حين يُعلن هيديو كوجيما عن مشروع جديد، يصعب على أي شخص أن يتخيل ما الذي ينتظرنا بالضبط. هذا المطور لا يعمل ضمن حدود مألوفة، بل يفضّل أن يهدم كل ما هو تقليدي ليُعيد بناء مفاهيم اللعبة من الصفر، وكأنه لا يعترف أصلًا بوجود قواعد ثابتة لهذا الفن. منذ أن انفصل عن كونامي، أطلق العنان لأفكاره الأكثر جنونًا من خلال Death Stranding الأولى، تجربة أذهلت البعض وأربكت البعض الآخر، وفتحت بابًا واسعًا للنقاش حول معنى اللعبة نفسها. إليكم مراجعة وتقييم لعبة Death Stranding 2: On The Beach:

لكن مع كوجيما، لا يمكن اعتبار أي تجربة نهائية. النجاح أو الجدل لا يُثنيانه، بل يدفعانه نحو المزيد من التجريب والتحدي. ما حدث في الإصدار الأول كان، بالنسبة له، مجرد تمهيد. وعندما بدأت العروض التشويقية للجزء الثاني في الظهور، لم تقلّ غموضًا عن عالم اللعبة ذاته. سنوات من الترقب والشائعات، وها نحن الآن نعود إلى ذلك العالم الغامض من جديد.
Death Stranding 2: On The Beach ليست مجرد استكمال لقصة سابقة. هي فصل جديد كُتب بنفس القلم، لكنه ينتمي إلى كتاب مختلف. لعبة تتطلب من لاعبيها أكثر من مجرد تفاعل، لعبة تحتل مساحة فريدة في صناعة أصبحت تميل إلى التكرار. فهل سنشهد في هذا الجزء نفس الجرأة التي عرفناها من قبل؟ هل يواصل كوجيما إعادة تشكيل مساره الخاص، أم يبدأ هذه المرة في تتبّع خطاه السابقة، ولو من زاوية مختلفة؟
القصة
مر ما يقرب من عام على نهاية أحداث الجزء الأول، حين يُستدعى سام بورتر بريدجز مرة أخرى إلى عالم لم يمنحه الراحة يومًا. بعد أن عاش فترة قصيرة من السكينة إلى جانب “لو”، التي لم تعد مجرد كائن في كبسولة بل أصبحت طفلة حقيقية تضيف الفوضى والدفء إلى حياته، تأتي “فراجايل” بعرض جديد يحمل وعدًا بفرصة أخيرة؛ وهي مهمة لإنشاء رابط جديد بين المكسيك وأستراليا عبر الشبكة الكيرالية، لصالح منظمة مدنية ناشئة تُدعى “Drawbridge”، بعد انفصالهم عن حكومة الـUCA.

وهكذا ينطلق سام مجددًا، بدايةً من المرتفعات المكسيكية، في رحلة محفوفة بالمخاطر. لكن سرعان ما يعود شبح الماضي ليطارده، مع عودة “هيغز” بشكل غير متوقع، بهيئة جديدة وقدرات مقلقة، وبتصرفات تنذر بخطر أكبر، خاصة حين يتورط في اختطاف “لو” ويعيد سام إلى دائرة من الألم والغموض.

تظهر شخصيات جديدة تحمل قدرات غير مألوفة، مثل “Tomorrow” التي تؤثر في الزمن من خلال المطر، و”Dollman” الرفيق الآلي الذي يرافق سام طوال مغامرته ويقدم شروحات مستمرة، إلى جانب كائنات قادمة من عوالم موازية قادرة على تحويل الأحياء إلى رماد بلمسة واحدة. ورغم غرابة أسمائهم، إلا أن قصصهم معقدة، وتنكشف من خلال مشاهد طويلة ومليئة بالمعلومات.

