لا شك أن Starfield و Cyberpunk 2077 في حلتها الجديدة كليهما من أفضل تجارب الـ RPG هذه السنة، ومن العناوين المؤثرة في الصناعة بشكل عام على الرغم من اختلافهما الكبير عن بعضهما، الاختلاف الذي وضعهما في مقارنات غير سليمة ولكنها حتمية.
منذ أن صدرت Starfield تلقت ردود أفعال مختلطة بشكل كبير من اللاعبين، بين من يقدّر فلسفة Bethesda التصميمية في ألعابها ويستمتع بـ Starfield، ومن يرى أنها عفا عليها الزمن ولا يجب القبول بها في 2023. تلك الاختلافات احتدت مرة أخرى مع إصدار توسعة Phantom Liberty وتحديث 2.0 لـ Cyberpunk 2077، ودفعت اللاعبين إلى وضع اللعبتين في مقارنات يرى فيها كل فريق من الفريقيْن أنه يتفوق بسهولة على الآخر.
تلك المقارنات وصلت إلى حد جنوني على منصات التواصل الاجتماعي، لدرجة أن أحد مطوري Cyberpunk 2077 رد بنفسه على إحدى تلك المقارنات التي تفضل لعبته على Starfield وتسخر من الأخيرة، وقال أنه يحب Starfield كثيرًا بل ويعد نفسه من أشد معجبيها! لنحسمها إذًا وبشكل نهائي: Starfield أم Cyberpunk 2077؟
Cyberpunk 2077 تبدع في السينمائية، تبني الأجواء بحرص مع انتباه شديد للتفاصيل
حينما نتحدث عن Cyberpunk 2077، لعبة الـ RPG من المنظور الأول التي تركز كثيرًا على السينمائية، فنحن نتحدث عن صفة فريدة لهذه اللعبة، أن تقدم مشاهد سينمائية من طراز رفيع ولكن مع الالتزام بمنظور الشخص الأول طوال الوقت، ليس أمرًا اعتدنا عليه أو توقعنا حتى أن يكون بهذه الجودة، بل كان أمرًا مقلقًا للكثيرين ومنفرًا أيضًا حين أعلن الاستوديو عنه.
سحر المنظور الأول يجعل Cyberpunk 2077 تجربة فريدة
اتضح أنه للمنظور الأول في المشاهد السينمائية سحر خاص، ففي أغلب أوقات المَشاهِد أنت من تتحكم بالكاميرا ولك الحرية في النظر في أي اتجاه دون مقاطعة المشهد المسجل مسبقًا. تجد نفسك في جلسة مساومة شديدة التوتر، أنت جزء منها ولست محورها، فتنظر حولك وتتابع النقاشات الساخنة الدائرة وتقيّم الموقف من منظور الشخصية منتظرًا دورك في الحديث، لينظر إليك أحدهم فجأة من الجانب الآخر من الطاولة وربما يوجه سلاحًا إلى رأسك، ويطرح عليك سؤالًا صعبًا عليك اختيار الإجابة عليه في الثواني التالية قبل أن تنفجر رأسك، فتفكر جيدًا وسريعًا لأن هذه الإجابة ستحدد مصير المفاوضات، وربما مصيرك أنت ومَن معك.
المشاهد والحوارات من المنظور الأول في Cyberpunk 2077 ليست مشاهد بالمعنى المتعارف عليه في الألعاب، فكما ذكرت أنت تتحكم بالكاميرا بشكل طبيعي ولا تجبرك اللعبة على النظر نحو اتجاه محدد لكيلا يفوتك شيء، وبالرغم من ذلك يجري المشهد أمامك بصورة طبيعية وتتفاعل معك الشخصيات. في الواقع هي عملية تصميمية معقدة وليست بسيطة كما تبدو، وفقًا لما أدلى به Paweł Sasko مدير تصميم المهام في اللعبة، فيجب الانتباه إلى أماكن تمركز الشخصيات المختلفة في المشهد، تحركات كل شخصية على مدار الحوارات، وتوقيت كل جملة تخرج من أفواه الشخصيات، وكلها متغيرات في غاية الأهمية يهتم المطورون بأدق تفاصيلها لتخرج المشاهد بالشكل الذي نراه. بعض المشاهد الهامة استغرقت سنوات لصنعها بشكل كامل وفقًا لتصريح مصمم المهام الخبير باللعبة.
الأداء الصوتي عامل هام لا يلتفت إليه الكثيرون
الأداء الصوتي الخرافي هو عامل آخر في سينمائية اللعبة، فلكل شخصية، جانبية كانت أو رئيسية، مواصفات مختلفة وإحساس مختلف عند التعامل معها، و(نايت سيتي) مليئة بالشخصيات المتنوعة وبطريقة ما كل شخصية تقابلها تكون شخصية فريدة والحوار معها له طابعه الخاص.
الاستوديو البولندي يأخذ التمثيل الصوتي إلى مرحلة يتفرد بها في الصناعة بأكملها وليس في هذا التصنيف فقط، فتخيل أن في لعبة بها (كيانو ريفز) و(إدريس إلبا)، ممثليْن هوليووديين قديريْن قدما أداءات أسطورية بالمعنى الحرفي، إلا أن طاقم التمثيل بأكمله لا يقل عنهما شيئًا، بدءًا من ممثليّ شخصية (في) وحتى أقل الشخصيات أهمية في (نايت سيتي).
