على الرغم من تواضع لعبة Avowed التي أطلقتها Obsidian Entertainment في بداية هذا العام، إلا إنه كنت لازلت متحمساً للعبتهم الـRPG الثانية في نفس العام The Outer Worlds 2. فمن اللحظة الأولى التي أعلنت فيها Obsidian عن The Outer Worlds 2، كان واضحاً أن الفريق لا ينوي الاكتفاء بتكرار نجاح الجزء الأول، بل يسعى لتوسيع حدوده على كل المستويات. وبعد قضاء عشرات الساعات في عالم اللعبة، أستطيع القول إنه كل من أعجبه الجزء الأول سيكون سعيداً مع الجزء الجديد.
لم يقدم The Outer Worlds 2 قفزة ثورية كبيرة عن الجزء الأول، ولكنه يصقل التجربة الأصلية بشكل جعلها أكثر نضجاً. كما إنها ما زالت تحتفظ بروح السخرية السوداء التي اشتهرت بها السلسلة، لكنها هذه المرة تبدو أكثر جرأة في تناولها لمواضيع الفساد والسلطة والطموح الشخصي. من أول مشهد وحتى آخر حوار، شعرت أن The Outer Worlds 2 تعرف بالضبط ما تريد قوله، وتقدمه بثقة نادرة بين ألعاب هذا النوع.
نبذة عن اللعبة

The Outer Worlds 2 هي لعبة RPG من منظور الشخص الأول والثالث -يمكنك التبديل منهم- تجمع بين الاستكشاف، القتال، والحوار التفاعلي، تقع أحداثها في مجرة جديدة تماماً تدعى Halcyon Frontier. مثل الجزء السابق، أنت القائد المجهول الذي يستيقظ من نوم طويل داخل كبسولة تجميد، لتجد نفسك في وسط صراعات سياسية ومؤامرات اقتصادية بين شركات ضخمة تسيطر على المستعمرات الفضائية.
اللعبة تعتمد نفس البنية العامة للجزء الأول، لكنها توسعها بشكل كبير، كواكب أكبر، فصائل أكثر، ونظام شخصيات رفاق (Companions) أكثر تنوعاً. الجديد هنا أن خياراتك لا تؤثر فقط على القصة، بل على الاقتصاد والمجتمع في المجرة كلها، وهو تطور ذكي جعل قراراتي أكثر ثِقلاً من أي وقت مضى.
القصة وعالم اللعبة

بينما كانت لعبة The Outer Worlds الأصلية تدور في مستعمرة Halcyon، فإن The Outer Worlds 2 تجري أحداثها في المستعمرة الغنية والمعزولة Arcadia. يتولى اللاعب دور عميل يعمل لصالح Earth Directorate، وهي هيئة إدارية مكلفة بالتنسيق بين الأرض ومستعمراتها. يُرسل اللاعب إلى Arcadia للتحقيق في تمزقات (Rifts) حدثت في نسيج الزمكان أدت إلى انقطاع الاتصال بين المستعمرات والأرض تماماً.
وهناك، تكتشف صراعا متصاعدا بين Protectorate، وهي حكومة شمولية تحتكر السفر أسرع من الضوء، وAuntie’s Choice، وهي شركة عملاقة نتجت عن اندماج شركة الأدوية Auntie Cleo’s مع شركة السلع الاستهلاكية Spacer’s Choice، والتي تسعى إلى كسر احتكار Protectorate للسفر الفائق السرعة من أجل السيطرة على طرق التجارة في Arcadia.
الكتابة في هذا الجزء من أبرز ما لفت انتباهي. Obsidian ما زالت تحتفظ بقدرتها على المزج بين الكوميديا اللاذعة والنقد السياسي الساخر، لكن القصة هذه المرة أكثر جدية في جوهرها. ومع ذلك، هناك لحظات شعرت فيها أن الإيقاع يتباطأ أكثر مما يجب. بعض المهام الثانوية مكررة في فكرتها، وبعض الحوارات تطيل أكثر مما تضيف. لكن في المقابل، النهاية كانت مرضية جداً، وقدمت خلاصة ممتازة لما أرادت اللعبة قوله حول الحرية والمسؤولية.
العالم نفسه أكثر تنوعاً بصرياً وثقافياً من أي وقت مضى. كل كوكب له طابع بيئي مميز، من المدن الصناعية المغطاة بالدخان إلى الغابات المضيئة بنباتات غريبة. أعجبتني التفاصيل الصغيرة مثل اللافتات الإعلانية الساخرة، اللهجات المختلفة للشخصيات، وحتى الطريقة التي ينعكس بها الاقتصاد على تصميم البيئات. كل هذا جعلني اندمج أكثر في عالم اللعبة واشعر بحيويته.
من ضمن ما أعجبني أيضاً هو التفاعل بين الشخصيات. الرفاق في هذا الجزء مكتوبون بعناية مذهلة. مثلاً، شخصية Felix العائدة تبدو أكثر نضجاً وصراعه الداخلي أكثر واقعية، في حين قدمت الوافدة الجديدة Dr. Aria Kelso واحداً من أكثر خطوط المهام الجانبية عمقاً في السلسلة. ولكن للأسف هذا ليس نفس الحال مع كل الشخصيات المرافقة، فبعض شخصيات كرينجية، ومهماتهم شعرت بأنها مجرد حشو فقط لزيادة المحتوى.
ولكن يظل أكثر ما أعجبني حقاً هو الحورات فعلى الرغم من أن الحورات تطبع عليها السخرية السوداء إلا إنها عميقة وناضجة جداً، والاختيارات كثيرة ساعدت في ذلك، لأن اللعبة كأنها تعلم كيف سأرد على شخص ما في الحقيقة وتضعه من اختيارات الحوار. وعلى الرغم من فقدان اللعبة بعض التأثير الدرامي بسبب السخرية الزائدة إلا إنها نجحت في إيصال هدفها.
أسلوب اللعب

