تتبع الأشعة “Ray Tracing”، تقنية جديدة في عالم الألعاب لم يتجاوز عمرها بالنسبة لصناعة الألعاب بضع سنوات عندما أعلنت Nvidia بطاقات رسوم RTX 20 كأول بطاقات رسومية مبنية على معمارية Turing الشهيرة، ومنذ هذا الحين بدأت شركات تطوير الألعاب بدعم هذه التقنية بألعابها القادمة والسابقة بعناوين بارزة أهمها Doom Eternal و Cyberpunk 2077 و Dead Space Remake وغيرها.
لا يمكن لأحد إنكار مدى عظمة تقنية تتبع الأشعة ورفعها لمستوى رسوميات الألعاب اقتراباً من الوصول لحلم الواقعية شبه المطلقة التي نصبو إليها كلاعبين منذ نعومة أظافرنا، ولكن مع التراجع الذي نشهده من مطوري الألعاب مؤخراً نتيجة ضغط الناشرين مما يتسبب في مشاكل تقنية فادحة بالألعاب وإطلاقها برسوميات أقل من ألعاب تم إطلاقها منذ سنوات، يدفعنا لتساؤل مفاده: “ما الحكمة من دعم تتبع الأشعة ورسوميات الألعاب ليست واقعية من الأساس، هل هذه التقنية مجرد ميزة دعائية أم أنها بداية عصر جديد لواقعية رسوميات الألعاب؟”.
لمحة عن ظهور تقنية تتبع الأشعة وطريقة عملها:
تقنية تتبع الأشعة كما يتضح من اسمها تتعلق بأشعة الضوء الساقطة على الأسطح والمنعكسة منها، وببساطة فلنفترض أنك تلعب Spider-Man Remastered وتقف في مكان يحتوي على أسطح لامعة وبقع مياه، ستلاحظ أن هذه الأسطح والبقع تعكس أشعة الضوء وكأنها مرايا، ولكن إذا تمعنت في النظر ستكتشف أن الانعكاسات ليست واقعية. هنا تأتي الحاجة لتفعيل تقنية تتبع الأشعة، وبدورها ستقوم بمحاكاة انعكاس الضوء على الأسطح بشكل واقعي، وهو ما يثير إعجاب اللاعبين المستعدين لشراء بطاقات RTX من الفئة العليا مثلاً للاستمتاع بهذه التقنية بكامل مزاياها.
- اقرأ أيضاً: مراجعة لعبة Marvel’s Spider-Man Remastered.
بدون الخوض في تفاصيل تقنية معقدة، تقوم تقنية تتبع الأشعة على خوارزميات فائقة الذكاء تتخذ شكل عمليات رياضية غاية في التعقيد وتخضع لقوانين الفيزياء لحساب زوايا انعكاس أشعة الضوء ومدى كثافته بشكل دقيق حسب مصادر قدومها وأنواع الأسطح الساقطة عليها سواء كانت عاكسة أم ممتصة، وذلك بغرض محاكاة انعكاس أشعة الضوء كما يحدث في عالمنا الواقعي.
لكن لا تدعم البطاقات الرسومية تقنية تتبع الأشعة لمجرد وجود أنوية مخصصة (أنوية RT Cores ببطاقات RTX مثلاً)، وإنما لا بد من تدريب مسبق لهذه الأنوية، فالشركة المُنصعة (Nvidia في مثالنا) تقوم بتدريب بطاقاتها الرسومية على دعم تقنية تتبع الأشعة مسبقاً عبر تعريضها للعديد من الاختبارات المتنوعة مراراً وتكراراً حتى تتعلم البطاقات الرسومية بنفسها إجراء الحسابات الرياضية اعتماداً على أنويتها المخصصة المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
قد يتساءل أحدهم قائلاً: “إذا كانت البطاقات الرسومية تتطلب تدريباً مسبقاً لدعم تقنية تتبع الأشعة، فكيف تدعم هذه البطاقات ألعاباً جديدة لم تكن مُدربة عليها من الأساس؟!”. الإجابة أنه عندما تصدر لعبة حديثة داعمة لتقنية تتبع الأشعة، يتفق مطور اللعبة مع مصنعي بطاقات الرسوم على تدريب بطاقاتهم على اللعبة ومن ثم إرسال نتيجة التدريب وهي الخوارزميات اللازمة على هيئة تحديثات جديدة للبطاقات الرسومية، وهكذا ستدعم البطاقات الألعاب الجديدة رغم عدم تعرضها للتدريبات اللازمة بشكل فعلي.. بهذه البساطة!
هل تستر تقنية تتبع الأشعة كوارث وراءها أم أنها جاءت في وقت خطأ؟
لو كنت في زمن آخر لأجبت إما بالتأكيد المطلق أو الرفض القاطع، ولكن حالياً لا توجد معالم واضحة تجعلني أحكم بشكل مؤكد على تقنية تتبع الأشعة. من ناحية، تمثل تقنية تتبع الأشعة أملاً جديداً في عودة صناعة الألعاب لنضجها من الذي تفتقده حالياً بعد سنوات من الركود النسبي، كما أنها تعرض للتقدم التقني الذي وصلت إليه البطاقات الرسومية والتطور الرسومي الذي يكتنف الألعاب، ومن ناحية أخرى، يقف تراجع مستوى تطوير الألعاب مقارنةً بالتكنولوجيا الحالية حجر عثرة في سبيل واقعية الألعاب.