Starfield تضع حرية اللاعب أولوية قصوى، تجعله يسطّر طريقه بنفسه في بيئة RPG كلاسيكية
إذا لعبت عناوين سابقة لـ Bethesda فأنت تعرف مسبقًا ما أنت بصدد تجربته في Starfield، فهي تجربة RPG خالصة بطابع كلاسيكي، ما يجعلها ذات هوية مغايرة عن Cyberpunk 2077.
Starfield تضع المجرة بأكملها بين أيديك مع غزارة فريدة من المحتوى
حينما نتحدث عن عناوين Bethesda، و Starfield ليست استثناء، فأول ما يتبادر إلى الأذهان هو ضخامة المحتوى بجودة ثابتة، من مهام جانبية سريعة وأخرى طويلة قد تزيد مدتها عن العشر ساعات. فعليًا هناك خطوط مهام جانبية في Starfield تصلح أن تكون قصصًا كاملة لألعاب منفصلة بلا مبالغة، بشخصيات مثيرة للاهتمام وأحداث متسارعة بشكل رائع وأماكن خاصة بهذه المهام.
في Starfield يمكنك عقد العزم والذهاب لأي مكان تريد في المجرة وستجد ما يشغلك من نشاطات، بدءًا من إنشاء قواعد على كواكب مهجورة، مرورًا بالتحليق بالسفينة الفضائية وافتعال المشاكل في مواجهات فضائية محتدة، وحتى مجرد التجول في المدن الرئيسية التي لكل منها طابع مختلف وكأنك دخلت بوابة زمنية بذهابك إليها.
تلك الحرية تتضمن أيضًا عمق التخصيص، من السفينة التي يمكن بناؤها وتخصيص كل زاوية فيها بفضل نظام البناء الرائع والعميق، وحتى كل ما تتوقع أن بإمكانك تخصيصه في لعبة RPG كلاسيكية مثل Starfield. بناء القواعد لاستخراج الموارد، التصنيع والتعديل على العتاد، وبالطبع بناء الشخصية وتحديد خلفيتها القصصية التي تنعكس على الخيارات الحوارية والمهارات المفتوحة من البداية.
عدد لا نهائي من الأحداث الديناميكية الممتعة والمثيرة للاهتمام، تجعل للتجول -في ذاته- قيمة
مجرد التجول بين العامة في Starfield له قيمة، فهناك فرصة عالية أن تسترق السمع لمحادثة أحدهم وتكتشف أمرًا ما يقودك إلى مهمة قد تكون هي الأفضل في اللعبة، وكل ذلك بمحض الصدفة. قد تحصل على ساعات عالية الجودة من اللعب لمجرد أنك استمعت إلى أحدهم يتحدث في الشارع، وكان ممكنًا جدًا أن تفوت تلك الساعات -التي قد تصبح المفضلة لديك في اللعبة- إذا لم تمر من هذه المنطقة في الأساس. ذلك يجعل قيمة عالية للاستكشاف والتجول بحرية، وما يخدم هذا الغرض هو عدم وجود خريطة واضحة للمدن، الأمر الذي اعتبره الكثيرون عيبًا بينما أراه خيارًا تصميميًا يخدم غرض حرية الاستكشاف والاندماج في شوارع المدن وطرقاتها.
الأحداث الديناميكية تمتد إلى الفضاء أيضًا، حيث ستقابل جميع الأشكال من الناس بدوافع مختلفة وحيوات متنوعة، بمجرد التحليق بسفينتك في الفضاء. بين من يوفقك ليطلب معروفًا صغيرًا لتساعده في إصلاح سفينته مثلًا، ومن يأخذك في خط مهمات جديد تمامًا ويخبرك أن سفينتهم تائهة منذ مئات السنين وكانوا منقطعين عن العالم تمامًا والآن يحتاجون مساعدتك! جميع تلك الأحداث مميزة ومثيرة للاهتمام بشكل ما، وهي إحدى أبرز نقاط قوة Starfield التي بالتأكيد لن تجدها في Cyberpunk 2077.
أين الإجابة إذًا؟ Starfield أم Cyberpunk 2077؟
في الواقع يا صديقي أننا سألنا السؤال الخطأ، وللأسف لن تجد الإجابة التي تنشدها هنا، لأنه ببساطة Starfield ليست أفضل من Cyberpunk 2077، والعكس صحيح.
كل من اللعبتيْن لها فلسفة تصميم خاصة بها، بين من تعتمد على السينمائية وغمر اللاعب بأكبر قدر ممكن ولكن مع افتقار للأحداث الديناميكية المتفاعلة واقتصار المحتوى على مهام رئيسية وجانبية محددة على الخريطة، وأخرى لا تأبه بالسينمائية ولكنها تقدم محتوى غزيرًا لمئات الساعات وتتركك تخطو خطواتك كما تشاء وتفعل أي شيء وستجد العالم يتفاعل معك وستصادف أحداثًا ديناميكية لا حصر لها. بالطبع هناك الكثير لقوله عن عناصر اللعبة الأخرى، من أسلوب لعب وتصميم العالم وعناصر الـ RPG وغيرها الكثير، ولكن اكتفينا بتوضيح ما تبرع فيه كل من اللعبتين بشكل يجعلها فريدة في ذاتها، ويجعلها تجربة مختلفة.
لذلك يمكن القول أن المقارنة غير سليمة من الأساس، فلكل مطور أولويات أراد تحقيقها في لعبته، وفي رأيي أن كل منهما نجح في ذلك وقدم التجربة الذي طمح إليها. بالطبع اللعبتان لا تخلوان من العيوب، حتى عندما نضع كل لعبة في منطقتها الخاصة بها.