أسلوب اللعب في The Outer Worlds 2 هو مزيج متقن بين القتال السلس والاستكشاف العميق. القتال هنا تطور بشكل واضح بفضل نظام الأسلحة الجديد. كل سلاح قابل للتعديل بدرجات أكثر من السابق، والأسلحة العلمية والليزرية تمتلك تأثيرات مميزة تشجع على التجريب. لكن تذكر يمكن حل الكثير من المواقف بالحوارات فقط، فـThe Outer Worlds 2 تقدم دائماً طرق بديلة بعيداً عن القتال.
أنا شخصياً أحببت استخدام بندقية Shrink Ray التي تصغّر العدو ومن ثم قتلهم بسهولة. وبندقية Plasma Repeater Mk II، خصوصاً بعد ترقيتها لإحداث انفجار حراري عند الإصابة الحرجة. وعموماً الأسلحة كانت متنوعة كفاية مما جعلتني من تغير اسول تعاملي مع الأعداء حسب السلام الذي أحارب به. وبجانب تنوعها تأتي المهارات والتي تغير أيضاً من اسلوب القتال، كل ذلك يجعل القتال مميز ولا يتكرر كثيراً.
نظام الحركة أصبح أكثر مرونة. يمكن الآن القفز مرتين والتزحلق والاختباء خلف الغطاء بسلاسة، مما يجعل المواجهات أكثر ديناميكية. الذكاء الاصطناعي للأعداء تحسن بشكل ملحوظ، خصوصاً في المستويات الصعبة، حيث يحاولون الالتفاف عليك بدلاً من الاندفاع المباشر، وتتنوع قدراتهم الخاصة حسب الفصيل اللي ينتمي له.
نظام الوقت البطيء Tactical Time Dilation عاد من الجزء الأول لكنه تم تحسينه كثيراً. لم يعد مجرد وسيلة لتصويب أدق، بل أداة تكتيكية حقيقية تسمح لك بتحليل الأعداء وكشف نقاط ضعفهم. شعرت فعلاً أن النظام أصبح جزءاً من الاستراتيجية وليس مجرد حيلة بصرية.
كما يمكنك التحكم في الرفقاء وتفعيل قدرتهم الألتميت عندما تكون علاقتك بهم ممتازة. لكن رغم كل ذلك، بعض المعارك في أواخر اللعبة كانت فوضوية أكثر مما يجب. الأعداء يصبحون أقوى فقط عبر زيادة نقاط الصحة، دون تغييرات تكتيكية كافية، وهو شيء أزعجني خصوصاً في المواجهات الأخيرة.
عناصر تقمص الأدوار

