في القرن التاسع، كانت بغداد عاصمة العالم بالمعنى الحرفي. من أسواقها المزدحمة، المليئة بالسلع من أوروبا وأفريقيا وآسيا، إلى ما يسمى بـ بيت الحكمة، وهو مركز لعلماء الرياضيات والفلاسفة والمترجمين، كانت المدينة التي تعود للقرون الوسطى في ظل الخلافة العباسية قوة فكرية وتجارية. ولكن بحلول عام 1258، كانت في حالة خراب، ونُهبت على يد الإمبراطورية المغولية المترامية الأطراف – ويقال إن نهر دجلة قد تحول إلى اللون الأحمر من الدم، ثم أصبح أسود بسبب حبر مكتبات المدينة المنهوبة.
إنها بغداد – التي لم يبق منها أي أثر تقريبًا – التي واجه مطورو Assassin’s Creed Mirage تحدي كبير يتمثل في إعادة بنائها وتجسيدها بأفضل شكل ممكن للاعبين، وهي أحدث إصدار في سلسلة ألعاب الحركة والمغامرات والتي تدور أحداثها هذه المرة في بلاد ما بين النهرين في عام 861، أي قبل 12 عامًا من أحداث Assassin’s Creed Valhalla لعام 2020 وعلى بعد عدة آلاف من الأميال. بطل الرواية، باسم، هو لص شوارع تحول إلى قاتل مأجور، يمارس تجارته عبر أزقة المدينة المزدحمة وأسطح المنازل الشاهقة.
ولكن كيف يمكنك إنشاء لعبة حول مدينة عتيقة ولكنها اندثرت في طيات التاريخ منذ مئات السنين؟ وكيف يمكنك تحقيق العدالة للتاريخ ولكن بالتوازي مع ضمان تجربة غامرة؟ بالنسبة لـ Jean-Luc Sala، المخرج الفني للعبة، فإن إعادة بناء بغداد بدأت بخريطة. على وجه التحديد، تلك التي أنشأها الجغرافي البريطاني Guy Le Strange في أواخر القرن التاسع عشر، بالإضافة إلى ثماني خرائط أخرى تم تجميعها من مصادر مختلفة.
كمّ التفاصيل التي نجح فريق التطوير في التعرف عليها بخصوص المدينة هي مذهلة للغاية في الحقيقة! فمثلًا لدينا المدينة المستديرة – المنطقة المركزية في بغداد التي تحتوي على قصر الخليفة والجامع الكبير – يبلغ عرضها 2000 ياردة، ولها أربع بوابات متساوية البعد في الجدران مُتحدة المركز المحيطة بها؛ بالإضافة إلى تخطيط قنوات المدينة وجسورها وشوارعها، وأسواقها وحدائقها، وضواحيها الخارجية وسهولها؛ بل نجح فريق Ubisoft في معرفة الحجم والوزن الدقيقين للطوب الذي يتكون منه تحصينات المدينة، وذلك بفضل هوس المخرج Strange الهائل بالتفاصيل، لدرجة أن أحد المؤرخين وهو العراقي علي علومي لم يتمالك أعصابه وبكى عند رؤية تفاصيل المدينة أثناء عملية تطوير اللعبة بسبب جمال عالم المدينة في اللعبة ودقتها التاريخية، وهو ما كشف عنه مؤخرًا خلال بودكاست Head on History.
كل هذا يُوضّح أن Assassin’s Creed Mirage ليست مُجرد لعبة فيديو ستأخذ دورتها وستنقضي، بل إنها تُمثّل تجسيد صادق وحقيقي لمدينة مركزية كان لها شأن كبير في العالم بأكمله بحقبة مُعينة من الزمن، وتوثيق تاريخي لمدينة بغداد العريقة عاصمة الدولة العباسية، وإتقان تفاصيل بناء عالم المدينة بهذا الشكل يُؤكد أن Ubisoft لم تدخر أي مجهودًا لتصوير عاصمة بلاد الرافدين بشكل مثالي وتعريف أهميتها للعالم بأكمله، ويُمكنكم الإطلاع على المزيد في هذا الصدد في مراجعتنا الكاملة للعبة هنا.
