مقالات

الصين وروسيا: كيف أصبحت التكنولوجيا سلاح الحرب الجديد!

مر أقل من أسبوعين على بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، ومنذ هذا الوقت وحلف الناتو يراقب التحركات الروسية، فيما تحشد أوكرانيا جنودها، وتطلب من الشركات الغربية وخصوصاً الأمريكية منع منتجاتها عن روسيا على أمل أن تدفع هذه الضغوط قيادة الدولة للانسحاب من غزوها الذي شنته على أوكرانيا.

بالفعل بدأت الشركات الأمريكية إما بدعم أوكرانيا بشكل مباشر أو غير مباشر أو بمنع خدماتها من روسيا، فقد قررت Meta أن تخضع أربعة صفحات حكومية روسية للرقابة على المحتوى بحيث يتم حذف المنشورات التي تؤثر سلباً على معنويات الأوكرانيين، فيما حظر تويتر إنشاء حسابات روسية جديدة، وقد رأينا Apple و Google تمنعان منتجاتها وخدماتها عن السوق الروسية، بالإضافة إلى إرسال Starlink إلى أوكرانيا معدات الإنترنت الفضائي.

إذا فالحرب لم تعد مجرد عبارة عن غزو أراضي باستخدام الأسلحة والجنود، كما لم تعد آثارها مقتصرة على عقوبات اقتصادية تبعية كرد فعل كما يحدث خلال السنوات الأخيرة، بل أصبحت التكنولوجيا وسيلة للضغط على الدول أثناء الحرب كما نرى الآن فيما يفعله الغرب بروسيا، وفي نفس الوقت لا تخشى الصين حظر الغرب لخدماته ومنتجاته، ويقترب غزوها لتايوان يوماً بعد يوم، ولا يمعنعها من هذا سوا الوقت!

إذاً فما خطورة الاعتماد على تكنولوجيا الغير؟ وما الفرق بين الصين وروسيا في هذه النقطة؟ ولماذا تذكر الصين صراحةً عن نيتها لغزو تايوان دون الخوف من رد فعل الغرب؟ هذا ما سنتعرف عليه.

يبدو أن الصين كانت تدرك قوة التكنولوجيا جيداً منذ البداية!

الصين

عند ذكر اسم الصين في أي محتوى، غالباً ما تتشكل لدى المتلقي صورة نمطية لدولة نامية ذات تعداد سكاني ضخم، منغلقة نسبياً عن الغرب للسيطرة على هذا التعداد، وتتبع نظام قبضةً حديدة في الاقتصاد، ويتم تصنيع شيء “من الإبرة إلى الصاروخ” كما يُقال. هذه صورة صحيحة لكنها ليست كاملة فالصين لها أسباب جدية وبُعد نظر في سياستها التي تفيدها حالياً. اتبعت الصين منذ سيطرة الحزب الشيوعي نظام اقتصادي جديد يسعى لإقامة دولة صناعية بعد آلاف السنين من الاعتماد على الزراعة، وبعد عدة عقود بدأت الصين تستقطب كبرى الشركات للتصنيع على أرضها بعمالة رخيصة ذات كفاءة عالية، وهذا جعلها مركز صناعي مهم تتجنب معظم الدول إغضابه.

الصين

بعد تفكك الاتحاد السوڤييتي وانحسار الشيوعية وسيطرة الغربية الرأسمالية وظهور الإنترنت، أدركت الصين أن الطريقة المثلى للتغلب على انتشار الثقافة الغربية هو غلق الباب بوجهها من الأساس، ولهذا وضعت كثيراً من الإجراءات والشروط تخضع بها الشركات الغربية مثل ضرورة وجودها الفعلي في الدولة وعدم خروج بيانات المواطنين عن الدولة، وإلا منعتها دخول البلاد تماماً. نذكر من الشركات الملتزمة بشروط الصين LinkedIn التابعة لـMicrosoft. في نفس الوقت قامت الحكومة الصينية بإنشاء وتشجيع المواقع والتطبيقات المحلية كبديل لكل ما هو غربي:

  • تطبيق المواصلات DiDi بديل Uber
  • محرك بحث Baidu بديل Google
  • تطبيق التواصل Weibo بديل Twitter
  • تطبيق التواصل Renren بديل Facebook
  • تطبيق الفيديوهات YouKu بديل YouTube
  • Tenecnt QQ بديل Yahoo
  • متجر Taobao بديل Ebay
  • متجر AliExpress بديل Amazon
  • وسيلة دفع Alipay بديل PayPal

لدى الصين شركات تكنولوجيا عملاقة مثل Alibaba Group، و Hauwei، و Xiaomi، و Tencent. كما أن لديها وكالة للفضاء. أيضاً الصين من أوائل الدول التي توصلت إلى تقنية 5G، كما أنها تقود العالم حالياً في بحوث تقنية 6G. الصين لديها القدرة على تصنيع أي شيء تقريباً ومعظم شركات العالم تقوم بتصنيع منتجاتها بها للعمالة الوفيرة والرخيصة نذكر منها Apple و Google و Samsung و Microsot. لهذا فإن الصين قوة صناعية وتكنولوجية عظمى لا تخشى تهديداً، بل لديها قدرات تؤهلها لتهديد العالم بأكمله!

