لدى Compulsion Games -أحد الاستوديوهات المملوكة لشركة Xbox Game Studios- سجلٌّ حافلٌ بابتكار عوالم ألعاب ذات طابع بصري فريد، كما شهدنا في Contrast وWe Happy Few؛ ومع لعبتهم الحصرية الجديدة لمنصات Xbox والحاسوب الشخصي South of Midnight، لا يقتصر التميز على الجوانب الجمالية فحسب، بل يبدو أنهم يواصلون نهجهم الإبداعي، مقدمين تجربة غامرة مستوحاة من الفلكلور الجنوبي الأمريكي بأسلوب سردي عميق. إليكم مراجعة وتقييم لعبة South of Midnight.

ما يميّز اللعبة منذ اللحظة الأولى هو أسلوبها البصري الفريد، الذي يستحضر أعمال Tim Burton الشهيرة، ليس فقط من خلال استخدام تقنيات إيقاف الحركة “Stop-Motion”، ولكن أيضًا عبر الطابع الفني المميز والرسوميات التي تخلق أجواءً سينمائية حالمة ممزوجة بلمسة من الغموض؛ ورغم أنها تنتمي إلى فئة الأكشن-مغامرات مع عناصر المنصات والقتال، فإنها لا تحاول إعادة ابتكار أسلوب اللعب، بل تركّز على الاحتفاء بالثقافة واللغة والأساطير التي تميّز الجنوب الأمريكي، مما يمنحها هوية فريدة في مشهد الألعاب الحديث.

لكن، هل تستحق South of Midnight التجربة؟ هل تقدّم اللعبة أسلوب لعب ممتعًا وسلسًا، أم أن الجوانب البصرية تطغى على العيوب؟ وهل يمكن للقصة أن تجذب اللاعبين بعمقها، أم أنها مجرد عنصر ثانوي؟
القصة بدون حرق
في قلب بلدة “بروسپيرو”، يهبُّ إعصارٌ مدمر يقلب كيان المكان رأسًا على عقب، ويجرد البطلة “هازيل” من عالمها المألوف، دافعًا إياها إلى واقع آخر مملوء بالسحر والمجهول. في هذا العالم الجديد، تدرك هازيل أنها لم تَعُد مجرد فتاة عادية، بل أصبحت “نسّاجة” (Weaver)، وهي موهبة نادرة تمنحها القدرة على إصلاح ما انكسر، سواء أكان ذلك روابط بين الأرواح التائهة أم مسارات حطمتها يد الزمن.

تصبح هذه القوة الجديدة مفتاحًا يقودها في رحلة البحث عن والدتها، التي اختفت وسط الفوضى، فتجد نفسها مضطرة إلى مواجهة كائنات أسطورية مستوحاة من التراث الجنوبي الأمريكي، من بينها “هوجين مولي” و”رو جارو”، اللذان يجسدان حكايات قديمة أُعيد إحياؤها في أشكال مخيفة ومذهلة.
تنسج South of Midnight عالمًا يعجّ بالأساطير والشخصيات الخالدة، لكن في جوهرها، تحكي القصة عن أولئك الذين أرهقتهم المعاناة وشوهتهم التجارب القاسية، حتى غدت بعض أرواحهم وحشية، وأحيانًا مدمرة. هذا المزيج من الألم والسحر يخلق أجواءً غامضة ومظلمة، حيث تتداخل الأسطورة مع الواقع، لتقديم تجربة فريدة ومؤثرة.

رحلة هازيل ليست مجرد مغامرة مادية، بل هي أيضًا رحلة داخلية لاكتشاف الذات وفهم الإرث الغامض الذي تحمله؛ وكل خطوة تخطوها تقودها إلى أعماق هذا العالم، حيث تستعين بقدراتها السحرية للتنقل عبر المستنقعات والأنقاض، وحل الألغاز الغامضة التي تفتح لها أبواب الماضي والمستقبل، كما تستخدمها لتهدئة الأرواح التي تحولت إلى وحوش ضارية بفعل الألم والمعاناة.

على مدار 14 فصلًا تمتد لحوالي 12 ساعة -بنسبة لي-، ستجد نفسك غارقًا في تجربة سردية آسرة، حيث تضيف كل مواجهة وكل اكتشاف طبقة جديدة من العمق إلى مغامرة هازل.
أسلوب اللعب
- يتميز القتال في اللعبة بأسلوب ديناميكي يجمع بين السرعة، المراوغة، والاستخدام الذكي للقدرات السحرية. يتحكم اللاعب في “هازل”، البطلة التي تكتسب قوة النسيج “Weaving” القديمة لمواجهة المخلوقات الشريرة المعروفة باسم “Haints”. يعتمد اللاعب على التكتيكات القتالية المستوحاة من ألعاب السولز، حيث تتنوع الهجمات بين الهجومية المباشرة والقدرات السحرية الفريدة التي توفرها قوة “Weaving”.

