رغم تطور تقنيات تخزين البيانات واستثمار عمالقة مثل Microsoft و Google في مراكز البيانات، إلا أن ذلك لا يخلو من التحديات، فالأنظمة المغناطيسية والبصرية لا تواكب متطلبات عصرنا، سواء من ناحية سرعات نقل البيانات أو من ناحية الكثافة التخزينية، فضلاً عن التكاليف الهائلة وتلويث البيئة. لا يختلف الأمر كذلك مع التقنيات طويلة الأمد من ناحية السرعة أو التكلفة.
يبدو أن الشركة الألمانية الناشئة Cerabyte تعلم ما نعنيه جيداً وتعتزم تغيير الواقع بنفسها، ولذلك أعلنت عن وسيلة تخزين أرشيفية جديدة وثورية من شأنها حل مشكلات التخزين لأجل غير مسمى، وذلك بفضل مادة هائلة الكثافة، فائقة السرعة، رخيصة السعر، واسعة الانتشار، لا تتطلب كهرباء للتخزين، وتدوم لآلاف السنين.. إنها السيراميك!
تتكون وحدات التخزين تلك من طبقة حاملة زجاجية صلبة أو مرنة، وفوقها طبقات من السيراميك الأسود، ويتم تخزين البيانات عليها بواسطة حفر علامات تشبه رموز QR بأشعة الليزر، حيث تمثل الأجزاء المحفورة رقم 0 بينما تمثل الأجزاء غير المحفورة رقم 1، وهذان الرقمان هما أساس لغة الحاسب، وبهما يمكن تخزين أي نوع من البيانات.
وحدات تخزين مستقبلية مستوحاة من جداريات أثرية!
لقد استوحت Cerabyte وحداتها التخزينية من الجداريات الأثرية والألواح الطينية للحضارات القديمة منذ آلاف السنين. يجاوز عمر ملحمة جلجامش 3800 عام، بينما يجاوز عمر وصفة الخمر لحضارة بلاد ما بين النهرين 5000 عام، إلا أن Cerabyte استوحت وحدات تخزينها من أقدم قطعة أثرية صنعها إنسان قط؛ منحوتة Venus الخزفية البالغ عمرها 25 ألف عام والتي لا تزال تحمل آثار لبصمات الأصابع على مستوى مجهري!
وداعاً لوسائط التخزين التقليدية مع وحدات تخزين Cerabyte
تتميز وحدات تخزين Cerabyte بأنها وحدات أرشيفية أو ما يُعرف بالتخزين البارد “Cold Storage”، ألا وهو تخزين البيانات غير المطلوبة بشكل منتظم، ومنها السجلات والوثائق التاريخية وملفات الوسائط. الوحدات الأرشيفية الحالية الأكثر أماناً حالياً مُكونة من أشرطة مغناطيسية أو ألياف ضوئية وتُخزن داخل رفوف غير متصلة بالإنترنت داخل منشآت يتم التحكم في ظروفها بعناية فائقة.
يُعاب على الوسائط المغناطيسية أنها عرضة لفقدان الشحنة المغناطيسية نتيجة للحوادث أو مرور الزمن، كما أن الأشرطة تصبح هشة. من ناحية أخرى، قد تتعرض المواد البلاستيكية المُستخدمة بالأقراص البصرية للتحلل. رغم أن أنظمة التخزين عالية الجودة والخاضعة ظروفها لرقابة صارمة يمكن أن تدوم لبضعة عقود، إلا أن هذه المدة ليست كافية لحفظ السجلات التاريخية والثقافية.
كيف تعمل وحدات تخزين Cerabyte؟
يعتمد نظام تخزين Cerabyte على رف واحد للقراءة والكتابة للوصول للبيانات، والعديد من رفوف المكتبة الآلية لأغراض التخزين، والذي تم بناؤه بواسطة معدات تجارية جاهزة. تتخذ وحدات تخزين Cerabyte شكل خرطوشة، وهذه مُكونة من طبقة زجاجية حاملة للبيانات شبيهة بطبقة حماية Gorilla Glass مع طبقة سيراميكية رفيعة جداً وسيطة للبيانات بسماكة 50-100 ذرة.
