برقم 10 مليون لاعب سجل دخوله حققت FIFA 23 رقمًا قياسيًا ونجاحًا باهرًا في أول أسبوع لها بعد الإصدار. كل هذا على الرغم من عدم تقديمها للكثير من التغييرات الثورية عن سابقتها (FIFA 22) فما هو السر الذي يجعل ملايين اللاعبين يقبلون على شرائها كل عام بسعر كامل؟ هذا ما نحد بصدد مناقشته اليوم.
أولًا: فلسفة التصميم لألعاب Fifa أخذت منعطفًا تاريخيًا
منذ بداية فيفا كسلسلة ألعاب محاكاة لكرة القدم وهي تسعى لأن تكون واقعية بأقصى قدر ممكن. يكفي أن أخبرك بأنها أول لعبة كرة قدم تقدم احتسابًا للمسات اليد ضمن الأخطاء التي يقوم بها اللاعبين، بينما كانت منافستها PES تقدم أسلوب لعب أكثر أركيدية وأقل واقعية.
مع تقديم طور الألتميت تيم دخلت المنافسة في مستوى آخر، كان من الصعب أن تنافس فيه الألعاب الأخرى فيفا خصوصًا مع التطويرات التي حلت بالألتميت تيم على مدار السنوات، ليصبح أكبر طور إدماني في الألعاب بتصميم يشجعك على قضاء المزيد من الوقت في اللعب حتى وإن لم تكن سعيدًا بالوقت الذي تقضيه.
من يظن أن اللعب بالبساطة التي تجعلك تلعب الألعاب التي تستمتع بها فقط فهو مخطيء. صناعة الألعاب لم تعد بهذه البساطة وهناك من يشببها بصناعة “الكازينو” في لاسفيجاس والتي تقوم على جعل الزائرين الجدد معجبون بأماكن المقامرة وبالتالي مهتمون باستكشافها، وعند الدخول يكون من الصعب الخروج بسرعة لأسباب متعددة أولها تصميم الأماكن الذي يساعد على فقدان الشعور بالوقت والأموال، وثانيها هو مطاردة وهم النجاح. أنت دائمًا على بعد خطوة من فوزك الأعظم وكلما خسرتأكثر تظن أنك بدأت تستنفذ حظك السيء وأن الحظ الموفق لابد أن يقترب.
لماذا أشبه فيفا بالكازينو على الرغم من أن أحدهما يحمل حرمانية دينية والآخر حلال بنسبة كبيرة؟ لأن في فيفا هناك دفع بأموال حقيقية لتوفير الوقت واقتطاع الطريق على نفسك ومحاولة اللحاق بعربة المجد، أو الحصول على وهم الفوز الأعظم. في طور الألتميت تيم عندما تشتري باكات (Packs) بأموال حقيقية بكون الأمر قريبًا جدًا من المقامرة لأنك تلعب على عامل الحظ والذي بدوره قد يكون دليلًا على حرمانية دفع الأموال الحقيقية في هذا الجانب بالتحديد.
لكن بعيدًا عن الجانب الديني، وبالنظر للشيئان كونهما لعبة، فإن التصميم الذي يساعدك على الانغماس أكثر فأكثر حتى وأنت خاسر هو تصميم عبقري بلا شك ويضمن للشركة الربح من خلف الأموال الحقيقية أو قضاء اللاعبين أوقات أكبر مع لعبتهم.
جعل ذلك الإصدارات كلها ناجحة حتى تلك التي عانت من تحسينات ضئيلة في أسلوب اللعب، أو حتى جوانب سيئة مثل حراس المرمى في فيفا 18 و19. حتى مع تلك العيوب في أسلوب اللعب الذي هو أساس اللعبة كلها كانت المبيعات في تزايد وازدهار لأن الجماهير كانت قد وقعت في إدمان شعور النشوة عند لعب الألتميت تيم والمنافسة مع الأصدقاء. هناك شعور بالإنتماء للعبة حتى وإن ساءت، وحتى لو ارتفع سعرها 10 دولارات كاملة دون تحسينات تبرر ذلك.
فلسفة التطوير اعتمدت أيضًا على جعل كل الأطوار حول الألتميت تيم أطوارًا جاذبة للاعبين العاديين، الذين لا يطمحون للعب الجماعي ولكنهم مهتمون بلعب كرة القدم بشكل إلكتروني، فقد قدمت فيفا في الخمسة سنوات الماضية أطوارًا كثيرة متنوعة منها طور القصة The Journey وطور Volta مثلًا وأطوار ضربة البداية التي تضفي تنوعًا على قوانين اللعبة الأساسية، بجانب أطوار المهنة للمدرب واللاعب وغيرها.