- تنقسم الضربات الجسدية إلى نوعين رئيسيين: الهجمة الأساسية (Basic Attack)، التي تتميز بالسرعة ولكنها ضعيفة الضرر، وتستخدم لإنهاك الخصوم وخلق فرص للهجمات الأقوى، والهجمة الثقيلة (Heavy Attack)، التي يمكن شحنها لتنفيذ ضربة قوية ذات تأثير مدمر، يتناسب مع مدة الشحن، مما يضيف بعدًا استراتيجيًا للمعارك.

- أما القدرات السحرية، فتفتح أمام اللاعب خيارات أوسع أثناء المواجهات. قدرة Weave Spell تمكنه من تحويل الأجسام إلى صلبة لفترة قصيرة أو تعطيل حركة الأعداء، مما يمنحه ميزة تكتيكية في القتال. إضافة إلى ذلك، هناك Strand Push، التي تُستخدم لدفع الخصوم أو تحطيم العناصر القابلة للكسر، وStrand Pull، التي تتيح جذب العناصر القريبة لاستخدامها في حل الألغاز أو استغلالها في القتال. هذه القدرات تمنح القتال عمقًا إضافيًا، مما يشجع اللاعب على الجمع بين الهجمات الجسدية والسحرية لتحقيق أفضل النتائج.

- عند هزيمة الأعداء، يمكن للاعب تنفيذ Unraveling، وهي تقنية تعيد جزءًا من الصحة لفترة قصيرة، مما يجعل توقيت تنفيذها عنصرًا حاسمًا في البقاء أثناء المواجهات. كما يمكن استعادة الصحة عبر Health Coils، التي تُستخدم لمرة واحدة خلال القتال (باستثناء مستويات الصعوبة الأسهل)، بالإضافة إلى Health Filaments المنتشرة في العالم، والتي تزيد من الحد الأقصى للصحة، مما يجعل الاستكشاف جزءًا أساسيًا من أسلوب اللعب.

- لا يقتصر التحدي على القتال، بل يمتد إلى نظام الحركة المصمم بدقة ليوفر تجربة سلسة وغامرة. يمكن لـ”هازل” استخدام مجموعة من القدرات الخاصة، مثل القفز المزدوج، الجري على الجدران، والانزلاق عبر المساحات المفتوحة، مما يمنح اللاعب حرية كبيرة في التنقل بين بيئات متنوعة مليئة بالأسرار والتحديات. تم تصميم العالم ليكون مفتوحًا جزئيًا، مما يشجع على الاستكشاف، حيث يخفي العديد من العناصر القابلة للجمع والأسرار التي تضيف عمقًا إضافيًا إلى السرد.

- تعتمد اللعبة على مزيج من الواقعية السحرية والتأثيرات البصرية المستوحاة من تقنية إيقاف الحركة (Stop-Motion) في المشاهد السينمائية، مما يضفي طابعًا مميزًا على التجربة البصرية. ورغم أن هذا الأسلوب قد يكون محل جدل بين بعض اللاعبين، إلا أنه يمكن تعديله أو تعطيله خارج المشاهد السينمائية من خلال الإعدادات، مما يسمح للجميع بالاستمتاع بطريقة العرض التي تناسبهم.

- إلى جانب القتال والاستكشاف، تحتوي اللعبة على مجموعة من الألغاز التي تتطلب استخدام القدرات السحرية لحلها. يمكن للاعب تحريك الأجسام، تغيير طبيعة العناصر المحيطة، أو استخدام القوى السحرية لفتح مسارات جديدة. تم تصميم البيئات لتعكس جزءًا من السرد العام، حيث تحمل في طياتها إشارات إلى تاريخ اللعبة وأساطيرها المخفية، مما يجعل حل الألغاز جزءًا أساسيًا من استكشاف العالم وفهم قصته العميقة.

- يعتمد نظام التقدم في اللعبة على شجرة مهارات تنقسم إلى فرعين رئيسيين: الأول يركز على تحسين أسلوب اللعب العام، مثل المراوغة وزيادة فعالية الضربات، والثاني يختص بتطوير القدرات السحرية لـ”هازل”، مما يفتح أمام اللاعب استراتيجيات قتالية جديدة. يمكن ترقية هذه المهارات عبر جمع Floofs، وهي عناصر منتشرة في العالم يسهل العثور عليها، مما يحفز اللاعب على استكشاف البيئات المختلفة بحثًا عن فرص تقوية قدراته.

- خلال المغامرة، يحصل اللاعب على رفيق صغير يُدعى Crouton، وهو دمية سحرية تساعد “هازل” في الاستكشاف بطرق لا تستطيع القيام بها بمفردها. يمكنه الدخول إلى المساحات الضيقة، كشف المسارات المخفية، وحتى التحكم في الأعداء لفترة قصيرة واستخدام قدراتهم ضد بعضهم البعض، مما يضيف عنصرًا إضافيًا من العمق والاستراتيجية إلى أسلوب اللعب.