قصة اللعبة أكثر تماسكًا من حيث الإيقاع وتوزيع الأحداث مقارنةً بالجزء الأول، لكنّها تظل غنية بالرموز والطبقات المعنوية، خصوصًا في فصولها الأخيرة التي تتجه إلى منحنيات أكثر غرابة وتجريبية. وبين كل هذه التركيبات السردية، تظهر لحظات إنسانية حقيقية تُبرز هشاشة الشخصيات وتُعمّق من علاقتها ببعضها البعض. سام، كما يجسده نورمان ريدوس، يواصل تقديمه بنفس النبرة الهادئة والبسيطة التي اعتدناها، أحيانًا إلى حد البرود، بينما تتألق شخصيات مثل “فراجايل”، و”تومورو”، و”نيل فانا”، الذي قدّمه الممثل الإيطالي لوكا مارينيلي بأداء غامض ومشحون بالطاقة.
أسلوب اللعب
- تحتفظ Death Stranding 2: On The Beach بهوية الجزء الأول، لكنها تضيف إليها طبقات متعددة من العمق والتنويع، لتجعل التجربة أكثر نضجًا واتساعًا.

- في جوهرها، لا تزال اللعبة تدور حول فكرة التوصيل، وعنصر “التواصل” لا يزال المحور العاطفي واللعبوي الأساسي، لكن هذه المرة هناك أدوات أكثر، خيارات أوسع، ومحاولات واضحة لتقليل العبء الميكانيكي عن اللاعبين.
- أصبح تخصيص المركبات جانبًا جوهريًا من التجربة. يمكن لسام تعديل المركبات لتناسب نوع المهمة، سواء عبر تركيب مدفع لجمع الموارد، أو إضافة بطاريات احتياطية، أو تسليحها لاقتحام معسكرات الأعداء. يمكن أيضًا تعديل ألوانها وشكلها بالكامل، ما يجعل وسيلة النقل هنا ليست مجرد وسيلة، بل عنصرًا استراتيجيًا فعالًا.

- رفيقك الآلي “Dollman” يُرافقك في معظم الرحلة، ويمكنك تخصيص مظهره، لكنه كثير الكلام وقد يُفرط في الشرح أحيانًا، مما يجعل حضوره مفيدًا ومزعجًا في آنٍ واحد.
- أما مقرّك الرئيسي، سفينة القيادة DHV Magellan، فهو ليس مجرد نقطة استراحة، بل مساحة تفاعلية تتيح لك التقاط الصور، أو تدريب سام في ساحة واقع افتراضي أشبه بما رأيناه في Metal Gear Solid.
- من بين الإضافات المميزة في التنقل، تأتي أداة “التابوت”، وهي مزلاج يسمح لك بالانزلاق فوق التضاريس بطريقة ممتعة، وتضفي لمسة حماسية جديدة على عملية عبور المسافات الطويلة.
- كما تتيح لك بعض المهام الجانبية إيصال الحيوانات المهددة بالانقراض إلى محميات طبيعية، وهو نشاط جانبي لم يكن موجودًا في الجزء الأول، ويحمل طابعًا إنسانيًا واضحًا.
- العالم أيضًا بات أكثر عدوانية، بفضل نظام طقس ديناميكي أكثر تأثيرًا من العواصف الرملية التي تحجب الرؤية، إلى الأمطار الغزيرة والفيضانات، وحرائق الغابات والأعاصير. هذه الظواهر لا تؤثر فقط على الحركة، بل تضيف طبقات تحدٍّ حقيقية على عملية التوصيل.

- رغم كل هذه الإضافات، لا يزال التكرار حاضرًا. توصيل الطلبات لا يزال هو الهيكل الأساسي، ولا تزال بعض المهام متشابهة من حيث الفكرة والتصميم، ما قد يصيب البعض بالملل، خاصةً أولئك الذين خاضوا الجزء الأول بالكامل وشعروا أن التجربة استُنزفت بالفعل.

- الاشتباكات تطورت بدورها. أصبح القتال أكثر كثافة، وتشعر أنه يأخذ ثلاثة أضعاف الحيز الذي أخذه في اللعبة الأولى. سواء اخترت التسلل عبر استخدام ملابس مموهة وقنابل تشتيت، أو الدخول بأسلوب تصويب مباشر، فإن التجربة القتالية صارت أكثر مرونة، دون أن تُغطي على حقيقة أن اللعبة ليست “شوتر” تقليدي.