من الناحية التقمصية، اللعبة بلغت مستوى نضج كبير. نظام المهارات الجديد أعاد توزيع النقاط بطريقة أكثر منطقية. بدلاً من التركيز على عشرات التصنيفات، تم دمجها في فئات رئيسية مثل Dialogue وCombat وTech وLeadership وScience، مما جعل التطوير أسهل وأكثر تأثيراً.
فمهارات القيادة تحسن من أداء رفاقك بالقتال. والمهارات العلمية تعزز من قوة الأسلحة العلمية ذات القدرات الغريبة. والمهارات الاجتماعية تساعدك في كسب الحوارات بالإقناع أو بالتهديد، وهذه قدرة مهمة جداً لأن عن طريقها يمكنك حل الكثير من المواقف بدون معارك مثل ما ذكرنا سابقاً.
نظام Flaws (عيوب) يعود من جديد مع تحسينه كثيراً، حيث تراقب اللعبة أداءك لأعطائك صفات محددة تغير من أسلوب اللعب. فمثلاً عندما كنت أنحني كثيراً لكي أتسلل في المهمات جائت لي Flaw إسمها (ركبة سيئة) والتي جعلتني اتحرك بصورة أسرع وانا منحني ولكنها جعلت ركبتي تطقطق فتصدر صوتاً يسمعه الأعداء ويكشفون تواجدي.
عيب (Flaw) آخر أصابني بأسم (كذاب قهري) فبسبب كثرة الكذب الذي كذبته على الناس أصبحت شخصيتي يكذب تلقائياً، وذلك عن طريق ان الاقناع يكون بالكذب فقط وفي المقابل يصبح الاقناع بالكذب قوي للغاية. ولكن يجب التنويه إنه عند الموافقة على Flaw معين لن تتمكن من إذالته بعد ذلك.
تتميز مهمات The Outer Worlds 2 بالمسارات المتعددة، فستجد أكثر طريق اسلوب لإنهاء المهمة، إما بالقتال او بالتسلل او بالحوارات. كما أن بعض المهمات تعطي لك فرصة للأستكشاف ولا تخبرك عن ما يجب فعله، فعليك التركيز في الحوارات أو شكل البيئة من حولك، وقد تقوم احد رفاقك بمساعدة في حل اللغز او ارشادك لمكان سلاح أو عتاد قوي.
الحوارات هنا هي قلب التجربة. الخيارات لم تعد تجميلية، بل تؤدي إلى نتائج ملموسة على العالم من حولك. أحيانًا وجدت نفسي أفقد مهام كاملة أو أكتسب أعداء جدد فقط بسبب جملة قلتها أثناء حوار معين. هذا الإحساس بالعواقب الواقعية جعلني أتوتر مع كل قرار.
العلاقات مع الرفاق تلعب دوراً أكبر هذه المرة. يمكن أن تتطور بشكل إيجابي أو سلبي اعتمادًا على أفعالك ومواقفك السياسية داخل اللعبة. شخصيًا، خسرت دعم أحد الرفاق في منتصف القصة بسبب قرار اتخذته بدافع أخلاقي، وكانت لحظة قوية جدًا على المستوى العاطفي.
جانب التجارة والتصنيع (Crafting) توسع كذلك. يمكنك الآن إنشاء معدات فريدة بتأثيرات نادرة، مما أضاف دافعاً كبيراً للاستكشاف وتجميع الموارد. ومع ذلك، ما زال النظام بحاجة لبعض التوازن، خصوصاً في منتصف اللعبة حيث تصبح الموارد كثيرة جداً لدرجة تفقد معها قيمتها.
التوجه الفني والتقني

من الناحية البصرية، The Outer Worlds 2 مذهلة. استخدام الألوان المشبعة والإضاءة الديناميكية يعطي كل كوكب هوية بصرية مميزة. التصميم الفني لا يسعى إلى الواقعية المفرطة، بل يقدم أسلوباً شبه كارتوني بطابع خيالي داكن وهو ما يعكس روح اللعبة الساخرة بشكل ممتاز.
الأداء التقني كان مستقرًا جدًا على PC وXbox Series X، ولكنه على جهاز الـPS5 كان محصوراً في 30 اطار فقط في الثانية. ومع ذلك كان معدل تاإطارات ثابت وتجربة خالية تقريباً من الأعطال. ومع ذلك، واجهت بعض التباطؤ المؤقت عند الانتقال بين المناطق الكبيرة، لكنه لم يؤثر على التجربة الكلية.
أما الجانب الصوتي فهو تحفة بحد ذاته. الأداء التمثيلي متقن جداً، والموسيقى التصويرية تجمع بين الألحان الفضائية الهادئة والنغمات القتالية الحماسية. أصوات الأسلحة والانفجارات تم تحسينها بشكل واضح مقارنة بالجزء الأول، ما أضاف إحساسًا بالوزن والعمق في المعارك.
الخلاصة
The Outer Worlds 2 لا تقدم نقلة ثورية، لكنها تطور ذكي وناضج لتجربة فريدة من نوعها. هي لعبة تفهم نفسها جيدًا وتعرف جمهورها، وتقدم لهم بالضبط ما يحبونه: حرية الاختيار، كتابة قوية، وشخصيات لا تُنسى.
قد لا تكون مثالية، لكنها واحدة من أمتع ألعاب الـ RPG هذا العام، وتجربة جعلتني أتطلع بشدة لما ستقدمه Obsidian في المستقبل.
دعم المنطقة العربية
- اللغة العربية: غير متوفرة.
- دعم أجندات الـWoke: موجودة.
- المشاهد الإباحية: غير موجودة.
- الموسيقى: قابلة للكتم من الإعدادات.
الحكم النهائي
القصة وعالم اللعبة - 8
أسلوب اللعب - 8
عناصر تقمص الأدوار - 9
قيمة مقابل سعر - 9
التوجه الفني - 9
التوجه التقني - 8
8.5
عظيمة
قد لا تقدم The Outer Worlds 2 نقلة ثورية على ما جاء به الجزء الأول، ولكنه حسن من التجربة كثيراً مما يجعلها واحدة من أفضل ألعاب الـRPG لهذا العام