إيجابيات التجربة
- تصميم بيئي فريد وأصيل ينقل روح الفولكلور الجنوبي؛ تقدم اللعبة عالمًا مستوحًى من التقاليد والثقافة الجنوبية الأمريكية، حيث تبدو كل زاوية فيه نابضة بالحياة. التفاصيل الدقيقة في البيئات، من المنازل الخشبية القديمة إلى المستنقعات الغامضة، تعكس طابعًا ثقافيًا غنيًا يضع اللاعب في قلب القصة. كل مشهد يبدو وكأنه لوحة فنية تحكي قصة بحد ذاتها، مما يعزز إحساس الانغماس في التجربة.

- سرد قصصي مؤثر ومتجذر في التراث الثقافي؛ القصة ليست مجرد حبكة سطحية تحرّك الأحداث، بل هي نسيج متكامل من المشاعر، الذكريات، والتقاليد التي تعكس روح وحياة الجنوب الأمريكي بكل تفاصيلها. تأخذك اللعبة في رحلة عاطفية تتداخل فيها الأبعاد الإنسانية مع العناصر الثقافية، حيث تجد نفسك أمام شخصيات ذات عمق حقيقي، لكل منها ماضٍ فريد ودوافع شخصية تجعلها تنبض بالحياة.

- أسلوب فني متميز يمنح اللعبة هوية بصرية فريدة؛ استخدام تقنية Stop-Motion في المشاهد السينمائية ليس مجرد خيار جمالي، بل هو جزء من هوية اللعبة، حيث يضفي إحساسًا وكأنك تشاهد فيلم رسوم متحركة مصنوعًا يدويًا بحرفية عالية. هذا الأسلوب يمنح اللعبة عمقًا بصريًا رائعًا، مما يجعل كل حركة وتفصيلة تبدو وكأنها جزء من عالم سحري مرسوم بإبداع.

- رسوميات وإخراج فني مذهل يعكسان روح القصة؛ الإبداع البصري لا يقتصر على جودة الرسوميات فحسب، بل يمتد إلى الإخراج الفني الذي يمنح كل مشهد بصمة فنية خاصة، تذكّر بأعمال Tim Burton. يشعر اللاعب وكأنه يعيش داخل قصة خيالية ساحرة تنبض بالحياة. التفاصيل الدقيقة في تصميم الشخصيات والعالم تضيف بُعدًا فنيًا يجعل التجربة لا تُنسى.

- الصوتيات والموسيقى التصويرية تلعب دورًا جوهريًا في التجربة؛ من اللحظة الأولى، تضعك الموسيقى التصويرية في أجواء اللعبة، حيث تمزج بين الألحان التقليدية المستوحاة من الجنوب الأمريكي والمؤثرات الصوتية التي تعكس بيئة اللعبة بكل تفاصيلها.
السلبيات
- نظام القتال يفتقر إلى التعقيد والتنوع؛ رغم روعة العالم والسرد القصصي، إلا أن القتال يبدو محدودًا وبسيطًا، حيث يعتمد على أنماط متكررة دون إضافة عناصر تجعل المواجهات أكثر تحديًا. قد يشعر بعض اللاعبين بالرتابة مع مرور الوقت، خاصةً لمن يبحثون عن تجربة قتالية أكثر ديناميكية وابتكارًا.

- رغم اختيار أسلوب Stop-Motion يعد من أبرز نقاط قوة اللعبة، إلا أن التنفيذ لم يكن متقنًا بشكل كامل في جميع المشاهد. في بعض الأحيان، قد تبدو الحركات غير سلسة أو غير متناسقة مع الإيقاع العام، مما يؤثر على الانسيابية البصرية ويجعل بعض اللحظات أقل تأثيرًا مما كان يمكن أن تكون عليه.

- من أبرز النقاط السلبية غياب دعم اللغة العربية، رغم اعتماد اللعبة بشكل كبير على الحوارات والسرد لفهم تفاصيل القصة. دعم 23 لغة أخرى دون العربية يعد نقطة ضعف، حيث كان من الممكن أن يسهم وجود ترجمة عربية في جذب جمهور أوسع ومنح اللاعبين فرصة للاستمتاع بالتجربة بشكل كامل دون عائق لغوي.
هل لعبة South of Midnight تستحق التجربة؟
نعم، بكل تأكيد.
إذا كنت تبحث عن تجربة غامرة تمزج بين السحر والاساطير في حكاية آسرة، فرغم بعض العيوب، مثل محدودية القتال وغياب دعم العربية، فإن South of Midnight تقدم عالماً فريداً بأسلوب بصري أخّاذ وسرد مشوّق. إذا كنت من عشاق الألعاب القصصية ذات الطابع الفني المميز، فلا تفوّت هذه المغامرة!
مُلخص المراجعة
القصة والسرد - 9.5
التجربة البصرية وسمعية - 9.5
العالم والتصميم البيئات - 9
أسلوب اللعب - 8
9
تحفة فنية
تقدم South of Midnight تجربة فريدة تمزج بين الأسلوب البصري المميز والسرد العاطفي العميق. رغم بعض العيوب، فإنها تظل مغامرة تستحق التجربة لمحبي القصص الغامرة والتجارب الفنية المبتكرة.