Bully هي أحد أفضل ألعاب شركة Rockstar عبر تاريخها، قام بتطوير فرع Rockstar Vancouver والذي تم دمجه لاحقًا مع استوديو Rockstar Toronto، ولكن كأول لعبة من تطوير ذلك الاستوديو، فقد قدم إبداعًا كبيرًا استحق عليه تحويل اللعبة لسلسلة، والعمل على أجزاء جديدة منها. كيف كانت اللعبة ولماذا اعتبرها أفضل ألعاب Rockstar بعد GTA و Red Dead Redemption، هذا ما سنتطرق إليه في مقالنا لليوم.
قصة وشخصيات عظيمة، تمثل تقدًا لمنظومة التعليم عبر العصور
تمتلك Rockstar مهارة كبيرة في تقديم قصص ساخرة، وواقعية في الوقت نفسه. قصص سلسلة GTA كلها كانت قصصًا واقعية إلى حد كبير تمتلك حسًا فكاهيًا مظلمًا (Dark Humor) حول الحقبة التاريخية والبيئة التي تدور فيها الأحداث، فمثلًا لعبة GTA 3 كانت تمتلك الكثير من الإيماءات (الإشارات) إلى المافيا الإيطالية وما حولهم من سمعة سيئة، ومزحات شهيرة، وكذلك تضمنت سخرية أينما سنحت الفرصة من ثلاثية الأفلام العظيمة The Godfather كونها أكبر مرجع للأمريكين حول كيفية عمل المافيا الإيطالية.
تضمنت كل الأجزاء جانب ساخر بشكل أو بآخر، وحتى لعبة Red Dead Revolver كانت تسخر كثيرًا نوعية أفلام رعاة البقر (Western) ومبالغتهم في تقديم شخصياتهم. Bully أيضًا اتبعت هذه الطريقة ولكنها امتلكت مادة أضخم وأكبر لتقوم بتثديمها بشكل ساخر نقدي، ومُضحك على حد سواء.
تدور قصة لعبة Bully حول شخصية Jimmy Hopkins ، مراهق عمره 15 سنة يتم رفده أكثر من مرة من مدارس التحق بها، لتقوم والدته بإرسالة إلى مدرسة داخلية في مدينة New London الأمريكية، تُدعى Bullworth Academy وهي مدرسة سيئة السمعة، مشهورة بقبول الطلاب المشاغبين وتأديبهم.
في المقطع الأول في اللعبة تظهر القصة بشكل مختصر أن جيمي بما سيفعله كله خلال عمر اللعبة ليس مجرمًا، وإنما ضحية مشاكل عائلية وعدم اهتمام اسرته به، لتكون بذلك حجر الأساس الذي يبنى عليه كل شيء فيما بعد.
عند دخولك للمدرسة وفي لحظاتك الاولى، ستتعرض للضرب المبرح من التلاميذ المتنمرين، وكذلك يتم تقديمك لمجموعات المدرسة المختلفة وهم :
- Nerds: هم مجموعة من الطلاب يتسمون بالجبن ويتعرضون للاضطهاد من بقية مجموعات المدرسة، يهتمون بدراستهم كثيرًا ويتخذون من المكتبة والمسرح مقرًا لهم.
- Preppies هم مجموعة من أبناء الاغنياء العنصريين الذين لا يقبلون بينهم فردًا لا ينتمي إلى بيئتهم الفاسدة، ويتعاملون مع غيرهم بتعالي.
- Greasers: هم مجموعة من المراهقين ذوي العلاقات الجيدة مع الجميع، كما أنهم يستطيعون تهريب الأشياء غير القانونية للمدرسة.
- Jocks: هم الصورة النمطية للشخص الرياضي في الأفلام والأعمال المرئية الأمريكية، يرتدي ملابس رياضية، ويتسم بمظهر جذاب للفتيات، ويقوم بالتنمر على من لا يتمتعون بالصفات الشكلية نفسها، وعادة يكونون أغبياء أيضًا.