هل تذكر الإطلاق الكارثي Cyberpunk 2077 الذي لا يزال يلاحق استوديو CD Projekt Red في كوابيسه؟ هذا الاستوديو الموهوب الذي اشتُهر بجودة ألعابه خلال تاريخه العريق، والذي عاصر عاماً لا يُحسد عليه بسبب الضغط على فريق التطوير ليطلق قنبلة من الأخطاء التقنية والأداء المروع. ما الهدف من دعم تتبع الأشعة إن لم تعمل اللعبة بشكل لائق؟ وكيف عسانا الاستمتاع بواقعية الأشعة عندما يمر أمامنا شخصية NPC ممسوحة الوجه والمعالم تشبه شخصية من أنمي يعود للثمانينيات بجودة بيكسلات بالسالب؟!
لا أقصد هنا السخرية من اللعبة لأن أغلب المشاكل التقنية قد تم القضاء عليها منذ وقت طويل، ولكن أردت توضيح الفكرة، وهي أن تقنية تتبع الأشعة لن تضيف قيمةً للألعاب إذا كانت اللعبة نفسها تعاني من مشاكل تقنية، وهو ما ينطبق أيضاً على Resident Evil 4 Remake، فبطاقات الرسوم بذاكرة VRAM بحجم 8GB و 10GB تعاني مع تفعيل تتبع الأشعة رغم أن مستوى الأشعة ليس الأفضل حسب WCCFTECH، ولا أدري ما إذا تم حل المشكلة أم أنها ما زالت قائمة، ولكن ما يعنينا هنا أن التضحية بسلاسة التجربة مقابل تقنية تتبع الأشعة صفقة خاسرة بكل تأكيد!
- اقرأ أيضاً: مراجعة لعبة Resident Evil 4 Remake.
ليس هذا فحسب، فلا تزيد تقنية تتبع الأشعة من واقعية الألعاب إذا لم تكن اللعبة نفسها واقعية، نعود مجدداً إلى CD Projekt Red وبالتحديد The Witcher 3: Wild Hunt.. تحفة فنية في ألعاب الـRPG، ولكن رسوميات اللعبة نفسها قبل تحديث الجيل الجديد ليست واقعية مطلقاً ومع ذلك أصبحت تدعم تقنية تتبع الأشعة، ولذلك لا يمكن القول: “يا إلهي لقد تغيرت حياتي بعد تحديث تتبع الأشعة الخاص باللعبة، قالرسوميات أصبحت واقعية جداً!”.
أتفق معك أنه ليس من خطأ الاستوديو المطور أن يطلق لعبته قبل دعم تقنية تتبع الأشعة ولم يعر اهتماماً بجعل رسوميات لعبته واقعية كثيراً استعداداً لدعم تقنية لم يكن يعلم أحد عنها شيئاً! ماذا عن Forspoken؟ عنوان AAA صدر هذا العام شاركت Square Enix في تطويره ويُعد حصرية طرف ثالث لـSony، ولكن للأسف تفاجأنا بأدائها السيء ورسومياتها القبيحة وغير الواقعية، ولا يمكن القول بأن دعمها لتتبع الأشعة قد جعل منها ملكة زمانها. أما الألعاب ذات الرسومات الكرتونية مثل Fortnite، فهي موضوع آخر ولا داعي لتكرار فكرتنا أكثر من ذلك.
- اقرأ أيضاً: مراجعة لعبة Forspoken.
بطاقات الرسوم والألعاب الداعمة لهذه التقنية:
تتوفر تقنية تتبع الأشعة عبر بطاقات RTX 20 و RTX 30 و RTX 40 الداعمة لأنوية RT Cores من Nvidia وبعض بطاقات RX 6000 و RX 7000 الداعمة لأنوية Ray Accelerators من AMD وبعض بطاقات Intel Arc. علماً بأنه يمكن تجربة الميزة عبر البطاقات الرسومية الأقدم الداعمة لبرمجيات DirectX Raytracing مثل GTX 16 و Titan X من Nvidia بشرط تحديثها لأحدث إصدار.
أيضاً تتوافر هذه التقنية عبر منصات الجيل الجديد PS5 و Xbox Series X نظراً لأن البطاقات الرسومية هنا من AMD، بالإضافة لمعالجات الهواتف MediaTek Dimensity 9200 و Snapdragon 8 Gen 2 و Exynos 2200، ومن المتوقع أن تتوفر تقنية تتبع الأشعة بشكل أكبر للمزيد من البطاقات الرسومية عبر مختلف المنصات عاماً بعد عام.
أما عن الألعاب الداعمة لتقنية تتبع الأشعة فيبلغ عددها 168 لعبةً وفقاً لموسوعة PCGamingWiki أهمها Cyberpunk 2077 وثلاثية Crysis وأجزاء Resident Evil 2/3/4/7/8 و Dead Space Remake و The Witcher 3: Wild Hunt، ومن المنتظر قدوم ألعاب أخرى داعمة لتقنية تتبع الأشعة أهمها STALKER 2: Heart of Chornobyl و Avatar: Frontiers Of Pandora و The Lord of the Rings: Gollum.
في النهاية هذه مجرد مقالة تعرض لرأي شخصي أردت مشاركته بكل حيادية لأنه كان يشغل تفكيري من فترة طويلة وسارعت بكتابته عفوياً فور استفزازي بواسطة منشور ما، ولم أقصد منه السخرية من الألعاب التي لم يُوفق مطوروها لسوء حظهم، أو إثارة الجدل بخصوص تقنية طموحة مثل تتبع الأشعة، كل ما في الأمر أنني لا أريد أن تكون تقنية تتبع الأشعة ميزة دعائية عديمة الجدوى يستر بها المطورين المشاكل تقنية فادحة أو ضعف رسومي بيّن.