عندما يكون مطلوباً من نظام التخزين كتابة بيانات جديدة، تُتقل الخرطوشة من رف المكتبة لرف القراءة والكتابة، وبعدها يتم فتحها لإخراج الطبقة الزجاجية الحاملة للبيانات. لكتابة البيانات، تُسلط مليوني حزمة من الليزر لنحت أنماط رموز QR على مستوى نانومتري فوق الطبقة السيراميكية الوسيطة للبيانات. بعدها، تُشحذ نبضات الليزر بمرآة رقمية وتُشكل بواسطة بصريات مجهرية فوق الطبقة الزجاجية الحاملة للبيانات.
النتيجة من هذه العملية هو حفر ثقوب فوق الطبقة السطحية لتمثيل المعلومات بنظام العد الثنائي المكون من 0 و 1. أثناء حدوث ذلك، يتم تحريك وحدة التخزين للأمام عند كتابة البيانات وتحريكها للخلف لمراجعة صحتها بواسطة الكاميرا المجهرية المُثبتة داخل رف القراءة والكتابة. نفس الأمر ينطبق على قراءة البيانات، باستثناء مرحلة الحفر بالليزر. في النهاية يتم إغلاق الخرطوشة وإعادتها لمكانها.
مزايا وحدات تخزين Cerabyte
بسرعة 2 ميجابت لكل لقطة ليزر، تتميز وحدات تخزين Cerabyte بأنها أسرع من الأقراص البصرية بمقدار 50 مرة، بينما تسمح المادة السيراميكية النحيفة جداً بسماكة 300 ميكرومتر بزيادة كثافة البيانات بمقدار 50 مرة مقارنةً بالوسائط التقليدية، حيث تبلغ تيرابايت لكل سنتيمتر مقابل 20 جيجابايت فقط بوحدات HDD، مما يجعل تكلفة هذه الأقراص أقل بنسبة 75% من أنظمة التخزين الأرشيفية.
تتميز وحدات تخزين Cerabyte بأنها مصنوعة من مواد غير عضوية سيراميكية وزجاجية، لذلك تتمتع بمقاومة عالية لمعظم نقاط الضعف المرتبطة بالتخزين الأرشيفي البارد. تعتبر طبقات Cerabyte السراميكية النانومترية آمنة تحت ظروف حرارية بين 273- درجة مئوية و 300 درجة مئوية، كما أنها تتحمل الأجواء الحمضية والمسببة للتآكل، وأخيراً فإنها مقاومة للنبضات الكهرومغناطيسية.
فجر جديد لوحدات التخزين!
تخطط Cerabyte لتغيير مستقبل وحدات التخزين تماماً في غضون العقد التالي، حيث تتوقع الانتقال من أضواء الليزر المرئية بسرعة نقل تُقدر بوحدة الجيجابايت بالثانية لأشعة جسيمية بسرعة نقل تُقدر بالتيرابايت. من المتوقع أن تستخدم وحدات التخزين الأولية في عام 2024 خراطيش بشرائح زجاجية متعددة، وبعدها ستقدم الشركة أشرطة زجاجية مرنة بسعة تخزينية أكبر.
من المفترض أن تقدم الخراطيش سعة تخزينية تبلغ 10 بيتابايت أو 10 آلاف تيرابايت، ويمكنها أن تبلغ 100 بيتابايت عندما يتم التوصل لتكنولوجيا من شأنها تصغير حجم وحدات البت من 100 نانومتر إلى 3 نانومتر. بمجرد إتاحة أنظمة الأشعة الجسيمية خلال العقد القادم، ستتمتع هذه الوحدات التخزينية بكثافة تخزينية تجاوز التيرابايت لكل ملليمتر مربع، وهو ما يجاوز المألوف لأحجام الوسائط!