- Bullies: هم مجموعة من المراهقين العنيفين الذين يدخلون في شجار دائم مع المعلمين والطلاب الآخرين على حد سواء. هم لا يتفاهمون أبدًا، دائمًا ما تسبق قبضتهم أفواههم.
من هنا تبدأ رحلة قصصية ممتعة من التعرف على كل جانب من جوانب هذه المدرسة، فجيمي يحاول ألا يقع في المشاكل التي قد تؤدي إلى فصلة مجددًا، وفي الوقت نفسه يحاول أن يجد لنفسه مكانًا وسط كل هذه المجموعات، ولأن اللعبة تنقسم لعدة فصول قصصية، يركز كل فصل على مجموعة من هذه المجموعات الاجتماعية في المدرسة. في البداية يكون جيمي على مسافة واحدة من الجميع، وستجد أن اللعبة لم تقصده هو بتسميتها (Bully) وإنما هو مرآة ينعكس عليها كل جانب من جوانب المنظومة التعليمية التي تحاول اللعبة وضعك داخلها. لقد تعمدت اللعبة إخفاء أي دليل يفصح عن الحقبة التاريخية التي تدور فيها الأحداث حتى يستطيع الجميع أن يتضامن مع الأحداث ومع شخصية جيمي.
أحد لحظات القصة التي يتضح فيها جليًا نبرة القصة الساخرة، هي مهمة Last Minute Shopping والتي يطلب مدير المدرسة من جيمي فيها أن يتوجه للمطبخ لتلبية طلبات الطباخة، ومساعدتها في جمع المواد اللازمة لتقديم وجبات المدرسة، عند ذهابك تجدها مصابة بالرشح، وتقوم بالعطس والكحة فوق الطعام غير آبهةً بأثار ذلك السلبية على الطلاب الذين تقوم بطهي الطعام لهم. عند مواجهة جيمي لها بذلك الأمر ترد عليه بكل سخرية “إنها تضيف للنكهة” ! في نهاية المهمة وعند جلب جيمي للحم من متجر في المدينة، يقول لها بأن البائع أخبره أن اللحم سيفسد اليوم بحلول المساء، ترد عليه الطاهية بأن هذا الكلام هراء، وأنها ستتمكن من استخدام قطعة اللحم هذه لمدة شهر دون أي أضرار! السخرية من وجبات المدرسة السيئة، ومن تسلط المدير وعدم استماعه لشكاوى الطلاب، كل هذه الأشياء قامت هذه المهمة القصيرة بشكل سلس.
عند التقرب من كل فئة، يجد جيمي بأن كل منهم لديه مشاكله التي تجعلهم جميعًا سيئين مع غيرهم. ستجد أن جيمي على عكس المتوقع لا يمتلك فطرة فاسدة تمامًا، هو لا يبحث عن المتاعب ولا يفضل أحد على أحد ولا يحب إيذاء الآخرين، ولكنه لا يفضل مساعدة أحد دون أن يستفيد هو من وراء ذلك أيضًا، هناك من هم اسوأ منه كثيرًا في المدرسة، وهو يحاول الوقوف ندًا لهم في معظم أوقات رحلته التي تمتد لعام داخل هذه المدرسة. بين مشاكل فساد المعلمين، واستغلالهم سلطتهم، وثقافة الشللية والتنمر السائدة في المدرسة، وهي إسقاط على المجتمع الأمريكي ككل، وتركيز التعليم على العلامات الدراسة عوضًا عن التأهيل النفسي والأخلاقي للأطفال والمراهقين، كل هذا تقدمه لعبة Bully في سياق بسيط، شيق، وممتع.
أسلوب اللعب:عناصر RPG وأسلوب قتال ممتع حتى بمقاييس اليوم
صدق أو لا تصدق، امتلكت لعبة Bully التي صدرت في عام 2006 عناصر تقمص (RPG) متمثلة في إمكانية تخصيص شخصيتك، من حيث تسريحة الشعر، والملابس، والمهارات! نفس الشيء الذي قدمته GTA San Andreas ولكن على نطاق أصغر هذه المرة.
