذاتها. وهذا، من وجهة نظري، يُعد قفزة في مرونة التحكم وسهولة الاستخدام، ويمنح المستخدم حرية لم تكن ممكنة من قبل.

أعلم أن الحديث عن DLSS 4 قد يبدو للبعض تقنيًا، وربما معقدًا بعض الشيء، لكن بالنسبة لي، لم تكن هذه التقنية مجرد وسيلة لتحسين الصورة أو رفع الأداء، بل كانت إشارة واضحة على أننا نعيش لحظة تحول جوهرية؛ لحظة تندمج فيها التقنيات الحديثة مع الإبداع البصري بطريقة لم نعهدها من قبل.

Mohamed Ibrahim

مُحرر في Games Mix و Hardware Specialist، ومهتم بعالم التكنولوجيا الكمبيوتر والهواتف الذكية، وأعشق عالم الألعاب بكافة أنواعه منذ نعومة أظفاري خاصًة ألعاب القصص التي تتميز بتفاصيلها الدقيقة والرائعة، وطريقة اللعب الممتعة، كما أنني أحب معظم ألعاب اللعب الجماعي مثل League of Legends و Valorant.
زر الذهاب إلى الأعلى