ما البدائل التي تملكها روسيا للتكنولوجيا الغربية؟

روسيا

لا تملك روسيا بدائل كثيرة للتكنولوجيا الغربية، وأشهر هذه البدائل محرك بحث Yandex بديل Google وتطبيق Telegram بديل Whatsapp وخدمة البريد الإلكتروني VK بديل Gmail وخدمة الخرائط 2GIS بديل Google Maps، ولديها أيضاً وكالة فضاء محلية. لكن هل هذه البدائل كافية مقارنةً بالخدمات الغربية؟ بالطبع لا تكفي بدائل روسيا، كما أنها لا تقوم بالتصنيع للشركات العالمية للرد على أي منع، وهنا المأزق لأن المواطنين الروس بحاجة إلى الخدمات الغربية حقاً!

روسيا

منعت Apple و Google خدمات الدفع الخاصة بهما مما تسبب في تعطل المرافق العامة مثل محطات المترو وازدحامهما لفشل منظومة الدفع الرقمية، كما أعلنت Microsoft عن إزالة بعض التطبيقات الروسية من متجرها، وما قامت به Meta و Twitter من تضييق للخناق على روسيا تسبب في عزلتها بشكل كبير عن العالم، ماذا عن الترفيه؟ حظر Youtube و Netflix و TikTok وإزالة EA للفرق الروسية والبيلاروسية من ألعاب FIFA، والأشد من هذا كله حظر منتجات كبرى شركات الحواسيب وأشباه الموصلات من TSMC و Intel و AMD و Dell، وتطالب أوكرانيا الآن بحظر منصات Playstation و Xbox و Nitendo عن روسيا، وهناك العديد من الشركات الأخرى التي قامت بحظر منتجاتها والقائمة في تزايد مستمر!

التبعية الغربية جرس إنذار للشعوب العربية:

روسيا, الصين

الصين وروسيا من الدول الخمس الكبرى وأصحاب العضوية الدائمة بمجلس الأمن، فهي دول متقدمة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فعندما نقول أن هاتين الدولتين تتعرضا للابتزاز من الغرب، تخيل معي ما سيحدث لإحدى الدول العربية إن تعارضت سياستها مع سياسات الغرب! وليس الأمر بالبعيد فقد منعت الولايات المتحدة عدة تطبيقات عن سوريا كعقوبات اقتصادية، بالطبع ستُشل مصالح مواطني هذه الدول.

قد يتعجب أحد الأشخاص مما أقوله قائلاً: “هناك الكثير من الدول تعتمد تماماً على الخدمات الغربية مثل كوريا الجنوبية وتايوان واليابان، ولم تتعرض للابتزاز”، عزيزي القارئ هذه الدول أخذت بالثقافة والنظم الغربية ولن تتعارض مصالحها في الوقت القريب مع الغرب لأنها حليفة له، أما في منطقتنا العربية فالموضوع أكثر تعقيداً بكثير فهناك الكثير من الاختلافات والمصالح المتعارضة، ولهذا فإن منع الغرب لمنتجاته عن الدول العربية أمر وارد، ويجب أخذ جميع الاحتياطيات اللازمة تجهزاً لهذا اليوم.

ليس معنى ما أقوله أن نعتمد على خدمات روسيا والصين، فهذه الدول أيضاً قد تفعل نفس ما يفعله الغرب، وتبتز دولنا بمنتجاتها، ولكن أعني أن تقوم الدول العربية بعمل بدائل لكل ما هو غربي، وهذا يتطلب تشجيع المُصنع والمُطور والفني المحلي، والتمسك بالثقافة والهوية العربية، والتخلي عن استخدام منتجات الغرب شيء فشيء، وكلما فكرت في صعوبة تنفيذ هذا الشيء فتذكر أن الشعب الروسي يعاني الآن من العقوبات الغربية!

اقرأ أيضاً:

Mohamed Tahazohier

رئيس قسمي التقنية والهاردوير في Games Mix ومدير محتوى بفروعها. خبرة تفوق 5 سنوات في التقنية وخصوصاً الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب. مهتم بصناعة الألعاب، ومحب لألعاب الشوتر والخيال العلمي. مؤسس صفحة تطبيقك على فيسبوك.
زر الذهاب إلى الأعلى