تنجح اللعبة في صناعة نمط يومي -كونك في مدرسة- عن طريق تقديم نظام تتابع ليل ونهار ثوري في وقتها. لقد امتلكت الشاشة ساعة يسير الوقت حسبها، وتنقسم ساعات الليل والنهار لتختلف في النشاطات التي يتم تقديمها. في الصباح هناك دروس عليك حضورها، درس اللغة الإنجليزية، ودرسًا للكيمياء، وآخرًا للألعاب الرياضية (Physical Education) و الأحياء، والموسيقى، والحساب، والجغرافيا، والرسم، والورشة التي تعلمك كيف تطور دراجتك.
أما في الليل فيكون وجودك في طرقات المدرسة ممنوعًا، وتفتح لك نوعيات محددة من المهمات، ويكون عليك النوم في تمام الساعة 11، وإذا ظللت مستقيظًا حتى الساعة 2 صبحًا سيغشى عليك وتستقيظ في نفس المكان، ولكن بدون الأموال التي كانت معك. إذا تتركك اللعبة أمام 4 ساعات لإتمام مهمات الليل، وأكثر قيلًا (من وقت اللعبة) لقضاء مهمات النهار، ولذلك فإن جدولك سيكون مزدحمًا بالأمور التي يمكنك فعلها، ولن تشعر بلحظة ملل واحدة.
بما أن عمر اللعبة يمتد على مدار سنة كاملة، فهناك مناسبات ستعيش أجواءها في المدرسة مثل عيد الخوف (الهالويين) وعيد الميلاد (Christmas) رؤية تأثير هذه الفترات أو المناسبات على البيئة من حولك مما يجعلها أجواءًا مميزة.
تصميم مهمات لعبة Bully كان أكثر تصميم مهمات معقد في ألعاب روكستار في ذلك الوقت، وبكلمة معقد لا أقصد أنها قدمت مهمات صعبة، ولكن المهمات في ألعاب GTA 3 و Vice City كان بسيطًا، يطلب منك فعل شيء أو شيئآن كحد أقصى، ومن ثم تنتهي المهمة. أما في Bully فهناك مهمات تحتوي على ثلاثة أو أربعة أو خمسة أقسام حتى! ومع ذلك لا يوجد إمكانية حفظ التقدم في منتصف المهمة، أو الحفظ التلقائي، وتعتبر هذه أحد عيوب اللعبة، ولكنها عيب واحد وسط قائمة طويلة من المميزات، فمن يهمه الأمر؟
عالم مفتوح يفوق التوقعات
قبل تجربة Bully لم يكن هناك الكثير من الألعاب التي تقدم بيئة مدرسة على الساحة، فقط ألعاب Harry Potter هي من قدمت مدرسة Hogwarts بشكل قريب من طريقة تقديم Bully لمدرسة Bullworth Academy، وعلى الرغم من اختلاف نوع اللعبتين، إلا أنه لا يسعني سوى المقارنة بين ما قدمته Bully من تفاصيل مع سلسلة Harry Potter. لقد استمتعت كثيرًا بالتجول في المدرسة بكل أركانها. ملاعب، وصالة الألعاب، وفصول، وطرقات، وحمامات، وقاعات مسرح، وساحة قديمة للخردة يسكنها المشردون، ومساكن للطلبة الذكور، وأخرى للإناث. في كل منطقة من هؤلاء ستجد مجموعة من المجموعات التي أشرت لها بالأعلى تسيطر عليها، فمثلًا منطقة الملاعب وصالة الألعاب يسيطر عليها مجموعة Jocks، ومنطقة المكتبة يسيطر عليها الNerds. نظام السمعة الموجود في GTA 2 أيضًا موجود هنا، فكل مقلب تنفذه أو شجار تدخله ضد مجموعة ما، سيتسبب في خسارة 5 نقاط من نقاط الاحترام (Respect) الخاصة بك لدى تلك المجموعة.