إذا تلخيصًا لما تحدثنا حوله ،التصميم العبقري يكمن في خلق طور يصعب الابتعاد عنه مثل الألتميت تيم، ثم توفير الأطوار التي تجذب اللاعبين العادين، وتزيد من فرص تحولهم إلى رواد معتادين للعبة، وبالتالي لعبهم للألتميت تيم الذي يدر الأموال. فيفا هي اللعبة الوحيدة التي نجحت في بناء نظام لعب إدماني يعتمد على قضاء الوقت واللعب بشكل أسبوعي وشهري ويومي حتى لأجل الحفاظ على مركزط وتحديث تشكيلتك باستمرار. ألعاب أخرى من أنواع أخرى حاولت فعل ذلك مثل Avengers مثلًا، ولكنها لم تنجح في ذلك فلماذا؟
كيف كانت كرة القدم قبل وبعد فيفا
إجابة على السؤال الذي انتهت به الفقرة السابقة، فإن فيفا هي لعبة كرة القدم الأكثر واقعية على الإطلاق، كما أنها أخذت تحاول تحسين كل عنصر فيها على مدار السنوات بشكل عميق وفعال. يمكنك انتقاد تقنية Hyper motion كيفما شئت ولكنك لن تستطيع أبدًا إنكار تأثيرها على المدى البعيد على واقعية اللعبة. بمعنى آخر، فيفا تمتلك أمتع وأفضل أسلوب لعب في كل ألعاب كرة القدم بل في كل الألعاب الرياضية أيضًا، حتى أنك تستطيع اللعب بشكل تكتيكي وتغير خطة الفريق للضغط العالي او الكرات الطويلة أو الاستحواذ إلخ. جعلت فيفا كل المهتمين بكرة القدم يشعرون بالإثارة أثناء اللعب حتى هؤلاء الذين لا يعتبرون نفسهم جيمرز.
بالعودة للعبة التي ضربنا بها المثل في الفقرة السابقة، Avengers ومثيلاتها من الألعاب الخدمية التي تحاول تصميم أسلوب لعب إدماني يعتمد على قضاء وقت طويل، فأسلوب اللعب هو الفيصل فيها، لعبة مثل Avengers قدمت تصميم مهمات سيء ومحتوى متكرر لا يساعد في الاندماج وفقدان الشعور بالوقت من فرط المتعة. ألعاب أخرى مثل Destiny نجحت في تقديم أسلوب لعب رائع أعتبره الأفضل في تاريخ الشوترز كافي لجعل اللعبة باقية كل هذه السنوات.
الفوز في معركة الحقوق
لم تكتفي فيفا بتقديم أسلوب لعب رائع وطور ألتميت تيم إدماني، وإنما أيضًا فازت بمعركة الحصول على حقوق أغلبية البطولات الكبرى مثل دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي والدوريات الخمس الكبرى في كرة القدم، وحقوق الأندية والملاعب الكبيرة وهي أمور كلها مكلفة ولكنها أتت ثمارها إذ وضعت فيفا كسلسلة ألعاب في خانة اللعبة المثلى لمحبي كرة القدم للعب كل بطولاتهم المفضلة وؤية فرقهم حول العالم بملابسهم وملاعبهم المرخصة.
في النهاية، أعرف الكثير من الأصدقاء الذين لا يلعبون أي لعبة فيديو سوى فيفا، ويشترون مصنة منزلية خصيصًا لها، ويلعبون طور الألتميت تيم لمدة لا تقل عن 5 ساعات يوميًا وهو ما يجعل فيفا ظاهرة لا يجب أن نهملها أو نقلل من شأنها فالعمل التي قامت به شركة EA منذ البدء في المشروع في 93 حتى 23 هو عمل رائع، وأدر أمولاًا طائلة على الشركة وعلى اتحاد الكرة الدولي، وفي سنتها الأخيرة علينا أن نعي ذلك وندرسه ونقدره حتى وإن أخافنا الانفراد بالمنافسة الذي نحن بصدده، لأن النجاح دائمًا ما تكون له أسبابه وأهمها هي أن المنتج الناجح قد يكون بالفعل متفوقًا على منافسيه من حيث الأفكار.