- الذكاء الاصطناعي للأعداء جيد جدًا ويتفاعل مع أسلوب لعبك، لكن المعارك عمومًا، خاصة مع الزعماء، تميل إلى الطابع السينمائي أكثر من كونها تحديًا ميكانيكيًا عميقًا.
- أسلوب اللعب هنا أشبه بما يُسمى “امتداد آمن” لما قُدّم سابقًا. هناك تحسينات ومحاولات للارتقاء، لكنها لا تغير الجوهر.
- من أحب الجزء الأول سيجد هنا نسخة أثقل وأكثر اكتمالًا، أما من وجد التجربة الأولى مملة أو غير ممتعة، فلن يجد في هذا الجزء تحولًا جذريًا يجعله يغير رأيه، بل سيواجه عمقًا في نفس الاتجاه.
الإيجابيات
- عالم مفتوح مبهر بصريًا؛ البيئات الطبيعية، من المرتفعات المكسيكية إلى السواحل الأسترالية، تقدم مناظر خلابة بتفاصيل فوتوغرافية.

- تحسينات ميكانيكية عميقة؛ اللعبة تُعد تطورًا ميكانيكيًا واضحًا مقارنة بالجزء الأول، خصوصًا في أدوات التنقل والتخصيص.
- أسلوب لعب أكثر مرونة؛ حيث توفر أدوات جديدة وخيارات تخصيص واسعة تجعل أسلوب اللعب أكثر تنوعًا واستجابة لأسلوب كل لاعب.

- اشتباكات أفضل؛ القتال أصبح أكثر ديناميكية، سواء عبر التخفي أو المواجهة المباشرة، مع تحسين في الذكاء الاصطناعي للأعداء.

- نظام الطقس التفاعلي؛ البيئة ليست مجرد خلفية، بل خصم نشط ومتغير يُضيف تحديات ديناميكية تُنعش تجربة الاستكشاف.
السلبيات
- تكرار المهام الأساسية؛ توصيل الطلبات لا يزال يشكل العمود الفقري للعبة، ما يجعل بعض المهام تبدو رتيبة ومتشابهة.

- قصّة طويلة ومرهقة في السرد؛ رغم قوتها، تعاني القصة من الحشو أحيانًا، وتفقد الإيقاع بسبب الإفراط في الشرح وعدم الوضوح.

- حوار ضعيف؛ كثير من الحوارات والمونولوجات لا تخدم المشاعر أو العمق الدرامي، وأحيانًا تنتقص من أثر اللحظات العاطفية.
دعم المنطقة العربية
- اللغة العربية: تدعم اللعبة اللغة العربية قوائم ونصوص.
- المشاهد الإباحية: غير موجودة.
- المثلية: غير موجودة.
- المساس بالمقدسات الدينية: غير موجودة.
- العنصرية: غير موجودة.
- الموسيقى: قابلة للكتم عبر الإعدادات.
هل أنصحك بشراء لعبة Death Stranding 2: On The Beach؟
بعد كل ما رأيناه في Death Stranding 2: On The Beach، من عالم بصري آسر ونظام لعب محسّن، إلى سرد قصصي أكثر تنظيمًا لكنه لا يخلو من المبالغة والتكرار، يمكن القول إن اللعبة تحمل روح كوجيما بكل ما فيها من غرابة وجرأة. لذلك إذا كنت من محبي الألعاب التي تمزج الفلسفة باللعب البطيء والتجريب، ستجد هنا تجربة أكثر نضجًا من الجزء الأول. أما إن لم تستطع تقبّل عالم Death Stranding سابقًا، فالغالب أنك ستواجه نفس النفور.
فهل تستحق التجربة؟ نعم، لمحبي القصص الغريبة والتجارب المختلفة، لكنها ليست للجميع.
مُلخص المراجعة
القصة والسرد - 8
التجربة البصرية وسمعية - 9
العالم والتصميم البيئات - 9
أسلوب اللعب - 8.5
المحتوى الجانبي والأستكشاف - 8
8.5
عظيمة
رحلة بصرية وعاطفية لا تُشبه سواها، مليئة بالتفاصيل والمفاجآت. لولا بعض العيوب، لكانت مثالية، ومع ذلك يثبت كوجيما مجددًا أن لديه ما يقوله، بطريقته الخاصة حتى وإن كانت غريبة.