يمكنك قضاء ساعات وساعات في تعديل سمعتك لدى المجموعات المختلفة عن طريق العبث مع المجموعات التي تمثل ندًا للمجموعة التي تريد كسب سمعتك عندها. فمثلًا تنفيذ المقالب ضد مجموعة Bullies، تزيد من سمعتك لدى Nerds لأنهم أعداء ألداء. كذلك كل شيء تقوم فيه في عالم اللعبة، يشكل سمعتك والتي لن يكون لك فيها حرية كبيرة سوى في لحظات ما بين مهمات القصة، ولكنه بشكل عام نظام ثوري وأتمنى رؤيته في ألعاب Rockstar كلها وليس فقط GTA و الجزء الثاني من Bully.
نشاطات جانبية وفيرة، وذات جودة خرافية
تنقسم المهمات إلى أساسية وجانبية ومهمات هدفها جلب المال، وErrands أو خدمات/مساعدات لطلاب المدرسة، والدروس التي يمكنك حضورها، والألعاب الجانبية والتي حظيت باهتمام كبير من المطورين، متمثلةً في نوادي الملاكمة، السباقات، تكسير زينة الأعياد، المقالب، أو ألعاب الأركيد في أرجاء عالم اللعبة، والتي قدمت مجموعة من أفضل الMini games التي رأيتها في الألعاب، لدرجة أنه يمكنك مقارنتها بسلسلة Yakuza.
موسيقى Bully : متنوعة وتناسب الاجواء
قدم المُلحن Shawn Lee ألحانًا عظيمة وملائمة لأجواء اللعبة، لقد كانت واحدة من تلك الألعاب التي تخرج من تجربتها مقتنعًا تمام الاقتناع بأن الموسيقى تدفع تجربة أي لعبة إلى الأمام، وتزيد من اندماجك فيها. لازلت إلى يومنا هذا أستمع للموسيقى منفردةً، ويمكنني عد الألعاب التي قدمت تجربة سمعية مماثلة على أصابع اليد الواحدة، The Witcher 3 و Red Dead Redemption و Black flag.
يمكنني أن أكتب مقالًا كاملًا عن التجربة السمعية في Bully، ولكنها ليست أساس هذه اللعبة، بل أساسها هو بناء العالم وقصته، التي تقدم شخصيات تعلق بذهنك، أهمهم شرير اللعبة الرئيسي Gary والذي يتحول من صديق إلى عدو لدود، شخصية متلاعبة تعاني من مشاكل نفسية، تستخدمه اللعبة لتقديم واحد من أفضل جوانب الشر في ألعاب Rockstar على الإطلاق.
في النهاية،في تصريح سابق لمنتج اللعبة Jeronimo Barrera قال بأنهم أخبروا فريق التطوير أن يضع شيء واحد أمام عينيه، أنهم لم يكونوا بصدد تطوير “لعبة GTA اخرى” وإنما نحن نطور لعبة تدور احداثها حول مراهق في مدرسة! لقد قدم استوديو Rockstar Vancouver تحفة فنية في مجال العالم المفتوح، والسرد القصصي. تتشابه مع GTA في الكثير من الأشياء، ولكنها تتفرد بهوية خاصة بها لم أجدها في أي لعبة أخرى، وأتمنى أن يعود من عملوا على هذه الإصدارة لتطوير جزء جديد منها.
.
معلومة طريفة لكل من قرأ المقالة حتى نهايتها: إذا كنت لقد لعبت اللعبة في احد البلدان العربية، فأنت تعرف جيدًا أن اللاعب العربي كان يطلق على اللعبة اسم “شغب في مدارس لندن” وهو اسم تم إطلاقه على اللعبة بسبب وقوع أحداثها في مدينة New London الأمريكية.