في سبتمبر من العام 2023، قام الاتحاد الأوروبي بتغريم ByteDance الشركة الأم لتطبيق TikTok مبلغ 345 مليون يورو لمخالفتها لائحة حماية البيانات الأوروبي. السبب؟ استخدامها أساليب مضللة للأطفال في تصميم واجهة التطبيق، ودفعهم بشكلٍ غير قانوني للضغط على خيارات معينة. بعبارةٍ أخرى، بسبب استخدامهم ما يعرف بـ الأنماط المظلمة.

لم تكن الشركة الصينية أولى الشركات المعاقبة بسبب استخدامها هذا الأسلوب، بل سبق ذلك أحكام قضائية بحق عمالقة التكنولوجيا مثل جوجل، ميتا وأمازون، وهي شركاتٌ نقضي من الوقت على تطبيقاتها ساعاتٍ عدة يومياً!
فما هي تلك الأنماط المظلمة؟ وكيف نتعرض لها عدة مراتٍ يوميا؟ والأهم من ذلك؛ كيف نتجنب التأثر بها؟
الأنماط المظلمة
وتُعرَف أيضاً باسم بالأنماط الخداعة. وهي تصميمٌ لواجهات التطبيق أو الموقع بطريقةٍ مخصصّة لدفع المستخدم لاتخاذ خياراتٍ لم يكن ينوي فعلها في المقام الأول. بصيغةٍ أخرى؛ هي استخدام طرقٍ ملتوية في التصميم لخداع المستخدم.
تبلور مصطلح الأنماط المظلمة بداية عام 2010، وتوسع استخدامه كثيرا منذ ذلك الحين. فحسب تقرير الشبكة الدولية لحماية المستهلك (ICPEN) بتعاون مع هيئة التجاربة الأمريكية الصادر عام 2024، فإن 76% من المواقع المدروسة استخدمت نمطاً مظلماً واحداً أو أكثر.
معظم الأنماط المظلمة كانت ضمن استراتيجية الإخفاء، وهي تأجيل أو عدم عرض معلومةٍ ما للتأثير على قرار المستخدم بالشراء. فمثلاً يضيف الموقع تلقائياً غرضاً إلى السلة بسعرٍ زهيد ويصعّب عملية إعادته، ما يؤدي إلى ضجر المستخدم والرضى به اختصاراً للوقت

بالعودة إلى قضية Tiktok آنفة الذكر، اتهمت المحكمة التطبيق باستخدام أساليب خدّاعة لدفع المستخدمين -خصوصاً الأطفال- لاختيار إعداداتٍ معينة تتعلق بالخصوصية للمنشورات والحسابات المنشأة حديثاً، إذ وضعت الخيار الافتراضي للمنشورات كـ “عام”، ووضعت الخيارات التي تؤدي لخصوصية أكبر للمنشورات بخطٍ أصغر، وإخفاءها خلف تركيباتٍ لغوية معقدة لإرباك المستخدم.
اعتمدت الشركة في ذلك على نمطٍ مظلم آخر يدعى Preselection، وهو استغلال ظاهرة نفسيةٍ تدعى (Default effect)، حيث يميل الأشخاص إلى عدم تغيير الخيارات المحددة مسبقاً، وهو من الأساليب الشائعة في الفترة الأخيرة.
قد تبدو تلك الأنماط بسيطةً وغير مضرة، إلا أن أثرها يتجاوز ما نراه للوهلة الأولى، فهي تعتمد على أساليب نفسية وبصرية تدفع المستخدم لاختيار ما تريده الشركة بقناعةٍ وهمية، وبالتالي الربح من خلال التلاعب.
لتفسير ذلك أكثر، نرفق لكم هذه الصورة لنافذةٍ منبثقة تظهر لمستخدمي TikTok عند إنشاء حسابٍ جديد، وتطلب منهم إعطاء صلاحية دخول إلى حساب فيسيوك و البريد الالكتروني الخاص بالمستخدم.

نلاحظ بدايةً أن الكلام التوضيحي مكتوبٌ بلونٍ يجعل القراءة أصعب من العادة، ويتضمن السماح بصلاحياتٍ عدةٍ في آن واحد. يتبع ذلك كلامٌ عموميّ مبهم يتعلق بـ “تخصيص الإعلانات”.
هذا إضافةً إلى تبسيط الصيغة قدر الإمكان؛ فكلمة “إعطاء الصلاحية للبريد الإلكتروني” قد تشمل الاسم أو عناوين الرسائل أو المحتويات أو كل ما سبق، وهذا يوقع المستخدم في الحيرة
إلا أن أوضح ما يمكن اعتباره نمطاً مظلماً هو قائمة الخيارات، إذ وُضعَ خيار “القبول” بخطٍ عريض، بينما تم وسم خيار الرفض بلونٍ أقل درجة. يمكنكم الاطلاع على تحليلٍ أوسع هنا.
كان هذا مثالاً صعباً نوعاً ما، إلا أن الأمثلة الواضحة منتشرةٌ كل الانتشار على الانترنت، وتستعملها جميع الأطراف بدايةً من كبرى الشركات وصولاً إلى الشركات النامية التي تطلق ألعاباً بطابعٍ استغلالي. ونذكر لكم بعضاً من أشهر الأنماط المظلمة:
1- الخصوصية المضلِّلة Privacy Deception:

وتُعرَف أيضاً باسم Privacy Zuckering نسبةً لـ Mark Zuckerberg مؤسس شركة Meta، والتي تعرف باستخدامها لهذا النمط المظلم بشكلٍ متكرر، فمثلاً في عام 2019 قامت شركة Meta بإتمام تسوية لهيئة التجارة الفيدرالية في الولايات المتحدة بقيمة 5 مليار دولار، وذلك بعد اكتشاف أن الشركة تستدرج المستخدمين لإضافة رقم تحقق لحماية خصوصيتهم، إلا أنها تستغله فيما بعد لتخصيص إعلانات وترشيح الأصدقاء لهم.
2- الإجبار على الاستمرارية Forced Continuity:
شائعة بين التطبيقات التي تعتمد على الاشتراكات الشهرية، ويقوم مبدؤها على إقناع المشترك بالتسجيل لفترةٍ مجانيةٍ في الخدمة، ثم اقتطاع مبلغ الاشتراك بمجرد انتهاءها ودون إعلام المشترك مسبقاً. تُعدّ Netflix من أشهر الشركات التي استعملت هذا الأسلوب

3- الضغط Pressure:
تتمثّل بوضع ضغط وهمي على المستخدم لإيهامه أن هناك فرصة على وشك أن تضيع منه، كوضع عدادٍ تنازليّ وهمي بجانب الإعلان.

4- الأسئلة المحيِّرة Trick Questiosns:
صياغة الإعلانات بطريقةٍ تثير حيرة المستخدم لدفعه لاختيار قرارٍ خاطئ. كذلك غالباً ما تتضمن الصيغة النفي عدة مرات حتى لا يعلم المستخدم ما الجواب الذي يضغط عليه فعلاً.

ما أسباب انتشار الأنماط المظلمة؟
ولا بد من التفصيل في أسباب انتشار هذه الأنماط لمعرفة كيفية مكافحتها، ونذكر منها:
- غياب الرقابة القانونية الفعالة في معظم دول العالم
- قلة المحتوى التوعويّ خصوصاً باللغة العربية
- الرغبة بالربح السهل

التأثير السلبي للأنماط المظلمة:
إن التأثير السلبي للأنماط المظلمة لا يقتصر على كونه أداةً رخيصة للخداع فحسب، بل يتعدى إلى:
- انتشار المحتوى الرخيص
- انتشار الأمية الرقمية
- استغلال الأطفال وكبار السن
ما هو دورنا كمستخدمين؟
نصيحتنا لك هو ألا تستهين بدورك كمستخدم للانترنت، فأنت عضوٌ فعال ومساهم كما أن الأنماط المظلمة موجهةٌ لك خصيصاً. التطبيع مع تلك الأفعال لن يؤدي إلا إلى مزيد إلى المشاكل، لذا فالواجب هو إنكارها والإبلاغ عنها أياً كان مكان وجودها.
التوعية بالأنماط المظلمة هو خيارٌ فعال، وهو ما يجب أن يفعله كل فردٍ منا مع دائرته المقربة لتجنب حصول ما لا يُحمَد عقباه.
الخلاصة
الأنماط المظلمة ظاهرةٌ خطيرةٌ آخذة بالانتشار على منحىً غير مسبوق، مسببةً مشاكل كبيرة للمستخدمين والشركات على حد سواء. معرفة أسبابها ومساوئها إضافةً إلى طرق مكافحتها مهم للغاية لحماية أنفسنا من خداع الشركات.